سُورَةُ الْفَجْرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثُونَ آيَةً

( مَكِّيَّة )

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله عزَّ وجلَّ : (وَالْفَجْرِ (١)

الفجر انفجار الصبح من الليل ، وجواب القسم (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)

* * *

٢

(وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢)

ليالي عشر ذي الحجة.

* * *

٣

(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣)

(وَالْوِتْرِ)

قرئَت (وَالْوَتْرِ) بفتح الواو ، والوَتْرِ يوم النحر ، والوتر يوم عرفة

وقيل الشفع والوتر الأعداد ، والأعداد كلها شفع ووتر.

وقيل : (الْوَتْرِ) اللّه عزَّ وجلَّ ، الواحد.

و (الشَّفْعِ) جميع الخلق ، خلِقوا أزواجاً.

* * *

٤

(وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤)

إذا مَضىَ . سَرَى يَسْرِي ، كما قال - عزَّ وجلَّ :

(وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ).

وَ (يَسْرِ) حذفت الياء لأنها رأس آية.

وقد قرئت (والليل إذَا يَسْري) بإثبات الياء.

واتباع المصحف وحذف الياء أَحَبُّ إليَّ لأن القراءة بذلك أكثر.

ورُووس الآي فَوَاصِلُ تحذف معها اليَاءَات وتدل عليه الكسرات (١).

* * *

٥

وقوله عزَّ وجلَّ : (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥)

أي لذي عَقْل وَلُبٍّ ، ومعنى القسم توكيد ما يَذْكُر وتصحيحه بأن يُقْسِم

__________

(١) قال السَّمين :

  إِذَا يَسْرِ  : منصوبٌ بمحذوفٍ هو فعلُ القسم ، أي : أُقْسِم به وقتَ سُراه . وحَذَفَ ياءَ « يَسْري » وَقْفاً ، وأثبتها وصلاً ، نافعٌ وأبو عمروٍ ، وأثبتها في الحالَيْنِ ابنُ كثير ، وحَذَفَها في الحالين الباقون لسقوطِها في خَطِّ المصحفِ الكريم ، وإثباتُها هو الأصلُ لأنها لامُ فعلٍ مضارعٍ مرفوعٍ ، وحَذْفُها لموافقةِ المصحفِ وموافقةِ رؤوسِ الآي ، وجَرْياً بالفواصلِ مَجْرى القوافي . ومَنْ فَرَّقَ بين حالَتَيْ الوقفِ والوصلِ فلأنَّ الوقفَ محلُّ استراحةٍ . ونَسَبُ السُّرى إلى الليل مجازٌ؛ إذ المرادُ : يُسْرَى فيه ، قاله الأخفش . وقال غيره : المرادُ يَنْقُصُ ك  إِذْ أَدْبَرَ  [ المدثر : ٣٣ ] ،  إِذَا عَسْعَسَ  [ التكوير : ١٧ ].

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

٦

و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦)

قيل هما عادان عاد الأولى وَهي إرَم ، وعاد الأخيرة ، وقيل إرم أبو عاد.

وهو عاد بن إرم ، وقيل إرم اسم لبلْدَتِهِمْ التي كانوا فيها.

وإرم لم تنصرف لأنها جعلت اسماً للقبيلة ، فلذلك فتحت

وهي في موضع جَرٍّ.

* * *

٧

و (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧)

أي ذاتِ الطُولِ ، يقال رجل معمَّد إذا كان طويلًا.

وقيل (ذَاتِ الْعِمَادِ)

ذات البناء الطويل الرفيع.

* * *

٩

و (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩)

جابوا : قطعوا ، كما قال عزَّ وجلَّ - (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ).

* * *

١٠

(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (١٠)

فِرْعَون لم ينصرف لأنه أعجمي ، وقيل (ذِي الْأَوْتَادِ) ، لأنه كان له أربَعُ

أَسَاطِين ، إذا عاقَب الانْسَانَ ربط منه كل قائمة إلى اسطوانة من تلك

الأساطين.

ومعناه ألم تر كيف أهلك ربُّك هذه الأمم التي كذبت رُسُلَها.

وكيف جعل عقوبتها أن جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب فقال :

١٣

(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣)

* * *

١٤

وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)

أي يرصدا من كفر به وعبد غيره بالعذاب.

* * *

١٥

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥)

والمعنى إذا ما اختبره رَبُّهُ وَأَوْسَعَ عَليه فيقول رَبِّي أَكْرَمَنْ .

١٦

(وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦)

أي جعل رزقه مَقدَّراً.

(فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا).

أي ليس الأمر كما يظن الِإنسانُ ، وهَذَا يُعْنَى به الكافِرُ الذي لا يؤمِنُ

بالبَعْثِ ، وإنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الحظ في الدنيا ، وَصِفَةُ المْؤمِنِ أنَ

الإكرَام عنده توفيق اللّه إياه أي ما يؤديه إلى حَظِّ الآخرةِ.

* * *

١٨

(كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨)

(وَلَا تَحُضُّونَ)

وَيُقْرَأ (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ).

وكانوا يأكلون أَمْوالَ اليَتامَى إسرافاً وَبِدَاراً فقال :

* * *

١٩

(وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩)

((وَيَأْكُلُونَ)

أي تراث اليتامى (لَمًّا) يُلِمُّون بِجَمِيعِه.

* * *

٢٠

و (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠)

أي كثيراً ، والتزاث أصله الوُراث من وَرِثْتُ ، ولكن التاء تبدل من الوَاوِ

إذَا كَانَتِ الواوُ مَضْمُومَةً ، نحو تُراث وأصله وُرَاث ونحو تجاه وأصله وجاهِ من

وَاجَهْتُ.

* * *

٢١

و (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١)

إذا زلزلت فَدَكَّ بعضُهَا بَعْضاً.

* * *

٢٢

(وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)

والمعنى والملائكة كما قال جل ثَنَاوةُ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّه فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ).

٢٣

و (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣)

كما قال : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ).

وقيل في التفسير جيء بجهنم تقَادُ بألف زِمَام كل زمام في أيدي سبعين ألف مَلَكٍ.

* * *

(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ)

يَوْمَئِذٍ يُظْهِر الإنْسَانُ التَّوْبَةَ.

(وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)

أي ومن أين له الذكرى ، أي التوبة.

* * *

٢٤

(يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤)

أي لدار الآخرة التي لَا مَوْتَ فِيهَا.

* * *

٢٥

(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥)

(لَا يُعَذَّبُ)

 لَا يُعذًبَ عَذَابَ هذا الكافِرِ

وعذاب هذا الصِّنْفَ مِنَ الكفار أحَدٌ.

* * *

٢٦

(وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)

ومن قرأ (لَا يُعَذِّبُ) ، وهو أكثر القراءة ، فالمعنى لا يَتَوَلَّى يوم القيامَةِ

عذاب اللّه أَحَدٌ ، الملك يومئذ للّه وَحْدَه - جلَّ وعزَّ.

وقيل لا يعذب عَذَابه أَحَدٌ ، أي عذاب اللّه أَحَدٌ ، فعلى هذا لا يُعَذِبُ أحَدٌ في الدنيا عَذَاب اللّه في الآخرة (١).

* * *

٢٧

و (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)

" أيُّ " تؤنث إذا دعوت بِها مؤنًثاً وَتذَكَّرُ ، تقول : يَا أَيَّتُهَا المرأة.

وإن شئت يَا أَيُّهَا المرْأةُ ، فمن ذكَره فلأنَّ (أَيَّا) مبْهَمَةٌ ومن أنَّث فَلأنَّها مع إبْهَامِهَا قد لزمها الإِعراب والإِضافة.

وزعم سيبويه أن بعض العرب تقول كُلتُهُنَّ في كلُهُنَّ.

والمطمئنة التي اطمأنت بالإيمان وأخبتت إلَى رَبِّهَا.

* * *

٢٨

(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)

__________

(١) قال السَّمين :

  لا يُعَذِّبُ  : قرأ الكسائي « لا يُعَذَّبُ » و « لا يُوْثَقُ » مبنيين للمفعولِ . والباقون قرؤُوهما مبنيَّيْن للفاعل . فأمَّا قراءةُ الكسائي فأُسْنِد الفعلُ فيها إلى « أحد » وحُذِفَ الفاعلُ للعِلْم به وهو اللّه تعالى  الزَّبانيةُ المُتَوَلُّون العذابَ بأمرِ اللّه تعالى . وأمَّا عذابه ووَثاقه فيجوزُ أَنْ يكونَ المصدران مضافَيْن للفاعلِ والضميرِ للّه تعالى ، ومضافَيْنِ للمفعول ، والضميرُ للإِنسانِ ، ويكون « عذاب » واقعاً موقع تَعْذيب . والمعنى : لا يُعَذَّبُ أحدٌ تعذيباً مثلَ تعذيبِ اللّه تعالى هذا الكافرَ ، ولا يُوْثَقُ أحدٌ توثيقاً مثلَ إيثاقِ اللّه إياه بالسَّلاسِلِ والأغلالِ ،  لا يُعَذَّبُ أحدٌ مثلَ تعذيبِ الكافرِ ، ولا يُوْثَقُ مثلَ إيثاقِه ، لكفرِه وعنادِه ، فالوَثاق بمعنى الإيثاق كالعَطاء بمعنى الإِعطاء . إلاَّ أنَّ في إعمالِ اسمِ المصدرِ عملَ مُسَمَّاه خلافاً مضطرباً فنُقل عن البصريين المنعُ ، وعن الكوفيين الجوازُ ، ونُقل العكسُ عن الفريقَيْن . ومن الإِعمال

٤٥٧١ أكُفْراً بعد رَدِّ الموتِ عني . . . وبعد عَطائِكَ المِئَةَ الرَّتاعا

ومَنْ مَنَعَ نَصَبَ « المِئَة » بفعلٍ مضمر . وأَصْرَحُ من هذا قولُ الآخر :

٤٥٧٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فإنَّ كلامَها شفاءٌ لِما بيا

وقيل :  ولا يَحْمِلُ عذابَ الإِنسانِ أحدٌ ك  وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى  [ الأنعام : ١٦٤ ] قاله الزمخشري . وأمَّا قراءةُ الباقين فإنه أَسْنَدَ الفعلَ لفاعلِه . /

والضميرُ في « عذابَه » و « وَثاقَه » يُحتمل عَوْدُه على الباري تعالى ، بمعنى : أنَّه لا يُعَذِّبُ في الدنيا مثلَ عذابِ اللّه تعالى يومئذٍ أحدٌ ، أي : إنَّ عذابَ مَنْ يُعَذِّبُ في الدنيا ليس كعذابِ اللّه تعالى يومَ القيامةِ ، كذا قاله أبو عبد اللّه ، وفيه نظرٌ : من حيث إنه يَلْزَمُ أَنْ يكونَ « يومئذٍ » معمولاً للمصدرِ التشبيهيِّ ، وهو ممتنعٌ لتقدُّمِه عليه ، إلاَّ أن يُقالَ : يُتَوَسَّعُ فيه.

وقيل :  لا يَكِلُ عذابه ولا وَثاقَه لأحدٍ؛ لأنَّ الأمرَ للّه وحدَه في ذلك . وقيل :  أنَّه في الشدة والفظاعةِ في حَيِّزٍ لم يُعَذِّبْ أحدٌ قط في الدنيا مثلَه . ورُدَّ هذا : بأنَّ « لا » إذا دَخَلَتْ على المضارعِ صَيَّرَتْه مستقبلاً ، وإذا كان مستقبلاً لم يطابقْ هذا  ، ولا يُطْلَقُ على الماضي إلاَّ بمجازٍ بعيدٍ ، وبأنَّ « يومَئذٍ » المرادُ به يومَ القيامة لا دارُ الدنيا . وقيل :  أنَّه لا يُعَذِّبُ أحدٌ في الدنيا مثلَ عذابِ اللّه الكافرَ فيها ، إلاَّ أن هذا مردودٌ بما رُدَّ به ما قَبلَه . ويُحتمل عَوْدُه على الإِنسان بمعنى : لا يُعَذِّبُ أحدٌ من زبانيةِ العذابِ مثلَ ما يُعَذِّبون هذا الكافرَ ،  يكونُ  : لا يَحْمِلُ أحدٌ عذابَ الإِنسانِ ك  وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى  [ فاطر : ١٨ ] . وهذه الأوجهُ صَعْبَةُ المَرامِ على طالِبها من غيرِ هذا الموضوعِ لتفرُّقها في غيرِه وعُسْرِ استخراجِها منه.

وقرأ نافعٌ في روايةٍ وأبو جعفر وشَيْبة بخلافٍ عنهما « وِثاقَه » بكسر الواو.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

أَصْلُ (مَرْضِيَّةً) مَرْضوَّة أي راضية بما أتاها ، قد رُضِيَتْ وَزُكيَتْ.

* * *

٢٩

(فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩)

في جملة عبادي المصطفين.

وقرئت فادْخُلي في عَبْدي.

٣٠

 (وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)

فعلى هذه القراءة - واللّه أعلم - ادخلي إلى صاحبك الذي خَرَجْتِ

مِنه فادخُلي فيه.

والأكثر في القراءة والتفسير : (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠).