سُورَةُ ”الْمُنَافِقُونَ“ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ إِحْدَى عَشَرَةَ آيَةً

١

قوله عز وجل : وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١).

يقول القائل : قد شهدوا للنبى صلّى اللّه عليه ، فقالوا : «وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ» فكيف كذّبهم اللّه؟.

يقال : إنما أكذب «١» ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق ، فكما لم يقبل إيمانهم وقد أظهروه ، فكذلك جعلهم كاذبين لأنهم أضمروا غير ما أظهروا.

(١) فى ش أذكر ، تحريف.

٤

وقوله : وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ (٤).

من العرب من يجزم بإذا ، فيقول : إذا تقم أقم ، أنشدنى بعضهم :

و إذا نطاوع أمر سادتنا لا يثننا جبن ولا بخل

و قال آخر «٢» :

و استغن ما أغناك ربّك بالغنى وإذا تصبك خصاصة فتجّمل «٣»

و أكثر الكلام فيها الرفع لأنها تكون فى مذهب الصفة ، ألا ترى أنك تقول :

الرّطب [إذا اشتد الحر ، تريد فى ذلك الوقت. فلما كانت فى موضع صفة كانت صلة للفعل ] «٤» الذي يكون قبلها ، أو بعد الذي يليها ، كذلك قال الشاعر :

و إذا تكون شديدة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب «٥»

(٢) فى ش الآخر.

(٣) هو العبد قيس بن خفاف (انظر المفضليات ٢/ ١٨٥) والأصمعيات ٢٦٩. وفى (ح) «فتحمل» مكان «فتجمل»

(٤) سقط فى ح ، ش.

(٥) الخزانة ١/ ٢٤٣.

و قوله : كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (٤).

خفف الأعمش «٦» ، وثقل إسماعيل بن جعفر المدني عن أصحابه وعاصم ، فمن ثقل فكأنه جمع

 (٦) وهى قراءة قنبل وأبى عمرو والكسائي والبراء بن عازب ، واختيار أبى عبيد (تفسير القرطبي ١٨/ ١٢٥).

خشبة خشابا ، ثم جمعه [١٩٩/ ب ] فثقل ، كما قال «١» : ثمار وثمر. وإن شئت جمعته ، وهو خشبة على خشب ، فخففت وثقلت ، كما قالوا : البدنة ، والبدن والبدن «٢» ، والأكم والأكم.

والعرب تجمع بعض ما هو على صورة خشبة أرى على فعل من ذلك : أجمة وأجم ، وبدنة وبدن ، وأكمة وأكم.

ومن ذلك [من ] «٣» المعتل : ساحة وسوح ، وساق وسوق ، وعائة وعون ، ولابة «٤» ولوب ، وقارة «٥» وقور ، وحياة وحي ، قال العجاج :

و لو ترى إذا الحياة حىّ «٦» وكان ينبغى أن يكون : حوى ، فكسر أولها لئلا تتبدل الياء واوا ، كما قالوا : بيض وعين.

(١) فى ش : قالوا.

(٢) سقط فى ح ، ش.

(٣) زيادة من ش تقيم العبارة.

(٤) اللابة : الحرة.

(٥) القارة : الجبيل ، أو الصخرة العظيمة.

(٦) يروى وقد مكان ولو. انظر أراجيز العرب : ١٧٥. واللسان (حى) ، والحي : الحياة.

وقوله : يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (٤).

جبنا وخوفا ، ثم قال : «هُمُ الْعَدُوُّ» ، ولم يقل : هم الأعداء ، وكل ذلك صواب.

٥

وقوله : لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ (٥).

حركوها استهزاء بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة : «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ» بالتخفيف «٧».

(٧) التخفيف قراءة نافع. تفسير القرطبي ١٨/ ١٢٧ وروح؟ (الاتحاف ٤١٦)

٧

وقوله : هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (٧).

كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فى غزاة من غزواته ، فالتقى رجل من المسلمين يقال له : جعال «٨» وآخر [من المنافقين على الماء فازدحما عليه ، فلطمه جعال ] «٩» ، فأبصره عبد اللّه بن أبى ، فغضب ، وقال «١٠» : ما أدخلنا هؤلاء القوم دارنا إلّا لنلطم ما لهم؟ وكلهم اللّه إلى جعال ، وذوى جعال «١١»! ،

 (٨) فى تفسير القرطبي اسمه جهجاه (القرطبي ١٨/ ١٢٧). [.....]

(٩) سقط فى ح ، ش.

(١٠) فى ب : فقال.

(١١) كان جعال من فقراء المهاجرين ، فهذا قوله : وكلهم اللّه ...

ثم قال : إنكم لو منعتم أصحاب هذا الرجل الطعام لتفرقوا عنه ، وانفضوا ، فذلك قوله : «هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (٧) ثم قال عبد اللّه بن أبى : «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» وسمعها «١» زيد بن أرقم ، فأخبر بها النبي صلّى اللّه عليه وسلم ، ونزل القرآن : «وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» (٨) ، ويجوز فى القراءة : «لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» «٢» كأنك قلت : ليخرجن العزيز منها ذليلا ، وقرأ بعضهم : لنخرجن الأعزّ منها الأذل «٣» أي : لنخرجن الأعزّ فى نفسه ذليلا «٤».

(١) فى ح : وسمعنا ، تحريف

(٢) فى البحر المحيط : قرىء مبنيا للمفعول ، وبالياء. الأعز مرفوع به. الأذل نصبا على الحال. (البحر المحيط ٨/ ٢٧٤).

(٣) هى قراءة الحسن وابن أبى عبلة ، بنصب الأعز والأذل.

(٤) فالأعزمفعول والأذل حال. (البحر المحيط ٨/ ٢٧٤).

١٠

وقوله : فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠).

يقال : كيف جزم (وأكن) ، وهى مردودة على فعل منصوب؟

فالجواب فى ذلك أن - الفاء - لو لم تكن فى فأصدق كانت مجزومة ، فلما رددت (وأكن) ، - ردّت على تأويل الفعل لو لم تكن فيه الفاء ، ومن أثبت الواو ردّه على الفعل الظاهر فنصبه ، وهى فى قراءة عبد اللّه ، «و أكون من الصالحين» «٥».

وقد يجوز «٦» نصبها فى قراءتنا ، وإن لم تكن فيها الواو لأن العرب قد تسقط الواو فى بعض الهجاء ، كما أسقطوا الألف من سليمن وأشباهه ، ورأيت فى بعض مصاحف عبد اللّه : فقولا :

فقلا بغير واو.

 (٥) وهى قراءة أبى عمرو وابن محيصن ومجاهد (تفسير القرطبي ١٨/ ١٣١) والحسن وابن جبير وأبى رجاء وابن أبى اسحق ومالك بن دينار والأعمش (البحر المحيط ٨/ ٢٧٥).

(٦) سقط فى ح ، ش.