( مَكِّيَّة )
بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١)
جواب القسم : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ).
وقيل (ذَاتِ الْبُرُوجِ)
ذات الكواكب وقيل ذات القصور لقُصُورِ في السماء.
* * *
(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢)
يوم القيَامة.
* * *
(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣)
شاهد يوم الجمعة ، ومشهود يوم عرفة.
وقيل : وَشَاهد يعنى به النبي - صلى اللّه عليه وسلم -.
ومشهود يوم القيامة ، كما قال تعالى :
(ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ : (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤)
الأخدود : شق في الأرض ، ويجمع أَخَاديد (١).
وقيل أصحاب الأخْدُودِ قوم
كانوا يَعْبدُونَ صَنما ، وكان معهم قوم يكتمون إيمانَهم ، يعبدون اللّه عزَّ وجلَّ ويوحدونه ، فعلموا بهم فخدُّوا لهم أخدوداً وملأوه ناراً ، وقذفوا بهم في تلك النار فتقحموها ولم يَرْتَدُّوا عَنْ دينهم ثبوتاً على الإسلام ، ويقيناً أنهم يصيرون إلى الجنة.
فجاء في التفسير أن آخِرَ من ألقي منهم امرأة معها صَبِي رضيع.
فلما رأت النار صدت بَوَجْهِهَا وَأَعْرَضَتْ ، فقال لها الصبي : يا أمتاه قفي
__________
(١) قال السَّمين :
قُتِلَ : هذا جوابُ القسمِ على المختارِ ، وإنما حُذِفَتِ اللامُ ، والأصلُ : لَقُتِلَ ، كقولِ الشاعر :
٤٥٣٣ حَلَفْتُ لها باللّه حَلْفَةَ فاجرٍ . . . لَناموا فما إنْ مِنْ حديثٍ ولا صالِ
وإنما حَسُن حَذْفُها للطُّولِ ، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا [ الشمس : ٩ ] . وقيل : تقديرُه : لقد قُتِلَ ، فحَذَفَ اللامَ وقد ، وعلى هذا ف « قُتِلَ » خبرٌ لا دُعاءٌ . وقيل بل هي دعاءٌ فلا يكونُ جواباً . وفي الجواب حينئذٍ أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه إِنَّ الذين فَتَنُواْ .
الثاني : إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ قاله المبرد . الثالث : أنه مقدرٌ . فقال الزمخشري : ولم يَذْكُرْ غيرَه « هو محذوفٌ يَدُلُّ عليه قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود ، كأنه قيل : أُقْسِمُ بهذه الأشياءِ إنَّ كفَّار قريشٍ مَلْعونون كما لُعِنَ أصحابُ الأُخدودِ » ثم قال : « وقُتِل دعاءٌ عليهم ، ك قُتِلَ الإنسان [ عبس : ١٧ ] ، وقيل : التقدير : لَتُبْعَثُنَّ.
وقرأ الحسن وابن مقسم » قُتِّلَ « بتشديدِ التاءِ مبالغةً تكثيراً . و » الموعودِ « ، أي : الموعود به . قال مكي : » الموعود نعتٌ لليوم . وثَم ضميرٌ محذوفٌ يتمُّ الموعودُ به . ولولا ذلك لَما صَحَّتِ الصفةُ؛ إذ لا ضميرَ يعودُ على الموصوفِ مِنْ صفتِه « انتهى . وكأنَّه يعني أن اليومَ موعودٌ به غيرُه من الناس ، فلا بُدَّ مِنْ ضمير يَرْجِعُ إليه ، لأنه موعودٌ به لا موعودٌ . وهذا لا يُحتاج إليه؛ إذ يجوزُ أَنْ يكون قد تَجَوَّزَ بأنَّ اليومَ وَعَدَ بكذا فيصِحُّ ذلك ، ويكونُ فيه ضميرٌ عائدٌ عليه ، كأنَّه قيل : واليومِ الذي وَعَدَ أَنْ يُقْضَى فيه بين الخلائِقِ.
والأُخْدودُ : الشِّقُّ في الأرضِ . قال الزمخشري : » والأخْدودُ : الخَدُّ في الأرضِ ، وهو الشِّقُّ . ونحوُهما بناءً ومعنىً : الخَقُّ والأُخْقُوق ، ومنه : « فساخَتْ قوائمُه في أخاقيقِ جِرْذان » . انتهى . فالخَدُّ في الأصلِ مصدرٌ ، وقد يقعُ على المفعولِ وهو الشِّقُّ نفسُه ، وأمَّا الأخدودُ فاسمٌ له فقط . وقال الراغب : « الخَدُّ والأُخْدُوْدُ شِقٌّ في أرضٍ ، مستطيلٌ غائِصٌ.
وجمع الأخدود : أخاديدُ . وأصلُ ذلك مِن خَدَّيْ الإِنسان ، وهما ما اكتنفا الأَنْفَ عن اليمينِ والشمالِ ، والخَدُّ يُستعار للأرضِ ولغيرها كاستعارةِ الوجهِ ، وتخدُّدُ اللحمِ زَوالُه عن وجهِ الجسم » ثم يُعَبَّرُ بالمُتَخَدِّدِ عن المهزول ، والخِدادُ مِيْسَمٌ في الخَدِّ . وقال غيره : سُمِّيَ الخَدُّ خَدَّاً لأنَّ الدموعَ تَخُدُّ فيه أخاديدَ ، أي : مجاريَ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
ولا تنافقي ، وقيل إنه قال لها : مَا هِيَ إلا [غُميضة] ، فَصَبَرَتْ فألقِيتْ في النار.
وكان النبي - صلى اللّه عليه وسلم - إذا ذكر أصحاب الأخدودِ تَعَوَّذَ مِنْ جَهْد البلاء.
فأَعلم اللّه - عزَّ وجلَّ - قِصًةَ قَوْم بلغت بصيرتُهم وحقيقة إيمَانِهِم إلى
أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في اللّه عزَّ وجلَّ.
* * *
(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّه الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)
أي ما أنكروا عليهم ذنباً إلا إيمَانَهم ، ثم أعلم - عزَّ وجلَّ - مَا أُعِدَّ
لأوْلَئِك الَّذِينَ أَحْرَقُوا المُؤْمِنِينَ فقال :
* * *
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠)
أي أحْرَقُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ ، يقال فتنت الشيء ، أحرقته ، والفَتِينُ
حجارة سودٌ كأنَّها مُحْرَقَة.
(فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ).
فالمعنى واللّه أعلم فلهم عذاب جهنم بكفرهم ، ولهم عذاب الحريق
بما أحرقوا المؤمنين والمؤمنات.
* * *
قوله عزَّ وجلَّ : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣)
أي يبدئ الخلق ثم يعيده بعد بلاه.
* * *
(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)
أي المحب أولياءه.
* * *
(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥)
(الْمَجِيدِ)
ويقرأ (الْمَجِيدُ) . ومعنى المجيد الكريم.
فمن جَرَّ (الْمَجِيدِ) فمن صفة العرش ، ومن رفع فمن صفة (ذُو).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ : (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨)
(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) في موضع جرٍّ بَدَلًا من الجنود ، هل أتاك حديث
فرعون وثمود.
* * *
و (وَاللّه مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)
أي لا يعجزه منهم أحد . قدرته مُشْتَمِلة عليهم.
* * *
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)
ويقرأ (قرآنُ مَجِيدٍ) ، والقراءة (قُرْآنٌ مَجِيدٌ) من نعت قرآن.
ومن قرأ قرآنُ ، فالمعنى هو قرآن رَبٍّ مَجِيدٍ.
* * *
و (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
القرآن في اللوح وهو أم الكتاب عند اللّه.
وقرئت (مَحْفُوظٌ) ، مِنْ نعت (قُرْآنٌ)
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ محفوظٌ في لوح .