سُورَةُ الْبَيِّنَةِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانِي آياَتٍ

١

قوله عز وجل : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١).

يعنى : النبي صلّى اللّه عليه وسلم ، وهى فى قراءة عبد اللّه : «لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكّين». فقد اختلف التفسير ، فقيل : لم يكونوا منفكين منتهين حتى [١٤٥/ ا] تأتيهم البينة.

يعنى : بعثه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن. وقال آخرون : لم يكونوا تاركين لصفة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فى كتابهم : أنه نبى حتى ظهر ، فلما ظهر تفرقوا واختلفوا ، ويصدّق ذلك.

٢

و قوله عز وجل : رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ (٢).

نكرة استؤنف على البينة ، وهى معرفة ، كما قال : «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ، فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «١»» وهى فى قراءة أبى : «رسولا من اللّه» بالنصب على الانقطاع من البيّنة.

(١) سورة البروج الآيتان : ١٥ ، ١٦.

٤

قوله عز وجل : وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وقد يكون الانفكاك على جهة يزال ، ويكون على الانفكاك الذي تعرفه ، فإذا كانت على جهة يزال فلا بد لها من فعل ، وأن يكون معها جحد ، فتقول : ما انفككت أذكرك ، تريد : ما زلت أذكرك ، فإذا كانت على غير معنى : يزال ، قلت : قد انفككت منك ، وانفك الشيء من الشيء ، فيكون بلا جحد ، وبلا فعل ، وقد قال ذو الرمة :

قلائص لا تنفك إلّا مناخة على الخسف أو ترمى بها بلدا قفرا «١»

فلم يدخل فيها إلا (إلّا) وهو ينوى بها التمام وخلاف : يزال ، لأنك لا تقول : ما زلت إلا قائما.

(١) روى (حراجيج) مكان (قلائص). وحراجيج جمع : حرجوج ، بضم فسكون ، وهى الناقة السمينة الطويلة على وجه الأرض ، أو الشديدة. ديوان الشاعر : ١٧٣ ، والكتاب : ١ : ٤٢٨ ، وتفسير القرطبي : ٢٠ : ١٤١

٥

وقوله تبارك وتعالى : وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ (٥).

العرب تجعل اللام فى موضع (أن) فى الأمر والإرادة كثيرا من ذلك قول اللّه تبارك وتعالى :

«يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ «٢»» ، و«يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا «٣»». وقال فى الأمر فى غير موضع من التنزيل ، «وَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «٤»» وهى فى قراءة عبد اللّه ، «و ما أمروا إلّا أن يعبدوا اللّه مخلصين» وفى قراءة عبد اللّه : «ذلك الدين القيمة «٥»» (٥) وفى قراءتنا «وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» وهو [١٤٥/ ب ] مما يضاف إلى نفسه لاختلاف لفظيه. وقد فسر فى غير موضع.

(٢) سورة النساء الآية : ٢٦.

(٣) سورة الصف الآية : ٨.

(٤) سورة الأنعام الآية : ٧١.

(٥) على أن الهاء فى هذه القراءة للمبالغة ، أو على أن المراد بالدين : الملة كقوله : ما هذه الصوت؟ يريد ما هذه الصيحة (البحر المحيط ٨/ ٤٩٩). ورواية القرطبي ج ٢٠ : ١٤٤ وفى حرف عبد اللّه «و ذلك الدين القيم»

٧

وقوله جل وعز : أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧).

البرية غير مهموز ، إلا أن بعض أهل الحجاز همزها «٦» كأنه أخذها من قول اللّه جل وعز برأكم ، وبرأ الخلق ، «٧» ، ومن لم يهمزها فقد تكون من هذا المعنى. ثم اجتمعوا على ترك همزها كما اجتمعوا على : يرى وترى ونرى «٨» وإن أخذت من البرى كانت غير مهموزة ، والبرى :

التراب سمعت العرب تقول : بفيه «٩» البرى ، وحمّى خيبرى ، وشرّ ما يرى «١٠» [فإنه خيسرى «١١»].

 (٦ ، ٧) ليس فى كتاب اللّه : برأكم ، ولا برأ الخلق. وعبارة ش : كأنه أخذها من قول اللّه : برأ وبرأ الخلق.

وفى اللسان : مادة «برأ» قال الفراء : هى من برأ اللّه الخلق ، أي : خلقهم. [.....]

(٨) سقط من ش.

(٩) مثلها فى اللسان ، وفى ب : بفيل ، وفى ش : بعتك وكل تحريف.

(١٠) فى اللسان : يقال : عليه الدبرى ، وحمى خيبرى مادة (خبر). وفى مادة خسر من اللسان :

و فى بعض الأسجاع : بفيه البرى ، وحمى خيبرى ، وشر ما يرى ، فإنه خيسرى ، والخيسرى : الخاسر.

(١١) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.