سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسُونَ آيَةً

١

[١٢٠/ ب ] قوله عز وجل : وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١).

يقال : هى الملائكة ، وأما قوله : (عرفا) فيقال : أرسلت بالمعروف ، ويقال : تتابعت كعرف الفرس ، والعرب تقول : تركت الناس إلى فلان عرفا واحدا ، إذا توجهوا إليه فأكثروا.

٢

وقوله عز وجل : فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢).

وهى الرياح.

٣

و قوله عز وجل : وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣).

وهى : الرياح التي تأتى بالمطر.

٤

وقوله عز وجل : فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤).

وهى : الملائكة ، تنزل بالفرق ، بالوحى ما بين الحلال والحرام وبتفصيله «١» ، وهى أيضا.

«فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً» (٥).

هى : الملائكة تلقى الذكر إلى الأنبياء.

(١) فى ش : وبتفضيله وهو تصحيف. [.....]

٦

وقوله عز وجل : عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦).

خففه الأعمش ، وثقل «٢» عاصم : (النّذر) وحده. وأهل الحجاز والحسن يثقلون عذرا أو نذرا «٣». وهو مصدر مخففا كان أو مثقلا. ونصب عذرا أو نذرا أي : أرسلت بما أرسلت به إعذارا من اللّه وإنذارا.

(٢) فى ش : وثقله ، تحريف.

(٣) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص «أَوْ نُذْراً» بإسكان الذال ، وجميع السبعة على إسكان ذال «عُذْراً» سوى ما رواه الجعفي والأعمش عن أبى بكر عن عاصم أنه ضم الذال ، وروى ذلك عن ابن عباس والحسن وغيرهما (تفسير القرطبي ١٩/ ١٥٦).

٨

وقوله عز وجل : فَإِذَا «٤» النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨).

ذهب ضوءها.

(٤) فى ب : وإذا وهو مخالف للمصحف.

١١

وقوله عز وجل : وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١).

اجتمع القراء على همزها ، وهى فى قراءة عبد اللّه : «وقّتت» «٥» بالواو ، وقرأها «٦» أبو جعفر المدني : «وقتت» بالواو خفيفة «٧» ، وإنما همزت لأن الواو إذا كانت أول حرف وضمت همزت ، من ذلك قولك : صلّى القوم أحدانا. وأنشدنى بعضهم :

 (٥) اختلف فى : «أُقِّتَتْ» فأبو عمرو بواو مضمومة مع تشديد القاف على الأصل لأنه من الوقت ، والهمز بدل من الواو ، وافقه اليزيدي (الاتحاف ٤٣٠).

(٦) فى ش : قرأها.

(٧) وهى قراءة شيبة والأعرج (انظر تفسير القرطبي ١٩/ ١٥٨).

يحل أحيده ، ويقال : بعل ومثل تموّل منه افتقار «١»

و يقولون : هذه أجوه حسان - بالهمز ، وذلك لأن ضمة الواو ثقيلة ، كما كان كسر الياء ثقيلا.

(١) فى النسخ : أحيد ، والأرجح أنها تحريف (الأخيذ) ، وهو الأسير. والتمول : اقتناء المال.

وقوله عز وجل : أُقِّتَتْ (١١). جمعت لوقتها يوم القيامة [١٢١/ ا].

١٢

وقوله عز وجل : لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢).

يعجب العباد من ذلك اليوم ثم قال : «لِيَوْمِ الْفَصْلِ» (١٣).

١٦

وقوله عز وجل : أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧).

بالرفع. وهى فى قراءة عبد اللّه : «أ لم نهلك الأولين وسنتبعهم الآخرين» ، فهذا دليل على أنها مستأنفة لا مردودة على (نهلك) ، ولو جزمت على : ألم نقدّر إهلاك الأولين ، وإتباعهم الآخرين - كان وجها جيدا بالجزم «٢» لأنّ التقدير يصلح للماضى ، وللمستقبل.

(٢) قرأ بالجزم الأعرج ، قال ابن جنى ، ويحتمل جزمه أمرين :

أحدهما : أن يكون أراد معنى قراءة الجماعة «نُتْبِعُهُمُ» بالرفع فأسكن العين استثقالا توالى الحركات.

والآخر : أن يكون جزما فيعطفه على قوله : نهلك ، فيجرى مجرى قولك : ألم تزرنى ثم أعطك .. (المحتسب ٢/ ٣٤٦)

٢٣

وقوله عز وجل : فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣).

ذكر عن على بن أبى طالب رحمه اللّه ، وعن أبى «٣» عبد الرحمن السلمى : أنهما شدّدا ، وخففها الأعمش وعاصم «٤». ولا تبعدن أن يكون المعنى فى التشديد والتخفيف واحدا لأن العرب قد تقول : قدّر عليه الموت ، وقدّر عليه رزقه ، وقدر عليه بالتخفيف والتشديد ، وقد احتج الذين خففوا فقالوا : لو كان كذلك لكانت : فنعم المقدّرون. وقد يجمع العرب بين اللغتين ،

(٣) سقطت فى ب.

(٤) وقرأ نافع والكسائي وأبو جعفر بتشديد الدال من التقدير ، وافقهم الحسن والباقون بالتخفيف من القدرة (الاتحاف ٤٣٠).

قال اللّه تبارك وتعالى : «فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً «٥»» (٤) ، وقال الأعشى :

 (٥) سورة الطارق ، الآية : ١٧.

و أنكرتنى ، وما كان الّذى نكرت من الحوادث إلّا الشيب والصّلعا «١»

(١) من قصيدة فى مدح : هوذة بن على الجعفي ، الديوان : ١٠١.

٢٥

و قوله عز وجل : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦).

تكفتهم أحياء على ظهرها فى بيوتهم ومنازلهم ، وتكفتهم أمواتا فى بطنها ، أي : تحفظهم وتحرزهم. ونصبك الأحياء والأموات بوقوع الكفات عليه ، كأنك قلت : ألم نجعل الأرض كفات أحياء ، وأموات ، فإذا نونت نصبت - كما يقرأ من قرأ : «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ، يَتِيماً» «٢» ، وكما يقرأ : «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ «٣»» ، ومثله : «فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ «٤»» [١٢١/ ب ].

(٢) الآيتان : ١٤ ، ١٥ من سورة البلد.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥. [.....]

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٨٤. وقد وردت الآية فيما بين أيدينا من النسخ «أو فدية» وهو خطأ.

٣٠

وقوله عز وجل : إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠).

يقال : إنه يخرج لسان من النار ، فيحيط بهم كالسرادق ثم يتشعب منه ثلاث شعب من دخان فيظلهم ، حتى يفرغ من حسابهم إلى النار.

٣٢

وقوله عز وجل : كَالْقَصْرِ (٣٢) يريد : القصر من قصور مياه العرب ، وتوحيده وجمعه عربيان ، قال اللّه تبارك وتعالى : «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «٥»» ، معناه : الأدبار ، وكأن القرآن نزل على ما يستحب العرب من موافقة المقاطع ، ألا ترى أنه قال : «إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ «٦»» ، فثقل فى (اقتربت) لأن آياتها مثقلة ، قال :

«فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً «٧»». فاجتمع القراء على تثقيل الأول ، وتخفيف هذا ، ومثله : «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ «٨»» ، وقال : «جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً «٩»» فأجريت رءوس الآيات على هذه المجاري ، وهو أكثر من أن «١٠» يضبطه الكتاب ، ولكنك تكتفى بهذا منه إن شاء اللّه.

 (٥) سورة القمر ، الآية : ٤٥.

(٦) سورة القمر ، الآية : ٦.

(٧) سورة الطلاق : الآية : ٨.

(٨) سورة الرحمن : الآية : ٥.

(٩) سورة النبأ : الآية : ٣٦.

(١٠) فى ش : من يضبطه ، سقط.

و يقال : كالقصر «١» كأصول النخل ، ولست أشتهى ذلك لأنها مع آيات مخففة ، ومع أن «٢» الجمل إنما شبه بالقصر ، ألا ترى قوله جل وعز : «كأنّه جمالات صُفْرٌ» ، والصّفر :

سود الإبل ، لا ترى أسود من الإبل إلّا وهو مشرب بصفرة ، فلذلك سمت العرب سود الإبل :

صفرا ، كما سمّوا الظباء : أدما لما يعلوها من الظلمة فى بياضها ، وقد اختلف «٣» القراء فى «جمالات» فقرأ عبد اللّه «٤» بن مسعود وأصحابه : «جِمالَتٌ» «٥».

قال : [حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال «٦»] حدثنا الفراء قال : وحدثنى محمد بن الفضل عن عطاء عن أبى عبد الرحمن يرفعه إلى عمر بن الخطاب (رحمه اللّه) أنه قرأ : «جمالات» وهو أحب الوجهين إلىّ لأن الجمال أكثر من الجمالة فى كلام العرب. وهى تجوز ، كما يقال «٧» :

حجر وحجارة ، وذكر وذكاره إلّا أن الأول أكثر ، فإذا قلت : جمالات ، فواحدها : جمال ، مثل ما قالوا : رجال ورجالات ، وبيوت وبيوتات ، فقد «٨» يجوز أن تجعل واحد الجمالات جمالة ، [وقد حكى عن بعض القراء : جمالات «٩»] ، فقد تكون «١٠» من الشيء المجمل ، وقد تكون جمالات جمعا من جمع الجمال. كما قالوا : الرّخل والرّخال ، والرّخال.

(١) رواها أبو حاتم : كالقصر : القاف والصاد مفتوحتان - عن ابن عباس وسعيد بن جبير (المحتسب ٢/ ٣٤٦).

وفى البخاري عن ابن عباس : «تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ» قال : كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل ، فترفعه للشتاء فنسميه القصر. (تفسير الطبري : ٩/ ١٦٣).

(٢) فى ش : ومن أن ، تحريف.

(٣) فى ش : اختلفت.

(٤) فى ش : فقرأ ابن مسعود.

(٥) وقرأ حفص وحمزة والكسائي «جِمالَتٌ» ، وبقية السبعة «جمالات» (تفسير القرطبي : ١٩/ ١٦٥)

(٦) ما بين الحاصرتين ، زيادة فى ش.

(٧) فى ش : تقول. [.....]

(٨) فى ش : وقد.

(٩) ما بين الحاصرتين فى هامش ب.

(١٠) فى ش : يكون.

٣٥

وقوله عز وجل : هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥).

اجتمعت القراء على رفع اليوم «١١» ، ولو نصب لكان «١٢» جائزا على جهتين : إحداهما - أن

(١١) روى يحيى بن سلطان عن أبى بكر عن عاصم : «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ» بالنصب ، ورويت عن ابن هرمز وغيره (تفسير القرطبي : ١٩/ ١٦٦).

(١٢) فى ش : نصبت كان.

العرب إذا أضافت اليوم والليلة إلى فعل أو يفعل ، أو كلمة مجملة لا خفض فيها نصبوا اليوم فى موضع الخفض والرفع ، فهذا وجه. والآخر : أن تجعل هذا فى معنى : فعل مجمل من «لا يَنْطِقُونَ «١»» - وعيد اللّه وثوابه - فكأنك قلت : هذا الشأن فى يوم لا ينطقون. والوجه الأول أجود ، والرفع أكثر فى كلام العرب. ومعنى قوله : هذا «٢» يوم لا ينطقون «٣» ولا يعتذرون فى بعض الساعات «٤» فى ذلك اليوم. وذلك فى هذا النوع بيّن. تقول فى الكلام : آتيك يوم يقدم أبوك ، ويوم تقدم ، والمعنى ساعة يقدم «٥» وليس باليوم كله ولو كان يوما كلّه فى المعنى لما جاز فى الكلام إضافته إلى فعل ، ولا إلى يفعل ، ولا إلى كلام مجمل ، مثل قولك : آتيتك حين الحجاج أمير.

وإنما استجازت العرب : أتيتك يوم مات فلان ، وآتيك يوم يقدم فلان لأنهم يريدون : أتيتك إذ قدم ، وإذا يقدم فإذ وإذا لا تطلبان الأسماء ، وإنما تطلبان الفعل. فلما كان اليوم والليلة وجميع المواقيت فى معناهما أضيفا إلى فعل ويفعل وإلى الاسم المخبر عنه ، كقول الشاعر :

[١٢٢/ ب ] أزمان من يرد الصنيعة يصطنع مننا ، ومن يرد الزهادة يزهد «٦»

(١) سقط فى ش ، وهى فى هامش ب.

(٢) سقط فى ش.

(٣) مكررة فى ش.

(٤) فى ش : ساعات ذلك اليوم ، تصحيف.

(٥) كذا فى ش ، وفى ب ، ، ح : تقدم تصحيف.

(٦) فى ش : فينا مكان مننا

٣٦

و قوله عز وجل : وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦).

نويت بالفاء أن يكون «٧» نسقا على ما قبلها ، واختير ذلك لأن الآيات بالنون ، فلو قيل :

فيعتذروا لم يوافق الآيات. وقد قال اللّه جل وعز : «لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا «٨»» بالنصب ، وكلّ صواب. مثله : «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ «٩»» و(فيضاعفه) ، قال ، قال أبو عبد اللّه : كذا كان يقرأ الكسائي ، والفراء ، وحمزة ، (فيضاعفه) «١٠».

 (٧) فى ش : تكون.

(٨) سورة فاطر الآية : ٣٦.

(٩) سورة البقرة الآية : ٢٤٥. [.....]

(١٠) وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب : «فيضاعفه» (الإتحاف ١٥٩).

٣٩

و قوله : جل وعز فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩).

إن كان عندكم حيلة ، فاحتالوا لأنفسكم.

٤٨

وقوله تبارك وتعالى : وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨).

يقول : إذا أمروا بالصلاة لم يصلوا.