سُورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً

١

قوله : عز وجل : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ (١).

القراء مجتمعون [٢١٨/ ا] على (أوحى) وقرأها جوّية الأسدى «٣» : (قل أوحى إلىّ) من وحيت ، فهمز الواو لأنها انضمت كما قال : (وإذا الرّسل أقّتت «٤»).

(٣) فى ح ، ش : جوية بن عبد الواحد الأسدى إن شاء اللّه.

(٤) سورة المرسلات الآية : ١١.

وقوله : اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (١).

ذكر : أن الشياطين لما رجمت وحرست منها السماء قال إبليس : هذا نبىّ قد حدث ، فبث جنوده فى الآفاق ، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكة ، فأتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو ببطن نخلة «٥» قائما يصلى ويتلو القرآن ، فأعجبهم ورقّوا له ، وأسلموا ، فكان من قولهم ما قد قصّه اللّه فى هذه السورة.

 (٥) بطن نخلة : فى معجم البلدان (١ : ٤٤٩) : بطن نخل ، جمع نخلة : قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة.

و قد اجتمع القراء على كسر «إنا» فى قوله : «فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً» ، واختلفوا فيما بعد ذلك ، فقرءوا : وإنّا ، وأنّا «١» إلى آخر السورة ، وكسروا بعضا ، وفتحوا بعضا.

[حدثنا أبو العباس قال «٢» : حدثنا محمد قال ] : حدثنا الفراء قال : فحدثنى الحسن بن عياش أخو أبى بكر بن عياش ، وقيس عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن قيس أنه قرأ ما فى الجنّ ، والنجم :

(وأنا) ، بالفتح «٣». قال الفراء : وكان يحيى وإبراهيم وأصحاب عبد اللّه كذلك يقرءون. وفتح نافع المدني ، وكسر الحسن ومجاهد ، وأكثر أهل المدينة إلا أنهم نصبوا : «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» (١٨) [حدثنا محمد قال «٤» : ] حدثنا الفراء قال : وحدثنى حبّان عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال : أوحى إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - بعد اقتصاص أمر الجن : «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا» (١٨).

وكان [عاصم بكسر ما كان ] «٥» من قول الجن ، ويفتح ما كان من الوحى. فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا «أن» فى كل السورة على قوله : فآمنا به ، وآمنا بكل ذلك ، ففتحت «أن» لوقوع الإيمان عليها ، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن فى بعض ما فتح ، ويقبح فى بعض ، ولا يمنعك «٦» ذلك من إمضائهن على الفتح ، فإن الذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعل مضارع للإيمان يوجب فتح أنّ كما قالت العرب.

إذا ما الغانيات برزن يوما وزجّجن الحواجب والعيونا «٧»

فنصب العيون باتب

فأقسم لو شىء أتانا رسوله سواك ، ولكن لم نجد لك مدفعا «٤»

و أنشدنى آخر :

أما واللّه أن لو كنت حرّا وما بالحرّ أنت ولا العتيق»

و من كسر كلها ونصب : «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» خصّه بالوحى ، وجعل : وأن لو مضمرة فيها [اليمين على ما وصفت لك «٦».

(١) سقط فى ش.

(٢) فى ش : تدخلن.

(٣) فى ش : الكتاب.

(٤) لم أعثر على قائله.

(٥) استشهد به فى المغني على زيادة (أن) : ١ : ٣٠ وورد فى تفسير القرطبي (١٩/ ١٧) ولم ينسب إلى قائله فى الموضعين.

(٦) سقط فى ا.

(٧) يبدأ من هنا النقل من النسخة ب ، لأنه ليس فى (ا)

٣

«٧» وقوله تبارك وتعالى : وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا (٣).

[حدثنا أبو العباس قال «٨» : ] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدثنى أبو إسرائيل عن الحكم عن مجاهد فى قوله : «وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا» قال : جلال ربنا.

(٧) يبدأ من هنا النقل من النسخة ب ، لأنه ليس فى (ا)

(٨) زيادة فى ش.

٥

وقوله جل وعز : وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (٥).

٩

وقوله عز وجل : فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ (٩). إذ بعث محمد صلى اللّه عليه يجد له شهابا رصدا قد أرصد به له ليرجمه.

١٠

وقوله عز وجل : وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ (١٠).

هذا من قول كفرة الجن قالوا : ما ندرى ألخير يراد بهم «٣» فعل هذا أم لشر؟ يعنى : رجم الشياطين بالكواكب.

(٣) فى ش : يريد. [.....]

١١

وقوله عز وجل : كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١).

كنا فرقا مختلفة أهواؤنا ، والطريقة طريقة «٤» الرجل ، ويقال أيضا [١٠٩/ ا] للقوم هم طريقة قومهم إذا كانوا رؤساءهم ، والواحد أيضا : طريقة قومه ، وكذلك يقال للواحد : هذا نظورة قومه للذين ينظرون إليه «٥» منهم ، وبعض العرب يقول : نظيرة قومه ، ويجمعان جميعا : نظائر.

(٤) سقط فى ح.

(٥) فى ش : ينظر ، تحريف.

١٢

الظن هاهنا : شك.

وقوله تبارك وتعالى : وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ «١» اللَّهَ فِي الْأَرْضِ (١٢).

على اليقين علمنا.

وقد قرأ بعض القراء : «أَنْ لَنْ تَقُولَ «٢» الْإِنْسُ وَالْجِنُّ» ولست أسميه.

(١) سقط فى ش.

(٢) هى قراءة الحسن والجحدري ويعقوب وابن أبى بكرة بخلاف المحتسب ٢/ ٣٣٣ وانظر البحر المحيط ٨/ ٣٤٨.

١٣

و قوله عز وجل : فَلا يَخافُ بَخْساً (١٣) لا ينقص من ثواب عمله وَلا رَهَقاً (١٣).

ولا ظلما.

١٤

وقوله عز وجل : وَمِنَّا الْقاسِطُونَ (١٤) وهم : الجائرون الكفار ، والمقسطون : العادلون المسلمون وقوله عز وجل : فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) يقول : أمّوا الهدى واتبعوه.

١٦

وقوله عز وجل : وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ (١٦) : على طريقة الكفر «٦» «لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً»

 (٦) أي : لو كفر من أسلم من الناس ، لأسقيناهم إملاء لهم واستدراجا ، واستعارة الاستقامة للكفر قلقة لا تناسب (البحر المحيط ٨/ ٣٥٢).

يكون زيادة فى أموالهم ومواشيهم ، ومثلها قوله : «وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ «١»» يقول : نفعل ذلك بهم ليكون فتنة عليهم فى الدنيا ، وزيادة فى عذاب الآخرة.

(١) سورة الزخرف الآية : ٣٣.

١٧

وقوله عز وجل : وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧).

نزّلت «٢» فى وليد بن المغيرة المخزومي ، وذكروا أن الصّعد : صخرة ملساء فى جهنم يكلّف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم ، فكان ذلك دأبه ، ومثلها فى سورة المدثر :

(سأرهقه صعودا) «٣» :

(٢) فى ح ، ش : أنزلت.

(٣) الآية ١٧.

١٨

و قوله عز وجل : وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا (١٨) فلا تشركوا فيها صنما ولا شيئا مما يعبد ، ويقال : هذه المساجد ، ويقال : وأن المساجد للّه. يريد :

مساجد الرجل : ما يسجد عليه من : جبهته ، ويديه ، وركبتيه ، وصدور قدميه.

١٩

وقوله عز وجل : وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (١٩) يريد : النبي صلى اللّه عليه ليلة أتاه الجن ببطن نخلة. «كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ [١٠٩/ ب ] لِبَداً» (١٩) كادوا يركبون النبي صلّى اللّه عليه رغبة فى القرآن ، وشهوة له.

وقرأ بعضهم «٤» : «لِبَداً «٥»» والمعنى فيهما - واللّه أعلم - واحد ، يقال : لبدة ، ولبدة.

ومن قرأ : «لِبَداً» «٦» فإنه أراد أن يجعلها من صفة الرجال ، كقولك : ركّعا ، وركوعا [ ، وسجّدا ، وسجودا] «٧».

 (٤) فى ش : بعض القراء.

(٥) قرأ مجاهد ، وابن محيصن ، وابن عامر بخلاف عنه بضم اللام جمع : لبدة ، وعن ابن محيصن أيضا تسكين الباء وضم اللام : لبدا.

وقرأ الحسن ، والجحدري ، وأبو حيوة ، وجماعة عن أبى عمرو بضمتين جمع : لبد كرهن ورهن ، أو جمع لبود كصبور (البحر المحيط ٨/ ٣٥٣).

(٦) هى قراءة الحسن ، والجحدري بخلاف عنهما (البحر المحيط ٨/ ٣٥٣).

(٧) سقط فى ح ، ش.

٢٠

و قوله عز وجل : قال إنّما ادعوا ربّى (٢٠) قرأ الأعمش وعاصم «١» : «قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي» وقرأ عامة أهل المدينة كذلك ، وبعضهم :

(قال) ، وبعضهم : (قل).

[حدثنا أبو العباس قال «٢» : ] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : وحدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن السّلمى ، عن على بن أبى طالب - رحمه اللّه - أنه قرأها :

(قال إنما أدعو ربّى).

اجتمع القراء على : لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا (١) بنصب الضاد ، ولم يرفع أحد منهم.

(١) وهى أيضا قراءة حمزة وأبى عمرو بخلاف عنه (البحر المحيط ٨/ ٣٥٣).

(٢) زيادة فى ش.

٢٢

وقوله عز وجل : وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) ملجأ ولا سربا ألجأ إليه.

٢٣

وقوله عز وجل : إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ (٢٣) يكون استثناء من قوله : «لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً إلا أن أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ».

وفيها وجه آخر : قل إنى لن يجيرنى من اللّه أحد إن لم أبلغ رسالته ، فيكون نصب «٣» البلاغ من إضمار فعل من الجزاء كقولك للرجل : إلا قياما فقعودا ، وإلا عطاء فردا جميلا [أي الا تفعل إلا عطاء فردا جميلا] «٤» فتكون لا منفصلة من إن - وهو وجه حسن ، والعرب تقول : إن لا مال اليوم فلا مال أبدا - يجعلون «٥» (لا) على وجه التبرئة ، ويرفعون أيضا على ذلك المعنى ، ومن نصب بالنون فعلى إضمار فعل ، أنشدنى بعض العرب :

فإن لا مال أعطيه فإنى صديق من غدو أو رواح «٦»

(٣) كذا فى ش ، وفى غيرها : فتكون بنصب ، تحريف.

(٤) سقط فى ح ، ش. [.....]

(٥) فى ش تجعلون ، تصحيف.

(٦) لم أعثر على قائله.

٢٧

و قوله عز وجل : إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (٢٧) فإنه يطلعه على [١١٠/ ا] غيبه.

و قوله عز وجل : يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧) ذكروا أن جبريل - صلى اللّه عليه - كان إذا نزل بالرسالة إلى النبي صلى اللّه عليه نزلت معه ملائكة من كل سماء يحفظونه من استماع الجن الوحى ليسترقوه ، فيلقوه إلى كهنتهم ، فيسبقوا به النبي صلى اللّه عليه ، فذلك الرّصد من بين يديه ومن خلفه ، ثم قال جل وعز : «لِيَعْلَمَ» (٢٨) يعنى محمدا صلّى اللّه عليه «أن قد أبلغوا رسالات ربّهم» (٢٨) يعنى جبريل صلى اللّه عليه وسلم ، وقال بعضهم : هو محمد صلّى اللّه عليه ، أي : يعلم محمد أنه قد «١» أبلغ رسالة ربه.

وقد قرأ بعضهم «٢» : «لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا» يريد : لتعلم الجنّ والإنس أن الرسل قد أبلغت لا هم بما رجوا «٣» من استراق السمع.

 (١) فى ح : أي لمحمد أنه قد.

(٢) هى قراءة ابن عباس ، وزيد بن على (البحر المحيط ٨/ ٣٥٧).

(٣) فى ح : رجعو ، تحريف.