قوله عز وجل : وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣).
هى فى قراءة عبد اللّه «و الذكر والأنثى» فلو خفض خافض فى قراءتنا «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «٣»» يجعل «وَ ما خَلَقَ» كأنه قال : والذي «٤» خلق من الذكر والأنثى ، وقرأه العوام على نصبها ، يريدون :
و خلقه الذكر والأنثى.
(٣) قرأ الكسائي : بخفضهما على أنه بدل من محل ما خلق بمعنى : وما خلقه اللّه ، أي : ومخلوق اللّه الذكر والأنثى (تفسير الزمخشري : ٤/ ٢١٧).
(٤) كذا فى ش ، وفى ب ، ح : اللذين.
وقوله عز وجل : إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤).
هذا جواب القسم ، وقوله : «لَشَتَّى» يقول : لمختلف ، نزلت فى أبى بكر بن أبى قحافة رحمه اللّه ، وفى أبى سفيان ، وذلك أن أبابكر الصديق رضى اللّه عنه اشترى تسعة رجال كانوا فى أيدى المشركين من ماله يريد به اللّه تبارك وتعالى فأنزل اللّه جل وعز فيه ذلك : «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى » (٥) «وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى » (٦) أبو بكر «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » (٧) للعود إلى العمل الصالح.
وقوله عز وجل : وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) :
بثواب الجنة : أنه لا ثواب.
وقوله : فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠).
يقول : قد خلق على أنه شقى ممنوع من الخير ، ويقول القائل : فكيف قال : «فسنيسّره
للعسرى» فهل فى العسرى تيسير؟ فيقال فى هذا فى إجازته بمنزلة قول اللّه تبارك اللّه وتعالى :
«وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «١»». والبشارة فى الأصل على المفرح والسار فإذا جمعت «٢» فى كلامين : هذا خير ، وهذا شر جاز التيسير فيهما جميعا.
وقوله عز وجل : فَسَنُيَسِّرُهُ سنهيئه. والعرب تقول : قد يسّرت الغنم إذا ولدت وتهيأت للولادة : وقال الشاعر «٣» :
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسّرت غنماهما
(١) سورة التوبة الآية ٣. [.....]
(٢) فى ش : اجتمع.
(٣) هو أبو أسيّدة الدّبيرىّ ، وقبل هذا البيت :
إنّ لنا شيخين لا ينفعاننا غنيّين ، لا يجدى علينا غناهما
و معنى البيت كما فى اللسان : «ليس فيهما من السيادة إلا كونهما قد يسرت غنماهما» والعرب : تقول : قد يسرت الغنم إذا ولدت وتهيأت للولادة. ويسرت الغنم : كثرت وكثر لبنها ونسلها ، - (اللسان مادة يسر) وانظر (تهذيب الألفاظ : ١٣٥ ، والحيوان : ٦/ ٦٥ ، ٦٦).
و قوله [١٤١/ ا] عز وجل : إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢).
يقول : من سلك الهدى فعلى اللّه سبيله ، ومثله قوله : «وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ «٤»» يقول : من أراد اللّه فهو على السبيل القاصد ، ويقال : إن علينا للهدى والإضلال ، فترك الإضلال كما قال :
«سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «٥»» ، وهى تقى الحرّ والبرد.
(٤) سورة النحل الآية : ٩.
(٥) سورة النحل الآية : ٨١.
وقوله جل وعز : وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣).
لثواب هذه ، وثواب هذه.
وقوله تبارك وتعالى : فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤).
معناه : تتلظى فهى فى موضع رفع ، ولو كانت على معنى فعل ماض لكانت : فأنذرتكم نارا تلظّت.
[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد «٦»] قال : حدثنا الفراء ، قال : حدثنى سفيان بن عيينة «٧»
(٦) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(٧) هو سفيان بن عيينة بن أبى عمران ميمون أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي الأعور الإمام المشهور ، ولد سنة سبع ومائة ، وعرض القرآن على حميد بن قيس الأعرج ، وعبد اللّه بن كثير ، وثقه الكسائي ، توفى سنة ١٩٨ ، ويقال : إنه حج ثمانين حجة. (طبقات القراء ١/ ٣٠٨).
عن عمرو بن دينار قال ، «فاتت عبيد بن عمير ركعة من المغرب ، فقام يقضيها فسمعته يقرأ :
«فأنذرتكم نارا تتلظّى «١»» : قال الفراء ورأيتها فى مصحف عبد اللّه : «تتلظّى» بتاءين.
(١) وكذلك قرأ ابن الزبير ، وزيد بن على ، وطلحة ، وسفيان بن عيينة. (البحر المحيط ٨/ ٤٨٤).
وقوله عز وجل : لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥).
إلّا من كان شقيا فى علم اللّه.
وقوله عز وجل : الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦).
لم يكن كذّب بردّ ظاهر ، ولكنه قصّر عما أمر به من الطاعة ، فجعل تكذيبا ، كما تقول :
لقى فلان العدو فكذب إذا نكل ورجع. قال الفراء : وسمعت أبا ثروان يقول : إنّ بنى نمير ليس لجدهم «٢» مكذوبة. يقول : إذا لقوا صدقوا القتال ولم يرجعوا ، وكذلك قول اللّه تبارك وتعالى : «لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ «٣»» يقول : هى حق.
(٢) وفى الأصول : «لحرهم» والتصويب من «القرطبى : جامع البيان ٢٠ : ٨٧».
(٣) سورة الواقعة الآية : ٢.
وقوله عز وجل : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) أبو بكر.
وقوله عز وجل : وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩).
يقول : لم ينفق «٤» نفقته مكافأة ليد أحد عنده ، ولكن أنفقها ابتغاء وجه ربه ، فإلّا فى هذا الموضع بمعنى (لكن) وقد يجوز أن تجعل الفعل فى المكافأة «٥» مستقبلا ، فتقول : ولم يرد مما «٦» أنفق مكافأة من أحد. ويكون موقع اللام التي فى أحد - فى الهاء التي [١٤١/ ب ] خفضتها عنده ، فكأنك قلت : وماله عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها ، وكلا الوجهين حسن ، قال الفراء :
ما أدرى أي الوجهين أحسن ، وقد تضع العرب الحرف فى غير موضعه إذا كان المعنى معروفا وقد قال الشاعر «٧».
لقد خفت حتى ما تزيد مخافتى على وعل فى ذى المكاره عاقل
(٤) فى ش : لم يكن ينفق.
(٥) فى ش : المكافآت.
(٦) فى ش : بما.
(٧) البيت للنابغة الذبياني ، وقد استشهد به القرطبي فى الجزء (٢ : ٨١) والجزء (٢٠ : ٢٢٧) فليرجع إليه هناك.
و المعنى : حتى ما تزيد مخافة (وعل) على مخافتى ، ومثله من غير المخفوض قول الراجز «١» :
إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره
[قال ] «٢» الفراء : حليت بعيني ، وحلوت [فى صدرى ] «٣» والمعنى : تحلى بالعين إذا ما تجهره ، ونصب الابتغاء من جهتين : من أن تجعل فيها نية إنفاقه ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه. والآخر على اختلاف ما قبل إلّا وما بعدها والعرب تقول : ما فى الدار أحد إلّا أكلبا وأحمرة ، وهى لغة لأهل الحجاز ، ويتبعون آخر الكلام أوله «٤» فيرفعون فى الرفع ، وقال الشاعر «٥» فى ذلك.
وبلدة ليس بها أنيس إلّا اليعافير وإلّا العيس
فرفع ، ولو رفع (إلا ابتغاء «٦» وجه ربه) رافع لم يكن خطأ لأنك لو ألقيت من : من النعمة لقلت «٧» : ما لأحد عنده نعمة تجزى إلا ابتغاء ، فيكون الرفع على اتباع المعنى ، كما تقول : ما أتانى من أحد إلّا أبوك.
(١) لم أعثر على القائل [.....]
(٢ ، ٣) سقط فى ش.
(٤) سقط فى ش.
(٥) هو عامر بن الحارث الملقب : بجران العود. شاعر نميرى. الخزانة ٤/ ١٩٧. وفى ش : فيه ، تحريف.
(٦) قرأ ابن وثاب بالرفع على البدل فى موضع نعمة لأنه رفع ، وهى لغة تميم (البحر المحيط ٨/ ٤٨٤).
(٧) سقط فى ش.