سُورَةُ  يٰسۤ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثٌ وَثَمَانُونَ آيَةً‏‏

١

قوله : يس [١] حدّثنا أبو العباس قال حدّثنا محمد قال حدّثنا الفرّاء قال : حدّثنى شيخ من أهل الكوفة عن الحسن نفسه قال : يس : يا رجل. وهو فى العربيّة بمنزلة حرف الهجاء كقولك :

حم وأشباهها.

القراءة بوقف النون من يس. وقد سمعت من العرب من ينصبها فيقول : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) كأنه يجعلها متحركة كتحريك الأدوات إذا سكن ما قبلها مثل ليت ولعلّ ينصب منها ما سكن الذي يلى «٤» آخر حروفه. ولو خفض كما خفض جير «٥» لا أفعل ذلك خفضت لمكان الياء التي فى جير.

(٤) أي يكون بقربه. والحرف هنا قبله ، وإن كان المتعارف فى الذي يلى أن يكون متأخرا.

(٥) جير بمعنى حقا. وتستعمل بمعنى اليمين.

٤

و قوله : عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [٤] يكون خيرا بعد خبر : إنك «١» لمن المرسلين ، إنك «٢» على صراط مستقيم. ويكون : إنك لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم على الاستقامة.

 (١) فى الأصول : «و قوله : إنك».

(٢) ش : «يريد إنك».

٥

وقوله : تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [٥] القراءة بالنصب ، على قولك : حقّا إنك لمن المرسلين تنزيلا حقّا. وقرأ أهل الحجاز بالرفع ، وعاصم والأعمش ينصبانها. ومن رفعها جعلها خبرا ثالثا : إنك «٣» لتنزيل العزيز الرحيم. ويكون رفعه على الاستئناف كقولك : ذلك تنزيل العزيز الرحيم كما قال (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا «٤» ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) أي ذلك بلاغ.

 (٣) ا : «إنه» وكونه خبرا ثالثا يقضى بإثبات ما أثبت وهو فى ش. وبعد فلا يتجه هذا الإعراب لأن التنزيل من صفة القرآن لا من صفة الرسول عليه الصلاة والسلام.

(٤) الآية ٣٥ سورة الأحقاف.

٦

وقوله : لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [٦] يقال : لتنذر قوما لم ينذر آباؤهم أي لم تنذرهم ولا أتاهم رسول قبلك. ويقال : لتنذرهم بما أنذر آباؤهم ، ثم تلقى الباء ، فيكون (ما) فى موضع نصب كما قال (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً «٥» مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ).

(٥) الآية ١٣ سورة فصلت.

٨

وقوله : إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ [٨].

فكنى عن هى ، وهى للأيمان ولم تذكر. وذلك أن الغلّ لا يكون إلّا باليمين ، والعنق ، جامعا لليمين ، والعنق ، فيكفى ذكر أحدهما من صاحبه ، كما قال (فَمَنْ «٦» خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) فضمّ الورثة إلى الوصىّ ولم يذكروا لأن الصلح إنما يقع بين الوصىّ والورثة. ومثله قول الشاعر :

و ما أدرى إذا يمّمت وجها أريد الخير أيّهما يلينى

أ الخير الذي أنا أبتغيه أم الشرّ الذي لا يأتلينى

(٦) الآية ١٨٢ سورة البقرة.

فكنى عن الشرّ وإنما ذكر الخير وحده ، وذلك أن الشرّ يذكر مع الخير ، وهى فى قراءة عبد اللّه (إنا جعلنا فى أيمانهم أغلالا فهى إلى الأذقان) فكفت الأيمان من ذكر الأعناق فى حرف عبد اللّه ، وكفت الأعناق من الأيمان فى قراءة العامّة. والذقن أسفل اللحيين. والمقمح : الغاضّ بصره بعد رفع رأسه. ومعناه : إنا حبسناهم عن الإنفاق فى سبيل اللّه.

٩

وقوله : فَأَغْشَيْناهُمْ [٩] أي فألبسنا أبصارهم غشاوة. ونزلت هذه الآية فى قوم أرادوا قتل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من بنى مخزوم ، فأتوه فى مصلّاه ليلا ، فأعمى اللّه أبصارهم عنه ، فجعلوا يسمعون صوته بالقرآن «١» ولا يرونه. فذلك قوله (فَأَغْشَيْناهُمْ) وتقرأ (فأعشيناهم) بالعين. أغشيناهم عنه لأن العشو بالليل ، إذا أمسيت وأنت لا ترى شيئا فهو العشو.

 (١) ا : «بالقراءة».

١٢

وقوله : وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا [١٢] أمّا ما قدّموا فما أسلفوا من أعمالهم. وآثارهم ما استنّ به من بعدهم. وهو/ ١٥٦ ا مثل قوله (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ

«٢»وْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ).

وقوله (وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) القراء مجتمعون على نصب (كلّ) لما وقع من الفعل على راجع ذكرها. والرفع وجه جيّد قد سمعت ذلك من العرب لأنّ (كلّ) «٣» بمنزلة النكرة إذا صحبها الجحد فالعرب تقول : هل أحد ضربته ، وفى (كلّ) مثل هذا التأويل ، ألا ترى أن معناه : ما من شىء إلّا قد أحصيناه.

(٢) الآية ١٣ سورة القيامة.

(٣) كذا. وكأنه منعها الصرف لأنه أراد الكلمة ، فاجتمع فيها العلمية لأنها علم على اللفظ ، والتأنيث.

١٤

وقوله : إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ [١٤] والثالث قد كان أرسل قبل الاثنين فكذّب. وقد تراه فى التنزيل كأنه بعدهما. وإنما معنى قوله (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) : بالثالث الذي قبلهما كقولك : فعزّزنا بالأوّل. والتعزيز يقول : شدّدنا أمرهما بما علّمهما الأوّل شمعون. وكانوا أرسلوا إلى أنطاكية «٤». وهى فى قراءة عبد اللّه (فعزّزنا بالثالث) لأنه قد ذكر فى المرسلين «٥» ، وإذا

(٤) هى مدينة من أعمال حلب فى سورية. [.....]

(٥) أي فى قوله تعالى فى الآية السابقة «إذ جاءها المرسلون».

ذكرت النكرة فى شىء ثم أعيدت خرجت معرفة كقولك للرجل : قد أعطيتك درهمين ، فيقول :

فأين الدرهمان؟ وقرأ عاصم «١» (فعززنا) خفيفة. وهو كقولك : شدّدنا وشددنا.

(١) أي في رواية أبى بكر. أما حفص فعنده التشديد.

١٨

وقوله : لَنَرْجُمَنَّكُمْ [١٨].

يريد : لنقتلنكم. وعامّة ما كان فى القرآن من الرجم فهو قتل «٢» ، كقوله (وَ لَوْ لا «٣» رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ).

(٢) سبق له فى الكلام على الآية ٤٦ من سورة مريم أن فسر الرجم بالسب.

(٣) الآية ٩١ سورة هود.

١٩

وقوله : طائِرُكُمْ مَعَكُمْ [١٩] القراء مجتمعون على (طائِرُكُمْ) بالألف. والعرب تقول :

طيركم معكم.

وقوله : (أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ)

قراءة العامّة بالهمز وكسر ألف (إن).

وقرأ أبو رزين - وكان من أصحاب عبد اللّه - (أ أن ذكّرتم) ومن كسر قال «٤» (أَ إِنْ) جعله جزاء أدخل عليه ألف استفهام. وقد ذكر عن بعض القرّاء (طائركم معكم أين ذكّرتم) و(ذكرتم) يريد : طائركم معكم حيثما كنتم. والطائر هاهنا : الأعمال والرزق. يقول : هو فى أعناقكم.

ومن جعلها (أين) فينبغى له أن يخفّف (ذكرتم) وقد خفّف أبو جعفر المدنىّ (ذكرتم) ولا أحفظ عنه (أين).

(٤) سقط فى ا. وهو بدل من (كسر).

٢٥

وقوله : إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [٢٥].

أي فاشهدوا لى بذلك. يقوله حبيب للرسل الثلاثة.

٢٧

وقوله : بِما غَفَرَ لِي رَبِّي [٢٧] و(بما) تكون فى موضع (الذي) وتكون (ما) و(غفر) فى موضع مصدر. ولو جعلت (ما) فى معنى (أىّ) كان صوابا. يكون المعنى : ليتهم يعلمون بأيّ شىء غفر لى ربّى. ولو كان كذلك لجاز له فيه : (بم غفر لى ربّى) بنقصان الألف ، كما تقول :

سل عمّ شئت ، وكما : قال (فَناظِرَةٌ «١» بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وقد أتمّها الشاعر وهى استفهام فقال :

إنا قتلنا بقتلانا سراتكم أهل اللواء ففيما يكثر القيل «٢»

(١) الآية ٣٥ سورة النمل.

(٢) السراة الأشراف واحدها سرى.

٢٩

و قوله : إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [٢٩] نصبتها القراء ، إلا أبا جعفر ، فإنه رفعها ، على ألّا يضمر فى (كانت) اسما. والنصب إذا أضمرت فيها كما تقول : اذهب فليس إلّا اللّه الواحد القهّار والواحد القهّار ، على هذا التفسير ، وسمعت بعض العرب يقول لرجل يصفه بالخبّ «٣» : لو لم يكن إلّا ظلّه لخابّ «٤» ظلّه. والرفع والنصب جائزان. وقد قرأت القراء (إِلَّا أَنْ تَكُونَ «٥» تِجارَةً حاضِرَةً) بالرفع والنصب. وهذا من ذاك.

وقوله (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وفى قراءة عبد اللّه (إن كانت إلّا زقية) والزقية والزقوة لغتان. يقال زقيت وزقوت. وأنشدنى بعضهم وهو يذكر امرأة :

تلد غلاما عارما يؤذيك ولو زقوت كزقاء الدّيك

(٣) الخب : الخبث. وخاب بتشديد الباء : خدع ومكر.

(٤) الخب : الخبث. وخاب بتشديد الباء : خدع ومكر.

(٥) الآية ٢٩ سورة النساء. والنصب لعاصم وحمزة والكسائي وخلف. والرفع لغيرهم.

٣٠

و قوله : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [٣٠] المعنى : يا لها حسرة على العباد. وقرأ بعضهم (يا حسرة العباد) والمعنى فى العربيّة واحد. واللّه أعلم. والعرب إذا دعت نكرة موصولة بشىء آثرت النصب ، يقولون : يا رجلا كريما أقبل ، ويا راكبا على البعير أقبل. فإذا أفردوا رفعوا أكثر/ ١٥٦ ب ممّا ينصبون. أنشدنى بعضهم :

يا سيّدا ما أنت من سيّد موطّأ الأعقاب رحب الذراع

قوّال معروف وفعّاله نحّار أمّات الرّباع الرّتاع «٦»

(٦) من قصيدة مفضلية للسفاح بن بكير اليربوعي ، يرثى فيها يحيى بن شداد اليربوعي وقوله : ما أنت من سيد تعجب من سيادته وفضله. و«موطأ الأعقاب» الرواية فى المفضليات : «موطأ البيت» والمراد هنا أن الناس يتبعونه ويطئون عقبه لأصالة رأيه. وفى الأساس : «و فلان موطأ العقب أي كثير الأتباع» وأمات الرباع : النوق التي لها رباع وهى جمع ربع كصرد لما ينتج فى الربيع. والرتاع من صفة أمات وهى التي ترعى فى الخصب. وانظر المفضلية ٢٩٢ والخزانة ٢/ ٥٣٦.

أنشدنيه بعض بنى سليم (موطّأ) بالرفع ، وأنشدنيه الكسائىّ (موطّأ) بالخفض. وأنشدنى آخر :

ألا يا قتيلا ما قتيل بنى حلس إذا ابتلّ أطراف الرماح من الدعس «١»

و لو رفعت النكرة الموصولة بالصّفة كان صوابا. قد قالت العرب :

يا دار غيّرها البلى تغييرا

تريد : يا أيّتها الدار غيّرها. وسمعت أبا الجراح يقول لرجل : أيا مجنون مجنون ، إتباع «٢».

وسمعت من العرب : يا مهتمّ بأمرنا لا تهتمّ ، يريدون : يا أيّها المهتمّ.

(١) بنوحلس : بطين من الأزد كما فى اللسان (حلس). والدعس : الطعن.

(٢) سقط فى ا ، ب وكأنه يريد أن «مجنون» الآخرة إتباع للأولى.

٣١

وقوله : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا [٣١] (كم) فى موضع نصب من مكانين : أحدهما أن توقع (يروا) على (كم) وهى فى قراءة عبد اللّه (أ لم يروا من أهلكنا) فهذا وجه. والآخر أن توقع (أهلكنا) على (كم) وتجعله استفهاما ، كما تقول : علمت كم ضربت غلامك. وإذا كان قبل من وأىّ وكم رأيت وما اشتقّ منها ، أو العلم وما اشتقّ منه وما أشبه معناهما ، جاز أن توقع ما بعدكم وأىّ ومن وأشباهها عليها ، كما قال اللّه (لِنَعْلَمَ «٣» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ) ألا ترى أنك قد «٤» أبطلت العلم عن وقوعه على أىّ ، ورفعت أيّا بأحصى. فكذلك تنصبها بفعل لو وقع عليها.

وقوله (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ) فتحت ألفها لأن المعنى : ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون. وقد كسرها الحسن البصري ، كأنه لم يوقع الرؤية على (كم) فلم يوقعها «٥» على (أنّ) وإن شئت كسرتها على الاستئناف وجعلت كم منصوبة بوقوع يروا عليها.

(٣) الآية ١٢ سورة الكهف. [.....]

(٤) ا : «إذ».

(٥) ا : «توقعها».

٣٢

وقوله : وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ [٣٢] شدّدها الأعمش وعاصم. وقد خفّفها قوم كثير منهم من قرّاء أهل المدينة وبلغني أن عليّا خففها. وهو الوجه لأنها (ما) أدخلت عليها لام تكون جوابا

لإن كأنك قلت : وإن كلّ لجميع لدينا محضرون. ولم يثقّلها من ثقّلها إلّا عن صواب. فإن شئت أردت : وإن كل لمن ما جميع ، ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتهنّ كما قال.

غداة طفت علماء بكر بن وائل وعجنا صدور الخيل نحو تميم

و الوجه الآخر من التثقيل أن يجعلوا (لمّا) بمنزلة (إلّا) مع (إن) خاصة ، فتكون فى مذهبها بمنزلة إنما إذا وضعت فى معنى إلّا ، كأنها لم ضمّت إليها ما فصارا جميعا (استثناء «١» وخرجتا من حدّ الجحد. ونرى أن قول العرب (إلّا) إنما جمعوا بين إن التي تكون جحدا وضمّوا إليها (لا) فصارا جميعا حرفا واحدا وخرجا من حد الجحد إذ جمعتا فصارا حرفا واحدا. وكذلك لمّا. ومثل ذلك قوله : لو لا ، إنما هى لو ضمت إليها لا فصارتا حرفا واحدا). وكان الكسائي ينفى هذا القول.

ويقول : لا أعرف جهة لمّا فى التشديد فى القراءة.

(١) ما بين القوسين من ا. وفى ش مكانه : «حرفا واحدا وخرجا من حد الجحد».

٣٥

وقوله : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وما عملت أيديهم [٣٥] وفى قراءة عبد اللّه (وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ «٢») وكلّ صواب. والعرب تضمر الهاء فى الذي ومن وما ، وتظهرها. وكلّ ذلك صواب (وما عملت) (ما) إن شئت فى موضع خفض : ليأكلوا من ثمره وممّا «٣» عملت أيديهم. وإن شئت جعلتها جحدا فلم تجعل لها موضعا. ويكون المعنى : أنا جعلنا لهم الجنات والنخيل والأعناب ولم تعمله أيديهم (أَ فَلا يَشْكُرُونَ).

(٢) القراءة الأولى «عملت» لأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف. والقراءة الاخيرة (عملته) للباقين.

(٣) ا : «ما».

٣٧

[قوله : نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [٣٧] فإن قال قائل : ما قوله : (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)؟

فإنما معناه : نسلخ عنه النهار : نرمى بالنهار «٤» عنه فتأتى الظلمة. وكذلك النهار يسلخ منه الليل فيأتى الضوء. وهو عربىّ معروف ، ألا ترى قوله : (آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) أي خرج منها وتركها. وكذلك الليل والنهار.

(٤) ا : «النهار».

٣٨

وقوله : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [٣٨] إلى مقدار «٤» مجاريها : المقدار المستقر. من قال :

(لا مستقرّ لها) أو (لا مستقرّ/ ١٥٧ ا لها) فهما وجهان حسنان ، جعلها أبدا جارية. وأمّا أن يخفض «٥» المستقرّ فلا أدرى ما هو.

(٤) ا : «مقادير».

(٥) الظاهر أنه يريد كسر القاف.

٣٩

و قوله : وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [٣٩] الرفع فيه أعجب إلىّ من النصب ، لأنه قال (وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) ثم جعل الشمس والقمر متبعين لليل وهما فى مذهبه آيات مثله. ومن نصب أراد : وقدّرنا القمر منازل ، كما فعلنا بالشمس. فردّه على الهاء «١» من الشمس فى المعنى ، لا أنه أوقع عليه ما أوقع على الشمس. ومثله فى الكلام : عبد اللّه يقوم وجاريته يضربها ، فالجارية مردودة على الفعل لا على الاسم ، لذلك نصبناها لأنّ الواو التي فيها للفعل المتأخّر.

وقوله : (كَالْعُرْجُونِ) والعرجون ما بين الشماريخ «٢» إلى النابت فى النخلة. والقديم فى هذا الموضع : الذي قد أتى عليه حول.

(١) كأنه يريد بالهاء الضمير فى «تجرى» وفى ا ما يصح أن يقرأ : «أنها» بدل الهاء.

(٢) الشماريخ ما يكون عليه البلح.

٤٠

وقوله : لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ [٤٠] يقول : تطلع ليلا ، ولا أن يسبق الليل النهار ، يقول : ولا القمر له أن يطلع نهارا ، أي لا يكون له ضوء. ويقال : لا ينبغى للشمس أن تدرك القمر فتذهب «٣» ضوءه ، ولا أن يسبق الليل النهار فيظلمه. وموضع (أن تدرك) رفع.

(٣) ا : «فيذهب».

٤١

و قوله : ذُرِّيَّتَهُمْ [٤١] إنما يخاطب أهل مكّة ، فجعل الذرّية التي كانت مع نوح لأهل مكّة لأنها أصل لهم ، فقال : (ذُرِّيَّتَهُمْ) وهم أبناء الذرّيّة.

٤٢

وقوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ [٤٢] : من مثل فلك نوح (ما يَرْكَبُونَ) يقول : جعلنا لهم السّفن مثّلت على ذلك المثال. وهى الزواريق «٥» وأشباهها ممّا يركب فيه الناس. ولو قرأ قارئ :

من مثله كان وجها يريد من مثاله : ولم أسمع أحدا قرأ به.

(٥) جمع الزورق ، وهو السفينة الصغيرة. والمعروف فى جمعه الزوارق.

٤٣

وقوله : فَلا صَرِيخَ لَهُمْ [٤٣] الصريخ : الإغاثة.

٤٤

وقوله : إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا [٤٤] يقول : إلّا أن نفعل ذلك رحمة. وقوله (وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ) يقول : بقاء إلى أجل ، أي نرحمهم فنمتّعهم إلى حين.

٤٥

وقوله : اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ [٤٥] من عذاب الآخرة (وَ ما خَلْفَكُمْ) من عذاب الدنيا ممّا لا تأمنون من عذاب ثمود ومن مضى.

٤٦

وقوله : إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ [٤٦] جواب للآية ، وجواب لقوله (وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) فلمّا أن كانوا معرضين عن كلّ آية كفى جواب واحدة من ثنتين لأن المعنى : وإذا قيل لهم :

اتقوا أعرضوا ، وإذا أتتهم آية أعرضوا.

٤٩

وقوله : وَهُمْ يَخِصِّمُونَ [٤٩] قرأها «١» يحيى بن وثّاب (يخصمون) وقرأها عاصم (يَخِصِّمُونَ) ينصب الياء ويكسر الخاء. ويجوز «٢» نصب الخاء لأن التاء كانت تكون منصوبة فنقل إعرابها إلى الخاء. والكسر أكثر وأجود. وقرأها أهل الحجاز (يخصّمون) يشدّدون ويجمعون بين ساكنين. وهى فى قراءة أبىّ بن كعب (يختصمون) فهذه حجّة لمن يشدد. وأمّا معنى يحيى بن وثّاب فيكون على معنى يفعلون من الخصومة كأنه قال : وهم يتكلّمون ويكون على وجه آخر : وهم يخصمون : وهم فى أنفسهم يخصمون من وعدهم الساعة. وهو وجه حسن أي تأخذهم السّاعة لأن المعنى : وهم عند أنفسهم يغلبون من قال لهم : إن الساعة آتية.

(١) وهى قراءة حمزة.

(٢) وهى قراءة ورش وابن كثير وغيرهما. [.....]

٥٠

وقوله : فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً [٥٠] يقول : لا يستطيع/ ١٥٧ ب بعضهم أن يوصى إلى بعض. (وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) أي لا يرجعون إلى أهلهم قولا. ويقال : لا يرجعون :

لا يستطيعون الرجوع إلى أهليهم من الأسواق.

٥٢

وقوله : مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [٥٢] يقال : إن الكلام انقطع عند المرقد. ثم قالت الملائكة لهم : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) ف (هذا) و(ما) فى موضع رفع كأنك قلت :

هذا وعد الرحمن. ويكون (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) فيكون (هذا) من نعت المرقد خفضا و(ما) فى موضع رفع : بعثكم وعد الرحمن. وفى قراءة عبد اللّه بن مسعود (من أهبّنا من مرقدنا هذا) والبعث فى هذا الموضع كالاستيقاظ تقول : بعثت ناقتى فانبعثت إذا أثارها.

٥٥

وقوله : فاكِهُونَ [٥٥] بالألف. وتقرأ (فكهون «١») وهى بمنزلة حذرون وحاذرون وهى فى قراءة عبد اللّه (فاكهين) بالألف.

(١) وهى قراءة أبى جعفر.

٥٦

وقوله : عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [٥٦] و(على الأرائك متكئين) منصوبا على القطع. وفى قراءتنا رفع ، لأنها منتهى الخبر.

وقوله (فِي ظُلَلٍ «٢») أراد «٣» جمع ظلة وظلل. ويكون أيضا (ظلالا «٤») وهى جمع لظلّة كما تقول : حلّة وحلل فإذا كثرت فهى الحلال. والجلال «٥» والقلال «٦». ومن قال : (فى ظلال) فهى جمع ظلّ «٧».

(٢) فى الأصول : «ظلال» والمناسب لما بعده ما أثبت.

(٣) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٤) هى قراءة غير من ذكر فى الحاشية السابقة.

(٥) الجلال جمع الجلة. وهى وعاء يتخذ من خوص يوضع فيه التمر والقلال جمع القلة. يريد أن الجلال والقلال من وادي الحلال.

(٦) الجلال جمع الجلة. وهى وعاء يتخذ من خوص يوضع فيه التمر والقلال جمع القلة. يريد أن الجلال والقلال من وادي الحلال.

(٧) ش : «ظلة».

٥٨

وقوله : سَلامٌ قَوْلًا [٥٨] وفى قراءة عبد اللّه (سلاما قولا) فمن رفع قال : ذلك لهم سلام قولا ، أي لهم ما يدّعون مسلّم خالص ، أي هو لهم خالص ، يجعله خبرا لقوله (لَهُمْ ما يَدَّعُونَ)

خالص. ورفع على الاستئناف يريد ذلك لهم سلام. ونصب القول إن شئت على أن يخرج من السّلام كأنك قلت قاله قولا. وإن شئت جعلته نصبا من قوله (لَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (قولا) كقولك : عدة من اللّه.

٦٥

وقوله : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ [٦٥] وفى قراءة عبد اللّه (ولتكلّمنا) كأنه قال : نختم على أفواههم لتكلمنا. والواو فى هذا الموضع بمنزلة قوله (وَ كَذلِكَ «١» نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ) وقوله : نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [٦١] قرأ عاصم والأعمش وحمزة (نُنَكِّسْهُ) بالتشديد. وقرأ الحسن وأهل المدينة (ننكسه) بالتخفيف وفتح النون

(١) الآية ٧٥ سورة الأنعام.

٧٢

و قوله : فَمِنْها رَكُوبُهُمْ [٧٢] اجتمع القراء على فتح الرّاء لأن المعنى : فمنها ما يركبون. ويقوّى ذلك أن عائشة قرأت (فمنها ركوبتهم) ولو قرأ «٢» قارئ : فمنها ركوبهم كما تقول : منها أكلهم وشربهم وركوبهم كان وجها.

(٢) قرأ بذلك الحسن والمطوعى عن الأعمش.

٨٠

وقوله : مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ [٨٠] ولم يقل : الخضر. وقد قال اللّه (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ «٣» خُضْرٍ) ولم يقل : أخضر. والرفرف ذكر مثل الشجر. والشجر أشدّ اجتماعا وأشبه بالواحد من الرفرف ألا ترى اجتماعه كاجتماع العشب والحصى والتمر ، وأنت تقول : هذا حصى أبيض وحصى أسود ، لأنّ جمعه أكثر فى الكلام من انفراد واحده. ومثله الحنطة السمراء ، وهى واحدة فى لفظ جمع. ولو قيل حنطة سمركان صوابا ولو قيل الشجر الخضر كان صوابا كما قيل الحنطة السمراء «٤» وقد قال الآخر :

بهر جاب ما دام الأراك به خضرا «٥»

(٣) الآية ٧٦ سورة الرحمن.

(٤) كذا فى الأصول. والمناسب : «السمر».

(٥) هرجاب : اسم موضع. وقد ورد الشطر فى اللسان (هرجب). وفى ا : «قام» فى مكان «دام»

فقال : خضرا ولم يقل : أخضر. وكلّ صواب. والشجر يؤنّث ويذكر. قال اللّه (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) فأنّث. وقال (وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) فذكّر ولم يقل :  فيها. وقال (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فذكّر.