سُورَةُ الْقَصَصِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ آيَةً

٦

قوله : ويرى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما [٦] هكذا قراءة أصحاب «٣» عبد اللّه بالياء والرفع.

والناس بعد يقرءونها «٤» بالنّون : (وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) بالنصب. ولو قرئت بالياء ونصب فرعون ، يريد : ويرى اللّه فرعون كان الفعل للّه. ولم أسمع أحدا قرأ به.

(٣) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش

(٤) ا : «يقرءون»

٨

وقوله : عَدُوًّا وَحَزَناً [٨] هذه لأصحاب «٥» عبد اللّه والعوامّ (حزنا) وكأن الحزن الاسم والغمّ وما أشبهه ، وكأنّ الحزن مصدر. وهما بمنزلة العدم والعدم.

(٥) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش.

٩

وقوله : وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [٩] رفعت (قُرَّتُ عَيْنٍ) بإضمار (هو) ومثله فى القرآن كثير يرفع بالضمير.

وقوله : (لا تَقْتُلُوهُ) وفى قراءة عبد اللّه (لا تقتلوه قرّة عين لى ولك) وإنما ذكرت هذا لأنى سمعت الذي يقال له ابن مروان السّدّىّ يذكر عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس أنه قال : إنها قالت (قرة عين لى ولك لا) وهو لحن «٦». ويقوّيك على ردّه قراءة عبد اللّه.

 (٦) أي لمخالفته رسم المصحف

و قوله : (وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعنى بنى إسرائيل. فهذا وجه «١». ويجوز أن يكون هذا من قول اللّه. وهم لا يشعرون بأن موسى هو الذي يسلبهم ملكهم.

(١) ا ، ب : «وجهه»

١٠

وقوله : وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [١٠] قد فرغ لهمّه ، فليس يخلط همّ موسى شىء وقوله (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) يعنى باسم موسى أنه ابنها وذلك أن صدرها ضاق بقول آل فرعون : هو ابن فرعون ، فكادت تبدى [به ] أي تظهره. وفى قراءة عبد اللّه (إن كادت لتشعر به) وحدّثنا أبو العبّاس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال : حدّثنى ابن أبى يحيى بإسناد له أن فضالة بن عبيد الأنصارىّ من أصحاب النبىّ عليه السّلام قرأ (وأصبح فؤاد أمّ موسى فزعا «٢») من الفزع.

(٢) في الطبري : «فازعا»

١١

وقوله : وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [١١] قصّى أثره. (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ). يقول : كانت على شاطىء البحر حتّى رأت آل فرعون قد التقطوه. وقوله (وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعنى آل فرعون لا يشعرون بأخته.

١٢

وقوله : وحرّمنا عليه المراضع يقول : منعناه من قبول ثدى إلّا ثدى أمّه.

١٥

وقوله : وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ [١٥] وإنما قال (على) ولم يقل : ودخل المدينة حين غفلة ، وأنت تقول : دخلت المدينة حين غفل أهلها ، ولا تقول : دخلتها على حين غفل أهلها. وذلك أنّ الغفلة كانت تجزئ من الحين ، ألا ترى أنك تقول : دخلت على غفلة وجئت على غفلة ، فلمّا كان (حين) كالفضل فى الكلام ، والمعنى : فى غفلة أدخلت فيه (على) ولو لم تكن كان صوابا. ومثله قول اللّه (عَلى فَتْرَةٍ «٣» مِنَ الرُّسُلِ) ولو كان على حين فترة من الرسل لكان بمنزلة هذا. ومثله قوله العجير :

..... ومن يكن فتى عام عام الماء فهو كبير «٤»

(٣) الآية ١٩ سورة المائدة

(٤) البيت بتمامه - كما فى اللسان - :

رأتنى ت «قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ»

(٣) ا : «و تدعونى»

(٤) هو كثير كما فى معجم البلدان (مدين). والعصم جمع الأعصم وهو الوعل. والعقول جمع عقل وهو الملجأ.

وشعف العقول رءوسها وأعاليها. والفادر : الوعل المسن أو الشاب. وكأنه من صفة العصم فيكون مرفوعا. وقد جاء صفة للجمع لما كان الجمع على زنة المفرد.

(٥) أي مهتديا

٢٣

و قوله عزّ وجلّ. ووجد من دونهم امرأتين تذودان [٢٣] : تحبسان غنمهما. ولا يجوز أن تقول ذدت الرجل : حبسته. وإنما كان الذّياد حبسا للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شىء منها أن يشذّ ويذهب فرددته فذلك ذود ، وهو الحبس. وفى قراءة عبد اللّه (ودونهم امرأتان حابستان) فسألهما عن حبسهما فقالتا : لا نقوى على السقي مع الناس حتى يصدروا. فأتى أهل الماء فاستوهبهم دلوا فقالوا : استق إن قويت ، وكانت الدلو يحملها الأربعون ونحوهم. فاستقى هو وحده ، فسقى غنمهما ، فذلك قول إحدى الجاريتين

(إِنَّ خَيْرَ «١» مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فقوّته إخراجه الدلو وحده ، وأمانته أنّ إحدى الجاريتين قالت : إن أبى يدعوك ، فقام معها فمرّت بين يديه ، فطارت الريح بثيابها فألصقتها بجسدها ، فقال لها : تأخّرى فإن ضللت فدلّينى. فمشت خلفه فتلك أمانته.

(١) فى الآية ٢٦ سورة القصص

٢٧

و قوله : عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [٢٧] يقول : أن تجعل ثوابى أن ترعى علىّ غنمى ثمانى حجج (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) يقول : فهو تطوّع. فذكر ابن عباس أنه قضى أكثر الأجلين وأطيبهما.

٢٨

وقوله : أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [٢٨] فجعل (ما) وهى صلة من صلات الجزاء مع (أىّ) وهى فى قراءة عبد اللّه (أىّ الأجلين ما قضيت فلا عدوان علىّ) وهذا أكثر فى كلام العرب من الأوّل.

وقال الشاعر :

و أيّهما ما أتبعنّ فإننى حريص على إثر الذي أنا تابع

و سمع الكسائىّ أعرابيّا يقول : فأيّهم ما أخذها ركب على أيّهم ، يريد فى لعبة لهم. وذلك جائز أيضا حسن.

٢٩

وقوله : أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ [٢٩] قرأها عاصم (أو جذوة) بالفتح والقراءة بكسر «٢» الجيم

 (٢) الرفع لحمزة وخلف وافقهما الأعمش. والكسر لغير عاصم وهؤلاء.

أو ١٤٠ ا برفعها. وهى مثل أوطأتك عشوة وعشوة وعشوة والرّغوة والرّغوة والرّغوة. ومنه ربوة وربوة وربوة.

٣٢

وقوله : وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ [٣٢] و(الرّهب) قرأها أهل المدينة (الرّهب) وعاصم «١» والأعمش (الرّهب).

(١) أي فى رواية أبى بكر. فأما فى رواية حفص فيفتح الراء وسكون الهاء

وقوله : فَذانِكَ بُرْهانانِ [٣٢] اجتمع القراء «٤» على تخفيف النون من (ذانك) وكثير من العرب يقول (فذانّك) و(هذانّ) قائمان (وَ الَّذانِ «٥» يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) فيشدّدون النون.

وقوله : (وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) يريد عصاه فى هذا الموضع. والجناح فى الموضع الآخر : ما بين أسفل العضد إلى الرّفع وهو الإبط.

 (٤) هذا فيما يلغه. وقد قرأ بالتشديد ابن كثير وأبو عمر ورويس راوى يعقوب

(٥) الآية ١٦ سورة النساء وقد قرأ بالتشديد ابن كثير

٣٤

وقوله : رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [٣٤] تقرأ جزما ورفعا «٢». من رفعها جعلها صلة للردء ومن جزم فعلى الشرط. والرّدء : العون. تقول : أردأت الرجل : أعنته. وأهل المدينة يقولون (ردا يصدّقنى) بغير همز والجزم على الشرط : أرسله معى يصدّقنى مثل (يَرِثُنِي «٣» وَيَرِثُ).

(٢) الرفع لحمزة وعاصم. والجزم للباقين

(٣) الآية ٦ سورة مريم

٣٨

وقوله : فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ [٣٨] يقول : اطبخ لى الآجر وهو الأجور والآجرّ. وأنشد :

كأنّ عينيه من الغوّور قلتان فى جوف صفا منقور

عولى بالطين وبالأجور «٦»

(٦) هذا الرجز فى وصف بعير. والقلت : النقرة فى الجبل تمسك الماء. والصفا : الحجر الصلد الضخم لا ينبت

٤٨

و قوله : قالوا سحران تظاهر [٤٨] يعنون التوراة والقرآن ، ويقال (ساحران تظاهرا) يعنون محمّدا وموسى صلى اللّه عليهما وسلم. وقرأ عاصم «٧» والأعمش (سِحْرانِ).

 (٧) وكذا حمزة والكسائي

حدّثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال حدثنا الفراء ، قال وحدّثنى غير واحد عن إسماعيل ابن أبى خالد عن أبى رزين أنه قرأ (سحران تظاهرا).

قال : وقال سفيان بن عيينة عن حميد قال : قال مجاهد : سألت ابن عباس وعنده عكرمة فلم يجبنى ، فلمّا كانت «١» فى الثالثة قال عكرمة أكثرت عليه (ساحران تظاهرا) فلم ينكر ابن عباس ، أو قال : فلو أنكرها لغيّرها. وكان عكرمة يقرأ (سِحْرانِ) بغير ألف ويحتجّ بقوله : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) وقرأها أهل المدينة والحسن (ساحران تظاهرا).

(١) كأنه يريد : فلما كانت المسألة. [.....]

٤٩

وقوله : أَتَّبِعْهُ [٤٩] رفع «٢» لأنها صلة للكتاب لأنه نكرة وإذا جزمت «٣» - وهو الوجه - جعلته شرطا للأمر.

(٢) هذا فى الآية التالية ٤٩. وفى ا بعد تلاوة الآية : «جزم» يريد الجزم فى «أتبعه»

(٣) الرفع قراءة زيد بن على كما فى البحر المحيط. وهى قراءة شاذة. والجزم هو القراءة المعول عليها.

٥١

وقوله : وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ [٥١] يقول : أنزلنا عليهم القرآن يتبع بعضه بعضا.

٥٣

وقوله : إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [٥٣] يقال : كيف أسلموا قبل القرآن وقبل محمد صلى اللّه عليه وسلم؟ وذلك «٤» أنهم كانوا يجدون صفة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فى كتابهم فصدّقوا به.

فذلك إسلامهم.

و(مِنْ قَبْلِهِ) هذه الهاء للنبى عليه السّلام. ولو كانت الهاء كناية عن القرآن كان صوابا ، لأنهم قد قالوا : إنه الحقّ من ربّنا ، فالهاء هاهنا أيضا تكون للقرآن ولمحمد صلى اللّه عليه وسلم.

(٤) هذا شروع فى الجواب عن السؤال

٥٦

وقوله : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [٥٦] يكون الحبّ على جهتين هاهنا :

إحداهما : إنك لا تهدى من تحبّه للقرابة.

والوجه الآخر يريد : إنك لا تهدى من أحببت أن يهتدى كقولك : إنك لا تهدى من تريد ، كما تراه كثيرا فى التنزيل (وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أن يهديه.

٥٧

و قوله : أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً [٥٧] قالت قريش : يا محمد ما يمنعنا أن نؤمن بك ونصدّقك إلّا أن العرب على ديننا ، فنخاف أن نصطلم «١» إذا آمنّا بك. فأنزل اللّه (أَ وَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) نسكنهم (حَرَماً آمِناً) لا يخاف من دخله أن يقام عليه حدّ ولا قصاص فكيف يخافون أن تستحلّ العرب قتالهم فيه.

وقوله : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ ءٍ) و(تجبى «٢») ذكّرت يجبى ، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه ، كما قال الشاعر :

١٤٠ ب إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة بعدي وبعدك فى الدنيا لمغرور

و قال آخر «٣» :

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء على قمع استها صلب وشام

(١) الاصطلام : الاستئصال.

(٢) هى قراءة نافع وأبى جعفر ورويس راوى يعقوب

(٣) هو جرير يهجو الأخطل. والقمع بزنة عتب وضرب : ما يوضع فى فم السقاء ونحوه ثم يصب فيه الماء والشراب ، استعاره لفرجة الاست. والصلب جمع صليب. والشام جمع شامة وهى علامة تخالف البدن وكانت أم الأخطل كالأخطل نصرانية

٥٨

و قوله : وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [٥٨] بطرتها : كفرتها وخسرتها ونصبك المعيشة من جهة قوله (إِلَّا مَنْ «٤» سَفِهَ نَفْسَهُ) إنما المعنى واللّه أعلم - أبطرتها معيشتها كما تقول :

أبطرك مالك وبطرته ، وأسفهك رأيك فسفهته. فذكرت المعيشة لأن الفعل كان لها فى الأصل ، فحوّل إلى ما أضيفت «٥» إليه. وكأنّ نصبه كنصب قوله (فَإِنْ طِبْنَ «٦» لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) ألا ترى أن الطيب كان للنفس ، فلمّا حوّلته إلى صاحب النفس خرجت النفس منصوبة لتفسّر معنى الطيب. وكذلك ضقنا به ذرعا إنما كان المعنى : ضاق به ذرعنا.

 (٤) الآية ١٣٠ سورة البقرة

(٥) ا «أضيف»

(٦) الآية ٤ سورة النساء

و قوله : (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا) معناه : خربت من بعدهم فلم يعمر منها إلّا القليل ، وسائرها خراب. وأنت ترى اللفظ كأنها سكنت قليلا ثم تركت ، والمعنى على ما أنبأتك به مثله :

ما أعطيتك دراهمك إلّا قليلا ، إنما تريد : إلّا قليلا منها.

٥٩

وقوله : (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) [٥٩] أمّ القرى مكّة. وإنما سمّيت أمّ القرى لأن الأرض - فيما ذكروا - دحيت من تحتها.

٦٦

وقوله : فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ «١» [٦٦] يقول القائل : قال اللّه (وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) كيف قال هنا : (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فإن التفسير يقول : عميت عليهم الحجج يومئذ فسكتوا فذلك قوله (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فى تلك السّاعة ، وهم لا يتكلّمون.

(١) الآية ٢٧ سورة الصافات ، والآية ٢٥ سورة الطور

٦٧

قوله : فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [٦٧] وكلّ شىء فى القرآن من (عسى) فذكر لنا أنها واجبة.

٦٨

وقوله : ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [٦٨] يقال «٢» الخيرة والخيرة والطّيرة والطّيرة. والعرب تقول :

أعطنى الخيرة منهن والخيرة منهن والخيرة وكلّ ذلك الشيء المختار من رجل أو امرأة أو بهيمة ، يصلح إحدى هؤلاء الثلاث فيه.

(٢) فى اللسان فى نقل عبارة الفراء. قبل هذا الكلام : «أي ليس لهم أن يختاروا على اللّه» وكان هذا من نسخة غير ما وقع لنا.

٧١

وقوله : إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً [٧١] دائما لانهار معه. ويقولون : تركته سرمدا سمدا ، إتباع.

٧٣

وقوله : جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [٧٣]. إن شئت جعلت الهاء راجعة على الليل خاصّة وأضمرت للابتغاء هاء أخرى تكون للنهار ، فذلك جائز. وإن شئت جعلت الليل والنهار كالفعلين لأنهما ظلمة وضوء ، فرجعت الهاء فى (فيه) عليهما جميعا ، كما تقول :

إقبالك وإدبارك يؤذينى لأنهما فعل والفعل يردّ كثيره وتثنيته إلى التوحيد ، فيكون ذلك صوابا.

٧٦

وقوله : إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ [٧٦] وكان ابن عمّه (فَبَغى عَلَيْهِمْ) وبغيه عليهم أنه قال : إذا كانت النبوّة لموسى ، وكان المذبح والقربان الذي يقرّب فى يد هارون فما لى؟

و قوله : (وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) نوؤها بالعصبة أن تثقلهم ، والعصبة هاهنا أربعون رجلا ومفاتحه : خزائنه. والمعنى : ما إن مفاتحه لتنىء العصبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت : تنوء بهم وتنىء بهم ، كما قال (آتُونِي «١» أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) والمعنى : ائتوني بقطر أفرغ عليه ، فإذا حذفت الباء زدت فى الفعل ألفا فى أوّله. ومثله (فَأَجاءَهَا «٢» الْمَخاضُ) معناه : فجاء بها المخاض. وقد قال رجل من أهل العربيّة : إن المعنى «٣» : ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه فحوّل الفعل إلى المفاتح كما قال الشاعر :

إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره «٤»

و هو الذي يحلى بالعين. فان كان سمع بهذا أثرا فهو وجه. وإلّا فإنّ الرجل جهل المعنى. ولقد أنشدنى بعض العرب :

حتى إذا ما التأمت مواصله وناء فى شقّ الثّمال كاهله

يعنى الرامي لمّا أخذ القوس ونزع مال على شقّه. فذلك نوؤه عليها. ونرى أن قول العرب :

ما ساءك وناءك من ذلك ، ومعناه ما ساءك وأناءك ، إلّا أنّه ألقى الألف لأنه متبع لساءك ، كما قالت العرب : أكلت طعاما فهنأنى ومرأنى ، ومعناه ، إذا أفردت : وامرأني ، فحذفت منه الألف لمّا أن أتبع ما لا ألف فيه.

(١) الآية ٩٦ سورة الكهف.

(٢) الآية ٢٣ سورة مريم.

(٣) انظر ص ٩٩ ، ١٣١ من الجزء الأول. [.....]

(٤) يريد أنه خرجه على القلب.

و قوله : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ) ذكروا أن موسى الذي قال له ذلك لأنه من قومه وإن كان على غير دينه. وجمعه هاهنا وهو واحد كقول اللّه (الَّذِينَ «١» قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) وإنما كان رجلا من أشجع وقوله (الْفَرِحِينَ) ولو قيل : الفارحين كان صوابا ، كأنّ الفارحين : الذين يفرحون فيما يستقبلون ، والفرحين الذين هم فيه السّاعة ، مثل الطامع والطمع ، والمائت والميّت ، والسّالس والسّلس. أنشدنى بعض بنى دبير ، وهم فصحاء بنى أسد :

ممكورة غرثى الوشاح السّالس تضحك عن ذى أشر عضارس «٢»

العضارس البارد وهو مأخوذ من العضرس وهو البرد. يقال : سالس وسلس.

٧٨

وقوله : إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي [٧٨] : على فضل عندى ، أي كنت أهله ومستحقّا له ، إذ أعطيته لفضل علمى. ويقال : (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) ثم قال (عِنْدِي) أي كذاك أرى كما قال (إِنَّما أُوتِيتُهُ «٣» عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ).

وقوله : (وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) يقول : لا يسأل المجرم عن ذنبه. الهاء والميم للمجرمين. يقول : يعرفون بسيماهم. وهو كقوله : (فَيَوْمَئِذٍ «٤» لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ثم بيّن فقال : (يُعْرَفُ «٥» الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ)

(١) الآية ١٧٣ سورة آل عمران.

(٢) الممكورة : الحسنة الساقين. وغرثى الوشاح : «خميصة البطن دقيقة الخصر». والسالس : اللين. والأشر :

تحزيز الأسنان. ويريد بذي أشر ثغرها.

(٣) الآية ٤٩ سورة الزمر.

(٤) الآية ٣٩ سورة الرحمن.

(٥) الآية ٤١ سورة الرحمن.

٨٠

و قوله : وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ [٨٠] يقول : ولا يلقّى أن يقول ثواب اللّه خير لمن آمن وعمل صالحا إلّا الصابرون. ولو كانت : ولا يلقّاه لكان صوابا لأنه كلام والكلام يذهب به إلى التأنيث والتذكير. وفى قراءة عبد اللّه (بل هى آيات بيّنات) وفى قراءتنا (بل هو «٦» آيات) فمن قال

 (٦) الآية ٤٩ سورة العنكبوت.

(هى) ذهب إلى الآيات ، ومن قال (هو) ذهب إلى القرآن. وكذلك (تِلْكَ «١» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ «٢») ومثله فى الكلام : قد غمّنى ذاك وغمّتنى تلك منك.

(١) هو عتى بن مالك العقيلي وانظر اللسان (ورى).

(٢) سقط ما بين القوسين فى ا.

٨٢

وقوله : وَيْكَأَنَّ اللَّهَ [٨٢] فى كلام العرب تقرير. كقول الرجل : أما ترى إلى صنع اللّه.

وأنشدنى :

و يكأن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ «٣»

قال الفراء : وأخبرنى شيخ من أهل البصرة قال : سمعت أعرابيّة تقول لزوجها : أين ابنك ويلك؟ فقال : ويكأنّه وراء البيت. معناه : أما ترينه وراء البيت. وقد يذهب بعض النحويّين إلى أنهما كلمتان يريد ويك أنّه ، أراد ويلك ، فحذف اللام وجعل (أنّ) مفتوحة بفعل مضمر ، كأنه قال : ويلك أعلم أنه وراء البيت ، فأضمر (اعلم). ولم نجد العرب تعمل الظنّ والعلم بإضمار مضمر فى أنّ. وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين أو فى آخر ١٤١ ب الكلمة ، فلمّا أضمره جرى مجرى الترك ألا ترى أنه لا يجوز فى الابتداء أن تقول : يا هذا أنك قائم ، ولا يا هذا أن قمت تريد : علمت أو أعلم ّحر فأضمره. ولو لم يرد ضمير الإضافة لرفع فقال : بعيد. ومثله قول الشّاعر «٣» :

لعمرك ما أدرى وإنى لأوجل على أيّنا تعدو المنيّة أوّل

رفعت (أوّل) لأنه غاية ألا ترى أنها مسندة إلى شىء هى أوّله كما تعرف أنّ (قبل) لا يكون إلّا قبل شىء ، وأنّ (بعد) كذلك. ولو أطلقتهما بالعربيّة فنوّنت وفيهما معنى الإضافة فخفضت فى الخفض ونوّنت فى النصب والرفع «٤» لكان صوابا ، قد سمع ذلك من العرب ، وجاء فى أشعارها ، فقال بعضهم :

و ساغ لى الشراب وكنت قبلا أكاد أغصّ بالماء الحميم «٥»

فنوّن وكذلك تقول : جئتك من قبل فرأيتك. وكذلك قوله :

 (٣) هو معن بن أوس المزني. [.....]

(٤) سيأتى له أن التنوين فى الرفع خاص بضرورة الشعر.

(٥) فى التصريح فى مبحث الإضافة أنه لعبد اللّه بن يعرب. وفى البيت رواية أخرى : «الفرات» بدل «الحميم» ومن يثبت الرواية الأخيرة يفسر الحميم بالبارد ، وإن كان المشهور فيه الحار فهو على هذا من الأضداد.

صفحات ناقصة

 وحتى ص : ٣٢٠

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطّه السيل من عل «١»

فهذا مخفوض. وإن شئت نوّنت وإن شئت لم تنون على نيّتك. وقال الآخر «٢» فرفع :

كأنّ محطّا فى يدى حارثيّة صناع علت منّى به الجلد من عل

المحطّ : منقاش تشم به يدها.

وأمّا قول الآخر :

هتكت به بيوت بنى طريف على ما كان قبل من عتاب

فنوّن ورفع فإن ذلك لضرورة الشعر ، كما يضطرّ إليه الشاعر فينوّن فى النداء المفرد فيقول :

يا زيد أقبل قال :

قدّموا إذ قيل قيس قدّموا وارفعوا المجد بأطراف الأسل

و أنشدنى بعض بنى عقيل :

و نحن قتلنا الأسد أسد شنوءة فما شربوا بعد على لذّة خمرا

و لو ردّه إلى النصب إذ نوّن كان وجها كما قال :

و ساغ لى الشراب وكنت قبلا أكاد أغصّ بالماء الحميم

و كذلك النداء لو ردّ إلى النصب إذا نوّن فيه كان وجها كما قال :

فطر خالدا إن كنت تسطيع طيرة ولا تقعن إلّا وقلبك حاذر

و لا تنكرنّ أن تضيف قبل وبعد وأشباههما وإن لم يظهر فقد قال «٣» :

إلّا بداهة أو علالة سابح نهد الجزاره

(١) هذا البيت من معلقة امرئ القيس فى وصف الفرس.

(٢) ا : «آخر» وهو النمر بن تولب ، كما فى اللسان (حطط).

(٣) أي الأعشى .. وقبله :

و لا نقاتل بالعصى ولا نرامى بالحجارة يذكر أن قومه يحاربون راكبين الخيل ويقال لأول جرى الفرس بداهته ، وللجرى الذي يكون بعده علالته. يقال :

فرس ضخم الجزارة ونهد الجزارة إذا كان غليظ اليدين والرجلين كثير عصبهما :

و قال الآخر :

يا من يرى عارضا أكفكفه بين ذراعى وجبهة الأسد و سمعت أبا ثروان العكلىّ يقول : قطع اللّه الغداة يد ورجل من قاله. وإنما يجوز هذا فى الشيئين يصطحبان مثل اليد والرجل ، ومثل «١» قوله : عندى نصف أو ربع درهم ، وجئتك قبل أو بعد العصر. ولا يجوز فى الشيئين يتباعدان مثل الدار والغلام : فلا تجيزنّ : اشتريت دار أو غلام زيد ولكن عبد أو أمة زيد ، وعين أو أذن ، ويد أو رجل ، وما أشبهه.

(١) ش : «مثله»