قوله : هُدىً وَرَحْمَةً [٣] أكثر القراء على نصب الهدى والرحمة على القطع. وقد رفعها حمزة على الائتناف لأنها مستأنفة فى آية منفصلة من الآية قبلها. وهى فى قراءة عبد اللّه (هدى وبشرى).
وقوله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [٦] نزلت فى النضر بن الحارث الدارىّ. وكان يشترى كتب الأعاجم فارس والروم وكتب أهل الحيرة (ويحدّث «٣») بها أهل مكة وإذا سمع القرآن أعرض عنه واستهزأ به. فذلك قوله (وَ يَتَّخِذَها هُزُواً) وقد اختلف القراء فى (وَ يَتَّخِذَها)
(٣) ا : «فيحدث».
فرفع «١» أكثرهم ، ونصبها يحيى بن وثّاب والأعمش وأصحابه. فمن رفع ردّها على (يشترى) ومن نصبها ردّها على قوله (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) : وليتّخذها.
وقوله (وَ يَتَّخِذَها) يذهب إلى آيات القرآن. وإن شئت جعلتها للسبيل لأن السّبيل قد تؤنّث قال (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي «٢» أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ) وفى قراءة أبىّ (وإن «٣» يروا سبيل الرشد لا يتّخذوها سبيلا وإن يروا سبيل الغىّ يتّخذوها سبيلا).
حدّثنا أبو العبّاس قال حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثنى حبّان عن ليث عن مجاهد فى قوله (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) قال : هو الغناء قال الفراء : والأوّل تفسيره عن ابن عباس.
(١) النصب لحفص وحمزة والكسائي وخلف ، وافقهم الأعمش. والرفع للباقين. [.....]
(٢) الآية ١٠٨ سورة يوسف.
(٣) الآية ١٤٦ سورة الأعراف. وقراءة الجمهور : «لا يتخذوه».
وقوله : وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [١٠] لئلّا تميد بكم. و(أن) فى هذا الموضع تكفى من (لا) كما قال الشاعر :
و المهر يأبى أن يزال ملهبا «٤»
معناه : يأبى أن لا يزال.
(٤) الملهب : الشديد الجري المثير للغبار. وقد ألهب الفرس : اضطرم جريه.
وقوله : هذا خَلْقُ اللَّهِ [١١] من ذكره «٥» السموات والأرض وإنزاله الماء من السماء وإنباته (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ) تعبدون (مِنْ دُونِهِ) يعنى : آلهتهم. ثمّ أكذبهم فقال (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
(٥) يريد : مما يرجع إليه اسم الإشارة : (هذا).
[قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [١٢] حدّثنا أبو العباس قال حدّثنا محمّد قال حدّثنا الفراء قال : ١٤٥ ا حدّثنى حبّان عن بعض من حدّثه قال : كان لقمان حبشيّا مجدّعا «٦» ذا مشفر «٧».
(٦) أي مقطوع الأطراف والأعضاء. والمشفر : الشفة الغليظة.
(٧) المشفر للبعير كالشفة للانسان. وقد استعير هنا للانسان على التشبيه.
و قوله : وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [١٥] أي أحسن صحبتهما.
وقوله : يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ [١٦] يجوز نصب المثقال ورفعه.
فمن «١» رفع رفعه بتكن واحتملت النكرة ألّا يكون لها فعل فى كان وليس وأخواتها. ومن نصب جعل فى (تكن) اسما مضمرا مجهولا مثل الهاء التي فى قوله (إِنَّها إِنْ تَكُ) ومثل قوله (فَإِنَّها «٢» لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) وجاز تأنيث (تَكُ) والمثقال ذكر لأنه مضاف إلى الحبّة والمعنى للحبّة ، فذهب التأنيث إليها كما قال :
و تشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
و لو كان : (إن يك مثقال حبة) كان صوابا وجاز فيه الوجهان «٣». وقوله فتكن فى صخرة يقال : إنّها الصّخرة التي تحت الأرض : وهى سجّين : وتكتب فيها أعمال الكفّار. وقوله (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) فيجازى بها.
(١) الرفع لنافع وأبى جعفر.
(٢) الآية ٤٦ سورة الحج.
(٣) أي رفع (مثقال) ونصبه.
وقوله : ولا تصاعر [١٨] قرأها أهل المدينة وعاصم بن أبى النجود والحسن : (تُصَعِّرْ) بالتشديد : وقرأها يحيى «٤» وأصحابه بالألف (ولا تصاعر) يقول : لا تميل خدّك عن الناس من قولك : رجل أصعر. ويجوز ولا تصعر ولم أسمع به.
(٤) هذه قراءة نافع وأبى عمر والكسائي وخلف.
وقوله : إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [١٩] يقول : إن أقبح الأصوات لصوت الحمير.
وأنت تقول : له وجه منكر إذا كان قبيحا. وقال (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ولو قيل : أصوات الحمير لكان صوابا. ولكن الصّوت وإن كان أسند إلى جمع فإن الجمع فى هذا الموضع كالواحد.
وقوله : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [٢٠] حدّثنا أبو العباس ، قال : حدّثنا محمد ،
قال حدثنا الفراء قال حدّثنى شريك بن عبد اللّه عن خصيف الجزرىّ عن عكرمة عن ابن عبّاس أنه قرأ (نِعَمَهُ) واحدة «١». قال ابن عباس : ولو كانت (نعمه) «٢» لكانت نعمة دون نعمة أو قال نعمة فوق نعمة ، الشكّ من الفراء. وقد قرأ قوم (نعمه) على الجمع. وهو وجه جيّد لأنه قد قال (شاكِراً «٣» لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ) فهذا جمع النعم وهو دليل على أنّ (نعمه) جائز.
(١) فى الطبري أن ابن عباس فسرها بالإسلام.
(٢) هذه قراءة غير نافع وأبى عمرو وحفص وأبى جعفر.
(٣) الآية ١٢١ سورة النحل.
وقوله : وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ [٢٢] قرأها القرّاء بالتخفيف ، إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأها «٤» (وَ مَنْ يُسْلِمْ) وهو كقولك للرجل أسلم أمرك إلى اللّه وسلّم.
(٤) وكذا قرأها الأعمش. [.....]
وقوله : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ [٢٧] ترفع «٥» (الْبَحْرُ) ولو نصبته كان صوابا كما قرأت القراء (وَ إِذا قِيلَ «٦» إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) و(الساعة) وفى قراءة عبد اللّه (وبحر يمدّه سبعة أبحر) يقول : يكون مدادا كالمداد المكتوب به.
وقول عبد اللّه يقوّى الرفع. والشيء إذا مدّ الشيء فزاد فكان زيادة فيه فهو يمدّه تقول دجلة تمدّ بئارنا وأنهارنا ، واللّه يمدّنا بها. وتقول : قد أمددتك بألف فمدّوك ، يقاس على هذا كلّ ما ورد.
(٥) النصب لأبى عمرو ويعقوب وافقهما اليزيدي. والرفع للباقين.
(٦) الآية ٣٢ سورة الجاثية. والنصب قراءة حمزة ، وافقه الأعمش. وقرأ الباقون بالرفع.
وقوله : ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [٢٨] إلا كبعث نفس واحدة. أضمر البعث لأنه فعل كما قال (تَدُورُ «٧» أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ (مِنَ الْمَوْتِ) المعنى - واللّه أعلم - :
كدوران عين الذي يغشى عليه/ ١٤٥ ب من الموت ، فأضمر الدوران والعين جميعا.
(٧) الآية ١٩ سورة الأحزاب.
وقوله : بِنِعْمَتِ اللَّهِ [٣١] وقد قرئت (بنعمات اللّه) وقلّما تفعل العرب ذلك بفعلة : أن تجمع على التاء إنّما يجمعونها على فعل مثل سدرة وسدر ، وخرقة وخرق. وإنّما كرهوا جمعه بالتاء لأنهم يلزمون
أنفسهم كسر ثانية إذا جمع كما جمعوا ظلمة ظلمات «١» فرفعوا ثانيها اتباعا لرفعة أوّلها ، وكما قالوا :
حسرات فأتبعوا ثانيها أولها. فلمّا لزمهم أن يقولوا : بنعمات استثقلوا أن تتوالى كسرتان فى كلامهم لأنا لم نجد ذلك إلّا فى الإبل وحدها. وقد احتمله بعض العرب فقال : نعمات وسدرات.
(١) ا : «و ظلمات».
قوله : كُلُّ خَتَّارٍ [٣٢] الختّار : الغدّار وقوله (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) فشبّهه بالظلل والموج واحد لأن الموج يركب بعضه بعضا ، ويأتى شىء بعد شىء فقال (كَالظُّلَلِ) يعنى السحاب.
وقوله : بِاللَّهِ الْغَرُورُ [٣٣] ما غرّك فهو غرور ، الشيطان غرور ، والدنيا غرور. وتقول غررته غرورا ولو قرئت ولا يغرنّكم باللّه الغرور يريد زينة الأشياء لكان صوابا.
وقوله : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ [٣٤] فيه تأويل جحد المعنى : ما يعلمه غيره (وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) خرج هذا على الجحد. والمعنى الظاهر والأوّل معروف بالضمير للجحد.
وقوله (بِأَيِّ أَرْضٍ) وبأيّة أرض. فمن قال (بِأَيِّ أَرْضٍ) اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يظهر فى أيّ تأنيثا آخر ، ومن أنّث قال قد اجتزءوا بأيّ دون ما أضيف إليه ، فلا بدّ من التّأنيث كقولك : مررت بامرأة ، فتقول : أيّة ، ومررت برجلين فتقول أيّين :