سُورَةُ الْأَعْلَى مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعَ عَشَرَةَ آيَةً

( مَكِّيَّة )

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله عزَّ وجلَّ : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)

أي نَزِّهْ ربَّك عن السوءِ وقل :

سبحان ربي الأعلى.

* * *

٢

(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢)

خلق الإنسان مستوياً ، أشهده على نفسه بأنه ربُّه.

وخلقه على الفطرة.

* * *

٣

و (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)

هداه السبيل إما شَاكِراً وَإما كَفوراً.

وقال بعض النحويين : فَهَدَى وَأَضل ولكن حذفت وأضل لأن في الكلام دليلاً عليه ، قال عزَّ وجلَّ : (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).

* * *

٥

(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥)

(أحوى) في موضع نصب حال من (المرعى)  الذي أخرج المرعى

أَحْوَى أي أخرجه أخْضَرَ يضرب إلى الحُوَّة ، والحُوَّة السَّوَادُ.

(فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) ، جفَّفَه حتى صيره هشيماً جافًّا كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل.

* * *

٧

(سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللّه إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧)

أعلم اللّه عزَّ وجلَّ أنه سيجعل للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - آيةً يتبيَّن له بها الفَضْلية بأن

جبريل عليه السلام ينزل عليه بالوحي وهو أُمِّيٌّ لا يكتب كتاباً ولا يقرْؤه.

ويقرئ أصحابه ولا ينسى شيئاً من ذلك ولا يكرر عليه الشيء.

٩

قال اللّه عز وجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩).

* * *

فأما (إِلَّا مَا شَاءَ اللّه)

فقيل إلا ما شاء اللّه ثم يذكره بعد ، وقيل إلا ما شاء اللّه أن يؤخره من القرآن (١).

* * *

١١

(وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١)

 يتجنب الذكرى الأشقى.

* * *

١٣

و (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣)

لا يموت موتاً يستريح به من العذاب ، ولا يحيا حياة يجد معها روح

الحياة.

* * *

١٤

وقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)

أي قد صادف البقاء الدائم والفوز بالنعيم.

ومعنى (تَزَكَّى) تكثَّر بتقوى اللّه ، ومعنى الزاكي النامي الكثير.

* * *

١٦

وقوله عزَّ وجلَّ : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦)

وقرئت (بَلْ يُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) بالياء.

والأجود التاء ، لأنها رويت عن أُبَيٍّ بن كعب :

بل أنتم تؤثرون الحياة الدنيا.

* * *

١٨

وقوله عزَّ وجلَّ : (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨)

يعني من  (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) إلى هذا الموضع.

وقيل بل السورة كلها.

__________

(١) قال السَّمين :

  إِلاَّ مَا شَآءَ اللّه  : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه مفرغٌ ، أي : إلاَّ ما شاءَ اللّه أن يُنْسِيَكَهُ فإنك تَنْساه . والمرادُ رَفْعُ تلاوتِه . وفي الحديث : « أنه كان يُصبح فينسَى الآياتِ ل  مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ  نُنسِهَا  [ البقرة : ١٠٦ ] . وقيل : إنَّ  بذلك القِلَّةُ والنُّدْرَةُ ، كما رُوِيَ » أنه عليه السلام أسقطَ آيةً في صلاتِه ، فحسِب أُبَيٌّ أنها نُسِخَتْ ، فسأله فقال : « نَسِيْتُها » « وقال الزمخشري : » الغَرَضُ نَفْيُ النِّسْيان رَأْساً ، كما يقول الرجل لصاحبه : أنت سَهِيْمي فيما أَمْلِكُ إلاَّ ما شاء اللّه ، ولم يَقْصِدْ استثناءَ شيءٍ ، وهو مِنْ استعمالِ القلَّة في معنى النفي « انتهى . وهذا القولُ سبقَه إليه الفراء ومكي . وقال الفراء وجماعة معه : » هذا الاستثناءُ صلةٌ في الكلام على سنةِ اللّه تعالى في الاستثناء . وليس [ ثم ] شيءٌ أُبيح استثناؤُه « . قال الشيخ : » هذا لا يَنْبغي أَنْ يكونَ في كلامِ اللّه تعالى ولا في كلامٍ فصيحٍ ، وكذلك القولُ بأنَّ « لا » للنهي ، والألفَ فاصلةٌ « انتهى . وهذا الذي قاله الشيخُ لم يَقْصِدْه القائلُ بكونِه صلةً ، أي : زائداً مَحْضاً بل  الذي ذكره ، وهو المبالغةُ في نَفْي النسيانِ  النهي عنه.

وقال مكي : » وقيل : معنى ذلك ، إلاَّ ما شاء اللّه ، وليس يشاءُ اللّه أَنْ يَنْسَى منه شيئاً ، فهو بمنزلةِ قولِه في هود في الموضعَيْنِ : خالِدِيْنَ فيها ما دامَتِ السماواتُ والأرضُ إلاَّ ما شاء ربُّك « وليس جَلَّ ذِكْرُه تَرَكَ شيئاً من الخلودِ لتقدُّمِ مَشيئتِه بخُلودِهم » . وقيل : هو استثناءٌ مِنْ قولِه  فَجَعَلَهُ غُثَآءً أحوى  . نقله مكي . وهذا يَنْبغي أَنْ لا يجوزَ ألبتَّةَ.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).