سُورَةُ الْحَشْرِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً

٢

قوله عز وجل : هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ (٢) هؤلاء بنو النضير : كانوا قد عاقدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه على ألا يكونوا معه ، ولا عليه ، فلما نكب المسلمون يوم أحد غدروا ، وركب حيى بن أخطب إلى أبى سفيان وأصحابه من أهل مكة ، فتعاقدوا على النبي صلّى اللّه عليه ، وأتاه الوحى بذلك ، فقال للمسلمين : أمرت بقتل حيى ، فانتدب له طائفة من المسلمين فقتلوه ، وغدا عليهم النبي صلّى اللّه عليه ، فتحصنوا فى دورهم ، وجعلوا ينقبون الدار إلى التي هى أحصن منها ، ويرمون النبي صلّى اللّه عليه بالحجارة التي يخرجون منها ، وجعل المسلمون يهدمون دورهم ليتسع موضع القتال ، فذلك قوله [عز وجل ] :

«يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» واجتمع القراء على (يخربون) إلا أبا عبد الرحمن السلمى ، فإنه قرأ (يخرّبون) «١» ، كأنّ يخرّبون : يهدّمون ، ويخربون - بالتخفيف :

يخرجون «٢» منها يتركونها ، ألا ترى أنهم كانوا ينقبون الدار فيعظونها؟ فهذا معنى : (يخربون) والذين قالوا (يخرّبون) ذهبوا إلى التهديم الذي كان المسلمون يفعلونه ، وكل صواب. والاجتماع من قراءة القراء أحب إلىّ.

(١) وقرأ بالتشديد أيضا قتادة ، والجحدري ومجاهد وأبو حيوة وعيسى وأبو عمرو (البحر المحيط ٨/ ٢٤٣).

(٢) فى ش : يخربون ، تحريف.

 [وقوله تبارك وتعالى : «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢) :

يا أولى العقول ، ويقال : يا أولى الأبصار : يا من عاين ذلك بعينه «٣»].

وقوله : لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (٢) :

(٣) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب ، ح.

 [هم ] «٤» أول من أجلى عن جزيرة العرب ، وهى الحجاز.

(٤) زيادة فى ب ، ح.

٥

وقوله : ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ (٥).

 حدثنا الفراء قال : حدثنى حبّان عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال : أمر النبي صلّى اللّه عليه بقطع النخل كله ذلك اليوم ، يعنى : يوم بنى النضير إلّا العجوة. قال ابن عباس :

فكل شىء من النخل سوى العجوة ، هو «١» اللين.

قال الفراء : واحدته : لينة ، وفى قراءة عبد اللّه : «ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوّما على أصوله إلا بإذن اللّه» ، يقول : إلا بأمر اللّه.

(١) فى (ا) وهو ، والتصحيح من ب ، ح ، ش.

وقوله : أصوله «٢» (٥) ذهب إلى الجمع فى اللين كله ، ومن قال : أصولها - ذهب إلى تأنيث النخل لأنه يذكر ويؤنث.

(٢) سقط فى ح.

٦

وقوله : فَما أَوْجَفْتُمْ [١٩٦/ ا] عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ (٦).

كان النبي صلّى اللّه» عليه قد أحرز «٣» غنيمة بنى النّضير وقريظة وفدك ، فقال له الرؤساء : خذ صفيّك «٤» من هذه ، وأفردنا بالربع «٥» ، فجاء التفسير : إن هذه قرى لم يقاتلوا «٦» عليها بخيل ، ولم يسيروا»

إليها على الإبل إنما مشيتم إليها على أرجلكم ، وكان بينها وبين المدينة ميلان ، فجعلها النبي صلّى اللّه عليه لقوم من المهاجرين ، كانوا محتاجين وشهدوا بدرا ، ثم قال : «ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى » (٧).

هذه الثلاث ، فهو للّه وللرسول خالص.

ثم قال : «وَ لِذِي الْقُرْبى » (٧).

لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه «وَ الْيَتامى ». يتامى المسلمين عامة ، وفيها يتامى بنى عبد المطلب «وَ الْمَساكِينِ» مساكين المسلمين ليس فيها مساكين بنى عبد المطلب.

 (٣) فى ش أحذر ، تحريف. [.....]

(٤) الصفي من الغنيمة : ما يختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة.

(٥) فى ش بالرفع ، تحريف.

(٦) فى ش : تقالموا.

(٧) فى ش : يستروا ، تحريف.

ثم قال : كى لا يكون ذلك الفيء دولة بين الأغنياء - الرؤساء - يعمل به كما كان «١» يعمل فى الجاهلية ، ونزل فى الرؤساء : «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (٧) فرضوا. والدّولة : قرأها «٢» الناس برفع الدال إلا السّلمىّ - فيما أعلم - فإنه قرأ :

دولة : بالفتح ، وليس هذا للدّولة بموضع إنما الدّولة فى الجيشين يهزم هذا هذا ، ثم يهزم الهازم ، فتقول :

قد رجعت الدولة على هؤلاء ، كأنها المرة «٣» ، والدّولة فى الملك والسنن التي تغيّر «٤» وتبدّل على الدهر ، فتلك الدّولة «٥».

وقد قرأ بعض العرب : (دولة) ، وأكثرهم نصبها «٦» وبعضهم : يكون ، وبعضهم : تكون «٧».

(١) الزيادة من ب ، ح ، ش.

(٢) فى ح : قرأ.

(٣) فى ش : المرأة ، تحريف.

(٤) فى ح ، التي لا تغير وتبدّل.

(٥) قال ابن جنى فى المحتسب : ٢/ ٣١٦ : منهم من لا يفصل بين الدّولة والدّولة : ومنهم من يفصل فيقول :

الدّولة فى السلك ، والدّولة فى السلك.

(٦) قرأ هشام بالتذكير مع النصب. وأبو جعفر وعن هشام : تكون بتاء التأنيث دولة بالرفع على أنّ كان تامة (الإتحاف ٤١٣).

(٧) قرأ بالتاء عبد اللّه وأبو جعفر وهشام ، والجمهور بالياء (البحر المحيط ٨/ ٢٤٥).

٩

وقوله : وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ (٩) يعنى : الأنصار ، يحبون من هاجر إليهم لما أعطى المهاجرون ما قسم لهم النبي صلّى اللّه عليه من فىء بنى النضير لم يأمن على غيرهم أن يحسدهم إذ لم يقسم لهم. فقال النبي صلّى اللّه عليه للأنصار : إن شئتم قسمتم لهم من دوركم وأموالكم ، وقسمت لكم كما قسمت لهم ، وإما أن يكون لهم القسم ، ولكم دياركم وأموالكم ، فقالوا : لا ، بل تقسم لهم من ديارنا وأموالنا ولا نشاركهم فى القسم ، فأنزل اللّه جل وعز هذه الآيات ثناء على الأنصار ، فقال : «يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ» (٩) يعنى المهاجرين : «وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ» (٩) الآية.

وفى قراءة عبد اللّه : «وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» (١٠) يعنى المهاجرين : يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا «٨» الذين تبوءوا الإيمان من قبل ، وألّف بين قلوبنا ، ولا تجعل فيها غمرا «٩» للذين آمنوا.

 (٨) لا ، مكررة فى ش خطأ.

(٩) كذا فى ب ، ح ، ش ، والغمر ، بالتحريك : الحقه.

١٣

و قوله : لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ (١٣) يقول : أنتم يا معشر المسلمين أهيب فى صدورهم [يعنى بنى النضير] «١» من عذاب اللّه عندهم ، وذلك أن بنى النضير كانوا ذوى بأس ، فقذف اللّه فى قلوبهم الرعب من المسلمين ، ونزل فى ذلك :

«بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ» (١٤) ليقوى المسلمون عليهم (تحسبهم) يعنى : بنى النضير جميعا ، وقلوبهم مختلفة ، وهى فى قراءة عبد اللّه : وقلوبهم أشت ، أي : أشد اختلافا.

(١) زيادة من ب ، وقد كتبت فيها بين السطور. [.....]

١٤

وقوله : أَوْ «٢» مِنْ وَراءِ جُدُرٍ (١٤) قرأ ابن عباس : جدار ، وسائر القراء : جدر على الجمع «٣».

(٢) فى ش ولا أو ، تحريف.

(٣) قرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين جدار بالألف وكسر الجيم (البحر المحيط ٨/ ٢٤٩) ، وافقهما اليزيدي (الاتحاف : ٤١٣). وقرأ كثير من المكيين وهرون عن ابن كثير : جدر ، بفتح الجيم ، وسكون الدال لغة اليمن (البحر المحيط ٨/ ٢٤٩) ، وعن الحسن ، ضم الجيم ، وسكون الدال مع حذف الألف ، وهى قراءة أبى رجاء وأبى حيوة (المحتسب ٢/ ٣١٦) ، والباقون بضم الجيم والدال على الجمع (الاتحاف ٤١٤).

١٧

وقوله : فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما «٤» فِي النَّارِ خالِدَيْنِ (١٧) وهى فى قراءة عبد اللّه : فكان عاقبتهما «٥» أنهما خالدان فى النار ، وفى [١٩٦/ ب ] قراءتنا «خالِدَيْنِ فِيها» نصب ، ولا أشتهى الرفع ، وإن كان يجوز وذلك أن الصفة قد عادت على النار مرتين ، والمعنى للخلود ، فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الأخرى نصبت الفعل ، فهذا من ذلك ، ومثله فى الكلام قولك : مررت برجل على بابه متحملا به ، ومثله قول الشاعر :

و الزعفران على ترائبها شرقا به اللبات والنحر «٦»

لأن الترائب «٧» هى اللبات هاهنا ، فعادت الصفة باسمها الذي وقعت عليه أولا ، فإذا اختلف الصفتان : جاز الرفع والنصب على حسن. من ذلك قولك : عبد اللّه فى الدار راغب فيك.

ألا ترى أن (فى) التي فى الدار مخالفة (لفى) التي تكون فى الرغبة والحجة «٨» ما يعرف به النصب

 (٤ ، ٥) سقط فى ش.

(٦) أورده فى البحر المحيط ، ولم ينسبه ، والرواية فيه : شرقت به مكان : شرقابه (البحر المحيط ٨/ ٤٥٣).

(٧) فى ح ، ش : التراب ، تحريف.

(٨) فى الأصل : ومخنة ولعلها : ومحجة ، والتصويب عن تفسير الطبري (٢٨/ ٥٢).

من الرفع. ألا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الأولى ، إلّا أنك تقول : هذا أخوك فى يده درهم قابضا عليه ، فلو قلت : هذا أخوك قابضا عليه فى يده درهم [لم يجز] «١». وأنت تقول : هذا رجل فى يده درهم قائم إلى زيد. ألا ترى أنك تقول : هذا رجل قائم إلى زيد فى يده درهم ، فهذا يدل على المنصوب إذا امتنع تقديم الآخر ، ويدل على الرفع إذا سهل تقديم الآخر.

(١) سقط فى ش.

٢٠

وقوله : لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ (٢٠) وفى قراءة عبد اللّه : ولا أصحاب النار «٢» ، ولا صلة إذا كان فى أول الكلام جحد ، ووصل بلا من آخره. و«٣» أنشد فى بعض بنى كلاب.

إرادة ألا يجمع اللّه بيننا ولا بينها أخرى الليالى الغوابر «٤»

معناه : إرادة ألا يجمع اللّه بيننا وبينها ، فوصل بلا.

(٢) فى ح : وأصحاب الجنة مكان ولا أصحاب النار ، وهو تحريف.

(٣) فى غير ح : أنشد.

(٤) لم أعثر على قائله.