قوله عز وجل : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١).
نزلت أول قدوم النبي صلّى اللّه عليه إلى المدينة ، فكان أهلها إذا ابتاعوا كيلا أو وزنا استوفوا وأفرطوا. وإذا باعوا كيلا أو وزنا نقصوا فنزلت «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» فانتهوا ، فهم أو فى الناس «٥» كيلا إلى يومهم هذا.
[قال ] «٦» قال الفراء : ذكر أن «وَيْلٌ» واد فى جهنم ، والويل الذي نعرف «٧».
(٥) عبارة القرطبي التي نقلها عن الفراء : فهم من أوفى الناس (تفسير القرطبي ١٩/ ٢٥٠).
(٦) سقط فى ش.
(٧) أي : العذاب والهلاك.
وقوله عز وجل : اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ (٢).
يريد : اكتالوا من الناس ، وهما تعتقبان : على ومن - فى هذا الموضع لأنه حقّ عليه فإذا قال : اكتلت عليك ، فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قال : اكتلت منك ، فهو كقولك : استوفيت منك.
وقوله عز وجل : وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ [١٣١/ ا] وَزَنُوهُمْ «٨» (٣) الهاء فى موضع نصب ، تقول : قد كلتك طعاما كثيرا ، وكلتنى مثله. تريد : كلت لى ،
و كلت لك ، وسمعت أعرابية تقول : إذا صدر الناس أتينا التاجر ، فيكيلنا المدّ والمدّين إلى الموسم المقبل ، فهذا شاهد ، وهو من كلام أهل الحجاز ، ومن جاورهم من قيس.
(٨) فى جميع النسخ ورد الكلام عن الآية ٣ قبل الآية ٢.
وقوله عز وجل : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ (٦).
هو تفسير اليوم المخفوض لمّا ألقى اللام من الثاني ردّه إلى «مَبْعُوثُونَ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ» فلو خفضت يوم بالرّد على اليوم الأوّل كان صوابا.
وقد تكون فى موضع خفض «١» إلّا أنها أضيفت إلى يفعل ، فنصبت إذ أضيفت إلى غير محض «٢» ، ولو رفع على ذلك «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ» كما قال الشاعر :
فكنت كذى رجلين : رجل صحيحة وأخرى رمى فيها الزّمان فشلّت «٣».
(١) فى الكشاف (٢ : ٥٣١) : وقرىء بالجر بدلا من (يوم عظيم).
(٢) فى ش : مخفوض.
(٣) البيت لكثير عزة ، والرفع على القطع ، وهو وجه جائز مع الجر على البدل. (الكتاب ١ : ٢١٥) وانظر (الخزانة ٢/ ٢٧٦).
و قوله عز وجل : وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨).
ذكروا أنها الصخرة التي تحت الأرض ، ونرى أنه صفة من صفاتها لأنه لو كان لها اسما لم يجر.
وإن قلت : أجريته لأنى ذهبت بالصخرة إلى أنها الحجر الذي فيه الكتاب كان وجها.
وقوله عز وجل : كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤).
يقول : كثرت المعاصي والذنوب منهم ، فأحاطت بقلوبهم فذلك الرّين عليها. وجاء فى الحديث : إن عمر «٤» بن الخطاب رحمه اللّه ، قال للأسيفع «٥» أصبح قدرين به. يقول : قد أحاط بماله [١٣١/ ب ] ، الدين وأنشدنى بعض العرب «٦» :
لم ترو حتى هجرت ورين بي
يقول : حتى غلبت من الإعياء ، كذلك غلبة الدّين ، وغلبة الذنوب.
(٤) هذه رواية ش ، وبقية النسخ : «أن فى عن عمر» ش : أن عمر قال.
(٥) أسيفع جهينة ، روى أن عمر خطب فقال : ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة قد رضى من دينه وأمانته ، بأن يقال : سبق الحاج فادّان معرضا ، وأصبح قدرين به (اللسان مادة : رين).
(٦) فى اللسان : أنشده ابن الأعرابى ١٣/ ١٩٣ ، والرواية فيه :
ضحيت حتّى أظهرت ورين بي ورين بالسّاقى الذي كان معى
وقوله عز وجل : كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨).
يقول القائل : كيف جمعت (علّيون) بالنون ، وهذا من جمع الرجال فإن «١» العرب إذا جمعت جمعا لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين ، فقالوه فى المؤنث ، والمذكر بالنون ، فمن ذلك هذا ، وهو شىء فوق شىء غير معروف واحده ولا أثناه.
وسمعت بعض العرب يقول : أطعمنا مرقة مرقين «٢» يريد : اللحم إذا طبخت بمرق.
قال ، [وقال الفراء مرة أخرى : طبخت بماء] «٣» واحد. قال الشاعر :
قد رويت إلا الدّهيدهينا قليّصات وأبيكرينا «٤»
فجمع بالنون لأنه أراد : العدد الذي لا يحدّ ، وكذلك قول الشاعر :
فأصبحت المذاهب قد أذاعت بها الإعصار بعد الوابلينا «٥»
أراد : المطر بعد المطر غير محدود. ونرى أن قول العرب :
عشرون ، وثلاثون إذ جعل للنساء وللرجال من العدد الذي يشبه هذا النوع ، وكذلك عليّون : ارتفاع بعد ارتفاع وكأنه لا غاية له.
(١) عبارة القرطبي فى المسألة نقلا عن الفراء هى : «و العرب إذا جمعت جمعا ، ولم يكن له بناء من واحده ، ولا تثنيته ، قالوا فى المذكر والمؤنث بالنون» (تفسير القرطبي ١٩/ ٢٦٣).
(٢) عبارة اللسان نقلا عن الفراء : سمعت بعض العرب يقول : أطعمنا فلان مرقة مرقين يريد : اللحم إذا طبخ ، ثم طبخ لحم آخر بذلك الماء. [.....]
(٣) ساقط فى ش.
(٤) الدهداء : صغار الإبل : جمع الدهداء بالواو والنون ، وحذف الياء من الدهيديهينا للضرورة (اللسان نقلا عن ابن سيده). وجاء فى اللسان : البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس ، والبكرة بمنزلة الإنسان ، والقلوص بمنزلة الجارية ، ويجمع البكر على أبكر ، قال الجوهري : وقد صغره الراجز وجمعه بالياء والنون فقال : وأورد البيت - والبيت غير منسوب - فى اللسان - وروايته فى مادة (دهده) متفقة وما جاء هنا .. وجاء رواية فى مادة بكر : شربت مكان رويت (اللسان) وانظر (الخزانة ٣/ ٤٠٨).
(٥) رواه المخصص غير منسوب ، وفيه : فإن شئت جعلت الوابلين : الرجال الممدوحين ، وصفهم بالوبل سعة عطاياهم ، وإن شئت جعلته وبلا بعد وبل ، فكان جمعا لم يقصد به قصد كثرة ولا قلة (المخصص : ٩ : ١١٤).
وقوله عز وجل : تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)
يقول. بريق النعيم ونداه ، والقراء مجتمعون على (تعرف) إلا أبا جعفر المدني فإنه قرأ : «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ «١»» و«يُعْرَفُ» أيضا يجوز لأنّ النّضرة اسم مؤنث مأخوذ من فعل وتذكير فعله قبله [١٣٢/ ا] وتأنيثه جائزان.
مثل قوله : «وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا «٢» الصَّيْحَةُ» وفى موضع آخر. «وَ أَخَذَتِ «٣»».
(١) وهى أيضا قراءة يعقوب وشيبة وابن إسحاق ، كما فى القرطبي : ١٩/ ٢٦٥.
(٢) سورة هود : ٦٧ ، ٩٤ على الترتيب.
(٣ ، ٤) سقط فى ش : من قرأ الحسن إلى مسك.
وقوله عز وجل : خاتمه مسك (٢٦).
[قرأ الحسن وأهل الحجاز وعاصم والأعمش «خِتامُهُ مِسْكٌ «٤»». حدثنا أبو العباس قال : حدثنا «٥» محمد قال : حدثنا الفراء قال : [و] «٦» حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السّائب «٧» عن أبى عبد الرحمن عن علىّ أنه قرأ «خاتمه مسك» [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد] قال : «٨» حدثنا الفراء قال : [و] «٩» حدثنى أبو الأحوص عن أشعث بن أبى الشعناء المحاربي قال :
قرأ علقمة بن قيس «خاتمه مسك» «١٠». وقال : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل لى خاتمه مسكا تريد : آخره ، والخاتم والختام متقاربان فى المعنى ، إلا أن الخاتم : الاسم ، والختام : المصدر ، قال الفرزدق :
فبتن جنابتى مصرّعات وبتّ أفضّ أغلاق الختام «١١»
و مثل الخاتم ، والختام قولك للرجل : هو كريم الطابع ، والطباع ، وتفسيره : أنّ أحدهم إذا شرب وجد آخر كأسه ريح المسك.
(٣ ، ٤) سقط فى ش : من قرأ الحسن إلى مسك
(٥) فى ش حدثنى.
(٦ ، ٨) سقط فى ش.
(٧) عطاء بن السائب : هو أبو زيد الثقفي الكوفي أحد الأعلام ، أخذ القراءة عرضا عن أبى عبد الرحمن السلمى ، وأدرك عليا. روى عنه شعبة بن الحجاج ، وأبو بكر بن عياش ، وجعفر بن سليمان ، ومسح على رأسه ، ودعا له بالبركة. مات سنة ست وثلاثين ومائة (طبقات الفراء : ١/ ٥١٣).
(٩) سقط فى ش.
(١٠) وهى أيضا قراءة الكسائي (الإتحاف : ٤٣٥) ، وعلى وعلقمة وشقيق والضحاك وطاووس (القرطبي ١٩/ ٢٦٥).
(١١) الديوان : ٢٥٢ ، ونقل اللسان عبارة الفراء هنا (مادة ختم) ، وأورد البيت بروايته عن الفرزدق.
وقوله عز وجل : وَمِزاجُهُ (٢٧)
مزاج الرحيق «مِنْ تَسْنِيمٍ» (٢٧) من ماء يتنزل عليهم من معال. فقال : (من تسنيم ، عينا) تتسنمهم عينا فتنصب (عينا) على جهتين : إحداهما أن تنوى من تسنيم عين ، فإذا نونت نصبت.
كما قرأ من قرأ : «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ، يَتِيماً «١»» ، وكما قال : «أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً «٢»» ، وكما قال من قال : «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «٣»» والوجه الآخر :
أن تنوى من ماء سنّم عينا.
كقولك : رفع عينا يشرب بها ، وإن [لم ] «٤» يكن التسنيم اسما للماء فالعين نكرة ، والتسنيم معرفة ، وإن كان اسما للماء فالعين معرفة «٥» ، فخرجت أيضا نصبا.
(١) سورة البلد : : ١٤ ، ١٥.
(٢) سورة المرسلات الآيتان : ٢٥ ، ٢٦. [.....]
(٣) سورة المائدة : الآية ٩٥.
(٤) زيادة من اللسان نقلا عن الفراء ، وبها يتضح المعنى.
(٥) كذا فى اللسان ، وفى النسخ نكرة ، تحريف.
وقوله جل وعز : فاكهين (٣١) : معجبين ، وقد قرىء : «فَكِهِينَ «٦»» وكلّ صواب مثل : طمع وطامع.
(٦) هذه قراءة حفص وأبى جعفر وابن عامر فى إحدى روايتيه. (الإتحاف : ٤٣٥).