سُورَةُ صۤ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ آيَةً

١

قوله ص ، وَالْقُرْآنِ [١] جزمها القراء ، إلّا الحسن فإنه خفضها بلا نون لاجتماع السّاكنين.

كانت بمنزلة من قرأ (ن وَالْقَلَمِ) و(يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) جعلت بمنزلة الأداة كقول العرب :

تركته (حاث «٢» باث) و(خاز باز «٣») يخفضان لأن الذي بلى آخر الحرف ألف. فالخفض مع الألف ، والنصب مع غير الألف. يقولون : تركته حيث بيث ، ولأجعلنّك حيص «٤» بيص إذا ضيّق عليه.

وقال الشاعر :

لم يلتحصنى حيص بيص الحاصى «٥»

يريد الحائص فقلب كما قال : (عاق «٦») يريد : عائق.

وص فى معناها «٧» كقولك : / ١٦١ ب وجب واللّه ، ونزل واللّه ، وحقّ واللّه. فهى جواب

(٢) أي إذا تركته مختلط الأمر كما فى التاج.

(٣) من معانى الخازباز أنه ذباب يكون فى الروض. [.....]

(٤) الذي فى كتب اللغة أن يقال : تركته فى حيص بيص.

(٥) الذي فى اللسان بيت لأمية بن أبى عائذ الهذلي هو :

قد كنت خراجا ولو جا صيرفا لم تلتحصتى حيص بيص الحاص

و هو من قصيدة فى ديوان الهذليين ٢/ ١٩٢. و«لم تلتحصنى» : لم تثبطنى. والحاص من أسماء الشدة والداهية.

والرواية هنا : «يلتحصنى» و«الحاصى» يريد كما يقول الفراء - : الحائص كأنه قال : لم يثبطنى المثبط :

(٦) أي فى قول الشاعر :

فلو أنى رميتك من بعيد لعاقك عن دعاء الذئب عاقى

(٧) ا : «معناهما».

لقوله (وَ الْقُرْآنِ) كما تقول : نزل واللّه. وقد زعم قوم أنّ جواب (وَ الْقُرْآنِ) (إِنَّ ذلِكَ «١» لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وذلك كلام قد تأخّر تأخّرا كثيرا عن قوله (والقرآن) وجرت بينهما قصص مختلفة ، فلا نجد ذلك مستقيما فى العربيّة واللّه أعلم.

ويقال : إن قوله (وَ الْقُرْآنِ) يمين اعترض كلام دون موقع جوابها ، فصار جوابها جوابا للمعترض ولها ، فكأنه أراد : والقرآن ذى الذكر لكم أهلكنا ، فلمّا اعترض قوله : بل الذين كفروا فى عزّة وشقاق : صارت (كم) جوابا للعزّة ولليمين. ومثله قوله (وَ الشَّمْسِ «٢» وَضُحاها) اعترض دون الجواب قوله (وَ نَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها) فصارت (قَدْ أَفْلَحَ) تابعة لقوله (فَأَلْهَمَها) وكفى من جواب القسم ، وكأنه كان : والشمس وضحاها لقد أفلح.

(١) فى الآية ٦٤.

(٢) صدر سورة الشمس.

٣

وقوله : فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ [٣] يقول : ليس بحين فرار. والنوص : التأخّر فى كلام العرب ، والبوص : التقدم وقد بصته.

وقال امرؤ القيس :

أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص وتقصر عنها خطوة وتبوص

فمناص مفعل مثل مقام. ومن العرب من يضيف لات فيخفض. أنشدونى :

... لات ساعة مندم «٣»

و لا أحفظ صدره. والكلام أن ينصب بها لأنها فى معنى ليس. أنشدنى المفضّل :

تذكّر حبّ ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القرينا

(٣) روى ابن السكيت فى كتاب الأضداد بيتا هو :

و لتعرفن خلائقا مشمولة ولتندمن ولات ساعة مندم

و يحتمل أن يكون ما يعنيه الفراء. وانظر الخزانة ٢/ ١٤٧.

فهذا نصب. وأنشدنى بعضهم :

طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء «١»

فخفض (أوان) فهذا خفض.

قال الفراء : أقف على (لات) بالتاء ، والكسائىّ يقف بالهاء.

(١) من قصيدة لأبى زبيد الطائي. وانظر الخزانة ٢/ ١٥٣.

٥

قوله : لَشَيْءٌ عُجابٌ [٥] ، وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمى (لشىء عجّاب) والعرب تقول :

هذا رجل كريم وكرّام وكرام ، والمعنى كله واحد مثله قوله تعالى (وَ مَكَرُوا «٢» مَكْراً كُبَّاراً) معناه : كبيرا فشدّد. وقال الشاعر.

كحلفة من أبى رياح يسمعها الهمّة الكبار

الهمّ والهمة الشيخ الفاني.

وأنشدنى الكسائي :

يسمعها اللّه واللّه كبار

و قال الآخر «٣» :

و آثرت إدلاجى على ليل حرّة هضيم الحشا حسّانة المتجرّد

و قال آخر :

نحن بذلنا دونها الضّرابا إنا وجدنا ماءها طيّابا

يريد : طيّبا وقال فى طويل ، طوال الساعدين أشم.

طوال الساعدين أشمّ «٤»

(٢) الآية ٢٢ سورة نوح.

(٣) هو الحطيئة كما فى اللسان (دلج) والإدلاج سير الليل كله. وهضيم الحشا : ضامرة البطن ، وذلك مما يستحسن فى النساء. وحسانة المتجرد أي حسنة عند تجردها من ثيابها وعريها.

(٤) لم أقف على تكملة هذا. وفى اللسان (طول) البيت الآتي لطفيل :

طوال الساعدين يهز لدنا يلوح سنانه مثل الشهاب

و قال الآخر :

جاء بصيد عجب من العجب أزيرق العينين طوّال الذنب «١»

فشدّ الواو على ذلك المجرى. فكلّ نعت نعتّ به اسما ذكرا أو أنثى أتاك على فعّال مشدّدا ومخفّفا فهو صواب.

(١) ا : «جاءا» فى مكان «جاء».

٦

وقوله. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [٦] انطلقوا بهذا القول. فأن فى موضع نصب لفقدها الخافض ، كأنك قلت : انطلقوا مشيا ومضيّا ١٦٢ ا على دينكم. وهى فى قراءة عبد اللّه (وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا على آلهتكم) ولو لم تكن (أن) لكان صوابا كما قال (وَ الْمَلائِكَةُ «٢» باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا) ولم يقل : أن أخرجوا لأنّ النيّة مضمر فيها القول.

(٢) الآية ٩٣ سورة الأنعام.

٧

وقوله : ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ [٧] يعنى اليهوديّة والنصرانيّة.

٨

وقوله : أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ [٨] وهى فى قراءة عبد اللّه (أم أنزل عليه الذكر) وهذا مما وصفت لك فى صدر الكتاب : أن الاستفهام إذا توسّط الكلام ابتدئ بالألف وبأم. وإذا لم يسبقه كلام لم يكن إلّا بالألف أو بهل.

١٠

وقوله : فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ [١٠] يريد : فليصعدوا فى السّموات ، وليسوا «٣» بقادرين على ذلك أي لم يصدّقوك وليسوا بقادرين على الصّعود إلى السّموات فما هم! فأين يذهبون.

(٣) سقط حرف الواو فى ا. [.....]

١١

وقوله : جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ [١١] يقول مغلوب «٤» عن أن يصعد إلى السّماء.

و(ما) هاهنا صلة. والعرب تجعل (ما) صلة فى المواضع التي دخولها وخروجها فيها سواء ، فهذا من ذلك.

(٤) ا : «على».

و قوله (عَمَّا قَلِيلٍ «١» لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) من ذلك.

وقوله (فَبِما «٢» نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) من ذلك لأن دخولها وخروجها لا يغيّر المعنى.

وأمّا قوله (إِلَّا الَّذِينَ «٣» آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) فإنه قد يكون على هذا المعنى.

ويكون أن تجعل (ما) اسما وتجعل (هم) صلة لما ويكون المعنى : وقليل ما تجدنّهم فتوجّه (ما) والاسم إلى المصدر ألا ترى أنك تقول : قد كنت أراك أعقل ممّا أنت فجعلت (أنت) صلة لما والمعنى. كنت أرى عقلك أكثر ممّا هو ، ولو لم ترد المصدر لم تجعل (ما) للناس ، لأنّ من هى التي تكون للناس وأشباههم. والعرب تقول : قد كنت أراك أعقل منك ومعناهما «٤» واحد ، وكذلك قولهم : قد كنت أراه غير ما هو المعنى : كنت أراه على غير ما رأيت منه.

(١) الآية ٤٠ سورة المؤمنين.

(٢) الآية ١٥٥ سورة النساء ، والآية ١٣ سورة المائدة.

(٣) الآية ٢٤ سورة ص.

(٤) أي معنى قوله : «كنت أراك أعقل مما أنت» وقوله : «كنت أراك أعقل منك».

١٤

وقوله : إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ [١٤] وفى قراءة عبد اللّه (إن كلّهم لمّا كذّب الرسل).

١٥

وقوله : ما لَها مِنْ فَواقٍ [١٥] من راحة ولا إفاقة. وأصله من الإفاقة فى الرّضاع إذا ارتضعت البهمة أمّها ثم تركتها حتى تنزل شيئا من اللبن ، فتلك الإفاقة والفواق بغير همز. وجاء عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : العيادة قدر فواق ناقة. وقرأها الحسن وأهل المدينة وعاصم بن أبى النجود (فواق) بالفتح وهى لغة جيّدة عالية ، وضمّ «٥» حمزة ويحيى والأعمش والكسائىّ.

(٥) ا : «الضم».

١٦

وقوله : عَجِّلْ لَنا قِطَّنا [١٦] القطّ : الصّحيفة المكتوبة. وإنما قالوا ذلك حين نزل (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ «٦» بِيَمِينِهِ) فاستهزءوا بذلك ، وقالوا : عجّل لنا هذا الكتاب قبل يوم الحساب. والقطّ فى كلام العرب. الصكّ وهو الخط والكتاب.

(٦) الآية ١٩ سورة الحاقة ، والآية ٧ سورة الانشقاق.

١٧

و قوله : ذَا الْأَيْدِ [١٧] يريد : ذا القوّة.

١٩

وقوله : وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً [١٩] ذكروا أنه كان إذا سبّح أجابته الجبال بالتسبيح ، واجتمعت إليه الطير فسبّحت. فذلك حشرها ولو كانت : والطير محشورة بالرفع لمّا لم يظهر الفعل معها كان صوابا.

تكون مثل قوله (خَتَمَ «١» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) وقال الشاعر :

و رأيتم لمجاشع نعما وبنى أبيه جامل رغب

و لم يقل : جاملا رغبا والمعنى : ورأيتم لهم جاملا رغبا. فلمّا لم يظهر الفعل جاز رفعه.

(١) الآية ٧ سورة البقرة.

٢٠

وقوله : وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [٢٠] اجتمعت القراء على تخفيفها ولو قرأ قارئ (وشدّدنا) بالتشديد كان وجها حسنا. ومعنى التشديد أنّ محرابه كان يحرسه ثلاثة وثلاثون ألفا.

وقوله : وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [٢٠].

قال الفراء : حدّثنى عمرو بن أبى المقدام عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد فى قوله (وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) قال : الشهود والأيمان. وقال بعض المفسّرين : فصل الخطاب أمّا بعد.

٢١

وقوله : إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [٢١] إذ دخلوا [٢٢] قد يجاء بإذ مرّتين ، (وقد) «٢» يكون معناهما كالواحد كقولك : ضربتك إذ دخلت علىّ إذ اجترأت ، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعل أحدهما «٣» على مذهب لمّا ، فكأنّه قال : إذ تسوّروا المحراب لمّا دخلوا. وإن شئت جعلت لمّا فى الأوّل. فإذا كانت لمّا أوّلا وآخرا فهى بعد صاحبتها كما تقول : أعطيته لمّا سألنى. فالسؤال قبل الإعطاء فى تقدّمه وتأخّره.

وقوله : (خَصْمانِ) رفعته بإضمار (نحن خصمان) والعرب تضمر للمتكلّم والمكلّم المخاطب ما يرفع

(٢) ش ، ب : «فقد».

(٣) ا : «إحداهما» وكلاهما جائز باعتبار اللفظ أو الكلمة.

فعله. ولا يكادون يفعلون ذلك بغير المخاطب أو المتكلّم. من ذلك أن تقول للرّجل : أذاهب ، أو أن يقول المتكلم : واصلكم إن شاء اللّه ومحسن إليكم. وذلك أن المتكلّم والمكلّم حاضران ، فتعرف معنى أسمائهما إذا تركت. وأكثره فى الاستفهام يقولون : أجادّ ، أمنطلق. وقد يكون فى غير الاستفهام.

فقوله (خَصْمانِ) من ذلك. وقال الشاعر :

و قولا إذا جاوزتما أرض عامر وجاوزتما الحيّين نهدا وخثعما

نزيعان من جرم بن زبّان إنهم أبوا أن يميروا فى الهزاهز محجما

و قال الآخر :

تقول ابنة الكعبىّ يوم لقيتها أمنطلق فى الجيش أم متثاقل

و قد جاء فى الآثار للراجع من سفر : تائبون آئبون ، لربنا حامدون. وقال : من أمثال العرب :

محسنة فهيلى.

قال الفراء : جاء ضيف إلى امرأة ومعه جراب دقيق ، فأقبلت تأخذ من جرابه لنفسها ، فلمّا أقبل أخذت من جرابها إلى جرابه. فقال : ما تصنعين؟ قالت : أزيدك من دقيقى. قال : محسنة فهيلى. أي ألقى. وجاء فى الآثار : من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا «١» بين عينيه :

يائس من رحمة اللّه. وكلّ هذا بضمير ما أنباتك به.

ولو جاء فى الكتاب : خصمين بغى بعضنا لكان صوابا بضمير أتيناك خصمين ، جئناك خصمين فلا تخفنا. ومثله قول الشاعر :

و قالت ألا يا اسمع نعظك بخطّة فقلت سميعا فانطقى وأصيبى

١٦٣ ا أي سميعا أسمع منك ، أو سميعا وعظت. والرفع فيه جائز على الوجوه الاول.

(١) فى ش ، ب بعده : «و مكتوب» وكتب هذا فى ا فوقه. ومعنى هذا أنهما روايتان.

 (١) الآية ٦ سورة الفاتحة

و قوله (وَ لا تُشْطِطْ) يقول : ولا تجر : وقد يقول بعض العرب : شططت علىّ فى السّوم ، وأكثر الكلام أشططت. فلو قرأ قارئ (ولا تشطط) كأنه يذهب به إلى معنى التباعد و(تشطط) أيضا. العرب تقول : شطّت الدار فهى تشطّ وتشطّ.

وقوله (وَ اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) إلى قصد الصراط. وهذا ممّا تدخل فيه (إلى) وتخرج منه.

قال اللّه (اهْدِنَا»

الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقال (وَ هَدَيْناهُ «٢» النَّجْدَيْنِ) وقال (إِنَّا هَدَيْناهُ «٣» السَّبِيلَ) ولم يقل (إلى) فحذفت إلى من كل هذا. ثم قال فى موضع آخر (أَ فَمَنْ «٤» يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) وقال (يهدى إلى الحقّ «٥» وإلى طريق مستقيم) ويقال هديتك للحق وإليه قال اللّه (الَّذِي «٦» هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) وكأن قوله (اهْدِنَا الصِّراطَ) أعلمنا الصراط ، وكأن قوله (اهدنا إلى الصّراط) أرشدنا إليه واللّه أعلم بذلك.

(٢) الآية ١٠ سورة البلد.

(٣) الآية ٣ سورة الإنسان. [.....]

(٤) الآية ٣٥ سورة يونس.

(٥) الآية ٣٠ سورة الأحقاف.

(٦) الآية ٤٣ سورة الأعراف.

٢٣

وقوله : إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [٢٣] وفى قراءة عبد اللّه (كان له) وربّما أدخلت العرب (كان) على الخبر الدائم الذي لا ينقطع. ومنه قول اللّه فى غير موضع (وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فهذا دائم. والمعنى البيّن أن تدخل (كان) على كل خبر قد كان ثم انقطع كما تقول للرجل : قد كنت موسرا ، فمعنى هذا : فأنت الآن معدم.

وفى قراءة عبد اللّه (نعجة أنثى) والعرب تؤكّد التأنيث بأنثاه ، والتذكير بمثل ذلك ، فيكون كالفضل «٧» فى الكلام فهذا من ذلك. ومنه قولك للرجل : هذا واللّه رجل ذكر. وإنما يدخل هذا

 (٧) أي كالزيادة.

فى المؤنّث الذي تأنيثه «١» فى نفسه مثل المرأة والرجل والجمل والناقة. فإذا عدوت ذلك لم يجز.

فخطأ أن تقول : هذه دار أنثى ، وملحفة أنثى لأنّ تأنيثها فى اسمها لا فى معناها. فابن على هذا.

وقوله (وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي غلبنى. ولو قرئت (وعازّنى) يريد : غالبنى كان وجها.

يريد ما يعرف بالمؤنث الحقيقي:

٢٤

وقوله : لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ [٢٤] المعنى فيه : بسؤاله نعجتك ، فإذا ألقيت الهاء من السؤال أضفت الفعل إلى النعجة. ومثله قوله (لا يَسْأَمُ «٢» الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ومعناه من دعائه بالخير : فلمّا ألقى الهاء أضاف الفعل إلى الخير وألقى من الخير الباء ، كقول الشاعر :

و لست مسلّما ما دمت حيّا على زيد بتسليم الأمير «٣»

إنما معناه : بتسليمى على الأمير. ولا يصلح أن تذكر الفاعل بعد المفعول به فيما ألقيت منه الصفة. فمن قال : عجبت من سؤال نعجتك صاحبك لم يجز له أن يقول : عجبت من دعاء الخير الناس ، لأنك إذا أظهرت الآخر مرفوعا فإنما رفعه بنيّة أن فعل أو أن يفعل ، فلا بدّ من ظهور الباء وما أشبهها من الصّفات. فالقول فى ذلك أن تقول عجبت من دعاء بالخير زيد ، وعجبت من تسليم على الأمير زيد. وجاز فى النعجة لأنّ الفعل يقع عليها بلا صفة فتقول : سألتك نعجة ، ولا تقول : سالتك بنعجة. فابن على هذا.

وقوله (وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي علم. وكلّ ظنّ أدخلته على خبر فجائز أن تجعله علما إلّا إنه علم ١٦٣ ب مالا يعاين.

 (٢) الآية ٤٩ سورة فصلت :

(٣) ا : «فلست»

٣١

وقوله : الصَّافِناتُ الْجِيادُ [٣١] يعنى الخيل ، كان غنمها سليمان بن داود من جيش قاتله فظفر به. فلمّا صلّى الظهر دعا بها ، فلم يزل يعرضها حتّى غابت الشمس ولم يصلّ العصر. وكان عندهم مهيبا. لا يبتدأ بشىء حتى يأمر به ، فلم يذكر العصر. ولم يكن ذلك عن تجبّر منه ،

فلمّا ذكرها قال (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) يقول : آثرت حبّ الخيل ، والخير فى كلام العرب :

الخيل. والصّافنات - فيما ذكر الكلبي بإسناده - القائمة على ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى على طرف الحافر من يد أو رجل. وهى فى قراءة عبد اللّه (صوافن «١» فإذا وجبت) يريد :

معقولة على ثلاث. وقد رأيت العرب تجعل الصّافن القائم على ثلاث ، أو على غير ثلاث. وأشعارهم تدلّ على أنها القيام خاصّة واللّه أعلم بصوابه : وفى قراءة عبد اللّه (إنّى أحببت) بغير (قال) ومثله ممّا حذفت فى قراءتنا منه القول وأثبت فى قراءة عبد اللّه (وإذ «٢» يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ويقولان) وليس فى قراءتنا ذلك. وكلّ صواب.

(١) الآية ٣٦ سورة الحج وقراءة الجمهور : «صواف فإذا وجبت»

(٢) الآية ١٢٧ سورة البقرة

٣٣

وقوله : فَطَفِقَ [٣٣] يريد أقبل يمسح : يضرب سوقها وأعناقها. فالمسح القطع.

٣٤

وقوله : عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [٣٤] يريد : صنما. ويقال : شيطان.

٣٥

وقوله : لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [٣٥] فيريد سخرة الريح والشياطين.

٣٦

وقوله : رُخاءً حَيْثُ أَصابَ [٣٦] والرخاء : الريح الليّنة التي لا تعصف. وقوله (حَيْثُ أَصابَ) :

حيث أراد.

وقوله : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [٣٩]. يقول فمنّ به أي أعط ، أو أمسك ، ذاك إليك. وفى قراءة عبد اللّه : (هذا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب) مقدّم ومؤخّر.

٤١

وقوله : بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [٤١]. اجتمعت القراء على ضمّ النون من (نصب) وتخفيفها «٣».

وذكروا أن أبا جعفر «٤» المدنىّ قرأ (بنصب وعذاب) ينصب النون والصاد. وكلاهما فى التفسير واحد.

(٣) يريد تخفيف الصاد أي تسكينها.

(٤) فى الإتحاف أن هذه قراءة يعقوب والحسن. وأما قراءة أبى جعفر فضم النون والصاد معا.

و ذكروا أنه المرض وما أصابه من العناء فيه. والنّصب والنّصب بمنزلة الحزن والحزن ، والعدم والعدم ، والرّشد والرشد ، والصّلب والصّلب : إذا خفّف ضمّ أوله ولم يثقّل لأنهم جعلوهما على سمتين «١» : إذا فتحوا «٢» أوّله ثقّلوا ، وإذا ضمّوا أوله خفّفوا ، قال : وأنشدنى.

بعض العرب :

لئن بعثت أم الحميدين مائرا لقد غنيت فى غير بؤس ولا جحد «٣»

و العرب تقول : جحد عيشهم جحدا إذا ضاق واشتدّ ، فلمّا قال : جحد وضمّ أوله خفّف. فابن على ما رأيت من هاتين اللغتين.

(١) السمت : الطريق والمذهب.

(٢) فى الأصول : «و إذا فتحوا» والمناسب ما أثبت.

(٣) ورد هذا البيت فى اللسان عن الفراء فى اللسان (جحد) من غير عزو. [.....]

٤٤

وقوله : ضِغْثاً [٤٤] والضّغث : ما جمعته من شىء مثل حزمة الرطبة «٤» ، وما قام على ساق واستطال ثم جمعته فهو ضغث.

(٤) الرطبة : ما تأكله الدابة ما دام رطبا.

٤٥

وقوله : وَاذْكُرْ عِبادَنا [٤٥]. قرأت القراء (عبادنا) يريدون : إبراهيم وولده وقرأ «٥» ابن عباس :

(واذكر عبدنا إبراهيم) وقال : إنما ذكر إبراهيم. ثم ذكرت ذريّته من بعده. ومثله :

(قالوا «٦» نعبد إلهك وإله أبيك) على هذا المذهب فى قراءة ابن عباس. والعامّة (آبائِكَ) وكلّ صواب.

وقوله (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) يريد : أولى القوّة والبصر فى أمر اللّه. وهى فى قراءة عبد اللّه : (أولى الأيد) بغير ياء ، فقد يكون له وجهان. إن أراد : الأيدى وحذف الياء

 (٥) وهى قراءة ابن كثير.

(٦) الآية ١٣٣ سورة البقرة وقراءة الإفراد (أبيك) مروية عن الحسن كما فى الإتحاف.

فهو صواب مثل : الجوار «١» والمناد «٢». وأشباه ذاك. وقد يكون فى قراءة عبد اللّه من القوّة من التأييد.

(١) فى الآية ٣٢ سورة الشورى.

(٢) الآية ٤١ سورة ق.

٤٦

وقوله : إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [٤٦] فردّ (ذِكْرَى الدَّارِ) وهى معرفة على (خالصة) وهى نكرة. وهى كقراءد مسروق (بِزِينَةٍ «٣» الْكَواكِبِ ] ومثله/ ١٦٤ ا قوله (هذا «٤» وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) فردّ جهنّم وهى معرفة على (لَشَرَّ مَآبٍ) وهى نكرة. وكذلك قوله : (وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ «٥» لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً) والرفع فى المعرفة كلّها جائز على الابتداء.

أنشدنى بعض العرب :

لعمرك ما نخلى بدار مضيعة ولا ربّها إن غاب عنها بخائف

و إن لها جارين لن يغدرا بها ربيب النّبىّ وابن خير الخلائف

فرفع على الابتداء.

وقد قرأ أهل الحجاز (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) أضافوها. وهو وجه حسن. ومنه :

(كَذلِكَ «٦» يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) ومن قال (قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) جعل القلب هو المتكبّر.

 (٣) الآية ٦ سورة الصافات.

(٤) الآيتان ٥٥ ، ٥٦ سورة ص.

(٥) الآيتان ٤٩ ، ٥٠ سورة ص.

(٦) الآية ٣٥ سورة غافر. وقراءة تنوين قلب قراءة أبى عمرو.

٤٨

وقوله : وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ [٤٨] قرأه أصحاب «٧» عبد اللّه بالتشديد. وقرأه العوامّ (اليسع) بالتخفيف. والأوّل أشبه بالصّواب وبأسماء الأنبياء من بنى إسرائيل. حدّثنا أبو العباس

(٧) وهى قراءة حمزة والكسائي وسلف.

قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى محمد بن عبد العزيز التيمىّ عن مغيرة عن إبراهيم أنه قرأ (والّليسع) بالتشديد. وأما قولهم (وَ الْيَسَعَ) فإن العرب لا تدخل على يفعل إذا كان فى معنى فلان ألفا ولاما. يقولون : هذا يسع ، وهذا يعمر ، وهذا يزيد. فهكذا الفصيح من الكلام. وقد أنشدنى بعضهم :

وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأحناء الخلافة كاهله

فلمّا ذكر الوليد فى أول الكلمة بالألف واللام أتبعه يزيد بالألف واللام وكلّ صواب.

وقوله (وَ ذَا الْكِفْلِ) يقال إنه سمّى ذا الكفل أن مائة من بنى إسرائيل انفلتوا من القتل فآواهم وكفلهم. ويقال : إنه كفل للّه بشىء فوفى به. والكفل فى كلام العرب : الجدّ والحظّ فلو مدح بذلك كان وجها على غير المذهبين الأوّلين.

٥٠

وقوله : جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ [٥٠] ترفع (الْأَبْوابُ) لأن المعنى : مفتّحة لهم أبوابها.

والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة فيقولون : مررت على رجل حسنة العين قبيح الأنف والمعنى : حسنة عينه قبيح أنفه. ومنه قوله (فَإِنَّ الْجَحِيمَ «١» هِيَ الْمَأْوى ) فالمعنى - واللّه أعلم - :

مأواه. ومثله قول الشاعر :

ما ولدتكم حيّة بنة مالك سفاحا وما كانت أحاديث كاذب

و لكن نرى أقدامنا فى نعالكم وآنفنا بين اللحى والحواجب

و معناه : ونرى آنفنا بين لحاكم وحواجبكم فى الشبه. ولو قال : (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) على أن تجعل المفتّحة فى اللفظ للجنات وفى المعنى للأبواب ، فيكون مثل قول الشاعر «٢».

وما قومى بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشعر الرقابا

(١) الآية ٣٩ سورة النازعات.

(٢) هو الحارث بن ظالم المري ، كما فى كتاب سيبويه ١/ ١٠٣. وهو من قصيدة مفضلية ينتفى فيها من نسبه فى بغيض بن ريث بن غطفان ويعلن التحاقه بقريش وكان قد فر لحدث أحدثه وفى ا : «فما قومى» والشعر جمع أشعر وهو الكثير الشعر. والشعرى مؤنث أشعر.

و الشعرى رقابا. ويروى : الشّعر الرقابا.

وقال عديّ :

من ولىّ أو أخى ثقة والبعيد الشاحط الدّارا «١»

و كذلك تجعل معنى الأبواب فى نصبها ، كأنك أردت : مفتّحة الأبواب ثم نوّنت فنصبت.

وقد ينشد بيت النابغة :

و نأخذ بعده بذناب دهر أجبّ الظهر ليس له سنام «٢»

و أجبّ الظهر.

(١) ا : «و أخى» فى مكان «أو أخى».

(٢) هذا من مقطوعة فى النعمان بن المنذر حين كان مريضا. وقبله.

فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام

و أبو قابوس كنية النعمان. وذناب دهر : ذيله. وفى ا بعد (دهر) : «عيش» وهو إشارة إلى رواية أخرى و«أجب الظهر» مقطوعه. وهذا على تمثيل الدهر أو العيش الضيق ببعير لا سنام له ولا خير فيه. وانظر الخزانة ٤/ ٩٥. [.....]

٥٢

/ ١٦٤ ب وقوله : وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ [٥٢] مرفوعة لأنّ (قاصِراتُ) نكرة وإن كانت مضافة إلى معرفة ألا ترى أن الألف واللام يحسنان فيها كقول الشاعر : «٣»

من القاصرات الطرف لو دبّ محول من الذرّ فوق الإتب منها لأثّرا

(الإتب «٤» : المئزر) فإذا حسنت الألف واللام فى مثل هذا ثم ألقيتهما فالاسم نكرة. وربما شبّهت العرب لفظه بالمعرفة لما أضيف إلى الألف واللام ، فينصبون نعته إذا كان نكرة فيقولون :

هذا حسن الوجه قائما وذاهبا. ولو وضعت مكان الذاهب والقائم نكرة فيها مدح أو ذمّ آثرت الإتباع ، فقلت : هذا حسن الوجه موسر ، لأنّ اليسارة مدح. ومثله قول الشاعر :

و من يشوه يوم فإن وراءه تباعة صيّاد الرّجال غشوم «٥»

(٣) هو امرؤ القيس. والمحول : الذي أتى عليه حول أي عام.

(٤) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٥) يريد أن الشيب أخذه ونال منه. ويريد بصياد الرجال الموت.

قال الفراء : (ومن يشوه) أي يأخذ شواه وأطايبه. فخفض الغشوم لأنه مدح ، ولو نصب لأنّ لفظه نكرة ولفظ الذي هو نعت له معرفة كان صوابا كما قالوا : هذا مثلك قائما ، ومثلك جميلا.

٥٧

وقوله عزّ وجل : فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ [٥٧] رفعت الحميم والغسّاق بهذا مقدّما ومؤخرا.

والمعنى هذا حميم وغسّاق فليذوقوه. وإن شئت جعلته مستأنفا ، وجعلت الكلام قبله مكتفيا كأنك قلت : هذا فليذوقوه ، ثم قلت : منه حميم ومنه غسّاق كقول الشاعر :

حتّى إذا ما أضاء الصّبح فى غلس وغودر البقل ملوىّ ومحصود

و يكون (هذا) فى موضع رفع ، وموضع نصب. فمن نصب أضمر قبلها ناصبا كقول الشاعر «١» :

زيادتنا نعمان لا تحرمنّها تق اللّه فينا والكتاب الذي تتلو

و من رفع رفع بالهاء التي فى قوله : (فَلْيَذُوقُوهُ) كما تقول فى الكلام : الليل فبادروه والليل.

والغسّاق تشدّد سينه وتخفّف «٢» شدّدها يحيى بن وثّاب وعامّة أصحاب عبد اللّه ، وخفّفها الناس بعد. وذكروا أنّ الغسّاق بارد يحرق كإحراق الحميم «٣». ويقال : إنه ما يغسق ويسيل من صديدهم وجلودهم.

٥٨

وقوله : وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [٥٨] قرأ الناس (وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) إلّا مجاهدا «٤» فإنه قرأ

(١) هو عبد اللّه بن همام السلولي. وانظر اللسان (وفى).

(٢) وهى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف.

(٣) هو الحار.

(٤) وهى قراءة أبى عمرو ويعقوب.

(وأخر) كأنه ظنّ أن الأزواج لا تكون من نعت واحد «١». وإذا كان الاسم فعلا جاز أن ينعت بالاثنين والكثير كقولك فى الكلام : عذاب فلان ضروب شتّى وضربان مختلفان. فهذا بيّن.

وإن شئت جعلت الأزواج نعتا للحميم وللغساق ولآخر ، فهنّ ثلاثة ، وأن تجعله صفة لواحد أشبه ، والذي قال مجاهد جائز ، ولكنى لا أستحبّه لاتّباع العوامّ وبيانه فى العربيّة.

(١) ا : «الواحد».

٥٩

وقوله : هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ [٥٩] هى الأمّة تدخل بعد الأمّة النار.

ثم قال : (لا مَرْحَباً بِهِمْ) الكلام متّصل ، كأنه قول واحد ، وإنما قوله : لا مرحبا بهم) من قول «٢» أهل النار ، وهو كقوله : (كُلَّما دَخَلَتْ «٣» أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) وهو فى اتّصاله كقوله : (يُرِيدُ «٤» أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) فاتصل قول فرعون بقول أصحابه.

(٢) أي وقوله : «هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» من كلام الملائكة. وهذا أحد أوجه الآية.

(٣) الآية ٣٨ سورة الأعراف.

(٤) الآية ١١٠ سورة الأعراف.

٦١

وقوله : قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا [٦١] معناه : من شرع لنا وسنّه (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً/ ١٦٥ ب فِي النَّارِ).

٦٣

وقوله : أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا [٦٣] قال زهير عن أبان عن مجاهد - قال الفراء ولم أسمعه من زهير - (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) ولم يكونوا كذلك. فقرأ أصحاب عبد اللّه بغير استفهام ، واستفهم الحسن وعاصم وأهل المدينة ، وهو من الاستفهام الذي معناه التعجّب «٥» والتوبيخ فهو يجوز بالاستفهام وبطرحه.

(٥) ا : «أو».

٧٠

وقوله : إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [٧٠] إن شئت جعلت (أَنَّما) فى موضع رفع ،

كأنك قلت : ما يوحى إلى إلّا الإنذار. وإن شئت جعلت المعنى : ما يوحى إلىّ إلّا لأنى نذير ونبىّ فإذا ألقيت اللام كان موضع (أنّما) نصبا. ويكون فى هذا الموضع : ما يوحى إلىّ إلّا أنك نذير مبين لأن المعنى حكاية ، كما تقول فى الكلام : أخبرونى أنى مسىء وأخبرونى أنك مسىء ، وهو كقوله :

رجلان من ضبّة أخبرانا أنّا رأينا رجلا عريانا

و المعنى : أخبرانا أنهما رأيا ، فجاز ذلك لأن أصله الحكاية.

وقوله : بيدىّ أستكبرت اجتمع القراء على التثنية ولو قرأ قارئ (بيدي) يريد يدا على واحدة كان صدابا كقول الشاعر :

أيها المبتغى فناء قريش بيد اللّه عمرها والفناء

و الواحد من هذا يكفى من الاثنين ، وكذلك العينان والرجلان واليدان تكتفى إحداهما من الأخرى لأن معناهما واحد.

٨٤

وقوله : قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ [٨٤] قرأ الحسن وأهل الحجاز بالنصب قيهما. وقرأ الأعمش وعاصم وأكبر منهم «١» : ابن عباس ومجاهد بالرفع فى الأولى والنصب فى الثانية.

حدّثنا أبو العباس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : حدّثنى بهرام - وكان شيخا يقرىء فى مسجد المطمورة ومسجد الشعبيين - عن أبان بن تغلب عن مجاهد أنه قرأ (فالحقّ منى والحقّ أقول) : وأقول الحقّ. وهو وجه : ويكون رفعه على إضمار : فهو الحقّ.

وذكر عن ابن عبّاس أنه قال : فأنا الحقّ. وأقول الحقّ. وقد يكون رفعه بتأويل جوابه لأن العرب تقول : الحقّ لأقومنّ ، ويقولون : عزمة صادقة لآتينّك لأن فيه تأويل : عزمة صادقة أن آتيك.

(١) كذا : والأولى «منهما».

و يبيّن ذلك قوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ «١» مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) ألا ترى أنه لا بدّ لقوله (بَدا لَهُمْ) من مرفوع مضمر فهو فى المعنى يكون رفعا ونصبا. والعرب تنشد بيت امرئ القيس :

فقلت يمين اللّه أبرح قاعدا ولو قطّعوا رأسى لديك وأوصالى

و النصب فى يمين أكثر. والرفع على ما أنبأتك به من ضمير (أن) وعلى قولك علىّ يمين.

وأنشدونا :

فإنّ علىّ اللّه إن يحملوننى على خطّة إلا انطلقت أسيرها

و يروى لا يحملوننى.

فلو ألقيت إن لقلت علىّ اللّه لأضربنك أي علىّ هذه اليمين. ويكون علىّ اللّه أن أضربك فترفع (اللّه) بالجواب. ورفعه بعلى أحبّ إلىّ. ومن نصب (الحقّ والحقّ) فعلى معنى قولك حقّا لآتينّك ، والألف واللام وطرحهما سواء. وهو بمنزلة قولك حمدا للّه والحمد للّه. ولو خفض الحقّ الأوّل خافض يجعله اللّه تعالى يعنى فى «٢» الإعراب فيقسم به كان صوابا والعرب تلقى الواو من القسم ويخفضونه سمعناهم يقولون : اللّه لتفعلنّ فيقول/ ١٦٥ ب المجيب : اللّه لأفعلنّ لأن المعنى مستعمل والمستعمل يجوز فيه الحذف ، كما يقول القائل للرجل : كيف أصبحت؟ فيقول : خير يريد بخير ، فلمّا كثرت فى الكلام حذفت.

٨٨

وقوله : وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ [٨٨] نبأ القرآن أنه حقّ ، ونبأ محمّد عليه السلام أنه نبىّ.

وقوله : (بَعْدَ حِينٍ) يقول : بعد الموت وقبله : لمّا ظهر الأمر غلموه ، ومن مات علمه يقينا.

(١) الآية ٣٥ سورة يوسف. [.....]

(٢) سقط فى ا.