سُورَةُ الْمُلْكِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثُونَ آيَةً

( مَكِّيَّة )

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

جاء في التفسير أَنها تسمى المنجية ، تنجي قارئها من عذاب القبر.

وجاء في التفسير أن في التوراة : سورةُ الملك من قرأها - في لَيْلَةٍ فَقَدْ أكْثَرَ.

* * *

١

وقوبه : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)

معناه تعالى وتعاظم.

* * *

٢

 (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)

المتعلق بـ (أَيُّكُمْ) المضْمَر.

والمعنى لِيَبْلُوَكُم فيعلم أيكم أحسن عَملاً علم ما وقع.

واللّه عزَّ وجلَّ قد علم ما يكون منهم إلا أَنَّ الجَزَاء يجب بوقوع

العَمَلِ منهم ، وارتفعت " أي " بالابتداء ، ولا يعمل فيها ما قَبلَها لأنها على أصل الاستفهام ، وهذا مثل  (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢).

وهذا عند النحويين في تَقْدِير التسْمِيَةِ ، معناه معنى الألف وأم ، إذا قلت : قد

علمت أَيُّكُمْ أَفْضَلُ ، فالمعنى قد علمت أزيد أَفضلُ أَمْ عمرو.

فَعَلِمْت لا يعمل فيه ، بعد الألف ، وكذلك لا يعمل في أي ، والمعنى واحد . ومعنى (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) خلق لكم الحياة ليختبركم فيها وخلق الموت ليبعثكم ويجازيكم بأعمالكم.

وجاء في تفسير الكلبي خلق الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء

إلا مات ، ولا يطأ على شيء إلا مَاتَ ، ولا يجد رائحته شيء إلا مات ، وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء إلا أَحْيَتْهُ ولا تطأ على شيء إلا أحيته ولا يجد ريحها شيء إلا حصي ، واللّه أعلم بحقيقة ذلك.

* * *

٣

وقوله عزَّ وجلَّ : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣)

فِي خَلْقِ ويقرأ (فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَوُّتٍ) بغير ألف.

ويجوز في (تفَاوُتٍ) (تَفَاؤُتٍ) مهموز ، تبدل الهمزة من الواو المضمومة ، ويقال : تفاوت الشيء تفاوتاً وتفوَّت تفوُّتاً إذا اختلف ، فالمعنى ما ترى في خلقه السماء اختلافاً ولا اضطراباً.

ومعنى (طباقاً) مطبق بعضها عَلَى بَعْض ، طباق مصدر طوبقت طباقاً.

و (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ).

أي هل ترى فيها فروجاً  صَدُوعاً.

* * *

٤

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)

(خَاسِئًا) منصوب على الحال ، ومعناه صَاغِراً ، وهو حَسِيرٌ ، قد أَعْيَى من

قبل أَنْ يَرَى في السَّمَاءِ خَلَلاً.

* * *

٦

و (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦)

(عَذَابُ جَهَنَّمَ)

بالنصب والرفع ، والنصب يكون عطفاً على  (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) ، أي وأعتدنا للذين كفروا

بِرَبِّهِمْ عَذَابَ جَهَنَّمَ.

* * *

 (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا).

معناه التي تدنو منكم من سبع السَّمَاوَات.

و (بِمَصَابِيحَ) يعني الكواكب.

* * *

٧

وقوله عزَّ وجلَّ : (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧)

وهو أقبح الأصوات وهو كصوت الحمار.

* * *

٨

و (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨)

معناه تكاد ينقطع مِنْ غيظها عليهم.

و (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ).

هذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب.

ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا :

١٠

(لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ  نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠)

أي لو كنا سَمِعْنَا سَمْعَ مَن يَعِي ويفَكِرُ مَا كنا في أصحاب السعير ،

يَعْقِل عَقْل من يمَيِّز وينظُر ما كنا في أهل النَّارِ.

* * *

١١

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)

ويروى (فَسُحُقاً) بضم الحاء.

(سُحْقًا) منصوب على المصدَر ،  أسْحَقَهُم اللّه سُحْقًا.

أي بَاعَدَهُم اللّه من رحمته مبَاعَدَةً ، والسحيق البعيد.

* * *

١٥

و (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)

معناه في جبالها ، وقيل في جوانبها ، وقيل في طرقها.

وأشبه التفسير - واللّه أعلم - تفسير من قال في جبالها ، لأن

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا) ، معناه سهَّل لكم السلوكَ فيها ، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها فهو أَبْلَغُ في التذْلِيل.

 (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

معناه : إن اللّه الذي خلق السَّمَاوَاتِ بغير عَمَدٍ لا تفاوت فيها وخلق

الأرْضَ وذللّها لكم قادر على أن ينْشُرَكم ، أي يبعثكم.

* * *

١٦

و (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦)

معنى تمور تَدُورُ.

* * *

١٧

و (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧)

أي كما أرسل على قومِ لُوطٍ الحجَارَة التي حَصَبَتْهُمْ.

* * *

١٩

و (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩)

بين لهم بخلق السَّمَاوَات والأرْضِينَ مَا دَلَّهم على توحيده ، وَبَين لهم

بتسخير الطيْرِ في جو السماء صَافًاتٍ أَجْنِحَتهُنَّ وقابضاتها.

(مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ) بِقُدْرَتِهِ.

* * *

٢٢

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)

أعلم اللّه - عزَّ وجلَّ - أن المؤمن سالك الطريقة المستقيمة ، وأن الكافر

في ضلالته بمنزلة الذي يمشي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ.

وجاء في التفسير أن الكافر يمشي على وجهه في الآخرة.

وَسُئِلَ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : كيف يمشون على وُجُوهِهِم ؟ فقال : الذي مشاهم على أرجلهم قَادِرٌ على أن يمْشيَهُمْ على

وُجُوهِهِمْ.

* * *

٢٧

و (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧)

وقرئت " سُِيْئَتْ " بِإِشْمَامِ السِين الضَّمَّ ، ويجوز " سِيتْ " على طرح

الهمزة ، وإلقاء الحركة على الياء .

والمعنى فلما رأوا العذاب زلفةً ، أَيْ قريباً ، سِيَتْ وجوه الذين كفروا.

تَبين فيها السوء (١).

(وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ).

وقُرِئَتْ (تَدْعُونَ) ، من دعوت أَدْعو.

فَأمَّا (تَدَّعُونَ) ، فجاء في التفسير تُكَذِبُونَ.

وتأويله في اللغة هذا الذي كنتم من أجله تَدَّعُونَ الأباطيل والأكاذيب.

أي تدعون أنكم إذَا مِتُّم وكنتم تراباً وعظاماً أَنَّكُمْ لا تُخْرَجُونَ.

ومن قَرَأَ تَدْعُونَ . بالتخفيف -

فالمعنى هذا الذي كنتم به تستعجلون وتدعون اللّه في قولكم :

(اللّهمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ  ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢).

ويجوز أن يكون معنى (تَدَّعُونَ) هذا أَيضاً تَفْتَعِلُونَ ، من الدعاء.

وتفتعلون من الدِعوى ، يجوز ذلك - واللّه أعلم.

* * *

٣٠

و (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)

أي غائِراً ، وهو مصدرٌ يوصف به الاسم ، فتقول : ماء غَوْرٌ ، وماءَان غَوْرٌ

ومياه غَوْرٌ.

كما تقول : هذا عَدْل وهذَان عَدْلٌ وهؤلاء عَدْلٌ.

ومعنى مَعِين جارٍ من العُيونِ.

وجاء في التفسير [ظاهر] ، والمعنى أَنَّه يظهر من العُيُون.

__________

(١) قال السَّمين :

  رَأَوْهُ  : أي : الموعودَ  العذابَ زُلْفَةً أي : قريباً ، فهو حالٌ ولا بُدَّ مِن حَذْفِ مضافٍ أي : ذا زُلْفَةٍ ،  جُعِل نفسَ الزُّلْفَةِ مبالغةً . وقيل : « زُلْفَةً » تقديرُه : مكاناً ذا زُلْفَةٍ فينتصِبُ انتصابَ المصدرِ.

  سِيئَتْ  الأصلُ : ساء أي : أحزنَ وجوهَهم العذابُ ورؤيتُه . ثم بُنِي للمفعول . و « ساء » هنا ليسَتْ المرادِفَةَ ل « بِئْسَ » كما عَرَفْتَه فميا تقدَّم غيرَ مرةٍ . وأَشَمَّ كسرةَ السينِ الضمَّ نافعٌ وابنُ عامرٍ والكسائيُّ ، كما فعلوا ذلك في  سياء بِهِمْ  [ هود : ٧٧ ] في هود ، وقد تقدَّم ، والباقون بإخلاصِ الكسرِ ، وقد تقدَّم في أولِ البقرةِ تحقيقُ هذا وتصريفُه ، وأنَّ فيه لغاتٍ ، عند   وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ  [ البقرة : ١١ ].

  تَدَّعُونَ  العامَّةُ على تشديدِ الدالِ مفتوحةً . فقيل : من الدَّعْوى أي : تَدَّعُون أنه لا جنةَ ولا نارَ ، قاله الحسن . وقيل : من الدعاءِ أي : تَطْلبونه وتستعجلونه . وقرأ الحسن وقتادة وأبو رجاء والضحاك ويعقوبُ وأبو زيدٍ وابنُ أبي عبلةَ ونافعٌ في روايةِ الأصمعيِّ بسكونِ الدالِ ، وهي مؤيِّدَةٌ للقولِ : إنَّها من الدعاء في قراءةِ العامَّة.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).