( مَكِّيَّة )
بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)
أي شرحناه للإسلام.
* * *
(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢)
أي وضعنا عنك إثمك أن غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
* * *
(الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)
جعل ذكر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - مقروناً بذكر توحيد اللّه في الأذان وفي كثير مما يذكر اللّه جلَّ وعزَّ ، يقول فيه : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، أشهد أن محمداً رسول اللّه.
* * *
و (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥)
فذكر العسر مع الألف واللام ثم ثَنَّى ذكره ، فصار إنَّ مع العُسْرِ
يُسْريْنِ ، وقال النبي عليه السلام : لا يغلب عسر يُسْرَين.
وقيل : لو دخل العسر جحراً لدخل اليسر عليه ، وذلك أن أصحاب النبي - صلى اللّه عليه وسلم - كانوا في ضيقٍ شديدٍ.
فأعلمهم اللّه أنهم سَيُوسِرونَ وأن سَيُفْتَح عَلَيْهِمْ.
وَأَبْدَلَهمْ بالعُسْرِ اليُسْرَ (١).
* * *
و (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)
أي اجْعَل رغبتك إلى اللّه وحده.
__________
(١) قال السَّمين :
فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً : العامَّةُ على سكونِ السين في الكلم الأربع ، وابن وثاب وأبو جعفر وعيسى بضمِّها . وفيه خلافٌ . هل هو أصلٌ ، مثقلٌ من المسكِّن؟ والألفُ واللامُ في « العُسر » الأولِ لتعريف الجنس ، وفي الثاني للعهدِ؛ ولذلك رُوِيَ عن ابن عباس : « لن يُغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن » ورُوي أيضاً مرفوعاً أنه عليه السلام خرج يضحك يقول : « لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ » والسببُ فيه : أنَّ العربَ إذا أَتَتْ باسمٍ ثم أعادَتْه مع الألفِ واللامِ ِكان هو الأولَ نحو : « جاء رجلٌ فأكرمْتُ الرجلَ » وكقولِه تعالى : كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فعصى فِرْعَوْنُ الرسول [ المزمل : ١٥١٦ ] ولو أعادَتْه بغير ألفٍ ولامٍ كان غيرَ الأول . ف إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً لَمَّا أعاد العُسْرَ الثاني أعادَه بأل ، ولَمَّا كان اليُسْرُ الثاني غيرَ الأولِ لم يُعِدْه ب أل.
وقال الزمخشري : « فإنْ قلتَ ما معنى قولِ ابن عباس؟ وذكرَ ما تقدَّم . قلت : هذه عَمَلٌ على الظاهرِ وبناءٌ على قوةِ الرجاءِ ، وأنَّ موعدَ اللّه لا يُحْمل إلاَّ على أوفى ما يحتملُه اللفظُ وأَبْلَغُه ، والقولُ فيه أنه يحتمل أَنْ تكونَ الجملةُ الثانيةُ تكريراً للأولى ، كما كرَّر وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [ المرسلات : ١٥ ] لتقريرِ معناها في النفوسِ وتمكينِها في القلوب ، وكما يُكَرَّر المفرد في قولك : » جاء زيدٌ زيدٌ « وأَنْ تكونَ الأولى عِدَةً بأنَّ العُسْرَ مُرْدَفٌ بيُسْرٍ لا مَحالَةَ ، والثانيةُ عِدَةً مستأنفةٌ بأنَّ العُسْرَ متبوعٌ بيسرٍ ، فهما يُسْران على تقديرِ الاستئناف ، وإنما كان العُسْرُ واحداً لأنه لا يخلو : إمَّا أَنْ يكونَ تعريفُه للعهدِ وهو العسرُ الذي كانوا فيه فهو هو؛ لأنَّ حكمَه حكمُ » زيد « في قولك : » إنَّ مع زيد مالاً ، إنَّ مع زيد مالاً « وإمَّا أَنْ يكونَ للجنسِ الذي يَعْلَمُه كلُّ أحدٍ فهو هو أيضاً ، وأمَّا اليُسْرُ فمنكَّرٌ مُتَناولٌ لبعض الجنسِ ، وإذا كان الكلامُ الثاني مستأنفاً غيرَ مكررٍ فقد تناوَلَ بعضاً غيرَ البعضِ الأولِ بغيرِ إشكال ».
وقال أبو البقاء : « العُسْرُ في الموضعَيْنِ واحدٌ؛ لأنَّ الألفَ واللامَ توجبُ تكريرَ الأولِ ، وأمَّا » يُسْراً « في الموضعَيْنِ فاثنانِ ، لأنَّ النكرةَ إذا أُريد تكريرُها جيْءَ بضميرِها بالألفِ واللام ، ومن هنا قيل : » لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن « وقال الزمخشري أيضاً : » فإنْ قلتَ : إنَّ « مع » للصحبة ، فما معنى اصطحابِ اليُسْرِ والعُسْرِ؟ قلت : أراد أنَّ اللّه تعالى يُصيبُهم بيُسرٍ بعد العُسْرِ الذي كانوا فيه بزمانٍ قريبٍ ، فَقَرُبَ اليُسْرُ المترقَّبُ حتى جَعَله كأنَّه كالمقارِنِ للعُسْرِ ، زيادةً في التسلية وتقويةً للقلوب « وقال أيضاً : فإنْ قلتَ ما معنى هذا التنكير؟ قلت : التفخيمُ كأنه قيل : إنَّ مع العُسْر يُسْراً عظيماً وأيَّ يُسْرٍ؟ وهو في مُصحفِ ابن مسعودٍ مرةٌ واحدٌ . فإنْ قلتَ : فإذا ثَبَتَ في قراءتِه غيرَ مكررٍ فلِمَ قال : » والذي نفسي بيده لو كان العُسْرُ في جُحْرٍ لطَلَبه اليُسْرُ حتى يَدْخُلَ عليه ، لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن « قلت : » كأنه قَصَدَ باليُسْرين ما في قوله « يُسْراً » مِنْ معنى التفخيم ، فتأوَّله ب « يُسْرِ الدارَيْن » وذلك يُسْران في الحقيقة «.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).