قوله عز وجل : يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤).
أَمْراً (٥) هو منصوب بقوله : يفرق ، على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمرا «١» وكذلك.
(١) فى نصب «أمرا» أوجه : أحدها : هو مفعول منذرين ، كقوله : لينذر بأسا شديدا. والثاني : هو مفعول له ، العامل فيه : أنزلناه ، أو منذرين ، أو يفرق.
والثالث : هو حال من الضمير فى حكيم ، أو من أمر لأنه قد وصف (ثم انظر العكبري فى إعراب القرآن ٢/ ١٢٠)
قوله : رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ (٦) ، يفرق ذلك رحمة من ربك ، ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها ، تجعل الرحمة هى النبي صلّى اللّه عليه.
وقوله : رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (٧).
«٢» خفضها الأعمش وأصحابه ، ورفعها أهل المدينة ، وقد «٣» خفضها الحسن أيضا على أن تكون تابعة لربك رب السموات.
ومن رفع «٤» جعله تابعا لقوله : «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ، ورفع أيضا آخر «٥» على الاستئناف كما قال : «وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ» «٦».
(٢ ، ٣) ساقط فى ح.
(٤) عاصم وحمزة والكسائي يخفضونها بدلا من ربك ، أو صفة ، وافقهم ابن محيصن والحسن. والباقون بالرفع على إضمار مبتدأ أي هو رب ، أو مبتدأ خبره : لا إله إلا هو (الإتحاف ٣٨٨).
(٥) فى ش ورفع آخر أيضا.
(٦) سورة النبأ آية ٣٧. [.....]
وقوله : تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ «٧» هذا عَذابٌ (١١).
كان النبي صلّى اللّه عليه دعا عليهم ، فقال : اللهم اشدد وطأتك على مضمر ، اللهم سنين كسنى يوسف ، فأصابهم جوع ، حتّى أكلوا العظام «٨» والميتة ، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا.
(٧) لم يثبت (يغشى الناس) فى غير الأصل.
(٨) فى (ج) الطعام وهو تحريف.
و قوله : يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١).
يراد به ذلك عذاب ، ويقال : إن الناس كانوا يقولون : هذا الدخان عذاب.
وقوله : إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥).
يقال : عائدون إلى شرككم ، ويقال : عائدون إلى عذاب الآخرة.
وقوله : يَوْمَ نَبْطِشُ (١٦).
يعنى : يوم بدر ، وهى البطشة الكبرى.
[١٧٢/ ب ] وقوله : رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧).
أي على ربه كريم «١» ، ويكون كريم من قومه «٢» لأنه قال «٣» : ما بعث نبى إلا وهو فى شرف «٤» قومه.
(١) فى هامش ب متفرقة. وانظر اللسان ح ٣/ ٤٢.
(٢) فى ح ، ش : نضح بالحاء المهملة ، والنضخ : الأثر.
(٣) فى ش : وأمة ، وهو تحريف.
(٤) فى هامش (ا) رهوا ، أي على سكون ، وفى هامش ب : رهوا ساكنة على رسل.
وقوله : أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ (١٨).
يقول : ادفعوهم إلىّ ، أرسلوهم معى ، وهو قوله : «فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ».
ويقال : أن أدّوا إلىّ يا عباد اللّه ، والمسألة الأولى نصب فيها العباد بأدوا.
وقوله : أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠).
الرجم هاهنا : القتل وقوله : وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١).
يقول : فاتركون لاالْمُهِينِ
(٣٠) وفى حرف عبد اللّه : «من عذاب المهين» «٧».
وهذا مما أضيف إلى نفسه لاختلاف الاسمين مثل قوله : وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ «٨» مثل قوله : «٩» «وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» وهى فى قراءة عبد اللّه : «و ذلك الدين القيّمة» «١٠».
(٥) زيادة فى ش.
(٦) في ح ، ش : عن عباس ، سقط.
(٧) جاء فى البحر المحيط ٨/ ٣٧ : وقرأ عبد اللّه : «من عذاب المهين» ، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته ، كبقلة الحمقاء. [.....]
(٨) سورة يوسف الآية ١٠٩.
(٩) فى ح ، ومثل له : «ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ». وفى ش : ومثل قوله : «ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» سورة البينة الآية ٥.
(١٠) جاء فى تفسير الطبري : وأضيف الدين إلى القيمة ، والدين هو القيم ، وهو من نعته لاختلاف لفظيهما ، وهى فى قراءة عبد اللّه فيما أرى فيما ذكر لنا : وذلك الدين القيمة. فأنث القيمة ، لأنه جعل صفة للملة كأنه قيل : وذلك الملة القيمة هون اليهودية والنصرانية ح ٣٠/ ١٤٥.
و قوله : وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣).
يريد : نعم مبيّنة ، منها : أن أنجاهم من آل فرعون ، وظللهم بالغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، وهو كما تقول للرجل : إن بلائي عندك لحسن ، وقد قيل فيهما : إن البلاء عذاب ، وكلّ صواب.
وقوله : فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦).
يخاطبون النبي - صلى اللّه عليه - وحده ، وهو كقوله : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» «١» فى كثير من كلام العرب ، أن تجمع العرب فعل الواحد ، منه قول اللّه عز وجل : «قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ» «٢».
(١) سورة الطلاق الآية : ١
(٢) سورة المؤمنون الآية : ٩٩.
وقوله : إِلَّا بِالْحَقِّ (٣٩).
يريد : للحق.
وقوله : إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠).
يريد : الأولين والآخرين ، ولو نصب (ميقاتهم) لكان صوابا يجعل «٣» اليوم صفة ، قال : أنشدنى بعضهم :
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم «٤» يوم الرحيل فعلت «٥» ما لم أفعل
فنصب : يوم الرحيل ، على أنه صفة «٦».
(٣) فى ب : فجعل.
(٤) فى ش عهدهم.
(٥) سقط (فعلت) فى ش.
(٦) فى ش فصه ، وهو خطأ من الناسخ.
وقوله : إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ (٤٢).
فإن المؤمنين يشفّع بعضهم فى بعض ، فإن شئت فاجعل - من - فى موضع رفع ، كأنك قلت :
لا يقوم أحد إلا فلان ، وإن شئت جعلته نصبا على الاستثناء والانقطاع عن أول الكلام تريد :
اللهم إلّا من رحمت.
و قوله : طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤).
يريد : الفاجر.
وقوله : كَالْمُهْلِ تغلى (٤٥) قرأها كثير من أصحاب عبد اللّه : «تغلى» ، وقد ذكرت عن عبد اللّه ، وقرأها أهل المدينة كذلك ، وقرأها الحسن «يَغْلِي» «١». جعلها للطعام أو للمهل ، ومن أنثها ذهب إلى تأنيث الشجرة.
ومثله قوله : «أَمَنَةً نُعاساً» «٢» تغشى ويغشى فالتذكير للنعاس ، والتأنيث للأمنة ، ومثله :
«أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تمنى» «٣» التأنيث للنطفة ، والتذكير من المنى.
(١) جاء فى الاتحاف (٣٨٨) : واختلف فى «تغلى». فابن كثير وحفص ورويس بالياء على التذكير ، وفاعله يعود إلى الطعام ، والباقون بالتأنيث ، والضمير للشجرة.
(٢) سورة آل عمران الآية : ١٥٤.
(٣) سورة القيامة الآية ٣٧.
وقوله : فَاعْتِلُوهُ (٤٧).
قرأها بالكسر عاصم والأعمش ، وقرأها أهل المدينة : «فَاعْتِلُوهُ». بضم التاء «٤».
(٤) قال الأزهرى : وهما لغتان فصيحتان.
وقوله : ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩).
قرأها القراء بكسر الألف حدثنا محمد قال حدثنا «٥» الفراء قال : حدثنى شيخ عن حجر «٦» عن أبى قتادة الأنصاري عن أبيه قال : سمعت الحسن بن على بن أبى طالب «٧» على المنبر يقول :
«ذُقْ إِنَّكَ» بفتح الألف «٨». والمعنى فى فتحها : ذق بهذا القول الذي قلته فى الدنيا ، ومن كسر حكى قوله ، وذلك أن أبا جهل لقى النبي - صلّى اللّه عليه - قال : فأخذه النبي صلّى اللّه عليه فهزه ، ثم قال [له ] «٩» : أولى لك يا أبا جهل أولى «١٠» فأنزلها «١١» اللّه كما قالها النبي صلّى اللّه
(٥) الزيادة من ب. [.....]
(٦) سقط فى ح ، وفى ش : حدثنى شيخ حجر.
(٧) فى ب سمعت الحسن بن على رحمهما اللّه.
(٨) جاء فى الاتحاف ٣٨٩ : واختلف فى «ذق أنك». فالكسائى بفتح الهمزة على العلة ، أي لأنك. وافقه الحسن ، والباقون بكسرها على الاستئناف المفيد للعلة فيتحدان ، أو محكى بالقول المقدر ، أي : اعتلوه ، وقولوا له :
كيت وكيت.
(٩) زيادة من ب.
(١٠) سقط فى ج ، ش.
(١١) فى ب فأنزل.
عليه. ورد عليه أبو جهل ، فقال : [و] «١» اللّه ما تقدر أنت ولا ربك علىّ ، إنى لأكرم أهل الوادي على قومه ، وأعزّهم فنزلت كما قالها قال : فمعناه - فيما نرى واللّه أعلم - : انه توبيخ أي [١٧٣/ ب ] ذق فإنك كريم كما زعمت. ولست كذلك.
(١) كذا فى ح ، ش ، وفى ا ، ب. اللّه بنصب لفظ الجلالة.
وقوله : فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١).
قرأها الحسن والأعمش وعاصم : (مقام) ، وقرأها أهل المدينة (فى مقام) بضم الميم «٢».
والمقام بفتح الميم أجود فى العربية لأن المكان ، والمقام : الإقامة وكلّ صواب.
(٢) جاء فى البحر المحيط ٨/ ٤٠ : وقرأ عبد اللّه بن عمر ، وزيد بن على ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، والحسن ، وقتادة ، ونافع ، وابن عامر «فى مقام» بضم الميم. وأبو رجاء وعيسى ويحيى والأعمش وباقى السبعة بفتحها.
وقوله : وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) وفى قراءة عبد اللّه : «و أمددناهم بعيس عين» ، والعيساء : البيضاء. والحوراء كذلك.
وقوله : لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى (٥٦).
يقول القائل : كيف استثنى موتا فى الدنيا قد مضى من موت فى الآخرة ، فهذا مثل قوله : «وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ» «٣». فإلّا فى هذا الموضع بمنزلة سوى ، كأنه قال : لا تنكحوا ، لا تفعلوا سوى ما قد فعل آباؤكم ، كذلك قوله : «لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ».
سوى الموتة الأولى ، ومثله : «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» «٤» «٥» أي سوى ما شاء ربك «٦» لهم من الزيادة على مقدار الدنيا من الخلود. وأنت قائل فى الكلام : لك عندى ألف إلّا ما لك من قبل فلان ، ومعناه : سوى مالك علىّ من قبل فلان ، وإلا تكون على أنها حطّ مما قبلها وزيادة عليها فما ذكرناه لك من هذه الآيات فهو زيادة على ما قبل إلا ، والحط مما قبل إلا قولك : هؤلاء ألف إلّا مائة «٧» فمعنى هذه ألف ينقصون مائة.
وقوله : وَوَقاهُمْ «٨» عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلًا (٥٧).
أي فعله تفضلا منه ، وهو ممّا لو جاء رفعا لكان صوابا أي : ذلك فضل من ربك.
(٣) سورة النساء الآية ٢٢.
(٤) سورة هود الآية ١٠٧.
(٥ ، ٦) ساقط فى ش.
(٧) فى (ا) : هو ألف إلا مائة ، وما أثبتناه من ب ، ح ، ش ، وهو أبين.
(٨) في ش : «وقاهم» ، والقراءة : «و وقاهم».