مدنية
بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١)
إذا حركت حركة شديدة ، والقراءة (زِلْزَالَها) بكسر الزاي ، ويجوز في
الكلام زَلْزَالَها ، وقرئت (زَلْزَالَها) ، وليس في الكلام فَعْلَال بفتح الفَاء إلا في
المضاعف نحو الزلزال والصلْصَال.
والاختيارُ كَسرِ الزاي ، والفتح جائز.
* * *
(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢)
أخرجت كُنوزها وموتاها
* * *
(وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣)
هذا قول الكافِرِ لأنه لم يكن يؤمن بالبعث ، فقال : مَا لَها ، أي لأي شيء
زلزالها.
* * *
(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)
(يَوْمَئِذٍ) منصوب ب (إِذَا زُلْزِلَت) ، وأخرجت ، في ذلك اليوم
ومعنى (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) ، [تخبرُ] بما عُمِلَ عَليها.
* * *
(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (٦)
أي يَصْدُرون متفرقينَ منهم من عمْل صالحاً ومنهم من عمل شَرًّا
والقراءة (لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ)
وُيرْوَى (لِيَرَوْا أَعْمَالَهُمْ) ، ولا أعلم أَحَداً قرأ بها.
ولا يجوز أن يقرأ بما يجوز في العربية إذا لم يقرأ به من أُخِذَت عَنْهُ القراءة.
* * *
ومعنى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)
تأويله أن اللّه جلَّ وعزَّ قد أحصى أعمال العباد من خَيرٍ ، وكل يرى عمله ، فمن أَحَبَّ اللّه أن يغفر له غَفَر له.
ومن أحب أَنْ يُجَازِيَه جَازَاهُ.
وقيل مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ في الدنيا.
وكذلك شَرُّا يره في الدنيا (١). واللّه أعلم.
__________
(١) قال السَّمين :
خَيْراً ، شَرّاً : في نصبِهما وجهان ، أظهرهما : أنهما تمييز للمِثْقال فإنه مقدارٌ . و
الثاني : أنهما بدلان مِنْ « مثقالَ »
يَرَهُ جوابُ الشرط في الموضعين . وقرأ هشام بسكونِ هاء « يَرَهْ » وَصْلاً في الحرفَيْن . وباقي السبعةِ بضمِّها موصولةً بواوٍ وَصْلاً ، وساكنةً وَقْفاً كسائرِ هاءِ الكنايةِ ، هذا ما قرَأْتُ به . ونَقَل الشيخُ عن هشام وأبي بكر سكونَها ، وعن أبي عمرو ضمُّها مُشْبعة ، وباقي السبعةِ بإشباعِ الأولى وسكونِ الثانية . انتهى . وكان ذلك لأجلِ الوقفِ على آخرِ السورةِ غالباً . أمَّا لو وَصَلوا آخرَها بأولِ « العادِيات » كان الحكمُ الإِشباعَ هذا مقتضى أصولِهم كما قَدَّمْتُه وهو المنقولُ.
وقرأ العامَّةُ « يَرَهُ » مبنياً للفاعلِ . وقرأ ابن عباس والحسين بن علي وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية « يُرَه » مبنياً للمفعول . وعكرمة « يَراه » بالألفِ : إمَّا على تقديرِ الجزمِ بحَذْفِ الحركةِ المقدرة ، وإمَّا على تَوَهُّمِ أنَّ « مَنْ » موصولةٌ ، وتحقيق هذا مذكورٌ في أواخِر يوسف . وحكى الزمخشري أن أعرابياً أَخَّر « خيراً يَرَهُ » فقيل له : قَدَّمْتُ وأَخَّرْتَ ، فأنشد :
٤٦١٥ خذا بَطْنَ هرشى أوقَفاها فإنَّه . . . كِلا جانِبَيْ هرشى لَهُنَّ طريقُ
انتهى . يريدُ أنَّ التقديمَ والتأخيرَ سواءٌ ، وهذا لا يجوزُ ألبتَّةََ فإنه خطأٌ لا يُعْتَقَدُ به قراءةً.
والذَّرَّة قيل : النملةُ الصغيرةُ . وأصغرُ ما تكونُ قضى عليها حَوْلٌ قال امرؤ القيس :
٤٦١٦ من القاصراتِ الطَرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ . . . من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا
اهـ (الدُّرُّ المصُون).