سُورَةُ الذَّارِيَاتِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ سِتُّونَ آيَةً

( مكية )

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله عزَّ وجلَّ : (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١)

جاء في التفسير عن علي رضي اللّه عنه أن الكواء سأله عن ((وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) فقال علي : هي الرياح ، قال : (فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا) قال السحابُ ، قال : (فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً) قال الفلك.

قال : (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) قال الملائكة.

والمفسرون جميعاً يقولون بقول عليٍّ في هذا.

* * *

(وَالذَّارِيَاتِ) مجرور على القسم ،  أحلف بالذاريات وبهذه

٥

الأشياء ، والجواب : (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥).

وقال قوم :  وَرَبِّ الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا كما قال عزَّ وجل :

( فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ).

والذاريات من ذَرَتِ الريح تَذرو إذا فرقت التراب وغيره.

يقال : ذرت الريح وأذرت بمعنى وَاحِدٍ ، ذرت فهي ذاريةٌ ، وهن

ذاريات ، وأذرت فهي مُذْرِية ومُذْرِياتٌ للجماعة ، وذاريات أيضاً.

والمعنى وربِّ الرياحِ الذارياتِ ، وربِّ السُفُنِ الجارياتِ ، وربِّ الملائكةِ المقسماتِ ، إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ.

* * *

٦

و (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)

أي إن المجازاة على أعمَالكم لواقعة .

٧

و (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)

جاء في التفسير أنها ذات الخلق الحسن ، وأهل اللغة يقولون ذات

الحبك ذات الطرائق الحسنة ، والمحبوك في اللغة ما أُجِيدَ عَمَلهُ وكل ما تراه

من الطرائق في الماء وفي الرمل إذا أصابته الريح فهو حبك ، وواحدها حِبَاك.

مثل مِثَال ومُثُل ، وتكون واحدتها أيضاً حبيكة مثل طريقة وطرق (١).

* * *

٨

و (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)

أي في أمر النبي - صلى اللّه عليه وسلم -

* * *

٩

(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)

أي يُصرف عنه من صُرِفَ.

* * *

١٠

وقوله عزَّ وجلَّ : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)

هم الكذابون ، تقول : قد تَخَرَّصَ عليَّ فُلان الباطل.

ويجوز أن يكون الخرَّاصون الذين يتظنون الشيء لا يُحِقونه ، فيعملون بما لا يدرون صحته.

* * *

١٢

وقوله عزَّ وجلَّ : (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢)

ويجوز إِيَّانَ بكسر الهمزة وفتحها ، أي يقولون متى يوم الجزاء.

* * *

١٣

و (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)

بنصب يوم ، ويجوز يَوْمُ هم على النَّار يفتنونَ.

فمن نَصَبَ فهو على وجْهَين :

أحدهما على معنى يقع الجزاء يَوْمَ هُمْ عَلى النار يفْتَنونَ

ويجوز أن يكون لفظه لفظَ نَصْبٍ ومعناه معنى رفع ، لأنه مضاف إلى جملة كلام ، تقول : يعجبني يَوْمَ أنْتَ قَائِمٌ ، ويوم أنت قائم ، ويوْمُ أنْتَ تَقُومُ ، وإن شئت فتحت وهو في موضع رفع

كما قال الشاعر :

لم يَمْنع الشُّرْبَ منها غَيْرَ أَن نطقت . . . حمامة في غُصُونٍ ذاتِ أَوْقالِ

وقد رويت غَيْر أن نطقت ، لما أضاف غير إلى أن وليست بِمُتَمكَنةٍ

فتح ، وكذلك لما أضاف يوم إِلى (هُمْ علَى النَّارِ) فتح.

وكما قرئت :

__________

(١) قال السَّمين :

  ذَاتِ الحبك  : العامَّةُ على « الحُبُك » بضمتين وهي الطرائقُ نحو : طرائق الرَّمْل والماءِ إذا صَفَقَتْه الريحُ ، وحُبُك الشَّعْر : آثارُ تَثَنِّيه وتَكَسُّرِه . قال زهير :

٤١٠٢ مُكَلَِلٌ بأصولِ النجم تَنْسُجُه . . . ريحُ حَريقٍ لضاحي مائِه حُبُكُ

والحُبُكُ : جمعٌ يُحتمل أَنْ يكونَ مفردُه « حَبيكة » كطريقةٍ وطُرُق  حباكِ نحو : حِمار وحُمُر . قال الراجز :

٤١٠٣ كأنَّما جَللّها الحُوَّاكُ . . . طِنْفِسَةٌ في وَشْيِها حِباكُ

وأصلُ الحَبْكِ : إحكامُ الشيءِ وإتقانُه ، ومنه يقال للدِّرع : مَحْبوكة . وقيل : الحَبْكُ الشَّدُّ والتوثُّقُ . قال امرؤ القيس :

٤١٠٤ قد غدا يَحْمِلُنِي في أَنْفِه . . . لاحِقُ الإِطْلَيْنِ مَحْبوكٌ مُمَرّْ

وفي هذه اللفطةِ قراءاتٌ كثيرةٌ : فعن الحسن ستٌ : الحُبُك بالضم كالعامَّةِ ، الحُبْك بالضمِّ والسكون ، وتُروى عن ابن عباس وأبي عمروٍ ، الحِبِك بكسرهما ، الحِبْك بالكسر والسكون ، وهو تخفيف المكسور ، الحِبَك بالكسر والفتح ، الحِبُك بالكسر والضم . فهذه سِتٌّ أقلقُها الأخيرةُ؛ لأنَّ هذه الزِّنةَ مهملةٌ في أبنية العربِ ، قال ابنُ عطية وغيرُه : « هو من التداخُلِ » يعني : أن فيها لغتين : الكسرَ في الحاء والباء والضمَّ فيهما ، فأخذ هذا القارىءُ الكسرَ من لغةٍ والضمَّ مِنْ أخرى . واستبعدها الناسُ؛ لأن التداخُلَ إنما يكون في كلمتين . وخَرَّجها الشيخ على أن الحاءَ أُتْبِعَتْ لحركة التاءِ في « ذات » قال : « ولم يَعْتَدَّ باللام فاصلةً لأنها ساكنةٌ فهي حاجزٌ غيرُ حصينٍ » . وقد وافق الحسنَ على هذه القراءةِ  مالك الغفاريُّ . وقرأ عكرمةُ بالضمِّ والفتح جمعَ « حُبْكَة » نحو : غُرْفة وغُرَف . وابن عباس وأبو مالك « الحَبَك » بفتحتين جمعُ « حَبَ‍كة » كعَقَبة وعَقَب ، فهذه ثمانِ قراءات.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

(ومِنْ خِزْيِ يَوْمَئْذٍ) ، ففتحت يوم وهو في موضع خفض لأنك أضفته إلى غير متمكن.

ومعنى (يُفْتَنُونَ) يحرقون وُيعَذَّبونَ ، ومن ذلك يقال للحجارة السود التي

كأنها قد أحرقت [بالنَّارِ] الفَتِينُ.

* * *

١٦

وقوله عزَّ وجلَّ : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦)

أعلم عزَّ وجلَّ ما لأهل النَّار ، ثم أعلم ما لأهل الجنَّة لأنَه لَمَّا قَالَ :

(وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) أعلم جزاء أهل الجنَّةِ ، وجزاء أهل النَّارِ.

و (آخِذِينَ) نصب على الحال ،  إن المتقين في جَنَاتٍ وعيون

في حال أخْذِ مَا آتَاهًمْ رَبهُمْ ، ولو كان في غير القرآن لجاز " آخِذُونَ "

ولكن المصحَفَ لَا يخَالف ، ويكون  إن المتَقين آخِذُونَ مَا آتَاهُمْ رَبهمْ في

جنات وعيونٍ ، والوجه الأول أجْوَد في  وعليه القراءة.

* * *

١٧

وقوله عزَّ وجلَّ : (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)

 كانوا يهجعون قليلًا من الليل ، أي كانوا ينامون قليلًا مِنَ الليْلِ.

ثم أعلم اللّه عزَّ وجلَّ في أي شيء كانَ سَهَرُهُمْ فقال :

١٨

(وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)

وجائز أن يكون " ما " مُؤكَدة لَغْواً ، وجائز أن يكون " ما " مع ما بعدها

مَصْدراً ، يكون  كانوا قليلًا من الليل هجوعهم.

* * *

١٩

(وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)

(المحروم) جاء في التفسير الذي لا ينمو له مال ، والأكثر في اللغة لا

ينمى له مال ، وجاء أيضاً أنه [المجارَف] (١) الذي لا يكاد يكتسب.

* * *

٢٣

 (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)

__________

(١) جاء في اللسان :

والمُجَرَّفُ والمُجارَفُ الفقير كالمُحارَفِ عن يعقوب وعدّه بدلاً وليس بشيء ورجل مُجَرَّفٌ قد جَرَّفَه الدهرُ أَي اجْتاح مالَه وأَفْقَرَه اللحياني رجل مُجارَفٌ ومُحارفٌ وهو الذي لا يَكْسِب خيراً ابن السكيت الجُرافُ مِكْيالٌ ضَخْم وقوله بالجُرافِ الأَكْبر يقال كان لهم من الهَواني. اهـ (لسان العرب. ٩ / ٢٥).

أي إن ما أتى به النبي - صلى اللّه عليه وسلم - حق وإن  (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) حَقٌّ.

فالمعنى أن هذا الذي ذكرنا في أمر الآيات والرزْقِ وأمر النبي - صلى اللّه عليه وسلم - حق (مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)

وقرئت (مِثلُ ما أنكم تنطقونَ) ، وهذا كما تقول في الكلام : إنَّ هذا لحق

كما أنك متكلمٌ.

فمن رفع " مثلُ " فهي من صفة الحق ،  إنه لحقٌّ مِثْلُ نطْقِكُمْ.

ومن نصب فعلى ضربين :

أحدهما أن يكون في موضع رفع إلاَّ أنه لما أضيف إلى " أنَّ " فتح.

ويجوز أن يكونَ منصوباً على التوكيد ، على معنى إنه

لحقٌّ حَقًّا مثل نطقكم.

* * *

٢٤

و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)

جاء في التفسير أنه لما أتَتْهُ الملاتكةُ أكرمهم بالعِجل.

وقيل : أكرمهم بأنه خَدَمَهُمْ ، صلوات اللّه عليه وعليهم.

* * *

٢٥

(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥)

(فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سِلْمٌ).

وقرئت : (قَالَ سَلاَمٌ).

فنصب الأولى على معنى السَّلامُ عليكم سَلاماً.

وسلمنا عليك سلاما.

ومن قرأ ، (قَالَ سَلَامٌ) فهو على وجهين :

على معنى قال سَلام عليكم.

ويجوز أن يكون على معنى أمرنا سَلامٌ.

ومن قرأ (سِلْمٌ) فالمعنى قال سِلْمٌ أي أمري سِلْمٌ ، وأمرنا سِلْمٌ.

أي لا بَأس علينا.

و (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ).

رفعه على معنى أنتم قوم منكرونَ.

* * *

٢٦

(فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦)

معنى (فَرَاغَ إِلَى أهْلِهِ)

عدل إِلَيْهِمْ من حيث لا يعلمون لأيِّ شيء عَدَل ،

وكذلك يَقُولُ : راغ فلان عنا إذا عدل عنهم من حيث لا يعلمون.

* * *

٢٧

و (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧)

 فقربه إِليهم ليأكلوا منه فلم يأكلوا ، قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ على النكير.

أي أمركم في ترك الأكل مما أنْكِرُه.

* * *

٢٨

و (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨)

معنى " أوْجَسَ " وقع في نَفْسِه الخوفُ.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ)

معنى " عليم " أنه يبلغ وَيَعْلَمَ.

* * *

٢٩

و (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩)

والصرةُ شدة الصاحِ ههنا

(فصَكَتْ وَجْهَهَا) أي لطمت وَجْهَهَا.

* * *

(وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ).

 وَقَالَتْ أنَا عَجُوزٌ عَقِيمٌ ، وكيف ألِدُ.

ودليل ذلك قوله في موضع آخر : (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا).

* * *

٣٠

(قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)

أي كما قلنا لك قال ربك ، أي إنما نخبرك عن اللّه - عزَّ وجلَّْ - واللّه

حكيم عَلِيم ، يقدر أن يجعل العقيم ولوداً ، والعجوز كذلك.

فعلم إبراهيم أنهم رسل وأنهم ملائكة.

* * *

٣١

(قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١)

أي ما شأنكم وفيم أرْسِلْتُمْ.

* * *

٣٣

(قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)

أي إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لنهلكهم بِكُفْرِهَمْ.

* * *

٣٤

(مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤)

أي معَلَّمَة على كل حجر منها اسم من جعل إِهْلَاكُه به ، والمسَوَّمَة

المعلَّمَة أُخِذَ من السومَةِ وهي العَلاَمة.

* * *

٣٧

و (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٣٧)

أي تركنا في مدينة قوم لوط علامة للخائفين تَدُلُّهُمْ عَلَى أن اللّه أهلكهم

وينكل غيرهم عن فعلهم.

* * *

٣٨

و (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨)

هذا عطف على  (وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِيِننَ)

وعلى  (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ).

و (بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) ، أي بحجة واضحة.

* * *

٣٩

(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ  مَجْنُونٌ (٣٩)

أي تولى بما كان يتقوى به من جُنْدِهِ ومُلكِهِ.

(وَقَالَ سَاحِرٌ  مَجْنُونٌ)

 وقال هذا ساحر  مجنون

* * *

٤٠

(فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠)

(فَأخَذْنَاهُ) وركنه الذي يتقوى به

(فَنَبَذْنَاهُمْ في اليمْ) واليم البحر.

(وَهُوَ مُلِيمٌ) أي اللائمة لازمة له ، أي ليس ذلك الذي فعل به بكفارة له.

والمُلِيمُ في اللغة الذي يأتي بما يجب أن يلام عليه.

ومعنى (نبذناهم) ألقيناهم ، وكل شيء ألقيته تقول فيه قد نبذته.

ومن ذلك نبذت النبيذ ، ومن ذلك تقول للملقوط منبوذ لأنه قد رُمِيَ به.

* * *

٤١

و (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)

أي (وَفِي عَادٍ) أيضاً آية على ما شرِحنا في  (وَفِي مُوسَى) والريح

العقيم التي لا يكون معها لَقْحٌ ، أي لا تأتي بمطر ، وإنما هي ريح الإهلاك.

* * *

٤٢

(مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)

والرميم الورق الجاف المتحطم ، مثل الهشيم ، كما قال :

(كَهَشِيم المُحْتَظِرِ).

* * *

٤٣

(وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣)

أي وفي ثمود أيضاً آية.

* * *

٤٦

و (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٤٦)

قرئت (وقومِ نوحٍ) - بالخفض - (وقومَ نوحٍ) - بالنصب -

فمن خفض فالمعنى في قوم نوح.

ومن نصب فهو عطف على معنى  (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ).

ومعنى أخذتهم الصاعقة أهلكناهم.

فالمعنى فأهلكناهم وأهلكنا قوم نوح من قبل.

والأحسن واللّه أعلم أن يكون محمولًا على  (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) ، لأن  فأغرقناه وجنوده وأغرقنا قوم نوح من قبل (١).

* * *

٤٧

(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)

أي بقُوَّةٍ.

(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)

جعلنا بينها وبين الأرض سعة.

* * *

٤٨

(وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (٤٨)

عطف على ما قبله مَنْصُوبٌ بفعل مضمر ،  وفرشنا الأرْضَ

فرشناها.

ومعنى (فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) نحن ، ولكن اللفظ بقوله فرشناها يدلُّ على

المضمر المحذوف.

* * *

٤٩

و (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)

 - واللّه أعلم - على الحيوان لأن الذكر والأنثى يقال لهما زَوْجَانِ

ومثله (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى).

ويجوز أن يكون الزوجان من كل

__________

(١) قال السَّمين :

  وَقَوْمَ نُوحٍ  : قرأ الأخَوان وأبو عمرو بجرِّ الميم ، والباقون/ بنصبها . وأبو السَّمَّال وابن مقسم وأبو عمرو في روايةِ الأصمعيِّ « وقومُ » بالرفع . فأمَّا الخفضُ ففيه أربعةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه معطوفٌ على « وفي الأرض » .

الثاني : أنه معطوفٌ على « وفي موسى » الثالث : أنه معطوفٌ على « وفي عاد » . الرابع : أنه معطوفٌ على « وفي ثمودَ » ، وهذا هو الظاهرُ لقُرْبِه وبُعْدِ غيرِه . ولم يذكرْ الزمخشريُّ غيرَه فإنه قال : « وقُرِىء بالجرِّ على معنى » وفي قوم نوح « . ويُقَوِّيه قراءةُ عبد اللّه » وفي قوم نوح « . ولم يَذْكُرْ أبو البقاء غيرَ الوجهِ الأخيرِ لظهورِه.

وأمّا النصبُ ففيه ستةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ أي : وأهلَكْنا قومَ نوح؛ لأنَّ ما قبلَه يَدُلُّ عليه .

الثاني : أنه منصوبٌ ب اذْكُرْ مقدراً ، ولم يَذْكُرْ الزمخشريُّ غيرَهما . الثالث : أنَّه منصوبٌ عطفاً على مفعول » فأَخَذْناه « . الرابع : أنه معطوفٌ على مفعول  فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم  وناسَبَ ذلك أنَّ قومَ نوح مُغْرقون من قبلُ . لكنْ يُشْكِلُ أنَّهم لم يَغْرَقوا في اليمِّ . وأصلُ العطفِ أَنْ يقتضيَ التشريكَ في المتعلَّقات . الخامس : أنَّه معطوفٌ على مفعولِ » فَأَخَذَتْهم الصاعقةُ « . وفيه إشكالٌ؛ لأنهم لم تأخُذْهم الصاعقةُ ، وإنما أُهْلكوا بالغَرَقِ . إلاَّ أَنْ يُرادَ بالصاعقةِ الداهيةُ والنازلةُ العظيمة من أيِّ نوع كانت ، فيَقْرُبُ ذلك . السادس : أنه معطوفٌ على محلِّ » وفي موسى « ، نقله أبو البقاء وهو ضعيفٌ.

وأما الرفعُ على الابتداءِ والخبرُ مقدَّرٌ أي : أهلَكْناهم . وقال أبو البقاء : » والخبرُ ما بعدَه « يعني مِنْ  إنهم كانوا قوماً فاسقين . ولا يجوز أَنْ يكونَ مرادُه  » من قبلُ «؛ إذ الظرفُ ناقصٌ فلا يُخبَرُ به.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

شيء ، ويكون  في كل شيء في الحيوان الذكر والأنثى ويكون في غيره

صِنفان أصل كل حيوان ومَوَاتٍ ، واللّه أعلم.

* * *

٥٠

وقوله عزَّ وجلََّ : (فَفِرُّوا إِلَى اللّه إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)

 ففروا إلى اللّه من الشرك باللّه ومن مَعَاصِيه إليه.

(إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، أي أنذركم عذابه وعقابه.

* * *

٥٢

و (وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللّه إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ  مَجْنُونٌ (٥٢)

 الأمر كذلك ، أي كما فعل من قبلهم في تَكذيبِ الرسُلِ.

* * *

(إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ  مَجْنُونٌ).

أي إلا قالوا هذا ساحر ، ارتفع ساحر بإضمار هو.

* * *

٥٣

و (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣)

معناه أوصى أولهم آخرهم ، وهذه ألف التوبيخ وألف الاستفهام.

* * *

٥٤

و (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)

أي لا لوم عليك إذ أديت الرسَالةَ.

* * *

٥٥

(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)

أي ذكرهم بأيام اللّه وعذابه وعقابه ورحمته.

* * *

٥٦

 (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)

اللّه - عزَّ وَجَلّ - قد علم من قبل أن يَخْلُقَ الجنَّ والِإنسَ من يعبده مِمَّنْ

يكفر به ، فلو كان إنما خلقهم ليجبرهم على عِبَادَتِه لكانوا كلهم عباداً مؤمنين ولم يكن منهم ضُلَّالٌ كافِرونَ.

فالمعنى : وما خلقت الجنَّ والِإنس إلا لأدعوهم إلى عِبَادَتِي.

وأنا مرِيدٌ العِبَادَةَ مِنْهُمْ ، يعني من أهلها.

* * *

٥٧

(مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)

أي ما أريد أن يرزقوا أحَداً من عبادي ، وما أريد أن يطعموه (١) ؛ لأني أنا

الرزاقُ المطعِمُ.

* * *

٥٨

(إِنَّ اللّه هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)

والقراءة الرفْعُ وهو في العربية أحسن نكون رفع (الْمَتِينُ) صفة للّه

عزّ وجَل ، ومن قرأ (ذو القوةِ المتينِ) - بالخفض - جعل المتين صفة للقوة لأن تأنيث القوة كتأنيث الموعظة ، كما قال : (فمن جَاءَهُ مَوْعِظةٌ)

 فمن جاءه وَعظ.

ومعنى (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ذو [الاقْتِدَارِ] الشديد.

* * *

٥٩

و (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩)

الذَّنُوب في اللغة النصيب والدلو يقال لها الذنوب.

 فإن للذين ظلموا نصيباً من العذاب مثلَ نَصيبِ أصْحَابِهم الذين أهلكوا نحو عاد وثمود وقوم لوط.

* * *

(فَلَا يَسْتَعْجِلُونَ).

أي إن أُخِّرُوا إلى يَوْمِ القيامَةِ.

* * *

٦٠

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)

أي من يوم القيامة.

__________

(١) قال ابن الجوزي :

قوله تعالى :  ما أُريدُ منهم من رِزْقٍ  أي : ما أُريدُ أن يرزُقوا أنفسهم  وما أُريدُ أن يُطْعِموني  أي : أن يُطْعِموا أحداً من خَلْقي ، لأنِّي أنا الرَّزّاق.

وإنما أسند الإطعام إلى نفسه ، لأن الخلق عيالُ اللّه ، ومن أطعمَ عِيالَ أحد فقد أطعمه.

وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : " يقول اللّه عز وجل يوم القيامة : يا ابن آدم : استطعمتُكَ فلم تُطْعِمْني " ، اي : لم تُطْعِم عبدي. اهـ (زاد المسير. ٨ / ٤٣).