سُورَةُ الزُّمَرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ آيَةً

١

قوله : تَنْزِيلُ الْكِتابِ [١] ترفع (تَنْزِيلُ) بإضمار : هذا تنزيل ، كما قال : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها «١») ومعناه : هذه سورة أنزلناها وإن شئت جعلت رفعه بمن. والمعنى : من اللّه تنزيل الكتاب ولو نصبته وأنت تأمر باتباعه ولزومه كان صوابا كما قال اللّه (كِتابَ «٢» اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أي الزموا كتاب اللّه.

(١) أول سورة النور.

(٢) الآية ٢٤ سورة النساء.

٢

وقوله : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [٢] منصوب بوقوع الإخلاص عليه. وكذلك ما أشبهه فى القرآن مثل (مُخْلِصِينَ «٣» لَهُ الدِّينَ) ينصب كما نصب فى هذا. ولو «٤» رفعت (الدين) بله ، وجعلت الإخلاص مكتفيا غير واقع كأنك قلت : اعبد اللّه مطيعا فله الدين.

(٣) الآية ١٤ سورة غافر. وورد فى مواطن أخرى.

(٤) جواب لو محذوف أي لكان صوابا ،

٣

وقوله : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [٣] (الذين) فى موضع رفع بقول مضمر. والمعنى :

(وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يقولون لأوليائهم وهى الأصنام : ما نعبدكم إلّا لتقرّبونا إلى اللّه.

وكذلك هى فى (حرف «٥») أبىّ وفى حرف عبد اللّه (قالوا ما نعبدهم) والحكاية إذا كانت بالقول مضمرا أو ظاهرا جاز أن يجعل الغائب كالمخاطب ، وأن تتركه كالغائب ، كقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ «٦» كَفَرُوا سيغلبون) و(سَتُغْلَبُونَ) بالياء والتاء على ما وصفت لك.

(٥) ا : ب «قراءة».

(٦) الآية ١٢ سورة آل عمران.

٦

وقوله : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها [٦] يقول القائل : كيف قال :

(خلقكم) لبنى آدم. ثم قال : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) والزوج مخلوق قبل الولد؟ ففى ذلك وجهان من العربيّة :

أحدهما : أن العرب إذا أخبرت عن رجل بفعلين ردّوا الآخر بثمّ إذا كان هو الآخر فى المعنى. وربّما جعلوا (ثمّ) فيما معناه التقديم ويجعلون (ثم) من خبر المتكلّم. من ذلك أن تقول : قد بلغني ما صنعت يومك هذا ، ثمّ ما صنعت أمس أعجب. فهذا نسق من خبر المتكلّم.

وتقول : قد أعطينك اليوم شيئا ، ثمّ الذي أعطيتك أمس أكثر ، فهذا من ذلك.

والوجه الآخر : أن تجعل خلقه الزوج مردودا على (واحدة) كأنه قال : خلقكم من نفس وحدها ، ثمّ جعل منها زوجها. ففى (واحدة) معنى خلقها واحدة.

قال : أنشدنى بعض العرب :

أعددته للخصم ذى التعدّى كوّحته منك بدون الجهد «١»

و معناه الذي إذا تعدى كوّحته ، وكوّحته : غلبته

(١) ورد فى اللسان (كوح) عن أبى عمرو.

٧

 وقوله : وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [٧] يقول : يرضى الشكر لكم. وهذا مثل قوله :

(فَاخْشَوْهُمْ «٢» فَزادَهُمْ إِيماناً) أي فزادهم قول الناس ، فإن قال قائل : كيف قال (وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) وقد كفروا

 قلت : إنه لا يرضى أن يكفرو. فمعنى الكفر : أن يكفروا. وليس معناه الكفر بعينه. ومثله ممّا يبيّنه لك أنك تقول : لست أحبّ الإساءة ، وإنى لأحب أن يسىء فلان فيعذّب «٣» فهذا «٤» ممّا يبيّن لك معناه.

(٢) الآية ١٧٣ سورة آل عمران.

(٣) ش : «و يعذب».

(٤) ش : ب «و هذا».

٨

وقوله : نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [٨].

يقول : ترك الذي كان يدعوه إذا «٥» مسّه ، الضر يريد اللّه تعالى.

فإن قلت : فهلّا قيل : نسى من

(٥) ا : «إذ».

كان يدعو

 قلت : إن (ما) قد تكون فى موضع (من) قال اللّه (قُلْ يا أَيُّهَا «١» الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) يعنى اللّه. وقال (فَانْكِحُوا «٢» ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) فهذا وجه. وبه جاء التفسير ، ومثله (أَنْ «٣» تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وقد تكون (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ) يراد «٤» : نسى دعاءه إلى اللّه من قبل. فإن شئت جعلت الهاء التي فى (إليه) لما «٥».

وإن شئت جعلتها «٦» للّه وكلّ مستقيم.

وقوله (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا) ١٦٦ ا فهذا تهدّد وليس بأمر محض. وكذلك قوله : (فَتَمَتَّعُوا «٧» فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وما أشبهه.

(١) الآيات ١ - ٣ سورة الكافرين.

(٢) الآية ٣ سورة النساء. [.....]

(٣) الآية ٧٥ سورة ص.

(٤) ش : «يريد به».

(٥) أي على الوجه الأول.

(٦) أي على الوجه الثاني.

(٧) الآية ٥٥ سورة النحل ، والآية ٣٤ سورة الروم.

٩

وقوله : أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [٩] قرأها يحيى بن وثّاب بالتخفيف. وذكر ذلك عن نافع وحمزة وفسّروها يريد : يا من هو قانت. وهو وجه حسن ، العرب تدعو بألف ، كما يدعون بيا.

فيقولون : يا زيد أقبل ، وأزيد أقبل. قال الشاعر :

أبنى لبينى لستم بيد إلّا يد ليست لها عضد

و قال الآخر :

أضمر بن ضمرة ماذا ذكر ت من صرمة أخذت بالمرار «٨»

و هو كثير فى الشعر فيكون المعنى مردودا بالدعاء كالمنسوق «٩» ، لأنه ذكر الناسي الكافر ، ثم

(٨) الصرمة : القطعة من الإبل. والمرار موضع. وفى ا : «بالمراد».

(٩) ا : «على المنسوق».

قصّ قصّة الصالح بالنداء ، كما تقول فى الكلام : فلان لا يصلّى ولا يصوم فيامن يصلّى ويصوم أبشر فهذا هو معناه. واللّه أعلم.

وقد تكون الألف استفهاما بتأويل أم لأن العرب قد تضع (أم) فى موضع الألف إذا سبقها كلام ، قد وصفت من ذلك ما يكتفى به. فيكون المعنى أمن هو قانت (خفيف) كالأوّل الذي ذكر بالنسيان والكفر.

ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف. وهو الوجه : أن تجعل أم إذا كانت مردودة على معنى قد سبق قلتها بأم. وقد قرأ بها الحسن وعاصم وأبو جعفر المدنىّ. يريدون : أم من. والعرب تقول : كان هذا حين قلت : أأخوك أم الذئب. تقال هذه الكلمة بعد المغرب إذا رأيت الشخص فلم تدر ما هو. ومنه قولك : أفتلك أم وحشيّة ، وقولك أذلك أم جأب «١» يطارد أتنا «٢».

فإن قال قائل فأين جواب (أَمَّنْ هُوَ) فقد تبيّن فى الكلام أنه مضمر ، قد جرى معناه فى أوّل الكلمة ، إذ ذكر الضالّ ثم ذكر المهتدى بالاستفهام فهو دليل على أنه يريد : أهذا مثل هذا أو أهذا أفضل أم هذا. ومن لم يعرف مذاهب العرب ويتبيّن له المعنى فى هذا وشبهه لم يكتف ولم يشتف ألا ترى قول الشاعر :

فأقسم لو شىء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

أنّ معناه : لو أتانا رسول غيرك لدفعناه ، فعلم المعنى ولم يظهر. وجرى قوله : (أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) «٣» على مثل هذا.

وقوله (آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) نصب على قوله : يقنت ساجدا مرّة وقائما مرّة ، أي مطيع فى الحالين. ولو رفع كما رفع القانت كان صوابا. والقنوت : الطاعة.

(١) الجأب : الحمار الغليظ من حمار الوحش والأتن جمع أتان وهى الحمارة.

(٢) الجأب : الحمار الغليظ من حمار الوحش والأتن جمع أتان وهى الحمارة.

(٣) فى الآية ٢٢ من هذه السورة.

١٩

و قوله : أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ [١٩].

يقال : كيف اجتمع استفهامان فى معنى واحد؟ يقال : هذا ممّا يراد به استفهام واحد فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه يردّ الاستفهام إلى موضعه الذي هو له. وإنّما المعنى - واللّه أعلم - : أفأنت تنقذ من حقّت عليه كلمة العذاب. ومثله من غير الاستفهام قوله : (أَ يَعِدُكُمْ «١» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) فردّ (أنكم) مرّتين ، والمعنى - واللّه أعلم - : أيعدكم أنّكم مخرجون إذا متمّ وكنتم ترابا. ومثله قوله : (لا تَحْسَبَنَّ «٢» الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) فردّ (تَحْسَبَنَّ) مرّتين ومعناهما - واللّه أعلم - لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا بمفازة من العذاب. ومثله كثير فى التنزيل وغيره من كلام العرب.

(١) الآية ٣٥ سورة المؤمنين.

(٢) الآية ١٨٨ سورة آل عمران.

٢٢

وقوله : فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [٢٢] و(عن ذكر اللّه) كلّ صواب. تقول :

اتّخمت من طعام أكلته وعن طعام أكلته ، سواء فى المعنى. وكأنّ قوله : قست من ذكره أنهم جعلوه كذبا فأقسى قلوبهم : زادها قسوة. وكأن من قال : قست عنه يريد : أعرضت عنه.

٢٣

وقوله : كِتاباً مُتَشابِهاً [٢٣] أي غير مختلف لا ينقض بعضه بعضا.

وقوله (مَثانِيَ) أي مكرّرا يكرّر فيه ذكر الثواب والعقاب.

وقوله : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : تقشعرّ خوفا من آية العذاب إذا نزلت (ثُمَّ تَلِينُ) عند نزول آية رحمة.

٢٤

وقوله : أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ [٢٤].

يقال : إن الكافر تنطلق به الخزنة إلى النار مغلولا ، فيقذف به فى النار ، فلا يتّقيها إلّا بوجهه وجوابه من المضمر «٣» الذي ذكرت لك.

(٣) أي أهذا الذي يتقى بوجهه سوء العذاب خير أم من ينعم فى الجنان.

٢٩

و قوله : فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ [٢٩] مختلفون. هذا مثل ضربه اللّه للكافر والمؤمن. فجعل الذي فيه شركاء الذي يعبد الآلهة المختلفة.

وقوله (رجلا سالما لرجل) هو المؤمن الموحّد. وقد قرأ العوامّ (سَلَماً) وسلم وسالم متقاربان فى المعنى ، وكأنّ (سَلَماً) مصدر لقولك : سلم له سلما والعرب تقول : ربح ربحا وربحا ، وسلم سلما وسلما وسلامة. فسالم من صفة الرّجل ، وسلم مصدر لذلك. واللّه أعلم.

حدّثنا أبو العبّاس قال : حدّثنا محمد ، قال : حدثنا الفراء قال : حدّثنى أبو إسحاق التيمىّ - وليس بصاحب هشيم - عن أبى روق عن ابراهيم التيمىّ عن ابن عباس أنه قرأ (ورجلا سالما) قال الفرّاء :

و حدثنى ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد أنه قرأ (سالما).

وقوله : هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا [٢٩] ولم يقل مثلين ، لأنهما جميعا ضربا مثلا واحدا ، فجرى المثل فيهما بالتوحيد. ومثله (وَ جَعَلْنَا «١» ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) ولم يقل : آيتين لأن شأنهما واحد. ولو قيل مثلين أو آيتين كان صوابا لأنهما اثنان فى اللفظ.

(١) الآية ٥٠ سورة المؤمنين. [.....]

٣٣

وقوله : وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [٣٣] (الذي) غير موقّت ، فكأنه فى مذهب جماع فى المعنى. وفى قراءة عبد اللّه (والذين جاءوا بالصّدق وصدّقوا به) فهذا دليل أنّ (الذي) فى تأويل جمع.

٣٦

وقوله : أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عباده [٣٦] قرأها يحيى «٢» بن وثّاب وأبو جعفر المدني (أ ليس اللّه بكاف عباده) على الجمع. وقرأها الناس (عَبْدَهُ) وذلك أن قريشا قالت للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم :

أ ما تخاف أن تخبلك آلهتنا لعيبك إيّاها! فأنزل اللّه (أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) محمّدا صلى اللّه عليه وسلم ، فكيف يخوّفونك بمن دونه. والذين قالوا (عباده) قالوا :

(٢) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف.

قد همّت أمم الأنبياء بهم ، ووعدوهم مثل هذا ، فقالوا الشعيب (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ.) فقال اللّه (ا ليس اللّه بكاف عباده) أي محمدا عليه السلام والأنبياء قبله ، وكلّ صواب.

٣٨

وقوله : هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ [٣٨] وممسكات رحمته [٣٨] نوّن فيهما عاصم والحسن وشيبة المدنىّ. وأضاف «١» يحيى بن وثّاب. وكلّ صواب. ومثله (إِنَّ اللَّهَ «٢» بالِغُ أَمْرِهِ) و(بالِغُ أَمْرِهِ) و(مُوهِنُ «٣» كَيْدِ الْكافِرِينَ) و(مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) وللإضافة معنى مضىّ من الفعل. فإذا رأيت الفعل قد مضى فى المعنى فآثر الإضافة فيه ، تقول أخوك أخذ حقه ، فتقول هاهنا :

أخوك آخذ حقّه. ويقبح أن تقول : آخذ حقّه. فإذا كان مستقبلا لم يقع بعد قلت : أخوك آخذ حقّه عن قليل ، وآخذ حقّه عن قليل : ألا ترى أنك لا تقول : هذا قاتل حمزة مبغّضا ، لأن معناه ماض فقبح التنوين لأنه اسم.

(١) وهى قراءة أبى عمرو ويعقوب.

(٢) الآية ٣ سورة الطلاق. قرأ حفص بغير تنوين ، والباقون بالتنوين.

(٣) الآية ١٨ سورة الأنفال قرأ حفص بالخفض من غير تنوين.

٤٢

وقوله : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [٤٢] والمعنى فيه يتوفّى الأنفس حين موتها ، ويتوفّى التي لم تمت فى منامها عند انقضاء أجلها. ويقال : إن توفّيها نومها.

وهو أحبّ الوجهين إلىّ لقوله (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ).

ولقوله : (وَ هُوَ الَّذِي «٤» يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) وتقرأ «٥» (قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) (وقضى عليها الموت).

(٤) الآية ٦٠ سورة الأنعام.

(٥) قرأ بالبناء للمفعول حمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالبناء للفاعل.

٤٩

وقوله : بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ [٤٩] خرجت (هى) بالتأنيث لتأنيث الفتنة. ولو قيل : بل هو فتنة لكان

صوابا كما قال (هذا رَحْمَةٌ «١» مِنْ رَبِّي) ومثله كثير فى القرآن. وكذلك قوله : (قَدْ قالَهَا «٢» الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أنثت إرادة الكلمة ولو قيل : قد قاله الذين من قبلهم كان صوابا. ومثله فى الكلام أن تقول : قد «٣» فعلتها وفعلت ذاك : ومثله. قوله : (وَ فَعَلْتَ «٤» فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) يجوز مكانها لو أتى : وفعلت فعلك.

(١) الآية ٩٨ سورة الكهف :

(٢) الآية ٥٠ سورة الزمر.

(٣) سقط فى ا.

(٤) الآية ١٩ سورة الشعراء.

٥٣

وقوله : إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [٥٣] هى فى قراءة عبد اللّه (الذنوب جميعا لمن يشاء) قال الفراء : وحدّثنى أبو إسحاق التّيمىّ عن أبى روق عن إبراهيم التيمىّ عن ابن عبّاس أنه قرأها كما هى فى مصحف عبد اللّه (يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء) وإنما نزلت فى وحشىّ قاتل حمزة وذويه.

٥٦

وقوله : أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى [٥٦] أي افعلوا وأنيبوا وافعلوا (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) ألّا يقول أحدكم غدا (يا حَسْرَتى ) ومثله قوله : (وَ أَلْقى فِي «٥» الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي لا تميد.

وقوله : (يا حَسْرَتى ) : يا ويلتا مضاف إلى المتكلّم يحوّل العرب الياء إلى الألف فى كلّ كلام كان معناه الاستغاثة ، يخرج على لفظ الدعاء. وربّما قيل : يا حسرت «٦» كما قالوا : يا لهف على فلان ، ويا لهفا عليه قال : أنشدنى أبو ثروان العكلىّ.

تزورونها أو لا أزور نساءكم ألهف لأولاد الإماء الحواطب

فخفض كما يخفض المنادى إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه.

(٥) الآية ١٥ سورة النحل ، والآية ١٠ سورة لقمان.

(٦) رسمت هكذا فى ا بالتاء المفتوحة إذ كانت فى نية الإضافة إلى الياء المحذوفة فكانت فى الحشو لا فى الآخر.

و ربّما أدخلت العرب الهاء بعد الألف التي فى (حَسْرَتى ) فيخفضونها مرة ، ويرفعونها. قال :

أنشدنى أبو فقعس ، بعض «١» بنى أسد :

يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل عفراء يا ربّاه من قبل الأجل «٢»

فخفض ، قال : وأنشدنى أبو فقعس :

يا مرحباه بحمار ناهيه إذا أتى قرّبته للسّانية «٣»

و الخفض أكثر فى كلام العرب ، ألّا فى قولهم : يا هناه «٤» ويا هنتاه ، فالرفع فى هذا أكثر من الخفض لأنه كثر «٥» فى الكلام فكأنه حرف واحد مدعوّ.

(١) كذا فى ا ، وفى الخزانة ٣/ ٢٦٢ : «لبعض».

(٢) بعده :

فإن عفراء من الدنيا الأمل

و انظر الخزانة فى الموطن السابق. وأسل أصلها : اسأل فخفف. [.....]

(٣) فى الخزانة ١/ ٤٠٠ «ناجية» فى مكان «ناهية» وفيها أن بنى ناجية قوم من العرب ، وكأن ناهية هنا اسم امرأة ، والسانية : الدلو العظيمة وأداتها. وأراد بتقريب الحمار للسانية أن يستقى عليه من البئر بالدلو العظيمة.

وانظر الخزانة.

(٤) يا هناه أي رجل ، ويا هنتاه أي يا امرأة.

(٥) ش : «كثير».

٥٨

وقوله : لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [٥٨] النصب فى قوله (فَأَكُونَ) جواب للو.

وإن شئت جعلته مردودا على تأويل أن ، تضمرها فى الكرّة ، كما تقول : لو أنّ لى أن أكرّ فأكون. ومثله ممّا نصب على ضمير أن قوله : (وَ ما «٦» كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ) المعني - واللّه أعلم - ما كان لبشر أن يكلمه اللّه إلّا أن يوحى إليه أو يرسل. ولو رفع (فيوحى) إذا لم يظهر أن قبله ولا معه كان صوابا. وقد قرأ به «٧» بعض القراء.

قال : وأنشدنى بعض بنى أسد :

(٦) الآية ٥١ سورة الشورى.

(٧) قرأ نافع وابن ذكوان راوى ابن عامر برفع «يرسل» و«فيوحى». وهذا غير ما يعنيه الفراء ، فانه يريد رفع «فيوحى» مع نصب «يرسل».

يحلّ أحيده ويقال بعل ومثل تموّل منه افتقار

فما يخطئك لا يخطئك منه طبانية فيحظل أو يغار «١»

فرفع. وأنشدنى آخر :

فد العيني على هامش الخزانة ١/ ١٧٧ :

الاستقامة»

نصبتها ، ورفعت الاسم ، فقلت : رأيت عبد اللّه مستقيما أمره ، ولو نصبت الثلاثة فى المسألة الأولى على التكرير كان جائزا ، فتقول : رأيت عبد اللّه أمره مستقيما. وقال عدىّ «٢» ابن زيد.

ذرينى إن أمرك لن يطاعا وما ألفيتنى حلمى مضاعا

فنصب الحلم والمضاع على التكرير. ومثله :

ما للجمال مشيها وئيدا «٣»

فخفض الجمال والمشي على التّكرير. ولو قرأ قارئ (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) على هذا لكان صوابا.

(١) يريد لفظ مستقيم :

(٢) جاء الشاهد فى كتاب سيبويه ١/ ٧٧ منسوبا إلى رجل من بجيلة أو خثعم : وجاء فى الخزانة ٢/ ٣٦٨ وذكر صاحبها الاختلاف فى قائله وصحح ما ذكره الفراء ، وذكر عن الحماسة البصرية بعده أربعة أبيات

(٣) من رجز ينسب إلى الزباء فى قصة طويلة وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة ١/ ٤٤٨

٦١

وقوله : بمفازاتهم [٦١] جمع «٤» وقد قرأ أهل المدينة (بِمَفازَتِهِمْ) بالتوحيد «٥». وكلّ صواب. تقول فى الكلام : قد تبيّن أمر القوم وأمور القوم ، وارتفع الصوت والأصوات (ومعناه «٦») واحد قال اللّه (إِنَّ أَنْكَرَ «٧» الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ولم يقل : أصوات وكلّ صواب.

(٤) قرأ بالجمع أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف وقرأ بالتوحيد الباقون.

(٥) قرأ بالجمع أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف وقرأ بالتوحيد الباقون.

(٦) ا : «فمعناه» [.....]

(٧) الآية ١٩ سورة لقمان

٦٦

وقوله : بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [٦٦] تنصب (اللّه) - يعنى فى الإعراب - بهذا الفعل الظاهر لأنه ردّ كلام. وإن شئت نصبته بفعل تضمره قبله لأنّ الأمر والنهى لا يتقدّمهما إلّا الفعل.

ولكن العرب تقول : زيد فليقم ، وزيدا فليقم ، فمن رفعه قال : أرفعه بالفعل الذي بعده

إذ لم يظهر الذي قبله. وقد يرفع أيضا بأن يضمر له مثل الذي بعده كأنك قلت : لينظر زيد فليقم.

ومن نصبه فكأنه قال : انظروا زيدا فليقم.

٦٧

وقوله : (وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [٦٧] ترفع القبضة. ولو نصبها ناصب ، كما تقول : شهر رمضان انسلاخ شعبان أي هذا فى انسلاخ هذا.

وقوله : (وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ترفع السّموات بمطويات إذا رفعت المطويات. ومن قال (مَطْوِيَّاتٌ) رفع السموات بالباء التي فى يمينه ، كأنه قال : والسّموات فى يمينه. وينصب المطويّات على الحال أو على القطع «١». والحال أجود.

(١) كأنه يريد بالقطع أن تكون منصوبة بفعل محذوف نحو أعنى.

٦٨

وقوله : فِي الصُّورِ [٦٨] قال : كان الكلبىّ يقول : لا أدرى ما الصور. وقد ذكر أنه القرن وذكر عن الحسن أو عن قتادة أنه قال : الصور جماعة الصورة.

٧٣

وقوله : طِبْتُمْ [٧٣] أي زكوتم (فَادْخُلُوها).

٧٤

وقوله : وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ [٧٤] يعنى الجنّة.