سُورَةُ الْبُرُوجِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ آيَةً

( مَكِّيَّة )

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله عزَّ وجلَّ : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١)

جواب القسم : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ).

وقيل (ذَاتِ الْبُرُوجِ)

ذات الكواكب وقيل ذات القصور لقُصُورِ في السماء.

* * *

٢

(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢)

يوم القيَامة.

* * *

٣

(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣)

شاهد يوم الجمعة ، ومشهود يوم عرفة.

وقيل : وَشَاهد يعنى به النبي - صلى اللّه عليه وسلم -.

ومشهود يوم القيامة ، كما قال تعالى :

(ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ).

* * *

٤

وقوله عزَّ وجلَّ : (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤)

الأخدود : شق في الأرض ، ويجمع أَخَاديد (١).

وقيل أصحاب الأخْدُودِ قوم

كانوا يَعْبدُونَ صَنما ، وكان معهم قوم يكتمون إيمانَهم ، يعبدون اللّه عزَّ وجلَّ ويوحدونه ، فعلموا بهم فخدُّوا لهم أخدوداً وملأوه ناراً ، وقذفوا بهم في تلك النار فتقحموها ولم يَرْتَدُّوا عَنْ دينهم ثبوتاً على الإسلام ، ويقيناً أنهم يصيرون إلى الجنة.

فجاء في التفسير أن آخِرَ من ألقي منهم امرأة معها صَبِي رضيع.

فلما رأت النار صدت بَوَجْهِهَا وَأَعْرَضَتْ ، فقال لها الصبي : يا أمتاه قفي

__________

(١) قال السَّمين :

  قُتِلَ  : هذا جوابُ القسمِ على المختارِ ، وإنما حُذِفَتِ اللامُ ، والأصلُ : لَقُتِلَ ، كقولِ الشاعر :

٤٥٣٣ حَلَفْتُ لها باللّه حَلْفَةَ فاجرٍ . . . لَناموا فما إنْ مِنْ حديثٍ ولا صالِ

وإنما حَسُن حَذْفُها للطُّولِ ، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في   قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا  [ الشمس : ٩ ] . وقيل : تقديرُه : لقد قُتِلَ ، فحَذَفَ اللامَ وقد ، وعلى هذا ف « قُتِلَ » خبرٌ لا دُعاءٌ . وقيل بل هي دعاءٌ فلا يكونُ جواباً . وفي الجواب حينئذٍ أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه   إِنَّ الذين فَتَنُواْ  .

الثاني :   إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ  قاله المبرد . الثالث : أنه مقدرٌ . فقال الزمخشري : ولم يَذْكُرْ غيرَه « هو محذوفٌ يَدُلُّ عليه  قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود  ، كأنه قيل : أُقْسِمُ بهذه الأشياءِ إنَّ كفَّار قريشٍ مَلْعونون كما لُعِنَ أصحابُ الأُخدودِ » ثم قال : « وقُتِل دعاءٌ عليهم ، ك  قُتِلَ الإنسان  [ عبس : ١٧ ] ، وقيل : التقدير : لَتُبْعَثُنَّ.

وقرأ الحسن وابن مقسم » قُتِّلَ « بتشديدِ التاءِ مبالغةً  تكثيراً . و » الموعودِ « ، أي : الموعود به . قال مكي : » الموعود نعتٌ لليوم . وثَم ضميرٌ محذوفٌ يتمُّ الموعودُ به . ولولا ذلك لَما صَحَّتِ الصفةُ؛ إذ لا ضميرَ يعودُ على الموصوفِ مِنْ صفتِه « انتهى . وكأنَّه يعني أن اليومَ موعودٌ به غيرُه من الناس ، فلا بُدَّ مِنْ ضمير يَرْجِعُ إليه ، لأنه موعودٌ به لا موعودٌ . وهذا لا يُحتاج إليه؛ إذ يجوزُ أَنْ يكون قد تَجَوَّزَ بأنَّ اليومَ وَعَدَ بكذا فيصِحُّ ذلك ، ويكونُ فيه ضميرٌ عائدٌ عليه ، كأنَّه قيل : واليومِ الذي وَعَدَ أَنْ يُقْضَى فيه بين الخلائِقِ.

والأُخْدودُ : الشِّقُّ في الأرضِ . قال الزمخشري : » والأخْدودُ : الخَدُّ في الأرضِ ، وهو الشِّقُّ . ونحوُهما بناءً ومعنىً : الخَقُّ والأُخْقُوق ، ومنه : « فساخَتْ قوائمُه في أخاقيقِ جِرْذان » . انتهى . فالخَدُّ في الأصلِ مصدرٌ ، وقد يقعُ على المفعولِ وهو الشِّقُّ نفسُه ، وأمَّا الأخدودُ فاسمٌ له فقط . وقال الراغب : « الخَدُّ والأُخْدُوْدُ شِقٌّ في أرضٍ ، مستطيلٌ غائِصٌ.

وجمع الأخدود : أخاديدُ . وأصلُ ذلك مِن خَدَّيْ الإِنسان ، وهما ما اكتنفا الأَنْفَ عن اليمينِ والشمالِ ، والخَدُّ يُستعار للأرضِ ولغيرها كاستعارةِ الوجهِ ، وتخدُّدُ اللحمِ زَوالُه عن وجهِ الجسم » ثم يُعَبَّرُ بالمُتَخَدِّدِ عن المهزول ، والخِدادُ مِيْسَمٌ في الخَدِّ . وقال غيره : سُمِّيَ الخَدُّ خَدَّاً لأنَّ الدموعَ تَخُدُّ فيه أخاديدَ ، أي : مجاريَ.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

ولا تنافقي ، وقيل إنه قال لها : مَا هِيَ إلا [غُميضة] ، فَصَبَرَتْ فألقِيتْ في النار.

وكان النبي - صلى اللّه عليه وسلم - إذا ذكر أصحاب الأخدودِ تَعَوَّذَ مِنْ جَهْد البلاء.

فأَعلم اللّه - عزَّ وجلَّ - قِصًةَ قَوْم بلغت بصيرتُهم وحقيقة إيمَانِهِم إلى

أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في اللّه عزَّ وجلَّ.

* * *

٨

(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّه الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)

أي ما أنكروا عليهم ذنباً إلا إيمَانَهم ، ثم أعلم - عزَّ وجلَّ - مَا أُعِدَّ

لأوْلَئِك الَّذِينَ أَحْرَقُوا المُؤْمِنِينَ فقال :

* * *

١٠

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠)

أي أحْرَقُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ ، يقال فتنت الشيء ، أحرقته ، والفَتِينُ

حجارة سودٌ كأنَّها مُحْرَقَة.

(فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ).

فالمعنى واللّه أعلم فلهم عذاب جهنم بكفرهم ، ولهم عذاب الحريق

بما أحرقوا المؤمنين والمؤمنات.

* * *

١٣

قوله عزَّ وجلَّ : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣)

أي يبدئ الخلق ثم يعيده بعد بلاه.

* * *

١٤

(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)

أي المحب أولياءه.

* * *

١٥

(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥)

(الْمَجِيدِ)

ويقرأ (الْمَجِيدُ) . ومعنى المجيد الكريم.

فمن جَرَّ (الْمَجِيدِ) فمن صفة العرش ، ومن رفع فمن صفة (ذُو).

* * *

١٨

وقوله عزَّ وجلَّ : (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨)

(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) في موضع جرٍّ بَدَلًا من الجنود ،  هل أتاك حديث

فرعون وثمود.

* * *

٢٠

و (وَاللّه مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)

أي لا يعجزه منهم أحد . قدرته مُشْتَمِلة عليهم.

* * *

٢١

(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)

ويقرأ (قرآنُ مَجِيدٍ) ، والقراءة (قُرْآنٌ مَجِيدٌ) من نعت قرآن.

ومن قرأ قرآنُ ، فالمعنى هو قرآن رَبٍّ مَجِيدٍ.

* * *

٢٢

و (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)

القرآن في اللوح وهو أم الكتاب عند اللّه.

وقرئت (مَحْفُوظٌ) ، مِنْ نعت (قُرْآنٌ)

 بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ محفوظٌ في لوح .