ومن سورة القيامة «١»
قال أبو عبد اللّه [ : سمعت الفراء يقول : وقوله ] «٢» : لا أُقْسِمُ (١) كان كثير من النحويين يقولون «٣» : (لا) صلة «٤» قال الفراء : ولا يبتدأ بجحد ، ثم يجعل صلة يراد به الطرح لأن هذا الوجاز لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه. ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا :
البعث ، والجنة ، والنار ، فجاء الإقسام بالرد عليهم فى كثير من الكلام المبتدأ منه ، وغير المبتدأ :
كقولك فى الكلام :
ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلّا وهى تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قالت : هلا ازددت وإن كانت عملت سوءا «١» قالت : ليتنى قصرت! ليتنى لم أفعل!
(١) فى ش : سواء ، تحريف.
(٢) فى ح : بل ، بدون : نقدر ، وفى ش : بل ، تحريف.
(٣) فى : ح أي نجعل.
(٤) فى ش : ويقال ، تحريف.
و قوله عز وجل : بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) جاء فى التفسير : بلى «٢» نقدر على أن نسوى بنانه ، أي : أن نجعل «٣» أصابعه مصمّتة غير مفصلة كخف البعير ، فقال «٤» : بلى قادرين على أن نعيد أصغر العظام كما كانت ، وقوله : «قادِرِينَ» نصبت على الخروج من «نَجْمَعَ» ، كأنك قلت فى الكلام : أتحسب أن لن نقوى عليك ، بلى قادرين على أقوى منك. يريد : بلى نقوى قادرين ، بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا. ولو كانت رفعا على الاستئناف ، كأنه قال : بلى نحن قادرون على أكثر من ذا - كان صوابا.
وقول الناس : بلى نقدر ، فلما صرفت إلى قادرين نصبت - خطأ لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل. ألا ترى أنك تقول : أتقوم إلينا فإن حولتها إلى فاعل قلت :
أ قائم ، وكان خطأ أن تقول : أقائما أنت إلينا؟ وقد كانوا يحتجون بقول الفرزدق :
على قسم لا أشتم الدهر مسلما ولا خارجا من فىّ زور كلام «٥»
فقالوا : إنما أراد : لا أشتم ، ولا يخرج ، فلما صرفها إلى خارج نصبها ، وإنما نصب لأنه أراد :
عاهدت ربى لا شاتما أحدا ، ولا خارجا من فىّ زور كلام. وقوله : لا أشتم فى موضع نصب [١١٥/ ب ].
(٢) فى ح : بل ، بدون : نقدر ، وفى ش : بل ، تحريف.
(٣) فى : ح أي نجعل.
(٤) فى ش : ويقال ، تحريف.
وقوله عز وجل : لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥).
[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد «٦»] قال حدثنا الفراء قال : وحدثنى قيس عن أبى حصين عن سعيد بن جبير «٧» فى قوله : «بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ» قال : يقول : سوف أتوب [سوف أتوب ] «٨». وقال الكلبي : يكثر الذنوب ، ويؤخر التوبة.
(٥) انظر ديوان الفرزدق. والكتاب : ١ : ١٧٣ ، وشرح شواهد الشافية : ٧٢
(٦) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(٧) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدى الوالبي مولاهم أبو محمد ، ويقال : أبو عبد اللّه الكوفي التابعي الجليل والإمام الكبير. عرض على عبد اللّه بن عباس ، عرض عليه أبو عمرو بن العلاء ، والمنهال بن عمرو. قتله الحجاج بواسط شهيدا فى سنة خمس وتسعين (طبقات القراء ١/ ٣٠٥).
(٨) سقط فى ح.
و قوله عز وجل : فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) قرأها الأعمش وعاصم والحسن وبعض أهل المدينة (برق) بكسر الراء ، وقرأها نافع المدني «فإذ «١» برق البصر» بفتح الراء من البريق «٢» : شخص ، لمن فتح ، وقوله «برق» : فزع ، أنشدنى بعض العرب :
نعانى حنانة طوبالة تسفّ يبيسا من العشرق
فنفسك فانع ولا تنعنى وداو الكلوم ولا تبرق «٣»
فتح الراء أي : لا تفزع من هول الجراح التي بك ، كذلك يبرق البصر يوم القيامة.
ومن قرأ «بَرِقَ» يقول : فتح عينيه ، وبرق بصره أيضا لذلك.
(١) فى ح ، ش : نافع المدني برق. [.....]
(٢) وهى أيضا قراءة أبان عن عاصم. معناه : لمع بصره من شدة شخوصه فتراه لا يطرف ، قال مجاهد وغيره :
هذا عند الموت. وقال الحسن : هذا يوم القيامة. (تفسير القرطبي ١٩/ ٩٥).
(٣) الشعر لطرفة - كما فى اللسان مادة برق ٢١٥.
والطوبالة : النعجة لقبه بها ، ولا يقال للكبش : طوبال ، ونصب طوبالة على الذم له كأنه قال :
أعنى : طوبالة ... والعشرق : شجر ينفرش على الأرض عريض الورق ، ليس له شوك. وانظر ديوان الشاعرة ٢١٨
وقوله عز وجل : وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨).
ذهب ضوءه.
وقوله عز وجل : وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩).
[وفى قراءة عبد اللّه «٤»] وجمع بين الشمس والقمر يريد : فى ذهاب ضوئها أيضا فلا ضوء لهذا ولا لهذه. فمعناه : جمع بينهما «٥» فى ذهاب الضوء كما تقول : هذا يوم يستوى فيه الأعمى والبصير أي : يكونان فيه أعميين جميعا. [ويقال : جمعا] «٦» كالثورين العقيرين فى النار. وإنما قال : جمع ولم يقل : جمعت لهذا لأن المعنى : جمع بينهما فهذا وجه ، وإن شئت جعلتهما جميعا فى مذهب ثورين. فكأنك قلت : جمع النوران ، جمع الضياءان ، وهو قول الكسائي : وقد كان قوم
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(٥) كذا فى ش وفى ب ، ح : بينها ، تصحيف.
(٦) سقط فى ش.
يقولون : إنما ذكرنا فعل الشمس لأنها لا تنفرد بجمع حتى يشركها غيرها ، فلما شاركها مذكر كان القول فيهما جمعا ، ولم «١» يجر جمعتا ، فقيل لهم : كيف تقولون الشمس [١١٦/ ا] جمع والقمر؟
فقالوا : جمعت ، ورجعوا عن ذلك القول.
(١) كذا فى ش وفى ب ، ح : لم يجر.
وقوله عز وجل : أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠).
قرأه [الناس المفر] «٢» بفتح الفاء [حدثنا أبو العباس قال ، حدثنا محمد قال»
] وقال : حدثنا الفراء ، قال : وحدثنى يحيى بن سلمة «٤» بن كهيل عن أبيه عن رجل عن ابن عباس أنه قرأ : «أَيْنَ الْمَفَرُّ» وقال : إنما المفر مفر الدابة حيث تفر ، وهما لغتان : المفر والمفر «٥» ، والمدبّ والمدبّ. وما كان يفعل فيه مكسورا مثل : يدب ، ويفر ، ويصح ، فالعرب تقول : مفر ومفر ، ومصح ومصح ، ومدب ومدب. أنشدنى بعضهم :
كأن بقايا الأثر فوق متونه مدب الدّبى فوق النقا وهو سارح «٦»
ينشدونه : مدب ، وهو أكثر من مدب. ويقال : جاء على مدب السيل ، [ومدب السيل ] «٧» ، وما فى قميصه مصح ولا مصحّ.
(٢) سقط فى ش.
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(٤) كذا فى ش ، وفى ب ، ح : عن ، تصحيف. انظر ميزان الاعتدال : ٤ : ٣٨١.
(٥) المفسّر : قراءة الجمهور ، والمفسّر ، قراءة مجاهد والحسن وقتادة (تفسير القرطبي ١٩/ ٩٨).
(٦) الدّبى : الجراد قبل أن يطير ، وعن أبى عبيدة : الجراد أول ما يكون سرو وهو أبيض ، فإذا تحرك واسود فهو دبى قبل أن تنبت أجنحته.
والنقا : الكثيب من الرمل. ورد البيت فى تفسير الطبري ١٩ : ٩٨ غير منسوب ، وفيه : فوق البنا مكان : فوق النقا. وهو تصحيف.
(٧) سقط فى ش.
وقوله عز وجل : كَلَّا لا وَزَرَ (١١).
والوزر : الملجأ.
وقوله عز وجل : يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ
(١٣).
يريد : ما أسلف من عمله ، وما أخر من سنة تركها يعمل بها من بعده ، فإن سن «٨» سنة حسنة
(٨) فى ش : سن حسنة.
كان له مثل أجر من يعمل بها من غير أن ينتقصوا ، وإن كانت سنة سيئة عذب عليها ، ولم ينقص من عذاب من عمل بها شيئا.
وقوله عز وجل : بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
(١٤).
يقول : على الإنسان من نفسه رقباء يشهدون عليه بعمله : اليدان ، والرجلان ، والعينان ، والذكر ، قال الشاعر :
كأنّ على ذى الظن عينا بصيرة بمقعده أو منظر هو ناظره
يحاذر حتى يحسب الناس كلّهم من الخوف لا تخفى عليهم سرائره «١»
(١) رواية القرطبي : العقل مكان الظن فى الشطر الأول من البيت الأول (انظر تفسير القرطبي ١٩/ ١٠٠). [.....]
و قوله عز وجل : وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
(١٥).
جاء فى التفسير : ولو أرخى ستوره ، وجاء : وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره.
وقوله [١١٦/ ب ] عز وجل : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
(١٦).
كان جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل بالوحى على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بالقرآن قرأ بعضه فى نفسه قبل أن يستتمه خوفا أن ينساه ، فقيل له «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ»
فى قلبك «وَ قُرْآنَهُ»
و قراءته ، أي : أن جبريل عليه السلام سيعيده عليك.
وقوله عز وجل : فَإِذا قَرَأْناهُ [فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ]
«٢»١٨).
إذا قرأه عليك جبريل «٣» عليه السلام «فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»
، والقراءة والقرآن مصدران ، كما تقول :
راجح بين الرجحان والرجوح. والمعرفة والعرفان ، والطواف والطوفان.
(٢) الزيادة من ح ، ش.
(٣) سقط فى ح ، ش.
وقوله عز وجل : كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠). وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١).
رويت عن على بن أبى طالب ، رحمه اللّه : «بَلْ تُحِبُّونَ ، وَتَذَرُونَ» بالتاء ، وقرأها كثير :
«بل يحبون» «٤» بالياء ، والقرآن يأتى على أن يخاطب المنزل عليهم أحيانا ، وحينا يجعلون كالغيب ،
(٤) هى قراءة مجاهد والحسن وقتادة والجحدري وابن كثير وأبى عمر وبياء الغيبة فيهما (البحر المحيط/ ٣٨٨٧)
كقوله : «حَتَّى إِذا «١» كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «٢»».
(١) سقط خطأ فى ش.
(٢) سورة يونس ، الآية ٢٢.
وقوله عز وجل : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢).
مشرقة بالنعيم «٣». «وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ» (٢٤) كالحة.
(٣) فى ح ، ش كالنعيم ، تحريف.
وقوله عز وجل : تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥).
والفاقرة : الداهية ، وقد جاءت أسماء القيامة ، والعذاب بمعاني الدواهي وأسمائها.
وقوله عز وجل : كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦).
يقول : إذا بلغت نفس الرجل عند الموت تراقيه ، وقال من حوله : «من راق؟» هل [من «٤»] مداو؟ هل «٥» من راق؟ وظن الرجل «أَنَّهُ الْفِراقُ» ، علم : أنه الفراق ، ويقال : هل من راق إن ملك الموت يكون معه ملائكة ، فإذا أفاظ «٦» [١١٧/ ا] الميت نفسه ، قال بعضهم لبعض : أيكم يرقى بها؟
من رقيت أي : صمدت.
(٤) الزيادة. من ش
(٥) فى ش : وهل.
(٦) أفاظ نفسه : أخرجها ولفظ آخر أنفاسها.
وقوله عز وجل : وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩).
أتاه أول شدة أمر «٧» الآخرة ، وأشد آخر أمر الدنيا ، فذلك قوله : «وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» ، ويقال : التفت ساقاه ، كما يقال للمرأة إذا التصقت فخذاها : هى لفّاء.
(٧) فى ش : آخر ، تحريف.
وقوله عز وجل : يَتَمَطَّى (٣٣).
يتبختر لأن الظهر هو المطا ، فيلوى ظهره تبخترا وهذه خاصة فى «٨» أبى جهل.
(٨) فى ش : إلى ، تحريف.
وقوله عز وجل : مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧).
بالياء والتاء «١». من قال : يمنى ، فهو للمنى ، وتمنى للنطفة. وكلّ صواب ، قرأه أصحاب عبد اللّه بالتاء. وبعض أهل المدينة [أيضا] «٢» بالتاء.
(١) قرأ الجمهور : تمنى ، وابن محيصن والجحدري وسلام ويعقوب وحفص وأبو عمرو بخلاف عنه بالياء (البحر المحيط ٨/ ٣٩١).
(٢) زيادة من ح ، ش.
وقوله عز وجل : أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠).
تظهر الياءين ، وتكسر الأولى ، وتجزم الحاء. وإن كسرت الحاء ونقلت إليها إعراب الياء الأولى التي تليها كان صوابا ، كما قال الشاعر :
و كأنها بين النساء سبيكة تمشى بسدّة بيتها فتعىّ «٣»
أراد : فتعيا «٤».
(٣) انظر الدرر اللوامع : ١ : ٣١. السبيكة : القطعة المذوّبة من الذهب أو الفضة.
والسدّة : الفناء ، جاء فى البحر المحيط : قال ابن خالويه : لا يجيز أهل البصرة : سيبويه وأصحابه - ادغام : يحيى ، قالوا : لسكون الياء الثانية ، ولا يعتدون بالفتحة فى الياء ، لأنه حركة إعراب غير لازمة.
وأمّا الفراء فاحتج بهذا البيت : تمشى بسدة بيتها فتعىّ ، يريد فتعيا (البحر المحيط ٨/ ٣٩١) [.....]
(٤) كذا فى النسخ والأشبه أن تكون فتعى مضارع أعيا ، فتكون مطابقة : ليحيى.