( مَكِّيَّة )
بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١)
(كَيْفَ) في موضع نصب ب (فَعَلَ رَبُّكَ) لا بِ (أَلَمْ تَرَ) ، لأن كيف
من حروف الاستفهام.
ومعنى (أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم ، فأَعلم اللّه - عزَّ وجلَّ - رسوله
ما كان مما سَلَفَ من الأقاصيص وما فيه دَالٌّ على توحيد اللّه وتعظيمه أمر
كعبته ، وكان من قصة أصحاب الفيل أنَّ قوماً من العرب - وكانوا ببلاد
النجاشي - وكانوا بحضرة بيت هو مصَلَّى للنَّصَارَى وأصحاب النجاشي.
فأججوا ناراً استعملوها لبعض ما احتاجوا إليه ، ثم رحلوا ولم يطفئوها فحملتها الريح حتى أَحْرَقَتِ البَيْتَ الذي كان مصلاهم وَمَثَابة للنجاشي وَأَصْحَابِه ، فقصد مكة مقَدِّراً أَن يَحرقَ بيت الحَرَامَ ويستبيح أهل مكة.
فلما قربوا من الحرم لَمْ تَسِرْ بهم دَوَابهم نحو البيتِ فإذا عطفوها راجعين سَارَتْ.
فوعظهم اللّه بأَبْلَغ مَوْعظةٍ ، فأقاموا على قصد البيت وعلى أن يحرقوه ، فأرسل اللّه عليهم طَيراً أَبابيل ، فجعل كيدهم في تضليل ، أي في ذهاب وهلاك ، وكان مع كل طائر ثلاثة أحجار ، حجر في منقاره وحَجران في رجليه ، يقع الحجر منها على رأس الرجل فيخرج من دبره على كل حجر اسم الرجل الذي وقع عليه ، فقال اللّه جل ثناؤه :
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣)
جماعات من ههنا وجماعات من ههنا
والمعنى أرسل اللّه عليهم هذا الطير بهذه الحجارة من كل جانب .
ومعنى (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤)
وصف اللّه في كل من عَذَبه بالحجارة أَنَها مِنْ سِجِّيلٍ ، فقال في قوم
لُوطٍ : (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ).
فالمعنى وأرْسَل عليهم ما يرميهم بحجارة مِنْ سِجِّيلٍ ، أي من شديد
عَذَابه ، والعرب إذا وصفت المكروه بسِجِيلٍ كأنها تعني به الشدَّةَ ولا يوصف
بهء غير المكروه.
قال الشاعر.
وَرَجْلَةً يَضْرِبُونَ البَيْضَ عَنْ عُرُضٍ . . . ضرباً تواصَتْ به الأبطالُ سِجِّيلَا
أَيْ ضَرْباً . شَدِيداً.
وأما (أبابيل) قال أبو عُبَيدَةَ : لا واحد لها ، وقال غيره : إبَّالةُ وَأَبابيل.
و (إبَّالَة) كأنَّها جماعة ، وقَالَ بَعْضُهم واحدها " إبَّوْل " وأبابيل ، مثل عجول
وعجاجيل.
* * *
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)
أي جعلهم كَوَرَقِ الزَّرْعِ الذي جَفَّ وأُكل : أي : وقع فيه الأُكال.
وجاء في التفسير أن اللّه تعالى أرسل عليهم سيلًا فحملهم إلى البحر .