وقوله : يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [٧] يعنى أهل مكّة. يقول : يعلمون التجارات والمعاش ، فجعل ذلك علمهم. وأمّا بأمر الآخرة فعمون «٢».
(٢) جمع عم وهو الضال عن الصواب
وقوله : إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [٨] يقول : ما خلقناهما (إِلَّا بِالْحَقِّ) للثواب والعقاب والعمل (وَ أَجَلٍ مُسَمًّى) : القيامة.
وقوله : وَأَثارُوا الْأَرْضَ [٩] : حرثوها (وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ) مما كانوا يعمرون. يقول : كانوا يعمّرون أكثر من تعمير أهل مكّة فأهلكوا.
وقوله : ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى [١٠].
تنصب العاقبة بكان ، وتجعل مرفوع (كان) فى (السّوءى). ولو رفعت العاقبة ونصبت (السّوءى) كان صوابا. و(السّوءى) فى هذا الموضع : العذاب ، ويقال : النار.
وقوله (أَنْ كَذَّبُوا) لتكذيبهم ، ولأن كذّبوا. فإذا ألقيت اللام كان نصبا.
وقوله : يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ [١٢] : ييأسون من كل خير ، وينقطع كلامهم وحججهم. وقرأ
أبو عبد الرحمن السلمىّ (يبلس المجرمون) بفتح اللام. والأولى أجود. قال الشاعر «١» :
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا
(١) هو العجاج. والمكرس : الذي صار فيه الكرس ، وهو الأبوال والأبعار
و قوله : فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ [١٧] يقول : فصلّوا اللّه (حِينَ تُمْسُونَ) وهى المغرب «٢» والعشاء (وَ حِينَ تُصْبِحُونَ) صلاة الفجر (وَ عَشِيًّا) صلاة العصر (وَ حِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر.
(٢) ش ، ب : «من المغرب»
وقوله : لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ [٢٢] يريد العالم من الجنّ والإنس ومن «٣» قرأها (لِلْعالِمِينَ) فهو وجه جيّد لأنه قد قال (لَآياتٍ «٤» لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) و(لَآياتٍ «٥» لِأُولِي الْأَلْبابِ).
(٣) هو حفص.
(٤) هذا يتكرر فى القرآن وجاء فى هذه السورة فى الآيتين ٢٤ ، ٢٨
(٥) الآية ١٩٠ سورة آل عمران.
وقوله : وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً [٢٤].
وقبل ذلك وبعده (أن أن) وكلّ صواب. فمن أظهر (أن) فهى فى موضع اسم مرفوع كما
قال (وَ مِنْ آياتِهِ «٦» مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) فإذا حذفت (أن) جعلت (من) مؤدّية عن اسم متروك يكون الفعل صلة له كقول الشاعر «٧» :
و ما الدهر إلّا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح
١٤٤ ب/ كأنه أراد : فمنهما ساعة أموتها ، وساعة أعيشها. وكذلك من آياته آية للبرق «٨» وآية لكذا. وإن شئت : يريكم من آياته البرق فلا تضمر (أن) ولا غيره.
(٦) الآية ٢٣ من هذه السورة.
(٧) هو ابن مقبل. وانظر كتاب سيبويه ١/ ٣٧٦. [.....]
(٨) يريد أن الأصل : من آياته آية يريكم فيها البرق.
وقوله : أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [٢٥] يقول : أن تدوما قائمتين بأمره بغير عمد.
وقوله : وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [٢٧] حدّثنا أبو العبّاس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال : حدّث الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد أنه قال : الإنشاءة أهون عليه من الابتداء. قال أبو زكريّاء :
و لا أشتهى ذلك والقول فيه أنه مثل ضربه اللّه فقال : أتكفرون بالبعث ، فابتداء خلقكم من لا شىء أشدّ. فالإنشاءة من شىء عندكم يأهل الكفر ينبغى أن تكون أهون عليه. ثم قال (وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى ) فهذا شاهد أنه مثل ضربه اللّه. حدّثنا أبو العبّاس ، قال حدّثنا محمّد قال حدّثنا الفرّاء قال حدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال (وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) : على المخلوق ، لأنه يقول له يوم القيامة : كن فيكون وأوّل خلقه نطفة ثم من علقة ثم من مضغة.
وقوله : كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [٢٩] نصبت الأنفس لأن تأويل الكاف والميم فى (خيفتكم) مرفوع. ولو نويت به - بالكاف «١» والميم - أن يكون فى تأويل نصب رفعت ما بعدها. تقول فى الكلام : عجبت من موافقتك كثرة شرب الماء ، وعجبت من اشترائك عبدا لا تحتاج إليه.
فإذا وقع مثلها فى الكلام فأجره بالمعنى لا باللفظ. والعرب تقول : عجبت من قيامكم أجمعون وأجمعين ، وقيامكم كلّكم وكلّكم. فمن خفض أتبعه اللفظ لأنه خفض فى الظاهر. ومن رفع ذهب إلى التأويل. ومثله (لِإِيلافِ «٢» قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) أوقعت الفعل «٣» من قريش على (رِحْلَةَ) والعرب تقول : عجبت من تساقطها بعضها فوق بعض ، وبعضها ، على مثل ذلك : هذا إذا كنوا. فإذا قالوا سمعت قرع أنيابه بعضها بعضا خفضوا (بعض) وهو الوجه فى الكلام لأن الذي قبله اسم ظاهر ، فأتبعوه إيّاه. ولو رفعت (بعضها) كان على التأويل.
(١) هذا بدل من الضمير فى (به) أي بالمذكور.
(٢) صدر سورة قريش.
(٣) يريد (إيلاف) المضاف لقريش.
وقوله : فِطْرَتَ اللَّهِ [٣٠] يريد : دين اللّه منصوب على الفعل ، كقوله (صِبْغَةَ «٤» اللَّهِ).
وقوله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) يقول : المولود على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان ينصّرانه أو يهوّدانه. ويقال فطرة اللّه أن اللّه فطر العباد على هذا : على أن يعرفوا أنّ لهم ربّا ومدبّرا.
(٤) الآية ١٣٨ سورة البقرة.
و قوله : مُنِيبِينَ [٣١] منصوبة على الفعل ، وإن شئت على القطع.
فأقم وجهك ومن معك منيبين مقبلين إليه.
وقوله : (وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (مِنَ الَّذِينَ فارقوا «١» دِينَهُمْ) فهذا «٢» وجه. وإن شئت استأنفت فقلت : من الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون. كأنك قلت : الذين تفرقوا وتشايعوا كلّ حزب بما فى يده فرح.
(١) هذا فى الآية ٣٢ وقوله : «فارقوا» فهذه قراءة حمزة والكسائي. وقراءة غيرهما : «فرقوا».
(٢) وهو أن يكون (من الذين فارقوا) بدلا من (من المشركين).
وقوله : (أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) [٣٥] كتابا فهو يأمرهم بعبادة الأصنام وشركهم.
وقوله : لِيَرْبُوَا [٣٩] قرأها عاصم والأعمش ويحيى بن وثّاب بالياء «٣» ونصب الواو. وقرأها أهل الحجاز (لتربو) أنتم. وكلّ صواب ومن قرأ «٤» (لِيَرْبُوَا) كان الفعل للربا. ومن قال (لتربوا) فالفعل للقوم الذين خوطبوا. دلّ على نصبه سقوط النّون. ومعناه يقول «٥» : وما أعطيتم من شىء لتأخذوا أكثر منه فليس ذلك بزاك عند اللّه (وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ) بها (وَجْهَ اللَّهِ) فتلك تربو للتضعيف.
وقوله : (هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أهل للمضاعفة كما تقول العرب أصبحتم مسمنين معطشين إذا عطشت إبلهم أو سمنت. وسمع الكسائىّ العرب تقول : أصبحت مقويا أي إبلك قويّة ، وأصبحت مضعفا أي إبلك ضعاف تريد ضعيفة من الضّعف.
(٣) وكذا غير نافع وأبى جعفر ويعقوب. أما هؤلاء فبالتاء.
(٤) ا : «قال».
(٥) سقط فى ا.
وقوله : ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ [٤١] يقول : أجدب البرّ ، وانقطعت مادّة البحر بذنوبهم ، وكان ذلك ليذاقوا الشدّة بذنوبهم فى العاجل.
وقوله : يَصَّدَّعُونَ [٤٣] : يتفرقون. قال : وسمعت العرب تقول : صدعت غنمى صدعتين كقولك : فرقتها فرقتين.
و قوله : إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [٥٠] قرأها عاصم «١» والأعمش (آثار) وأهل الحجاز (أثر) وكلّ صواب.
(١) أي فى رواية حفص. أما فى رواية أبى بكر فبالإفراد. وكذا قرأ بالجمع حمزة والكسائي وخلف.
وقوله : فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا [٥١] يخافون هلاكه بعد اخضراره ، يعنى الزرع.
وقوله : بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [٥٣] و(من «٢» ضلالتهم). كلّ صواب. ومن قال (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) كأنه قال : ما أنت بصارف العمى عن الضلالة. ومن قال (من) قال : ما أنت بمانعهم من الضلالة.
(٢) لا يريد أن هذا قراءة ، بل يريد أن (عن) و(من) فى هذا سواء.
وقوله : يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ [٥٥] يحلفون حين يخرجون : ما لبثوا فى قبورهم إلّا ساعة. قال اللّه : كذبوا فى هذا كما كذبوا فى الدنيا وجحدوا. ولو كانت : ما لبثنا غير ساعة كان وجها لأنه من قولهم كقولك فى الكلام : حلفوا ما قاموا ، وحلفوا ما قمنا.