سُورَةُ الْاِنْشِقَاقِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً

( مَكِّيَّة )

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

 (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١)

ْتنشق يوم القيامة بالغمام ، وجواب (إذا) يدل عليه : (فَمُلاَقِيهِ)

 إذا كان يوم القيامة لقي الِإنْسَانُ عَمَلَهُ.

* * *

٢

ومعنى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢)

أي سمعت ، يقال : أذنت للشيء آذن إذَا سَمِعتَ

قال الشاعِرُ :

صُمٌّ إِذا سَمِعوا خَيْراً ذُكِرْتُ به . . . وِإِنْ ذُكِرْتُ بسُوء عندهم أَذِنُوا

أي سمعوا.

ومعنى (وَحُقَّتْ) أي حق لها أنْ تَفْعَلَ (١).

* * *

٣

(وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)

أزيلت عَنْ هَيْئَتِهَا وَبُدِّلت.

* * *

٤

(وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (٤)

أَلْقَتْ مَا فِيهَا مِنَ المَوْتَى والكُنُوز.

* * *

٦

و (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦)

جاء في التفسير إنك عامِل لربك عَمَلاً فملاقيه.

وجاء أيضاً : سَاعٍ إلى

__________

(١) قال السَّمين :

  وَأَذِنَتْ  : عَطْفٌ على « انْشَقَّتْ » ، وقد تقدَّم أنه جوابٌ على زيادةِ الواوِ ، ومعنى « أَذِنَتْ » ، أي : استمعَتْ أَمْرَه . يُقال : أَذِنْتُ لك ، أي : استمَعْتُ كلامَك . وفي الحديث : « ما أَذِن اللّه لشيءٍ إذْنَه لنبيٍّ يتغَنَّى بالقرآن » وقال الشاعر :

٤٥٢١ صُمٌّ إذا سَمِعوا خيراً ذُكِرْتُ به . . . وإن ذُكِرْتُ بسُوْءٍ عندهم أَذِنوا

وقال آخر :

٤٥٢٢ إنْ يَأْذَنُوا رِيْبةً طاروا بها فَرَحاً . . . وما هُمُ أَذِنُوا مِنْ صالحٍ دَفَنوا

وقال الجحَّافُ بنُ حكيم :

٤٥٢٣ أَذِنْتُ لكمْ لَمَّا سَمِعْتُ هريرَكُمْ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والاستعارةُ المذكورةُ في قولِه تعالى قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ  [ فصلت : ١١ ]  الحقيقةُ عائدٌ ههنا.

  وَحُقَّتْ  الفاعلُ في الأصلِ هو اللّه تعالى ، أي : حَقَّ اللّه عليها ذلك ، أي : بسَمْعِه وطاعتِه . يُقال : هو حقيقٌ بكذا وتَحَقَّق به ، والمعنى : وحُقَّ لها أَنْ تفعلَ.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

رَبِّك سَعْياً فَمُلاقِيهِ.

والكدح في اللغة السعْيُ [والدأب] في العَمَلِ في باب

الدنيا وباب الآخرة ، قال تميم بن مقبل :

وما الدَّهرُ إِلا تارَتانِ فمنهما . . . أَموتُ وأُخْرى أَبْتَغي العَيْشَ أَكْدَحُ

أي وَتَارة أسعى في طلبه العيش وأدْأبُ ، وقيلإ فملاقيه @فملاقٍ رَبًكَ.

وقيل فَمُلَاقٍ عَمَلكَ.

* * *

٩

و (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (٩)

رَوينَا عن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - أن ذلك العرض على اللّه - عزَّ وجلَّ - وأَنَّه مَنْ نوقش الحساب عُذِّبَ.

وَرَوينَا أيضاً أنه مَن نوقش الحسابَ هَلَكَ.

* * *

١١

و (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١)

أي يقول : يا ويلاه ، يا ثبوراه ، وهذا يقوله من وقع في هلكة أي من

أوتي كتابه وراء ظهره ، ودليل ذلك علَى أَنهُ من المُعذبِينَ

١٢

(وَيَصْلَى سَعِيرًا (١٢)

وقرئت (وَيَصْلَّى سَعِيرًا) ، أي يكثر عذابه.

* * *

١٣

و (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣)

يعني في الدنْيَا.

* * *

فأمَّا (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا)

فمن صفة المؤمن ، وينقلب إلى أهله في الجنانِ التي أعَدَّهن اللّه لأوليائه.

* * *

١٤

و (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)

هذه صفة الكافر ظنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بأن لن يبعث ، ومعنى يحور - في

اللغة - أن يرجع إلى اللّه عزَّ وجلَّ.

* * *

١٥

(بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (١٥)

قبلَ أَن يخلقه ، عالماً بأن مرجعه إليه - عَزَّ وَجَلَّ -

* * *

١٦

 (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦)

معناه فأقسم وقد فسرنا ذلك.

والشفَق الحمرة التي ترى في الأفق في المغرب بعد سقوط الشمس.

وقيل الشفق النَّهارُ (١).

* * *

١٧

(وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧)

معنى وَسَقَ جَمَعَ وَضم.

قَال الشاعِر.

مُسْتَوْسِقَاتٍ لو يَجِدْنَ سَائِقَا

* * *

١٨

(وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨)

اجتمع واستوى ليلة ثلاثَ عَشْرَةَ وأربَعَة عشرة.

* * *

١٩

(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩)

(لَيَرْكَبُنَّ)

أي حالًا بعد حال حتى يصير إلى اللّه عزَّ وجلَّ ، من إحياء وَأمامَةٍ

وَبَعْثٍ.

وقُرِئَتْ : (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ).

أي لَتَرْكَبَنَّ يا محمد طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ

من أطباق السماء (٢).

* * *

٢٣

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَاللّه أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣)

__________

(١) قال السَّمين :

  بالشفق  : قال الراغب : « الشَّفَقُ : اختلاطُ ضوءِ النهارِ بسوادِ الليل عند غُروبِ الشمس . والإِشفاقُ : عنايةٌ مختلِطَةٌ بخوفٍ؛ لأنَّ المُشْفِقَ يحبُّ المُشْفَقَ عليه ، ويَخاف ما يلحقُه ، فإذا عُدِّيَ ب » مِنْ « فمعنى الخوفِ فيه أظهرُ ، وإذا عُدِّي ب » على « فمعنى العنايةِ فيه أظهرُ » . وقال الزمخشري : « الشَّفَقُ : الحُمْرَةُ التي تُرى في الغرب بعد سقوطِ الشمسِ ، وبسقوطِه يخرُجُ وقتُ المغربِ ويَدْخُلُ وقتُ العَتَمَةِ عند عامَّةِ العلماء ، إلاَّ ما يُرْوى عن أبي حنيفةَ في إحدى الروايتَيْن أنه البياضُ وروى أسدُ بن عمرو أنه رَجَعَ عنه . سُمِّي شَفَقاً لر‍ِقَّته ، ومنه الشَّفَقَةُ على الإِنسان : رِقَّةُ القلبِ عليه » . انتهى . والشَّفَقُ شفقان : الشَّفَقُ الأحمر ، والآخر الأبيضُ ، والشَّفَق والشَّفَقَةُ اسمان للإِشفاقِ . قال الشاعر :

٤٥٢٧ تَهْوَى حياتي وأَهْوَى مَوْتَها شَفَقا . . . والموتُ أكرَمُ نَزَّالٍ على الحُرَمِ

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

(٢) قال السَّمين :

  لَتَرْكَبُنَّ  : هذا جوابُ القسم . وقرأ الأخَوان وابن كثير بفتحِ التاءِ على خطابِ الواحد ، والباقون بضمِّها على خطاب الجمع . وتقدَّم تصريفُ مثلِه . فالقراءةُ الأولى رُوْعي فيها : إمَّا خطابُ الإِنسانِ المتقدِّمِ الذِّكْرِ في   ياأيها الإنسان  [ الانشقاق : ٦ ] ، وإمَّا خطابُ غيرِه . وقيل : هو خطابٌ للرسول ، أي : لتركبَنَّ مع الكفارِ وجهادِهم . وقيل : التاءُ للتأنيثِ والفعلُ مسندٌ لضميرِ السماء ، أي : لتركبَنَّ السماءَ حالاً بعد حال : تكون كالمُهْلِ وكالدِّهان ، وتَنْفَطر وتَنشَقُّ . وهذا قولُ ابنِ مسعود . والقراءة الثانيةِ رُوْعِي فيها معنى الإِنسان إذ المرادُ به الجنسُ.

وقرأ عمر « لَيَرْكَبُنَّ » بياء الغَيْبة وضَمِّ الباء على الإِخبار عن الكفار . وقرأ عمر أيضاً وابن عباس بالغَيبة وفتحِ الباء ، أي : لَيركبَنَّ الإِنسانُ . وقيل : ليركبَنَّ القمرُ أحوالاً مِنْ سَرار واستهلال وإبدار . وقرأ عبد اللّه وابن عباس « لَتِرْكَبنَّ » بكسر حَرْفِ المضارعة وقد تقدَّم تحقيقُه في الفاتحة . وقرأ بعضُهم بفتح حرف المضارعة وكسرِ الباء على إسناد الفعل للنفس ، أي : لَتَرْكَبِنَّ أنت يا نفسُ.

  طَبَقاً  مفعولٌ به ،  حالٌ كما سيأتي بيانُه . والطَّبَقُ : قال الزمخشري : « ما طابَقَ غيرَه . يُقال : ما هذا بطَبَقٍ لذا ، أي : لا يطابقُه . ومنه قيل للغِطاء : الطَّبَقُ . وأطباق الثرى : ما تَطابَقَ منه ، ثم قيل للحال المطابقةِ لغيرِها : طَبَقٌ . ومنه قولُه تعالىطَبَقاً عَن طَبقٍ  ، أي : حالاً بعد حال ، كلُّ واحدةٍ مطابقةٌ لأختها في الشدَّةِ والهَوْلِ . ويجوز أنْ يكونَ جمعَ » طبقة « وهي المرتبةُ ، مِنْ قولهم : هم على طبقاتٍ ، ومنه » طبَقات الظهر « لفِقارِه ، الواحدةُ طبَقَة ، على معنى : لَتَرْكَبُّنَّ أحوالاً بعد أحوالٍ هي طبقاتٌ في الشدَّة ، بعضُها أرفعُ من بعض ، وهي الموتُ وما بعده من مواطنِ القيامة » انتهى . وقيل :  : لتركبُنَّ هذه الأحوال أمةً بعد أمةٍ . ومنه قولُ العباس فيه عليه السلام :

٤٥٣٠ وأنتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْ . . . أرضُ وضاءَتْ بنورِك الطُّرُقُ

تُنْقَلُ مِنْ صالِبٍ إلى رَحِمٍ . . . إذا مضى عالَمٌ بدا طَبَقُ

يريد : بدا عالَمٌ آخرُ : فعلى هذا التفسير يكون « طبقاً » حالاً لا مفعولاً به . كأنه قيل : متتابعِين أُمَّةً بعد أُمَّة . وأمَّا قولُ الأقرعِ :

٤٥٣١ إنِّي امرُؤٌ قد حَلَبْتُ الدهرَ أَشْطُرَه . . . وساقَني طبَقاً منه إلى طَبَقِ

فيحتملُ الأمرين ، أي : ساقَني مِنْ حالةٍ إلى أخرى ،  ساقني من أمةٍ وناس إلى أمةٍ وناسٍ آخرين ، ويكون نصبُ « طَبَقاً » على المعنيَيْن على التشبيه بالظرف ،  الحال ، أي : منتقلاً . والطَّبَقُ أيضاً : ما طابقَ الشيءَ ، أي : ساواه ، ومنه دَلالةُ المطابقةِ . وقال امرؤ القيس :

٤٥٣٢ دِيْمَةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ . . . طَبَقُ الأرضِ تَحَرَّى وتَدُرّ

  عَن طَبقٍ  في « عن » وجهان ، أحدُهما : أنها على بابها ، و

الثاني : أنها بمعنى « بَعْدَ ».

وفي محلِّها وجهان ، أحدهما : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ فال « تَرْكَبُنَّ » . و

الثاني : أنَّها صفةٌ ل « طَبقا » . قال الزمخشري : « فإنْ قلتَ : ما محلُّ » عن طبَق «؟ قلت : النصبُ على أنُّه صفةٌ ل » طبقا « ، أي : طبقاً مجاوزاً لطبق ،  حالٌ من الضمير في » لتركبُنَّ « ، أي : لتركبُنَّ طبقاً مجاوزِيْن لطبَق  مجاوزاً  مجاوزةً على حَسَبِ القراءة ».

وقال أبو البقاء : « وعن بمعنى بَعْدَ . والصحيح أنها على بابِها ، وهي صفةٌ ، أي : طبقاً حاصلاً عن طَبق ، أي : حالاً عن حال . وقيل : جيلاً عن جيل » انتهى . يعني الخلافَ المتقدِّمَ في الطبق ما المرادُ به؟ هل هو الحالُ  الجيلُ  الأمةُ؟ كما تقدَّم نَقْلُه ، وحينئذٍ فلا يُعْرَبُ « طَبَقاً » مفعولاً به بل حالاً ، كما تقدَّم ، لكنه لم يَذْكُرْ في « طبقاً » غيرَ المفعولِ به . وفيه نظرٌ لِما تقدَّم مِن استحالتِه معنى ، إذ يصير التقديرُ : لتركَبُنَّ أمةً بعد أمَّةٍ ، فتكون الأمةُ مركوبةً لهم ، وإن كان يَصِحُّ على تأويلٍ بعيدٍ جداً وهو حَذْفُ مضافٍ ، أي : لَتركبُنَّ سَنَنَ  طريقةَ طبقٍ بعد طبقٍ.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

أي بما يحملون في قلوبهم ، يقال : أوْعَيْتُ المتاعَ في الوعاء ، ووعيتُ

العلمَ.

* * *

٢٤

و (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤)

 اجعل بدل البشارة للمؤمنين بالجنة والرحمة والرضوان ، للكفار

العذاب الأليم.

* * *

٢٥

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)

لا يمنُّ عليهم ، قال أهل اللغة : غير ممنون غير مقطوع ، يقال منيت

الحبل إذَا قطعته .