سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسُونَ آيَةً

( مَكِّيَّة )

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قال أبو إسحاق : قوله عزَّ وَجلَّ : (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١)

٢

جاء في التفسير أنها الريَاح أرسلت كعرف الفرس ، وكذلك : (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (٢) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (٣).

الرياح تأتي بالمطر كما قال عزَّ وجلَّ : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (١).

* * *

٤

و (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤)

يعنى به الملائكة جاءت بما يفرق بين الحق والبَاطلِ ، وكذلك

* * *

٥

(فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥)

يعنى الملائكة.

وقيل في تفسير (والمرسلات) أنها الملائكة أرسلت بالمعروف.

وقيل إنها لعرف الفرس.

وقيل - (فالعَاصِفَاتِ عَصْفاً) الملائكة تعصف بروح الكافِر ؛ والباقي إلى آخر الآيات يعنى به الملائكة أيضاً.

وفيه وجه ثالث ، (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) يعني به الرسل.

(فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) الرياح ، (فالناشرات نشراً) الرياح.

(فالفارقات فرقاً) على هذا - التفسير الرسل أيضاً.

وكذلك (فالملقيات ذِكراً).

وهذه كلها مجرورة على جهة القسم ، وجواب القسم (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (٧)

__________

(١) قال السَّمين :

  عُرْفاً  : فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنَّه مفعولٌ مِنْ أجلِه ، أي : لأجلِ العُرْفِ وهو ضِدُّ النُّكْرِ . والمرادُ بالمُرْسَلاتِ : إمَّا الملائكةُ ، وإمَّا الأنبياءُ ، وإمَّا الرِّياحُ أي : والملائكةُ المُرْسَلاتُ ،  والأنبياء المُرْسَلات ،  والرياحُ المُرْسَلات . والعُرْفُ : المعروفُ والإِحسانُ . قال الشاعر :

٤٤٥٤ مَنْ يَفْعَلِ الخيرَ لا يَعْدَمْ جَوازِيَهُ . . . لا يَذْهَبُ العُرْفُ بينَ اللّه والناسِ

وقد يُقال : كيف جَمَعَ صفةَ المذكرِ العاقلِ بالألفِ والتاءِ ، وحقُّه أَنْ يُجْمَعَ بالواوِ والنونِ؟ تقول : الأنبياءُ المُرْسَلونَ ، ولا تقولُ : المُرْسَلات . والجوابُ : أنَّ المُرْسَلات جَمْعُ مُرْسَلة ، ومُرْسَلة صفةٌ لجماعةٍ من الأنبياء ، فالمُرْسَلات جمعُ « مُرْسَلة » الواقعةِ صفةً لجماعة ، لا جمعُ « مُرْسَل » المفردِ .

الثاني : أَنْ ينتصِبَ على الحالِ بمعنى : متتابعة ، مِنْ قولِهم : جاؤوا كعُرْفِ الفَرَس ، وهم على فلانٍ كعُرْف الضَّبُع ، إذا تألَّبوا عليه . الثالث : أَنْ ينتصِبَ على إسقاطِ الخافضِ أي : المُرْسَلاتِ بالعُرْفِ . وفيه ضَعْفٌ ، وقد تقدَّمَ الكلامُ على العُرْف في الأعراف . والعامَّةُ على تسكينِ رائِه ، وعيسى بضمِّها ، وهو على تثقيلِ المخففِ نحو : « بَكُر » في بَكْر . ويُحتمل أَنْ يكونَ هو الأصلَ ، والمشهورةُ مخففةٌ منه ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونا وزنَيْنِ مستقلَّيْن.

  عَصْفاً  : مصدرٌ مؤكِّدٌ لاسمِ الفاعلِ ، والمرادُ بالعاصفات : الرياحُ  الملائكةُ ، شُبِّهَتْ بسُرْعة جَرْيِها في أمرِ اللّه تعالى بالرياحِ ، وكذلك « نَشْراً » و « فَرْقاً » انتصبا على المصدرِ أيضاً . اهـ (الدُّرُّ المصُون).

وقال بعض أهل اللغة :  وربِّ المرسلات ، وهذه الأشياء كما

قال : (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ).

وقرئت عَرْفاً وَعُرفاً والمعنى واحد في العرف والعرف.

* * *

٦

و (عُذْرًا  نُذْرًا (٦)

وقرئت عُذُراً  نُذُراً . فمعناهما المصدَرُ ، والعذْرُ والعُذارُ بمعنى وَاحِدٍ.

ونصب (عُذْرًا  نُذْرًا) على ضربين :

أحدهما مفعول على البدل من قوله ذِكراً.

 فالملقيات عذراً  نُذْراً ، ويكون نصباً بِذِكراً ، فالمعنى فالملقيات أن

ذكرت عذراً ونذراً.

ويجوز أن يكون نصب عُذْراً  نُذْراً على المفعول له ، فيكون

فالملقيات ذكراً للإعذار والإنذار.

* * *

٨

و (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨)

معناه أُذْهِبَتْ وغُطيَتْ.

* * *

٩

(وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (٩)

معناه شقَّت كما قال عزَّ وجلَّ : (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ).

* * *

١٠

(وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (١٠)

ذهب بها كلها بسرعة ، يقال انتسفت الشيء إذَا أَخذته كله بسرعة.

* * *

١١

(وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١)

وقرئت (وُقِّتَتْ) بالواو ، والمعنى واحد ، فمن قرأ (أُقِّتَتْ) بالهمز فإنه أبدل

الهمزة من الواو لانضمام الواو ، فكل واو انضمت وكانت ضمتها لازمةً جاز أن تبدل منها همزة ، ومعنى (وُقِّتَتْ) جعل لها وقت وأجل.

* * *

١٢

 (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢)

١٣

ثم بَينَ فقال : (لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣)

أي أجلت القضاء فيما بينها وبين الأمم

ليوم الفصل.

* * *

١٥

 (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)

(ويلٌ) مرفوع بالابتداء . و (لِلْمُكَذِّبِينَ) الخبر ، ويجوز في العربية

(وَيْلاً يَوْمَئِذٍ) ولا يجيزه القراء لمخالفة المصحف

* * *

١٧

قوله عزَّ وجلَّ : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧)

على الاستئناف ، ويقرأ ثم نتبعْهم - بالجزم عطف على نهلك ، ويكون

 أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ أي أَولًا وَآخِراً.

ومن رفع فعلى معنى ثم نُتبع الأول الآخر من كل مجرم.

* * *

١٨

قوله عزَّ وجلَّ : (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨)

موضع الكاف نصب ،  مثل ذلك نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ

* * *

٢٦

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (٢٦)

(كفاتاً) ذات جمع ،  تضمهم أَحْيَاءً على ظُهُورِها ، وأمواتاً في

بطنها ، و (أحياء) منصوب بقوله (كِفَاتَاً) ، يقال كفت الشيء أكفته إذا جمعته

وضممته.

٢٧

(وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (٢٧)

أي جبالاً ثوابت ، يقال رسا الشيء يَرْسُو إذا ثبت

(شَامِخَاتٍ) مرتفعات.

(وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا)

أَي عَذْبأ.

* * *

٢٩

 (انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩)

يعنى النار لأنهم كذَبوا بالبعث والنشور والنار

٣٠

(انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (٣٠)

يعنى بالظل ههنا دُخَانُ جَهَنَّمَ ، ثم أعلم عزَّ وجلَّ أنه ليس بظليل ولا

يدفع من لهب النار شيئاً فقال :

٣١

(لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللّهبِ (٣١) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢)

جاء في التفسير أنه القصرُ مِنْ هذِه القُصُورِ ، وقيل القصر جمع قَصَرة.

وهو الغليظ من الشجر ، وقرئت كالقَصَرِ - بفتح الصاد - جمع قَصَرَةُ أي كأنَّها أعناق الإبِلَ.

* * *

٣٣

و (كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)

يقرأ (جِمَالاتٌ) وجُمَالاتٌ ، - بضم الجيم وكسرها - يُعْنَى أن الشرر

كالجمال السُّودِ ، يقال للإبل التي هي سود تضرب إلى الصُّفْرَةِ : إبل صُفْر.

فمن قرأ (جِمَالاتٌ) بالكسر فهو جمع جِمَال ، كما تقول بُيُوت وبيوتات وهو جمع الجمع ، ومن قرأ (جُمَالاتٌ) بالضم فهو جمع جمالة.

وهو القَلْسُ من قلوس سفن البحر ، ويقال كالقَلْسِ من قلوس الجسر.

ويجوز أن يكون جمع جَمَل وجمالٍ وجمالات ، كما قيل رجال جمع رجل ، وقرئت (جِمَالَة صُفْر) على جمع جمل وجمالة كما قيل حجر وحجارة ، وَذَكَر وذِكارة ، وقُرئت (جُمالة صُفْر) على ما فسَّرنا في جُمَالَات (١).

* * *

٣٦

و (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)

يوم القيامة له مواطن ومواقيتُ ، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون

فيها.

* * *

٣٨

و (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨)

أي هذا يوم يفصل فيه بين أهل الجنة والنار وأهل الحق والبَاطِلِ.

* * *

٤٣

و (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)

__________

(١) قال السَّمين :

  إِنَّهَا  : أي : إنَّ جهنَّم؛ لأنَّ السياقَ كلَّه لأجلها . وقرأ العامَّةُ : « بَشرَرٍ » بفتح الشينِ وعَدَمِ الألفِ بين الراءَيْن . وورش يُرَقِّقُ الراءَ الأولى لكسرِ التي بعدها . وقرأ ابن عباس وابن مقسم بكسرِ الشين وألفٍ بين الراءَيْنِ . وعيسى كذلك ، إلاَّ أنَّه فتح الشين . فقراءةُ ابنِ عباس يجوزُ أَنْ تكونَ جمعاً لشَرَرَة ، وفَعَلة تُجْمَعُ على فِعال نحو : رَقَبة ورِقاب ورَحَبة ورِحاب ، وأَنْ تكونَ جمعاً لشَرِّ ، لا يُراد به أَفْعَلُ التفضيلِ . يقال : رجلٌ شَرٌّ ورجالٌ شِرارٌ ، ورجلٌ خيرٌ ورجالٌ خِيار ، ويؤنثان فيقال : امرأة شَرَّةٌ ، وامرأةٌ خَيْرةٌ . فإن أُريد بهما التفضيلُ امتنعَ ذلك فيهما ، واختصَّا بأحكامٍ مذكورةٍ في كتبِ النحْويين أي : تَرمي بشِرارٍ من العذابِ  بشِرار من الخَلْق.

وأمَّا قراءةُ عيسى/ فهي جمعُ شَرارَةٍ بالألفِ وهي لغةُ تميمٍ . والشَّرَرَةُ والشَّرارَة : ما تطايَرَ من النارِ متفرِّقاً.

  كالقصر  العامَّةُ على فتح القافِ وسكونِ الصادِ ، وهو القَصْرُ المعروف ، شُبِّهَتْ به في كِبَرِه وعِظَمِه . وابن عباس وتلميذاه ابن جُبَيْر وابنُ جَبْر ، والحسن ، بفتحِ القافِ والصادِ ، وهي جمعُ قَصَرة بالفتح والقَصَرَةُ : أَعْناقُ الإِبلِ والنخلِ ، وأصولُ الشجرِ . وقرأ ابن جبير والحسن أيضاً بكسرِ القافِ وفتحِ الصاد جمع « قَصَرة » يعني بفتح القافِ . قال الزمخشريُّ : « كحاجةٍ وحِوَج » وقال الشيخ : « كحَلَقة من الحديدِ وحِلَق » . وقُرىء « كالقَصِرِ » بفتح القاف وكسرِ الصادِ ، ولم أَرَ لها توجيهاً . ويظهرُ أنَّ ذلك مِنْ بابِ الإِتباعِ ، والأصلُ : كالقَصْرِ بسكونِ الصادِ ، ثم أتبعَ الصادَ حركةَ الراءِ فكسَرها ، وإذا كانوا قد فَعَلُوا ذلك في المشغولِ بحركة نحو : كَتِف وكَبِد ، فلأَنْ يَفْعلوه في الخالي منها أَوْلَى . ويجوزُ أَنْ يكون ذلك للنقل بمعنى : أنه وَقَفَ على الكلمةِ فَنَقَل كسرةَ الراءِ إلى الساكنِ قبلَها . ثم أَجْرَى الوَصْلَ مُجْرَى الوقفِ ، وهو بابٌ شائِعٌ عند القُرَّاءِ والنحاة . وقرأ عبدُ اللّه بضمِّهما . وفيها وجهان ، أحدُهما : أنَّه جمعُ قَصْرٍ كرَهْن وَرُهُن ، قاله الزمخشريُّ . و

الثاني : أنَّه مقصورٌ من قُصور ك

٤٤٥٨ فيها عيايِيْلُ أُسودٍ ونُمُرْ . . . يريد : ونُمور . فقصَر وك « النُّجُم » يريد النجوم . وتخريجُ الزمخشريِّ أَوْلَى؛ لأنَّ محلَّ

الثاني : إمَّا الضرورةُ ، وإمَّا النُّدُور.

  جِمَالَةٌ  : قرأ الأخَوان وحَفْصٌ « جِمالَةٌ » . والباقون « جِمالات » . فالجِمالَةُ فيها وجهان ، أحدُهما : أنَّها جمعٌ صريحٌ ، والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ . يُقال : جَمَلٌ وجِمال وجِمالَة نحو : ذَكَر وذِكار وذِكارة ، وحَجَر وحِجارة . و

الثاني : أنه اسمُ جمعٍ كالذِّكارة والحِجارة ، قاله أبو البقاء ، والأولُ قولُ النُّحاةِ . وأمَّا جِمالات فيجوزُ أَنْ يكونَ جمعاً ل « جِمالة » هذه ، وأَنْ يكونَ جمعاً ل جِمال ، فيكون جمعَ الجمعِ . ويجوزُ أَنْ يكونَ جمعاً ل جَمَل المفردِ كقولهم : « رجِالات قريش » كذا قالوه . وفيه نظرٌ؛ لأنَّهم نَصُّوا على أنَّ الأسماءَ الجامدةَ غيرَ العاقلةِ لا تُجْمَعُ بالألفِ والتاءِ ، إلاَّ إذا لم تُكَسَّرْ . فإنْ كُسِّرَْتْ لَم تُجْمَعْ . قالوا : ولذلك لُحِّن المتنبيُّ في

٤٤٥٩ إذا كان بعضُ الناسِ سَيْفاً لدولةٍ . . . ففي الناسِ بُوْقاتٌ لها وطُبولُ

فجمع « بُوقاً » على « بُوقات » مع قولِهم : « أَبْواق » ، فكذلك جِمالات مع قولهم : جَمَل وجِمال . على أنَّ بعضَهم لا يُجيزُ ذلك ، ويَجْعَلُ نحو « : حَمَّامات وسِجلاَّت شاذَّاً ، وإنْ لم يُكَسَّرْ.

وقرأ ابنُ عباس والحسنُ وابن جبير وقتادةُ وأبو رجاء ، بخلافٍ عنهم ، كذلك ، إلاَّ أنَّهم ضَمُّوا الجيمَ وهي حِبالُ السفنِ . وقيل : قُلوس الجسورِ ، الواحدةِ » جُمْلة « لاشتمالِها على طاقاتِ الحِبال . وفيها وجهان ، أحدهما : أَنْ تكونَ » جُمالات « جمعَ جُمال ، وجُمال جَمْعَ جُمْلة ، كذا قال الشيخ ، ويَحْتاجُ في إثباتِ أنَّ جُمالاً بالضمِّ جمعُ جُمْلة بالضمِّ إلى نَقْلٍ . و

الثاني : أنَّ » جُمالات « جمعُ جُمالة قاله الزمخشري ، وهو ظاهرٌ . وقرأ ابنُ عباس والسُّلَمِيُّ وأبو حيوةَ » جُمالة « بضمِّ الجيم ، وهي دالَّةٌ لِما قاله الزمخشريُّ آنِفاً.

  صُفْرٌ  صفةٌ لجِمالات  لِجمالة؛ لأنَّه : إمَّا جمعٌ  اسمُ جمعٍ . والعامَّة على سكونِ الفاءِ جمعَ صفْراء . والحسنُ بضمِّها ، وكأنَّه إتْباعٌ . وَوَقَعَ التشبيهُ هنا في غايةِ الفصاحةِ . قال الزمخشريُّ : » وقيل : صُفْرٌ سُوْدٌ تَضْرِبُ إلى الصُّفرة . وفي شعرِ عمرانَ بنِ حِطَّانَ الخارجيِّ :

٤٤٦٠ دَعَتْهُمْ بأعلَى صوتِها ورَمَتْهُمُ . . . بمثل الجِمال الصفر نَزَّاعةِ الشَّوى

وقال أبو العلاء المعري :

٤٤٦١ حمراءُ ساطِعَةُ الذوائب في الدُّجَى . . . تَرْمي بكل شَرارةٍ كطِرافٍ

فشبَّهها/ بالطِّراف ، وهو بيت الأُدَم في العِظَمِ والحُمْرَةِ ، وكأنه قَصَدَ بخُبْثِه أَنْ يزيدَ على تشبيهِ القرآن . ولتبجُّحه بما سُوِّل له مِنْ تَوَهُّم الزيادة جاءَ في صَدْرِ بيتِه ب « حمراءُ » توطئةً لها ومناداةً عليها ، وتَنْبيهاً للسامِعين على مكانِها . ولقد عَمِيَ جمع اللّه له عَمى الدَّارَيْن عن قولِه عزَّ وجلَّ : « كأنه جِمالةٌ صُفْرٌ » فإنه بمنزلةِ قولِه كبيتٍ أحمر . وعلى أنَّ في التشبيهِ بالقَصْر وهو الحِصْنُ تشبيهاً مِنْ جهتَين : مِنْ جهةِ العِظَمِ ، ومن جهةِ الطولِ في الهواءِ ، وفي التشبيه بالجِمالات وهي القُلُوسُ تشبيهٌ مِنْ ثلاثِ جهاتٍ : الطُّولِ والعِظَمِ والصُّفْرةِ « انتهى . وكان قد قال قبلَ ذلك بقليلٍ : » شُبِّهَتْ بالقُصورِ ثم بالجِمال لبيانِ التشبيهِ ، ألا ترى أنَّهم يُشَبِّهون الإِبلَ بالأَفْدان « قلت : الأَفْدانُ : القصورُ ، وكأنه يُشيرُ إلى قولِ عنترة :

٤٤٦٢ فوقَفْتُ فيها ناقتي وكأنَّها . . . فَدَنٌ لأَقْضِيَ حاجةَ المُتَلَوِّمِ

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

ههنا إضمار القول ،  (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢)

يقال لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

* * *

٤٨

 (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨)

إذا أمروا بالصلَاةِ لَمْ يُصَلُّوا.

* * *

٥٠

و (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)

أي : فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بعد القرآن الذي أتاهم فيه البيان وأَنَهُ مُعْجِزَة وهو آية

قائمة ، دليلة على الإسلام مما جاء به النبي عليه السلام .