قوله : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ [١] هذا فى الأجنحة التي جعلها لجبريل وميكائيل يعنى «١» بالزيادة فى الأجنحة.
(١) كأن المراد : يعنى بالزيادة الزيادة فى الأجنحة.
وقوله : وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ [٢] ولم يقل : لها ، وقد قال قبل ذلك (ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) فكان التأنيث فى (لها) لظهور الرحمة. ولو قال : فلا ممسك له لجاز ، لأن الهاء إنما ترجع على (ما) ولو قيل فى الثانية : فلا مرسل لها لأن الضمير على الرّحمة جاز ، ولكنها لمّا سقطت الرحمة من الثاني ذكّر على (ما).
قوله : اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [٣] وما كان فى القرآن من قوله (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) فمعناه : احفظوا ، كما تقول : اذكر أيادىّ عندك أي احفظها.
وقوله : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) تقرأ (غير) و(غير) قرأها شقيق «٢» بن سلمة (غير) وهو وجه الكلام. وقرأها عاصم «٣» (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) فمن خفض فى الإعراب جعل (غير) من نعت الخالق. ومن رفع قال : أردت بغير إلّا ، فلمّا كانت ترتفع ما بعد (إلّا) جعلت رفع ما بعد (إلّا) فى (غير) كما تقول : ما قام من أحد إلّا أبوك. وكلّ حسن. ولو نصبت (غير) إذا أريد بها (إلّا) كان صوابا.
العرب تقول : ما أتانى أحد غيرك. والرفع أكثر «٤» ، لأنّ (إلا) تصلح فى موضعها.
(٢) وهى قراءة حمزة والكسائي وأبى جعفر.
(٣) وكذا غير من ذكر فى الحاشية السابقة.
(٤) سقط فى ا.
وقوله : أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [٨] يقول : شبّه عليه عمله ، فرأى سيّئه حسنا.
ثم قال/ ١٥٤ ب (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) فكان الجواب متبعا بقوله
(فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) واكتفى بإتباع الجواب بالكلمة الثانية لأنها كافية من جواب الأولى : ولو أخرج الجواب كله كان «١» : أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك ، أو تذهب نفسك لأن قوله (فَلا تَذْهَبْ) نهى يدلّ على أن ما نهى عنه قد مضى فى صدر الكلمة. ومثله فى الكلام :
إذا غضبت فلا تقتل ، كأنّه كان يقتل على الغضب ، فنهى عن ذلك. والقراء مجتمعون على (تَذْهَبْ نَفْسُكَ) وقد ذكر بعضهم عن أبى جعفر المدنىّ (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ) وكلّ صواب.
(١) ا : «لكان».
وقوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [١٠] فان (الْعِزَّةَ) «٢» معناه : من كان يريد علم العزّة ولمن هى فإنها للّه جميعا ، أي كل وجه من العزّة فلله.
وقوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) القرّاء مجتمعون على (الْكَلِمُ) إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأ (الكلام الطيّب) وكلّ حسن ، و(الكلم) أجود ، لأنها كلمة وكلم. وقوله (الكلمات) فى كثير من القرآن يدلّ على أن الكلم أجود : والعرب تقول كلمة وكلم ، فأمّا الكلام فمصدر.
وقد قال الشاعر :
مالك ترغين ولا يرغو الخلف وتضجرين والمطىّ معترف «٣»
فجمع الخلفة بطرح الهاء ، كما يقال : شجرة وشجر.
وقوله : (وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أي يرفع الكلم الطيّب. يقول : يتقبّل الكلام الطيّب إذا كان معه عمل صالح. ولو قيل : (والعمل الصّالح) بالنصب على معنى : يرفع اللّه العمل الصّالح ، فيكون المعنى : يرفع اللّه (العمل «٤» الصالح) ويجوز على هذا المعنى الرفع ، كما جاز النصب لمكان الواو فى أوّله.
(٢) يريد تفسير قوله : «فلله العزة» وفى ش : «فإن».
(٣) ترغين من الرغاء. وهو صياح الإبل. والخلف جمع خلفة وهى الناقة الحامل. والمعترف الصابر. [.....]
(٤) سقط فى ا.
و قوله : وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ [١١] يقول : ما يطوّل من عمر ، ولا ينقص من عمره ، يريد آخر غير الأوّل ، ثم كنى عنه «١» بالهاء كأنه الأوّل.
ومثله فى الكلام : عندى درهم ونصفه يعنى نصف آخر. فجاز أن يكنى عنه بالهاء لأن لفظ الثاني قد يظهر كلفظ الأوّل. فكنى عنه ككناية الأوّل.
وفيها قول آخر : (وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) يقول : إذا أتى عليه الليل والنهار نقصا من عمره ، والهاء فى هذا المعنى للأوّل لا لغيره ، لأن المعنى ما يطوّل ولا يذهب منه شىء إلا هو محصى فى كتاب ، وكلّ حسن وكأنّ الأوّل أشبه بالصواب.
(١) ا : «عنها».
وقوله : وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا [١٢] يريد : من البحرين جميعا : من الملح والعذب.
(وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً) من الملح دون العذب.
وقوله : (وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) ومخرها : خرقها للماء إذا مرّت فيه ، واحدها ماخرة.
وقوله. وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها [١٨] يقول : إن دعت داعية ذات ذنوب قد أثقلتها إلى ذنوبها ليحمل عنها شىء من الذنوب لم تجد ذلك. ولو كان الذي تدعوه أبا أو ابنا. فذلك قوله :
(وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى ) ولو كانت : ذو قربى لجاز لأنه لم يذكر فيصير نكرة. فمن رفع لم يضمر فى (كان) شيئا ، فيصير مثل قوله : (وَ إِنْ كانَ «٢» ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ) ومن نصب أضمر. وهى فى قراءة أبىّ : (وإن كان ذا عسرة) على ذلك. وإنما أنّث (مُثْقَلَةٌ) يذهب إلى الدابة أو إلى النفس ، وهما يعبّران عن الذكر والأنثى ، كما قال : (كُلُّ نَفْسٍ «٣» ذائِقَةُ الْمَوْتِ) للذكر والأنثى.
(٢) الآية ٢٨٠ سورة البقرة.
(٣) الآية ١٨٥ سورة آل عمران.
و قوله : وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ [١٩] فالأعمى هاهنا الكافر ، والبصير المؤمن.
وَ لَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ [٢٠] الظلمات : الكفر ، والنور : الإيمان.
وَ لَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ [٢١] الظلّ : الجنة ، والحرور : النار.
وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ [٢٢] الأحياء : المؤمنون ، والأموات : الكفّار.
وقوله : جُدَدٌ بِيضٌ [٢٧] الخطط والطرق تكون فى الجبال كالعروق ، بيض وسود وحمر ، واحدها جدّة.
وقال امرؤ القيس ، يصف الحمار :
كأنّ سراتيه وجدّة متنه كنائن يجرى فوقهنّ دليص
و الجدّة : الخطّة السوداء فى متن الحمار.
وقال الفراء. يقال : قد أدلصت الشيء ودلّصته إذا برق ، وكلّ شىء يبرق ، نحو المرآة والذهب والفضّة فهو دليص.
قال : الطرق جمع طريق. والطرق جمع طرقة.
وقوله : كَذلِكَ [٢٨] من صلة الثمرات. واختلاف ألوانها أي من الناس وغيرهم كالأوّل. ثم استأنف فقال : (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ).
وقوله : يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ [٢٩] جواب لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أولئك يرجون (تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) ف (يرجون) جواب لأوّل الكلام.
وقوله : فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ [٣٢] هذا الكافر (وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) فهؤلاء أصحاب اليمين (وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) وهذه موافق تفسيرها تفسير التي «١» فى الواقعة. فأصحاب الميمنة هم «٢»
(١) يريد الآيات ٨ ، ٩ ، ١٠.
(٢) فى الأصول : «و هم».
المقتصدون. ويقال : هم الولدان. وأصحاب المشأمة الكفّار. والمشأمة النار. والسّابقون السّابقون هؤلاء أهل الدرجات العلى أولئك المقرّبون فى جنات عدن.
قوله : جَنَّاتُ عَدْنٍ [٣٣] ومعنى عدن إقامة به. عدن بالموضع.
وقوله : أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [٣٤] الحزن للمعاش وهموم الدنيا. ويقال : الحزن حزن الموت.
ويقال الحزن بالجنة والنار لا ندرى «١» إلى أيّهما نصير «٢».
وقوله : دارَ الْمُقامَةِ [٣٥] هى «٣» الإقامة «٤». والمقامة : المجلس الذي يقام فيه. فالمجلس مفتوح لا غير كما قال الشاعر «٥» :
يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب
و قرأ السّلمىّ (لغوب) كأنه جعله ما يلغب ، مثل لغوب «٦» والكلام لغوب بضم اللام ، واللغوب : الإعياء.
(١ ، ٢) ا : «يدرى» .. «و يصير».
(٣) سقط فى ا.
(٤) ش : «المقامة».
(٥) هو سلامة بن جندل ، كما فى اللسان (أوب). والتأويب : سير النهار أجمع.
(٦) كذا ولم يظهر وجهه. وقد يكون : «لعوب» وهى المرأة الحسنة ، وهى تحمل المرء على اللعب.
وقوله : وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ [٣٧] يعنى محمدا صلّى اللّه عليه وسلم. وذكر الشيب.
وقوله : أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ [٤٠] أي إنهم لم يخلقوا فى الأرض شيئا. ثم قال :
(أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أي فى خلقها ، أي أعانوه على خلقها.
وقوله : وَلَئِنْ زالَتا [٤١] بمنزله قوله : ولو زالتا (إِنْ أَمْسَكَهُما) (إن) بمعنى (ما) وهو بمنزلة قوله : (وَ لَئِنْ «٧» أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ).
وقوله : (وَ لَئِنْ «٨» أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) المعنى معنى (لو) وهما متآخيتان يجابان بجواب واحد.
(٧) الآية ٥١ سورة الروم.
(٨) الآية ١٤٥ سورة البقرة.
و قوله : اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ [٤٣] أي فعلوا ذلك استكبارا (وَ مَكْرَ السَّيِّئِ) أضيف المكر إلى السيّء وهو هو كما قال : (إِنَّ هذا «١» لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) وتصديق ذلك فى قراء عبد اللّه (ومكرا سيّئا) وقوله (وَ مَكْرَ السَّيِّئِ) الهمزة فى (السّيّئ) مخفوضة/ ١٥٥ ب. وقد جزمها الأعمش وحمزة لكثرة الحركات ، كما قال (لا يَحْزُنُهُمُ «٢» الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وكما قال الشاعر :
إذا اعوججن قلت صاحب قوّم «٣»
يريد صاحب قوّم فجزم الباء لكثرة الحركات. قال الفراء : حدثنى الرؤاسى عن أبى عمرو ابن العلاء (لا يحزنهم) جزم.
(١) الآية ٩٥ سورة الواقعة. [.....]
(٢) الآية ١٠٣ سورة الأنبياء.
(٣) بعده :
بالدو أمثال السفين العوم
و الدو : الصحراء. وأراد بأمثال السفين إبلا محملة تقطع الصحراء قطع السفن البحر. وانظر كتاب سيبويه والأعلم ٢/ ٢٩٧.