سُورَةُ التَّكْوِيرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً

١

قوله عز وجل : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) ذهب ضوءها.

٢

وقوله تبارك وتعالى : [١٢٨/ ا] وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢).

أي : انتثرت وقعت على وجه الأرض.

٤

وقوله جل وعز : وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤).

والعشار : لقح الإبل عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم.

٥

وقوله عز وجل : وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥).

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] «٢» حدثنا الفراء قال : حدثنى أبو الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بن مسروق عن عكرمة قال : حشرها : موتها.

(٢ ، ٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.

٦

وقوله عز وجل : وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦).

أفضى بعضها إلى بعض ، فصارت بحرا واحدا.

٧

وقوله جل وعز : وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧).

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] «٣» حدثنا الفراء قال : حدثنى أبو الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بن مسروق أبى سفيان عن عكرمة فى قوله : وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قال :

 (٢ ، ٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.

يقرن الرجل بقرينه الصالح فى الدنيا فى الجنة ، ويقرن الرجل الذي كان يعمل العمل السيّء بصاحبه الذي كان يعينه على ذلك فى النار ، فذلك تزويج الأنفس. قال الفراء : وسمعت «١» بعض العرب يقول : زوجت إبلى ، ونهى اللّه أن يقرن بين اثنين ، وذلك أن يقرن البعير بالبعير فيعتلفان معا ، ويرحلان معا.

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] «٢» حدثنا الفراء قال : حدثنى حبّان عن الكلبي عن أبى صالح عن أبيه «٣» عن ابن عباس ، وحدثنى على بن غراب عن ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ : «و إذا الموؤدة سألت «٤»» (٨) «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» (٩) وقال : هى «٥» التي تسأل ولا تسأل وقد يجوز أن يقرأ : «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» ، والمعنى : بأى ذنب قتلت. كما تقول فى الكلام :

عبد اللّه بأى ذنب ضرب ، وبأى ذنب ضربت. وقد مرّ له نظائر من الحكاية ، من ذلك [١٢٨/ ب ] قول عنترة :

الشاتمى عرضى ولم أشتمها والناذرين إذا لقيتهما دمى «٦»

و المعنى : أنهما كانا يقولان : إذا لقينا عنترة لنقتلنه. فجرى الكلام فى شعره على هذا المعنى.

واللفظ مختلف ، وكذلك قوله

رجلان من ضبة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا «٧»

و المعنى : أخبرانا أنهما ، ولكنه جرى على مذهب القول ، كما يقول «٨» : قال عبد اللّه : إنه إنه لذاهب «٩» وإنى ذاهب «١٠» ، والذهاب له فى الوجهين جميعا.

و من قرأ : «وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ» (٨) ففيه وجهان : سئلت : فقيل لها : «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» (٩) ثم يجوز قتلت. كما جاز فى المسألة الأولى ، ويكون سئلت : سئل عنها الذين وأدوها. كأنك قلت :

طلبت منهم ، فقيل : أين أولادكم؟ وبأى ذنب قتلتموهم؟ وكل الوجوه حسن بيّن إلّا أن الأكثر (سئلت) فهو أحبّها إلىّ.

(١) فى ش : سمعت.

(٢) سقط فى ش.

(٣) سقط فى ش.

(٤) وكذلك هو فى مصحف أبى (تفسير القرطبي : ١٩/ ٢٣٤) ، وهى أيضا قراءة ابن مسعود وعلى وجابر ابن زيد ومجاهد (البحر المحيط : ٨/ ٤٣٣).

(٥) فى ش : وقال التي تسأل وقد.

(٦) الشاتماه : هما : ابنا ضمضم : هرم ، وحصين اللذان قتل عنترة أباهما ، فكانا يتوعدانه. وفى رواية : إذا لم القهما (انظر ص : ٣٤٣) من مختارات الشعر الجاهلى. وص : ١٥٤ من شرح ديوان عنترة.

(٧) انظر المحتسب : ١/ ١٠٩ والخصائص : ٢/ ٣٣٨. [.....]

(٨) فى ش : تقول.

(٩) فى ش : ذاهب.

(١٠) فى ش لذاهب

١٠

وقوله عز وجل : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠).

شدّدها يحيى بن وثاب ، وأصحابه ، وخففها آخرون من أهل المدينة «١» وغيرهم. وكلّ صواب ، قال اللّه جل وعز «صُحُفاً مُنَشَّرَةً «٢»» ، فهذا شاهد لمن شدّد ، ومنشورة عربى ، والتشديد فيه والتخفيف لكثرته ، وأنه جمع كما تقول : مررت بكباش مذبّحة ، ومذبوحة ، فإذا كان واحدا لم يجز إلا التخفيف ، كما تقول : رجل مقتول ، ولا تقول : مقتّل.

(١) قرأ بالتخفيف جماعة منهم : أبو رجاء وقتادة والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم (البحر المحيط ٨/ ٤٣٤).

(٢) سورة المدثر : ٥٢.

١١

وقوله جل وعز وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١).

نزعت وطويت ، وفى [١٢٩/ ا] قراءة عبد اللّه : «قشطت» بالقاف ، وهما لغتان ، والعرب تقول :

القافور «٣» والكافور ، والقفّ والكفّ - إذا تقارب الحرفان فى المخرج تعاقبا فى اللغات : كما يقال :

جدف وجدث ، تعاقبت الفاء الثاء فى كثير من الكلام ، كما قيل : الأثافى والأثاثى «٤» ، وثوب فرقبى وثرقبى «٥» ، ووقعوا فى عاثور شرّ ، وعافور شر «٦».

(٣) ونقدمت قراءة عبد اللّه : «قافورا» فى «كافُوراً». (البحر المحيط ٨/ ٤٣٤).

(٤) الأثافى : جمع أثفية ، وهى الحجر الذي توضع عليه القدر.

(٥) الثرقبية والفرقبية : ثياب كتان بيض وقيل : من ثياب مصر ، يقال : ثوب ثرقبى وفرقبى.

(٦) العاثور : ما عثر به ، وقعوا فى عاثور شر ، أي : فى اختلاط من شر وشدة.

١٢

وقوله عز وجل : وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢).

خففها الأعمش وأصحابه ، وشددها الآخرون «٧».

(٧) منهم نافع وابن ذكوان وحفص وأبو بكر (الإتحاف : ٤٣٤).

١٤

وقوله تبارك وتعالى : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤) جواب لقوله «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» (١) ولما بعدها ، «وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ» (١٣) قربت.

١٥

و قوله عز وجل : فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥).

وهى النجوم الخمسة تخنس فى مجراها ، ترجع وتكنس : تستتر كما تكنس الظباء فى المغار ، وهو الكناس. والخمسة : بهرام ، وزحل ، وعطارد ، والزّهرة ، والمشترى.

وقال الكلبي : البرجيس : يعنى المشترى.

١٧

وقوله عز وجل : وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧).

اجتمع المفسرون : على أن معنى «عَسْعَسَ» : أدبر ، وكان بعض أصحابنا يزعم أن عسعس : دنا من أوله وأظلم ، وكان أبو البلاد النحوي ينشد فيه «١»

عسعس حتى لو يشاء أدّنا كان له من ضوئه مقبس

يريد : إذ دنا ، ثم يلقى همزة إذ «٢» ، ويدغم الذال فى الدال ، وكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع.

(١) البيت منسوب فى تفسير القرطبي ١٩/ ٢٣٧ إلى امرئ القيس ، وقد رجعت إلى ديوانه فلم أجده هناك.

ورواية القرطبي : «كان لنا من ناره» مكان : «كان له من ضوئه». ورواية اللسان متفقة هى ورواية الفراء.

(٢) سقط فى ش.

١٨

وقوله : وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨).

إذا ارتفع النهار ، فهو تنفس الصبح.

١٩

وقوله عز وجل : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩).

يعنى : جبريل صلّى اللّه عليه ، وعلى جميع الأنبياء.

٢٤

وقوله : وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظنين [١٢٩/ ب ] (٢٤).

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال «٣»] حدثنا الفراء قال : حدثنى قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبى النجود عن زر بن حبيش قال : أنتم تقرءون : (بِضَنِينٍ) ببخيل ، ونحن نقرأ (بظنين) «٤» بمتّهم. وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت (بِضَنِينٍ) وهو حسن ، يقول : يأتيه غيب السماء ، وهو منفوس «٥» فيه فلا يضن به عنكم ، فلو كان مكان : على - عن - صلح أو الباء

 (٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.

(٤) وهى قراءة ابن كثير ، وأبى عمرو ، والكسائي ، ورويس. (الإتحاف : ٤٣٤) [.....]

(٥) فى النسخ منفوش ، والتصويب من اللسان ، نقلا عن الفراء.

كما تقول : ما هو بضنين بالغيب. والذين قالوا : بظنين. احتجوا بأن على تقوى «١» قوهم ، كما تقول :

ما أنت على فلان بمتهم ، وتقول : ما هو على الغيب بظنين : بضعيف ، يقول : هو محتمل له ، والعرب تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل : هو ظنون. سمعت بعض قضاعة يقول : ربما دلّك على الرأى الظنون ، يريد : الضعيف من الرجال ، فإن يكن معنى ظنين : ضعيفا ، فهو كما قيل : ماء شريب ، وشروب ، وقرونى ، وقرينى ، وسمعت : قرونى وقرينى ، وقرونتى وقرينتى «٢» - إلا أنّ الوجه ألّا تدخل الهاء. وناقة طعوم وطعيم ، وهى التي»

بين الغثّة والسمينة.

(١) فى ش : يقوى.

(٢) وقرونى وقرينى ، وقرونتى وقرينتى ، وهى النفس والعزيمة.

٢٦

وقوله عز وجل : فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)؟

العرب تقول : إلى أين تذهب؟ وأين تذهب؟ ويقولون : ذهبت الشام ، وذهبت السوق ، وانطلقت الشام ، وانطلقت السوق ، وخرجت الشام - سمعناه فى هذه الأحرف الثلاثة : خرجت ، وانطلقت ، وذهبت. وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : انطلق به الفور ، فتنصب على معنى إلقاء الصفة ، وأنشدنى بعض بنى عقيل «٤» :

تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا وأىّ الأرض تذهب للصّياح

يريد : إلى أي الأرض تذهب [١٣٠/ ا] واستجازوا فى هؤلاء الأحرف إلقاء (إلى) لكثرة استعمالهم إياها.

(٤) نقل القرطبي فى تفسيره ، ما حكاه الفراء عن العرب هنا ، ثم أورد البيت وجعل «بالصياح» مكان «للصياح» (تفسير القرطبي : ١٩/ ١٤٢).