قوله عز وجل : وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ (٤).
يقول : فى خلق الآدميين وسواهم من كل ذى روح «١» آيات. تقرأ : الآيات بالخفض على تأويل النصب. يرد على قوله : «إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ». ويقوّى الخفض فيها «٢» أنها فى قراءة عبد اللّه : (لآيات). وفى قراءة أبى : لآيات لآيات لآيات «٣» ثلاثهن. والرفع قراءة الناس على الاستئناف فيما بعد أنّ ، والعرب تقول : إن لى عليك مالا ، وعلى أخيك مال كثير. فينصبون الثاني ويرفعونه.
وفى قراءة عبد اللّه : «و فى اختلاف الّليل والنهار». فهذا يقوى خفض الاختلاف ، ولو رفعه رافع فقال : واختلاف الليل والنهار آيات أيضا يجعل الاختلاف آيات ، ولم نسمعه من أحد من القراء قال : ولو رفع رافع الآيات ، وفيها اللام كان صوابا. قال : أنشدنى الكسائي :
إنّ الخلافة بعدهم لذميمة وخلائف طرف لمما أحقر «٤»
فجاء باللام ، وإنما هى جواب لأنّ ، وقد رفع لأن الكلام مبنى على تأويل إنّ.
(١) فى ب : من كل ذى زوج أو روح ، وفى ش : من كل ذوى روح. [.....]
(٢) في ب : ويقوى الخفض أنها.
(٣) الثالثة فى قوله بعد آية (وفى خلقكم) : (واختلاف الليل والنهار وما أنزل اللّه من السماء من رزق فأحيا به الأرض من بعد موتها وتصريف الرياح آيات).
(٤) فى (ا) أخفر.
وقوله : قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا (١٤).
معناه فى الأصل حكاية بمنزلة الأمر ، كقولك : قل للذين آمنوا اغفروا فإذا ظهر الأمر مصرحا فهو مجزوم لأنه أمر ، وإذا كان على الخبر مثل قوله : «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا» ، «وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا «٥» و«قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ «٦»» ، فهذا مجزوم بالتشبيه بالجزاء والشرط
(٥) سورة الإسراء الآية ٥٣.
(٦) سورة إبراهيم الآية ٣١.
كأنه قولك : قم «١» تصب خيرا ، وليس كذلك «٢» ، ولكن العرب إذا خرج الكلام فى مثال غيره وهو مقارب له عرّبوه بتعريبه ، فهذا من ذلك ، وقد ذكرناه فى غير موضع ، ونزلت قوله :
«قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ» فى المشركين قبل أن يؤمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بقتال أهل مكة.
(١) فى (ا) ثم ، والتصويب عن ب ، ح ، ش.
(٢) في (ب) كذاك.
وقوله : لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) قرأها يحيى بن وثاب : لنجزى بالنون «٣» ، وقرأها الناس بعد «لِيَجْزِيَ قَوْماً»»
بالياء وهما سواء بمنزلة قوله : «وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ» «٥» ، «و قد خلقناك من قبل» «٦» وقد قرأ بعض القراء فيما ذكر لى : ليجزى قوما ، وهو فى الظاهر لحن ، فإن كان أضمر فى «يجزى» فعلا يقع به الرفع كما تقول : أعطى ثوبا ليجزى ذلك الجزاء قوما فهو وجه.
(٣) جاء فى الإتحاف ٣٩٠ : واختلف فى «لنجزى قوما» فنافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء مبقيا للفاعل ، أي : ليجزى اللّه ، وافقهم اليزيدي والحسن والأعمش.
وقرأ أبو جعفر بالياء المضمومة ، وفتح الزاى مبنيا للمفعول مع نصب قوما. والباقون بنون العظمة مفتوحة مبنيا للفاعل.
(٤) لم يثبت فى ح ، ش : (ليجزى قوما).
(٥) سورة مريم الآية ٩.
(٦) وهى قراءة حمزة والكسائي بنون مفتوحة ، وألف على لفظ الجمع ، وافقهم الأعمش. والباقون بالتاء المضمومة بلا ألف على التوحيد (الإتحاف ٢٩٨ وانظر النشر ٢/ ٣١٧).
وقوله : عَلى شَرِيعَةٍ (١٨).
على دين وملة ومنهاج كل ذلك يقال «٧».
(٧) انظر اللسان مادة شرع.
وقوله : وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩).
ترفع اللّه ، وهو وجه الإعراب إذا جاء الاسم بعد إنّ ، وخبر فارفعه كان معه فعل أو لم يكن.
فأما الذي لا فعل معه فقوله : «أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ» «٨» وأمّا الذي معه فعل فقوله جل وعز : «وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ» «٩».
(٨) سورة التوبة الآية ٣.
(٩) سورة الجاثية الآية ١٩. [.....]
وقوله : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
(٢١) الاجتراح : الاقتراف ، والاكتساب.
وقوله : سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
«٤»٢١) تنصب سواء ، وترفعه ، والمحيا والممات فى موضع رفع بمنزلة قوله : رأيت القوم سواء صغارهم وكبارهم [١٧٤/ ب ] ، تنصب سواء لأنك تجعله فعلا لما عاد على الناس من ذكرهم ، وما عاد على القوم وجميع الأسماء بذكرهم ، وقد تقدم فعله ، فاجعل الفعل معربا بالاسم الأول. تقول : مررت بقوم سواء صغارهم وكبارهم «٥» ، ورأيت قوما سواء صغارهم وكبارهم «٦».
وكذلك الرفع - وربما جعلت العرب : (سواء) فى مذهب اسم بمنزلة حسبك ، فيقولون : رأيت قوما سواء صغارهم وكبارهم ، فيكون كقولك : مررت برجل حسبك أخوه «٧» ولو جعلت مكان سواء مستو لم ترفع ، ولكن تجعله متبعا لما قبله ، مخالفا لسواء لأن مستويا من صفة القوم ، ولأن سواء - كالمصدر ، والمصدر اسم.
ولو نصبت : المحيا والممات - كان وجها تريد أن تجعلهم سواء فى محياهم ومماتهم.
(٤) لم يثبت فى ب : (ومماتهم).
(٥ ، ٦) سقط فى ح.
(٧) فى ب ، ح ، ش : حسبك أبوه.
وقوله : وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً (٢٣).
قرأها «١» يحيى بن وثاب (غشوة) «٢» بفتح الغين ، ولا يلحق «٣» فيها ألفا ، وقرأها الناس (غشاوة) «٤» ، كأن غشاوة «٥» اسم ، وكأن غشوة «٦» شىء غشيها فى وقعة واحدة ، مثل : الرجفة ، والرحمة ، والمرّة.
(١) فى (ا) وقرأها.
(٢) فى ب عسوة بفتح العين ، وهو تصحيف.
(٣) فى ب ولم يلحق.
(٤) جاء فى الاتحاف ٣٩٠ : واختلف فى «غشاوة» ، فحمزة والكسائي وخلف بفتح الغين وسكون الشين بلا ألف ، وافقهم الأعمش ، وعنه أيضا كسر الغين ، والباقون بكسر الغين وفتح الشين وألف بعدها لغتان.
(٥) سقط فى ح : كأن غشاوة.
(٦) فى ب عشوة ، تصحيف.
وقوله : نَمُوتُ وَنَحْيا (٢٤).
يقول القائل : كيف قال : نموت ونحيا ، وهم مكذبون «٧» بالبعث؟ فإنما أراد نموت ، ويأتى بعدنا أبناؤنا ، فجعل فعل أبنائهم كفعلهم ، وهو فى العربية كثير.
(٧) فى ب يكذبون.
وقوله : وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ (٢٤).
يقولون : إلّا طول الدهر ، ومرور الأيام والليالى والشهور والسنين.
وفى قراءة عبد اللّه : «و ما يهلكنا إلّا دهر» ، كأنه : إلّا دهر يمر.
وقوله : وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً ٢٨.
يريد : «٨» كلّ أهل دين جاثية يقول : «٩» مجتمعة للحساب ، ثم قال : «كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا» (٢٨). يقول إلى حسابها ، وهو من قول اللّه : «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ» «١٠» و«بشماله» «١١».
(٨ ، ٩) ساقط فى ح. [.....]
(١٠) سورة الانشقاق الآية ٧ ، وسورة الحاقة الآية ١٩.
(١١) سورة الحاقة الآية ٢٥.
وقوله : إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩).
الاستنساخ «١٢» : أن الملكين يرفعان عمل الرجل صغيره وكبيره ، فيثبت اللّه من عمله ما كان
(١٢) فى ا ، ح ، ش : والاستنساخ.
له ثواب أو عقاب ، ويطرح منه اللغو الذي لا ثواب فيه ولا عقاب ، كقولك : هلمّ ، وتعال ، واذهب ، فذلك الاستنساخ.
وقوله : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ (٣١).
أضمر القول فيقال : أفلم ، ومثله : «فَأَمَّا «١» الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ» «٢» معناه ، فيقال : أكفرتم ، واللّه أعلم. وذلك أنّ أما لا بد لها من أن تجاب بالفاء ، ولكنها سقطت لما سقط الفعل الذي أضمر.
(١) وردت فى ب ، ح ، ش «و أمّا» ، تحريف.
(٢) سورة آل عمران الآية ١٠٦.
و قوله : وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها (٣٢) ترفع الساعة وهو وجه الكلام ، وإن نصبتها فصواب ، قرأ بذلك حمزة الزيات «١» ، وفى قراءة عبد اللّه : «و إذا قيل إنّ وعد اللّه حقّ وإن السّاعة لا ريب فيها» «٢» ، فقد عرفت الوجهين ، وفسّرا «٣» فى غير هذا الموضع.
(١) جاء فى إعراب القرآن العكبري (٢/ ١٢٢) قوله تعالى : «وَ السَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها» يقرأ بالرفع على الابتداء وما بعده الخبر ، وقيل : هو معطوف على موضع إن ، وما عملت فيه ، ويقرأ بالنصب عطفا على اسم إن.
(٢) انظر المصاحف للسجستانى ص : ٧٠.
(٣) فى ش وفسر.
وقوله «٣» : وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ (٣٤).
نترككم فى النار كما نسيتم لقاء يومكم هذا ، يقول : كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا.
(٣) سقط فى ب : «و قوله».
وقوله : فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥).
يقول : لا يراجعون الكلام بعد دخولهم النار.