سُورَةُ الْمَعَارِجِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً

( مَكِّيَّة )

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله عزَّ وجلَّ : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١)

وقرئ سال بغير همز ، يقال : . سالت اسال ، وسَلْتُ أَسَالُ ، والرجلان

يتساءلان ويتساوَلان بمعنى واحِد.

والتأويل دَعَا دَاع بعذاب واقع.

وذلك كقولهم : (اللّهمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ  ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢).

وقيل معنى سأل سائِلٌ بعذاب ، أي عن عذاب واقع ، فالجواب

(لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِع).

أي يقع بالكافرين ، وقيل إن سال سايل بغير همز ، سايل وَادٍ في جهنم (١).

* * *

٣

و (مِنَ اللّه ذِي الْمَعَارِجِ (٣)

قيل معارج الملائكة ، . وقيل ذي الفَوَاصِل.

* * *

٤

و (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)

جاء في التفسير أَنًه يَوْمُ القِيَامَةِ ، وجاء أَيضاً أن مقداره لو تكلفتموه

خمسون ألف سنة ، والملائكة تعرج في كل يوم واحِدٍ.

وقرئت : تعرجُ

__________

(١) قال السَّمين :

  سَأَلَ  : قرأ نافع وابنُ عامر بألفٍ مَحْضَةٍ . والباقون بهمزةٍ مُحَقَّقةٍ ، وهي الأصلُ ، وهي اللغةُ الفاشيةُ . ثم لك في « سأل » وجهان أحدُهما : أنْ يكونَ قد ضُمِّنَ معنى دعا؛ فلذلك تعدَّى بالباء ، كما تقول : دعوت بكذا . والمعنى : دعا داعٍ بعذابٍ . و

الثاني : أَنْ يكونَ على أصلِه . والباءُ بمعنى عن ، ك

٤٣٢٦ فإن تَسْألوني بالنساء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

« فأسْأل بن خبيرا » ، وقد تقدَّم تحقيقُه . والأولُ أَوْلَى؛ لأن التجوُّزَ في الفعل أَوْلَى منه في الحرف لقوتِه.

وأمَّا القراءةُ بالألفِ ففيها ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنها بمعنى قراءةِ الهمزة ، وإنما خُفِّفَتْ بقَلْبِها ألفاً ، وليس بقياسِ تخفيفِ مثِلها ، بل قياسُ تخفيفِها جَعْلُها بينَ بينَ . والباءُ على هذا الوجهِ كما في الوجهِ الذي تقدَّم .

الثاني : أنها مِنْ سال يَسال مثلُ خاف يَخاف . وعينُ الكلمةِ واوٌ . قال الزمخشري : « وهي لغةُ قريش يقولون : سِلْتَ تَسالُ ، وهما يتسايلان » . قال الشيخ : « وينبغي أَنْ يُتَثَبَّتَ في  » إنها لغةُ قريشٍ ، لأنَّ ما جاء في القرآنِ من باب السؤالِ هو مهموزٌ ،  أصلُه الهمزُ ، كقراءةِ مَنْ قرأ « وسَلُوا اللّه مِنْ فضلِه » [ النساء : ٣٢ ] إذ لا جائزٌ أَنْ يكونَ مِنْ « سال » التي عينُها واوٌ ، إذ كان يكون ذلك « وسَالوا اللّه » مثلَ « خافوا » ، فيَبْعُدُ أن يجيءَ ذلك كلُّه على لغةِ غيرِ قريشٍ ، وهم الذين نَزَل القرآنُ بلغتِهم إلاَّ يسيراً ، فيه لغةُ غيرِهم . ثم في كلامِ الزمخشريِّ « وهما يتسايَلان » بالياء ، وهو وهمٌ من النسَّاخ ، إنما الصوابُ : يتساوَلان بالواو ، لأنه صَرَّحَ أولاً أنه من السُوال يعني بالواو الصريحةِ ، وقد حكى أبو زيدٍ عن العربِ : « هما يتساولان » . الثالث : أنَّها مِنْ السَّيَلان . والمعنى : سالَ وادٍ في جهنم بعذابٍ ، فالعينُ ياءٌ ، ويؤيِّدُه قراءةُ ابن عباس « سالَ سَيْلٌ » . قال الزمخشريُّ : « والسَّيْلُ مصدرٌ في معنى السائلِ كالغَوْر بمعنى الغائر . والمعنى : اندفع عليهم وادي عذابٍ » انتهى . والظاهرُ الوجهُ الأولُ لثبوتِ ذلك لغةً مشهورةً قال :

٤٣٢٧ سالَتْ هُذَيْلٌ رسولَ اللّه فاحشةً . . . ضَلَّتْ هُذَيلٌ بما سالَتْ ولم تُصِبِ

وقرأ أُبَيٌّ وعبد اللّه « سال سالٌ » مثلَ « مال » وتخريجُها : أنَّ الأصلَ « سائلٌ » فحُذِفَتْ عينُ الكلمةِ وهي الهمزةُ ، واللامُ محلُّ الإِعرابِ وهذا كما قيل : « هذا شاكٌ » في شائِكِ السِّلاح وقد تقدَّم الكلامُ على مادةِ السؤالِ في أول البقرة ، / فعليك باعتبارِه.

والباءُ تتعلَّق ب « سال » من السَّيَلان تعلُّقَها ب « سال الماءُ بزيدٍ » . وجَعَلَ بعضُهم الباءَ متعلقةً بمصدرٍ دَلَّ عليه فِعْلُ السؤال ، كأنه قيل : ما سؤالُهم؟ فقيل : سؤالُهم بعذابٍ ، كذا حكاهُ الشيخ عن الإِمام فخر الدين ، ولم يَعْتَرِضْه . وهذا عَجَبٌ؛ فإنَّ قولَه أولاً « إنه متعلِّقٌ بمصدرٍ دَلَّ عليه فِعْلُ السؤال » يُنافي تقديرَه ب « سؤالُهم بعذاب »؛ لأنَّ الباءَ في هذا التركيبِ المقدَّرِ تتعلَّق بمحذوفٍ لأنها خبرُ المبتدأ ، لا بالسؤال.

وقال الزمخشري : « وعن قتادةَ : سأل سائلٌ عن عذابِ اللّه بمَنْ يَنْزِلُ وعلى مَنْ يقعُ؟ فَنَزَلَتْ ، و » سأَل « على هذا الوجهِ مُضَمَّنٌ معنى عُنِيَ واهتمَّ ».

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

الملائكة ، ويعرج الملائكة.

وقيل منذ أول أَيامِ الدنيا إلى انقضائها خمسون ألف سنة.

وجائز أن يكون " فِي يَوْمٍ " من صلة " واقع " ، فيكون  سأل سائل

بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.

وذلك العذابُ يقع في يوم القيامة.

* * *

٥

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (٥)

هذا يدل على أن ذلك قبل أن يؤمر النبي عليه السلام بالقتال.

* * *

٦

(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧)

يرونه بعيداً عندهم كأنهم يستبعدونه على جهة الِإحالة ، كما تقول

لمنَاظِرِكَ : هذا بعيد لا يكون.

* * *

٧

و (وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧)

أي صحيحاً يقرب فَهْمُ مثله بما دل اللّه على يوم البعث ب

(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ).

وما أشبه هذا من الاحتجاجات في البعث.

* * *

٩

و (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩)

العِهْن الصوف ، والمهل دُرْدِيُّ الزَّيت.

* * *

١٠

(وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠)

وقرئت (ولا يُسْأَلُ حَمِيم).

فمن قرأ (وَلَا يَسْأَلُ) فالمعنى أنهم يعرف بعضهم بعضاً ، ويدل عليه  (يُبَصَّرُونَهُمْ).

ومن قرأ (ولا يُسْأَل حَمِيمٌ حَمِيمًا).

فالمعنى لا يُسْأَل قريب عن قرابته ، ويَكُونُ (يُبَصَّرُونَهُمْ) - واللّه أعلم - للملائكة.

* * *

١٣

و (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣)

معناه أدنى قبيلته منه .

١٥

و (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (١٥)

(كَلَّا) ردع وتنبيه ، أي لَا يَرجعُ أحدٌ من هؤلَاء فاعتبروا.

* * *

١٦

(نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (١٦)

(نَزَّاعَةٌ)

وقُرئت (نَزاعَةً للشوَى).

والقراءة (نَزَّاعَةٌ) ، والقراء عليها وهي في النحو أَقْوى مِنَ النصْبِ.

وذكر أَبو عبَيْدٍ إنها تجوز في العربيَّةِ ، وأنه لا يَعْرِفُ أَحَداً قَرَأَ بها.

وقد رويت عن الحسن ، واختلف فيها عن عَاصِمٍ ، فَأَما ما رواه أبو

عمرو عن عاصم فَـ (نَزَّاعَةً) - بالنصب - وروى غيره (نَزَّاعَةٌ) بالرفع.

فأَما الرفع فَمِنْ ثَلاث جِهَاتٍ :

أحدها أن تكون " لَظًى ، و " نَزَّاعة " خبراً عن الهَاءِ والألِفِ ، كما تقول : إنه حُلْوٌ حَامِضٌ ، تريد أنه جمع الطعمين.

فيكون الهاء والألف إضماراً للقصة ، وهو الذي يسميه ، الكوفيون المجهول.

 أن القصة والخبر لظى نَزَّاعَة لِلشَّوَى ، والشوى الأطراف ، اليدَانِ

والرَجْلَانِ والرأس ، والشوى جمع شواه ، وهي جلدة الرأس.

قال الشاعر :

قَالَتْ قُتَيْلَةُ مَا لَهُ . . . قَدْ جُلِّلَتْ شَيْباً شَوَاتُهْ ؟

فأمَّا نصب (نَزَّاعَةً) فعلى أنها حال مؤكدة كما قال :

(وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا)

وكما تقول أنا زيدٌ معروفاً ، فيكون (نَزَّاعَةً) منصوباً مُؤَكِداً لأمر النار.

ويجوز أن ينصب على معنى أنها تتلظى (نَزَّاعَةً) كما قال جلَّ ثناؤه :

(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤).

والوجه الثالث في الرفع يرفع على الذَّمِّ بإضمار هي على معنى هي نَزَّاعَةٌ لِلشَّوَى.

ويكون نصبها أيضاً على الذم فيكون نصبها على ثلاثة أوجه.

* * *

١٧

و (تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧)

تدعو الكافر باسمه والمنافق باسمه.

* * *

١٩

و (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩)

الهلوع على ما في الآية من التفسير يفزع وَيجْزَعُ مِنَ الشَّرِّ.

* * *

٢٠-٢١

(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)

الإنسان ههنا في معنى الناس ، فاستثنى اللّه - عزَّ وجلَّ - المؤمنين

٢٢-٢٣

المصلين فقال : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣).

يعني به المحافظين على الصلاة المكتوبة.

ويجوز أن يكون الذين لا يُزِيلُونَ وجوههم عن سمت القبلة ولا يلتفتون ، فيكون اشتقاقه من الدائم وهو الساكن ، كما جاء النهي عن البول في الماء الدائم ، والمحروم الذي هو محارف قد حرم المكاسب . وهو لا يَسْألُ.

* * *

٢٩-٣٠

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ  مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠)

أي ، على هؤلاء.

وقيل إنها في مَعنى " مِنْ "  عند قائل هذا إلا مِنْ أَزْوَاجِهِم  ما

ملكت وقيل إن " على " محمول على  ،  فإنَهُم لَا يلَامُونَ على

أزواجهم ، ويدل عليه (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).

* * *

٣١

و (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٣١)

معناه في العُدْوَانِ.

وهي المبالغة في مخالفة أمر اللّه ومجاوزة القدر في الظلِم.

وقيل : (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).

أي من طلب غير الأزواج وَمَا ملكت الأيمان فقد اعتدى .

والعَادُونِ جَمْعُ عَادٍ وَعَادُونَ.

* * *

٣٢

 (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٣٢)

أي يَرْعَوْنَ العهد والأمانة ويحافظون عليها.

وكل محافظ على شيء فهو مُرَاعٍ له . والإِمام راعٍ لرعيته.

* * *

٣٦

و (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦)

(مُهْطِعِينَ) منصوب على الحال ، والمهطع المقبل ببصره على الشيء لا

يزايله ، لأنهم كانوا ينظرون إلى النبي عليه السلام نظر عداوة.

قال اللّه تعالى : (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ).

معناه غيظاً وحنقاً.

* * *

٣٧

 (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧)

حلقاً حلقاً وجماعةً جماعة ، وعِزِينَ جمع عِزَة ، فكانوا عن يمينه وشِمَالِه

مجتمعين ، فقالوا إن كان أصحاب محمد يدخلون الجنة فإنا ندخلها قبلهم.

وإن أعطوا فيها شيئاً أعطِينا أكثر منه ، فقال عزَّ وجلَّ :

* * *

٣٨

(أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨)

وقرئت (أَنْ يَدْخُلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) . ثم قال :

* * *

٣٩

(كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)

أَي من تراب ومن نطفة ، فأي شيء لهم يدخلون به الجنة ، وهم لك

على العداوة وعلى البغضاء.

* * *

٤١

و (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)

معناه فأُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ.

و " لا " مؤكدة كما قال :

(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ).

ومعناه ليعلم أهل الكتاب ، ومعنى (بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ)

أي مشارق الشمس ومغاربها ، وكذلك القَمَرُ ، وهي مشارق الصيف ومشارق الشتاء وَمَغَارب الصيف ، ومغارب الشتاء فتشرق الشمس كل يوم من مشرق ، وتغرب من مغرب ، وكذلك القَمَرُ.

* * *

٤٢

و (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢)

(يخوضوا) جواب الأمر مجزوم ، وقيل إنه مجزوم وإن كان لفظه بغير آلةِ

الأمْرِ لأنه وضع موضع الأمر ، كأنه قال ليخوضوا وليَلْعَبُوا.

وهذا أَمْر على جهة الوعيد ، كما تقول : اصنع ما شئت فإني أعاقبك عليه.

وقد مر تفسير هذا مستقصًى.

* * *

٤٣

وقوله عزَّ وجلَّ : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣)

والأجداث القبور واحدها جَدَث ، ويقال أيضاً جَدَفٌ في هذا .

وقرئت إلى (نَصْبٍ يوفِضُونَ) وَ (إلى نُصْبٍ) - بضم النون وسُكونِ الصاد ، وقرِئَتْ (إلى نُصُبِ) بضم النون والصاد.

فمن قَرَأَ نصْب ، فمعناه كأنَّهم إلى علم مَنْصُوبَِ لهم.

ومن قرأ (إلى نصْبِ) فمعناه إلى أَصْنَام لهم.

كما قال (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ).

ومعنى (يوفِضُونَ) يُسْرِعُونَ.

قال الشَاعِر :

لأَنْعَتَنْ نَعامةً مِيفاضا . . . خَرْجاءَ تَغْدُو وتطلُبُ الإِضَاضا

ْالميفاض السريعة ، وخرجاء ذات لونين سَوَادٍ وبياضٍ.

ومعنى الأضاض الموضع الذي يُلْجَأ إليه ، يقال أضَتني إليك الحاحة أضَاضاً .

٤٤

 (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)

(تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ)

أي تغشاهم ذِلًةٌ.

و (مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ).

قرئت بالفتح والكسر ، فمن قرأ بِكَسْرِ يَوم فَعَلَى أَصْل الِإضافة لأن الذي

يضاف إليه الأول مجرور بالإضافة.

ومن فتح يوم فلأنه مضاف إلى غير متمكن مضاف إلى " إذْ " ، و " إذْ " مبهمة ، ومعناه يوم إذ يكون كذا وكذا ، فلما كانت

مبهمة وأضيف إليها ، بني المضاف إليها على الفتح.

كذلك أنشدوا قول

الشاعر :

لم يَمْنع الشُّرْبَ منها غَيْرَ أَن نطقت . . . حمامة في غُصُونٍ ذاتِ أَوْقالِ

فلما أضاف " غير " إلى " أن " بناها على الفتح ، وهي في موضع رفع ، والرفْعُ أيضا قَد رُوِيَ ، فقالوا " غيرُ " أن نطقت ، كما قرئ الحرف على إعراب الجر ، وعلى البناء على الفتح .