سُورَةُ الْحُجُرَاتِ مَدَنِيَّةٌ

‏وَهِيَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ آيَةً

١

قوله جل وعز : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا (١).

اتفق عليها «٦» القراء ، ولو قرأ قارئ : (لا تقدموا) لكان صوابا يقال : قدمت «٧» فى كذا وكذا ، وتقدّمت.

(٦) فى ش عليه.

(٧) فى (ا) قدّمت.

٢

وقوله عز وجل : لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ (٢) «٨» وفى قراءة عبد اللّه «بأصواتكم» «٩» ، ومثله فى الكلام : تكلم كلاما حسنا ، وتكلم بكلام حسن.

(٨ ، ٩) ساقط فى ح ، والعبارة فى ش : وفى قراءة عبد اللّه : «لا رفعوا بأصواتكم».

و قوله : «١» وَلا تَجْهَرُوا لَهُ «٢» بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ (٢) :

يقول : لا تقولوا : يا محمد ، ولكن قولوا : يا نبى اللّه - يا رسول اللّه ، يا أبا القاسم.

(١) فى : ش : لا تجهروا بالقول ، سقط.

(٢) سقط في ش خطأ.

وقوله : أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ (٢).

معناه : لا تحبط وفيه الجزم والرفع إذا وضعت (لا) مكان (أن) ، وقد فسر فى غير موضع ، وهى فى قراءة عبد اللّه : فتحبط أعمالكم ، وهو دليل على جواز الجزم فيه.

٣

وقوله : أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى (٣).

أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخرج جيده ، ويسقط خبثه.

٤

وقوله : مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ (٤).

وجه الكلام أن تضم الحاء والجيم ، وبعض العرب يقول : الحجرات والرّكبات «٣» وكل جمع كأن يقال فى ثلاثة إلى عشرة : غرف ، وحجر «٤» ، فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية ، فالرفع «٥» [١٨٠/ ب ] أجود من ذلك.

(٣) فى (ا) أو الركبات. وفى ح ، ش : والنكبات ، تحريف.

(٤) فى ش : حجر وغرف.

(٥) فى ب : والرفع.

وقوله : أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤).

أتاه وفد بنى تميم فى الظهيرة ، وهو راقد صلّى اللّه عليه ، فجعلوا ينادون : يا محمد ، اخرج إلينا ، فاستيقظ فخرج ، فنزل : «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ» إلى آخر الآية ، وأذن بعد ذلك لهم فقام شاعرهم ، وشاعر المسلمين «٦» ، وخطيب منهم ، وخطيب المسلمين ، فعلت أصواتهم بالتفاخر ، فأنزل اللّه جل وعز فيه «٧» : «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» (٢).

(٦) فى ش : وشاعر المسلمون ، تحريف.

(٧) سقط فى (ا). [.....]

٦

وقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ «٨» بِنَبَإٍ فتثبّتوا «٩» (٦)

(٨) فى (ح) : جاءكم بنبإ ، سقط.

(٩) فى ش : فتبينوا.

«١» قراءة أصحاب عبد اللّه ، ورأيتها فى مصحف عبد اللّه منقوطة بالثاء ، وقراءة الناس : (فَتَبَيَّنُوا) «٢» ومعناهما متقارب لأن قوله : (فَتَبَيَّنُوا) أمهلوا حتى تعرفوا ، وهذا معنى «٣» تثبتوا «٤». وإنما كان ذلك أن النبي صلّى اللّه عليه بعث عاملا على بنى المصطلق ليأخذ «٥» صدقاتهم ، فلما توجه إليهم تلقوه ليعظموه ، فظن أنهم يريدون قتاله ، فرجع إلى النبي صلّى اللّه عليه فقال : إنهم قاتلونى ، ومنعونى أداء ما عليهم فبينما «٦» هم كذلك وقد غضب النبي صلّى اللّه عليه قدم عليه «٧» وفد بنى المصطلق فقالوا : أردنا تعظيم رسول «٨» رسول اللّه ، وأداء الحق إليه ، فاتهمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه ولم يصدقهم فأنزل اللّه : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فتثبتوا» إلى آخر الآية ، والآية التي بعدها.

(١ ، ٢) ساقط فى ش.

(٣) فى ش : يعنى.

(٤) قراءة حمزة والكسائي وخلف «فتثبتوا» ، وقراءة الباقين : «فتبينوا» (الإتحاف ٣٩٧).

(٥) فى ش ليأخذوا ، تحريف.

(٦) فى ش فبينا.

(٧) فى ب عليهم.

(٨) سقطت فى ش.

٩

وقوله : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (٩).

ولم يقل : اقتتلتا ، وهى فى قراءة عبد اللّه : فخذوا بينهم. مكان فأصلحوا بينهم ، وفى قراءته : حتى يفيئوا «٩» إلى أمر اللّه فإن فاءوا فخذوا بينهم.

(٩) كذا فى ح ، ش وفى الأصل : تفيئوا ، وبقية العبارة تشير إلى يفيئوا.

و قوله : فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (٩) التي لا تقبل الصلح ، فأصلح النبي صلّى اللّه عليه بينهم «١».

(١ ، ٢ ، ٤) سقط فى ش.

١٠

وقوله : فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (١٠).

ولم يقل : بين «١٠» إخوتكم ، ولا إخوانكم ، ولو قيل ذلك كان صوابا.

ونزلت فى رهط عبد اللّه بن أبى ، ورهط عبد اللّه بن رواحة الأنصاري ، فمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه على حمار فوقف على عبد اللّه بن أبى فى مجلس قومه ، فراث حمار رسول اللّه ، فوضع عبد اللّه يده على أنفه وقال : إليك حمارك فقد آذاني ، فقال له ابن رواحة : ألحمار رسول اللّه تقول هذا؟ فو اللّه لهو أطيب عرضا منك ومن أبيك ، فغضب قوم هذا ، وقوم هذا ، حتى اقتتلوا بالأيدى والنعال ، فنزلت هذه الآية.

(١٠) ساقطة فى ب ، ش.

١١

وقوله : لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ (١١).

نزلت فى أن ثابت بن قيس الأنصاري كان ثقيل السمع ، فكان يدنو من النبي صلّى اللّه عليه ليسمع حديثه ، فجاء بعد ما قضى ركعة من الفجر ، وقد أخذ الناس أماكنهم من رسول اللّه فجعل «٢» يتخطى ويقول : تفسحوا حتى انتهى إلى رجل دون النبي صلّى اللّه عليه ، فقال : تفسح ، فقال له الرجل : قد أصبت مكانا فاقعد ، فلما أسفر قال : من الرجل؟ قال : فلان بن فلان ، قال :

أنت «٣» ابن هنة لأمّ له ، قد كان يعير بها فشق على الرجل ، فأنزل اللّه عز وجل : «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) وهى فى قراءة عبد اللّه فيما أعلم : عسوا أن يكونوا خيرا منهم «٤» ، ولا نساء من نساء عسين أن يكنّ خيرا منهن.

ونزل أيضا فى هذه القصة : [١٨١/ ا] «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً» (١٢) والشعوب أكبر من القبائل ، والقبائل أكبر من الأفخاذ (لتعارفوا) : ليعرف بعضكم بعضا فى النسب (إنّ أكرمكم) مكسورة لم يقع عليها التعارف ، وهى قراءة «٥» عبد اللّه :

لتعارفوا بينكم ، وخيركم عند اللّه أتقاكم فقال «٦» ثابت : واللّه لا أفاخر رجلا فى حسبه أبدا.

(١ ، ٢ ، ٤) سقط فى ش.

(٣) فى ب آنت.

(٥) فى ب ، ش : وهى فى قراءة. [.....]

(٦) فى ش : قال.

وقوله : وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ (١١).

لا يعب بعضكم بعضا ، ولا تنابزوا بالألقاب : كان الرجل يقول للرجل من اليهود وقد أسلم :

يا يهودى! فنهوا عن ذلك وقال فيه : «بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ» ومن فتح : أن

أكرمكم فكأنه قال : لتعارفوا أن الكريم المتقى «١» ، ولو كان «٢» كذلك لكانت : لتعرفوا أن أكرمكم ، وجاز : لتعارفوا ليعرّف بعضكم بعضا أن أكرمكم عند اللّه أتقاكم.

(١) فى ش : التقوى ، تحريف.

(٢) فى ش : كانت.

١٢

وقوله : وَلا تَجَسَّسُوا (١٢).

القراء مجتمعون على الجيم نزلت خاصة «٣» فى «٤» سلمان ، وكانوا نالوا منه «٥».

(٣) فى ح ، ش : نزلت أيضا خاصة.

(٤ ، ٥) زيادة من ب.

وقوله : فَكَرِهْتُمُوهُ (١٢).

قال لهم النبي صلّى اللّه عليه : أكان أحدكم آكلا لحم أخيه بعد موته؟ قالوا : لا! قال.

فإن الغيبة أكل لحمه ، وهو أن تقول ما فيه ، وإذا قلت ما ليس فيه فهو البهت «٦» ليست بغيبة «٧» فكرهتموه أي فقد كرهتموه «٨» ، فلا تفعلوه.

ومن قرأ : فكرّهتموه «٩» يقول : قد «١٠» بغّض إليكم «١١» والمعنى واللّه أعلم - واحد ، وهو بمنزلة قولك : مات الرجل وأميت.

(٦) البهت والبهيتة : الكذب.

(٧ ، ٨) ساقط فى ح.

(٩) فى ش : كرهتموه.

(١٠) فى ش : فقد.

(١١) فكرهتموه ، قراءة أبى سعيد الخدري ، وأبى حيرة ، وقد رواها الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم.

(البحر المحيط ٨/ ١١٥).

١٤

وقوله : قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (١٤).

فهذه نزلت فى أعاريب بنى أسد قدموا على «١٢» النبي صلّى اللّه عليه المدينة بعيالاتهم طمعا فى الصدقة ، فجعلوا يروحون ويغدون ، ويقولون : أعطنا فإنا أتيناك بالعيال والأثقال ، وجاءتك العرب على ظهور رواحلها

فأنزل اللّه جل وعز «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا» (١٧) (وأن) فى موضع نصب لأنها فى قراءة عبد اللّه : يمنون عليك إسلامهم ، ولو جعلت : يمنّون عليك لأن أسلموا ، فإذا ألقيت اللام كان نصبا مخالفا للنصب الأول.

(١٢) فى ش إلى.

وقوله : لا يَلِتْكُمْ (١٤).

لا ينقصكم ، ولا يظلمكم من أعمالكم شيئا ، وهى من لات يليت ، والقراء مجمعون «١» عليها ، وقد قرأ بعضهم : لا يألتكم «٢» ، ولست «٣» أشتهيها لأنها بغير ألف كتبت فى المصاحف ، وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز ألا ترى قوله : (يأتون) «٤» ، و(يأمرون) «٥» ، و(يأكلون) «٦» لم تلق الألف فى شىء منه لأنها ساكنة ، وإنما تلقى الهمزة إذا سكن ما قبلها ، فإذا «٧» سكنت هى تعنى «٨» الهمزة ثبتت فلم تسقط ، وإنما اجترأ على قراءتها «يألتكم» أنه وجد «وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ» «٩» فى موضع ، فأخذ ذا من ذلك فالقرآن ١»

يأتى باللغتين المختلفتين ألا ترى قوله : (تملى عليه) «١١». وهو فى موضع آخر : «فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ» «١٢». ولم تحمل إحداهما على الأخرى فتتفقا ولات يليت ، وألت يألت لغتان [قال حدثنا محمد بن الجهم بن إبراهيم السمري قال حدثنا الفراء] «١٣».

(١) فى ب ، ش : مجتمعون.

(٢) قرأ الجمهور : (لا يلتكم) : من لات يليت ، وهى لغة الحجاز (البحر المحيط ٨/ ١١٧) وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو (لا يألتكم) ، من ألت وهى لغة غطفان وأسد (البحر المحيط ٨/ ١١٧).

(٣) سقط فى ح. [.....]

(٤) فى مواضع من القرآن الكريم : سورة التوبة آية ٥٤ ، والاسراء آية ٨٨ والكهف آية ١٥ ...

(٥) كما فى آل عمران : الآيات ٢١ ، ١٠٤ ، ١١٤ والنساء الآية ٣٧ والحديد الآية ٢٤.

(٦) فى مواضع من القرآن مثلا : البقرة آية ١٧٤ ، ٢٧٥ والنساء آية ١٠.

(٧) فى ح : وإذا.

(٨) فى ش يعنى.

(٩) سورة الطور : ٢١.

(١٠) فى ب : والقرآن.

(١١) سورة الفرقان الآية ٥.

(١٢) سورة البقرة الآية ٢٨٢.

(١٣) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.

١٧

و قوله : أَنْ هَداكُمْ (١٧) ، وفى قراءة عبد اللّه : إذ هداكم.

ف (أن) فى موضع نصب لا بوقع الفعل ، ولكن بسقوط الصفة.