سُورَةُ النَّمْلِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثٌ وَتِسْعُونَ آيَةً

تلك آيات القرآن وكتاب مبين. خفض (وَ كِتابٍ مُبِينٍ) يريد : وآيات كتاب مبين ، ولو قرىء «٢» (وكتاب مبين) بالردّ على الآيات يريد : وذلك كتاب مبين. ولو كان نصبا

 (٢) جواب الشرط محذوف أي لساغ مثلا.

على المدح كما يقال : مررت على رجل جميل وطويلا شرمحا «١» ، فهذا وجه ، والمدح مثل قوله :

إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة فى المزدحم «٢»

و المدح تنصب معرفته ونكرته.

(١) من معانيه القوى والطويل.

(٢) انظر ص ١٠٥ من الجزء الأول.

٢

وقوله : هُدىً وَبُشْرى [٢] رفع. وإن شئت نصبت. النّصب على القطع «٣» ، والرفع على الاستئناف. ومثله فى البقرة : (هُدىً «٤» لِلْمُتَّقِينَ) وفى لقمان : (هدى «٥» ورحمة) للمحسنين) مثله.

(٣) يريد النصب على الحال.

(٤) الآية ٢.

(٥) الآية ٣.

٧

وقوله : أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ [٧] نوّن عاصم «٦» والأعمش فى الشهاب والقبس ، وأضافه أهل المدينة : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) وهو بمنزلة قوله : (وَ لَدارُ «٧» الْآخِرَةِ) ممّا يضاف إلى اسمه «٨» إذا اختلف أسماؤه «٩».

(٦) وكذا حمزة والكسائي وخلف ويعقوب.

(٧) الآية ١٠٩ سورة يوسف.

(٨) ا : «نفسه».

(٩) فى الطبري : «أسماه».

٨

وقوله : نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ [٨] تجعل (أن) فى موضع نصب إذا أضمرت اسم موسى فى (نُودِيَ) وإن لم تضمر اسم موسى كانت (أن) فى موضع رفع : نودى ذلك «١٠». وفى حرف أبىّ :

(أن بوركت النار) (وَ مَنْ حَوْلَها) يعنى الملائكة. والعرب تقول : باركك اللّه وبارك فيك وبارك عليك.

(١٠) ا : «ذاك».

٩

و قوله : إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ [٩] هذه الهاء هاء «١» عماد. وهو اسم لا يظهر. وقد فسّر.

(١) هو المعروف عند البصريين بضمير الشأن.

١٠

 وقوله : [كَأَنَّها جَانٌّ [١٠]] الجانّ : الحيّة : التي ليست بالعظيمة ولا الصغيرة. وقوله : (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) :

لم يلتفت.

١١

وقوله : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) ثم استثنى فقال : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ثم بدّل حسنا بعد سوء) [١١] فهذا مغفور له. فيقول القائل. كيف صيّر خائفا

 قلت : فى هذه وجهان : أحدهما أن تقول :

إن الرّسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القيامة. ومن خلط عملا صالحا وآخر سيّئا فهو يخاف ويرجو :

فهذا وجه. والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تركوا فى الكلمة لأنّ المعنى : لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم.

ثم استثنى فقال : إلّا من ظلم فإنّ هذا لا يخاف يقول : كان مشركا فتاب وعمل حسنا فذلك مغفور له ليس بخائف.

وقد قال بعض النحويّين : إن (إلا) فى اللغة بمنزلة الواو ، وإنما معنى هذه الآية : لا يخاف لدىّ المرسلون ولا من ظلم ثم بدّل حسنا. وجعلوا مثله قول «٢» اللّه : (لِئَلَّا يَكُونَ «٣» لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي ولا الذين ظلموا. ولم أجد العربيّة تحتمل ما قالوا ، لأنى لا أجيز قام الناس إلا عبد اللّه ، وهو قائم إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلّا من معنى الأسماء قبل إلّا. وقد أراه جائزا أن تقول : عليك ألف سوى ألف آخر ، فإن وضعت (إلّا) فى هذا الموضع صلحت وكانت (إلّا) فى تأويل ما قالوا. فأمّا مجرّدة ١٣٥ ب قد استثنى قليلها من كثيرها فلا. ولكن مثله ممّا يكون فى معنى إلّا كمعنى الواو وليست بها.

 (٢) ش : «فى قول». [.....]

(٣) الآية ١٥٠ سورة البقرة.

قوله : (خالِدِينَ «١» فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) هو فى المعنى :

إلّا الذي شاء ربّك من الزيادة. فلا تجعل إلا (فى «٢» منزلة) الواو ولكن بمنزلة سوى. فإذا كانت سوى فى موضع إلّا صلحت بمعنى الواو لأنك تقول : عندى مال كثير سوى هذا أي وهذا عندى كأنك قلت : عندى مال كثير وهذا. وهو فى سوى أنفذ منه فى إلّا لأنك قد تقول : عندى سوى هذا ، ولا تقول : إلّا هذا.

(١) الآيتان ١٠٧ ، ١٠٨ سورة هود.

(٢) ا : «بمنزلة».

١٢

وقوله : وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ [١٢] معناه : افعل هذا فهى آية فى تسع. ثم قال (إِلى فِرْعَوْنَ) ولم يقل : مرسل ولا مبعوث لأنّ شأنه معروف أنه مبعوث إلى فرعون. وقد قال الشاعر :

رأتنى بحبليها فصدّت مخافة وفى الحبل روعاء الفؤاد فروق «٣»

أراد : رأتنى أقبلت بحبليها : بحبلى النّاقة فأضمر فعلا ، كأنه قال : رأتنى مقبلا.

وقوله (وَ إِلى «٤» ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) نصب بإضمار (أرسلنا).

(٣) انظر ص ٢٣٠ من الجزء الأول.

(٤) الآية ٧٣ سورة الأعراف.

١٤

وقوله : وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [١٤] يقول : جحدوا بالآيات التسع بعد ما استيقنتها أنفسهم أنها من عند اللّه ، ظلما وعلوّا. وفى قراءة عبد اللّه (ظلما وعليّا) مثل قوله :

(وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ «٥» عِتِيًّا) و(عتيّا).

(٥) الآية ٨ سورة مريم.

١٦

وقوله : وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [١٦] كان لداوود - فيما ذكروا - تسعة عشر ولدا ذكرا ، وإنما خصّ سليمان بالوراثة لأنها وراثة الملك.

وقوله (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) : معنى كلام الطير ، فجعله كمنطق الرجل إذ فهم ، وقد قال الشاعر :

عجبت لها أنّى يكون غناؤها رفيعا ولم تفتح بمنطقها فما

فجعله الشاعر «١» كالكلام لمّا ذهب به إلى أنها تبكى.

وقوله : وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [١٧] كانت هذه الأصناف مع سليمان إذا ركب (فَهُمْ يُوزَعُونَ) يردّ أوّلهم على آخرهم حتّى يجتمعوا. وهى من وزعت الرجل ، تقول : لأزعنّكم عن الظلم فهذا من ذلك.

وأمّا

(١) هو حميد بن ثور. وهو فى الحديث عن حمامة تغرد وفى ديوانه ٢٧ : «فصيحا» فى مكان «رفيعا».

١٩

 قوله : أَوْزِعْنِي [١٩] فمعناه : ألهمنى.

٢٢

وقوله : فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [٢٢] قرأها الناس بالضمّ ، وقرأها عاصم بالفتح : فمكث. وهى فى قراءة عبد اللّه (فتمكّث) ومعنى (غَيْرَ بَعِيدٍ) غير طويل من الإقامة. والبعيد والطويل متقاربان.

وقوله (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ) قال بعض العرب : أحطّ فأدخل الطاء مكان التّاء. والعرب إذا لقيت الطاء التاء فسكنت الطاء قبلها صيّروا الطاء تاء ، فيقولون : أحتّ ، كما يحوّلون الظاء تاء فى قوله (أ وعتّ «٢» أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) والذال والدال تاء مثل (أختّم) «٣» ورأيتها فى بعض مصاحف عبد اللّه (وأختّم) ومن العرب من يحول التاء إذا كانت بعد الطاء طاء فيقول : أحط.

وقوله (وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) القراء على إجراء (سبأ) لأنه - فيما ذكروا - رجل وكذلك فأجره إن كان اسما لجبل. ولم يجره أبو عمرو بن العلاء. وزعم الرؤاسيّ أنه سأل أبا عمرو عنه فقال : لست أدرى ما هو. وقد ذهب مذهبا إذ لم يدر ما هو لأنّ العرب إذا سمّت بالاسم المجهول تركوا إجراءه كما قال الأعشى :

 (٢) فى الآية ١٣٦ سورة الشعراء. وهى فى المصحف : «أ وعظت ...».

(٣) فى الآية ٨١ سورة آل عمران. وهى فى المصحف : «و أخذتم».

و تدفن منه الصّالحات وإن يسىء يكن ما أساء النار فى رأس كبكبا «١»

١٣٦ ا فكأنه جهل الكبكب. وسمعت أبا السفّاح السّلولى يقول : هذا أبو صعرور قد جاء ، فلم يجره لأنه ليس من عادتهم فى التسمية.

قال الفرّاء : الصعرور شبيه بالصمغ.

وقال الشاعر فى إجرائه :

الواردون وتيم فى ذرا سبأ قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس

و لو جعلته اسما للقبيلة إن كان رجلا أو جعلته اسما لما حوله إن كان جبلا لم تجره أيضا.

(١) قبله :

و من يغترب عن قومه لا يزل يرى مصارع مظلوم مجرا ومسحبا

و كبكب : اسم جبل. وانظر اللسان (كبكب)

٢٥

وقوله : أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ [٢٥] تقرأ (ألّا يسجدوا) ويكون (يَسْجُدُوا) فى موضع نصب ، كذلك قرأها حمزة. وقرأها أبو عبد الرحمن «٢» السّلمى والحسن وحميد الأعرج مخفّفة (ألا يسجدوا) على معنى ألا يا هؤلاء اسجدوا فيضمر هؤلاء ، ويكتفى منها بقوله (يا) قال : وسمعت بعض العرب يقول : ألا يا ارحمانا ، ألا يا تصدّقا علينا قال : يعنينى وزميلى.

وقال الشاعر - وهو الأخطل -

ألا يا أسلمي يا هند هند بنى بدر وإن كان حيّانا عدى آخر الدهر

حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى بعض المشيخة - وهو الكسائي - عن عيسى الهمداني قال : ما كنت أسمع المشيخة يقرءونها إلّا بالتخفيف على نيّة الأمر. وهى فى قراءة عبد اللّه (هلّا تسجدون للّه) بالتاء فهذه حجّة لمن خفّف. وفى قراءة أبىّ (أ لا تسجدون للّه الذي يعلم سرّكم وما تعلنون) وهو وجه الكلام لأنّها سجدة ومن قرأ (ألّا يسجدوا) فشدّد فلا ينبغى لها أن تكون سجدة لأن المعنى : زين لهم الشيطان ألّا يسجدوا واللّه أعلم بذلك.

 (٢) وقرأ أيضا بالتخفيف الكسائي ورويس وأبو جعفر.

و قوله (يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ) مهموز. وهو الغيب غيب السّموات وغيب الأرض. ويقال : هو الماء الذي ينزل من السّماء والنبت من الأرض وهى فى قراءة عبد اللّه (يخرج الخبء من السّموات) وصلحت (فى) مكان (من) لأنك تقول : لأستخرجنّ العلم الذي فيكم منكم ، ثم تحذف أيّهما شئت أعنى (من) و(فى) فيكون المعنى قائما على حاله.

٢٨

وقوله : ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ [٢٨] يقول القائل : كيف أمره أن يتولّى عنهم وقد قال (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) وذلك فى العربيّة بيّن أنه استحثّه فقال : اذهب بكتابي هذا وعجّل ثم أخّر (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) ومعناها التقديم. ويقال : إنه أمر الهدهد أن يلقى الكتاب ثم يتوارى عنها ففعل : ألقى الكتاب وطار إلى كوّة فى مجلسها. واللّه أعلم بصواب ذلك.

٢٩

وقوله : إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ [٢٩] جعلته كريما لأنه كان مختوما ، كذلك حدّثت.

ويقال : وصفت الكتاب بالكرم لقومها لأنّها رأت كتاب ملك عندها فجعلته كريما لكرم صاحبه.

ويقال : إنها قالت (كَرِيمٌ) قبل أن تعلم أنه من سليمان. وما يعجبنى ذلك لأنها كانت قارئة قد قرأت الكتاب قبل أن تخرج إلى ملئها.

٣٠

وقوله : إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [٣٠] مكسورتان أعنى إنّ وإنّ. ولو فتحتا جميعا كان جائزا ، على قولك : ألقى إلىّ أنه من سليمان وأنّه بسم اللّه الرحمن الرحيم فموضعهما رفع على التكرير على الكتاب : ألقى إلىّ أنه من سليمان وإن شئت كانتا فى موضع نصب لسقوط الخافض منهما. وهى فى قراءة أبىّ (وأن بسم اللّه الرحمن الرحيم) ففى ذلك حجّة لمن فتحهما لأنّ (أن) إذا فتحت ألقها مع الفعل أو ما يحكى لم تكن إلّا مخفّفة النون.

٣١

وأما قوله : أَلَّا تَعْلُوا [٣١] فألفها مفتوحة لا يجوز كسرها. وهى فى موضع رفع إذا كررتها على (أُلْقِيَ) ونصب على : ألقى إلىّ الكتاب بذا ، وألقيت الباء فنصبت. وهى فى قراءة عبد اللّه (وإنه من سليمان وإنه بسم اللّه الرحمن الرحيم) فهذا يدلّ على الكسر لأنها معطوفة على : إنى ألقى

إلىّ وإنه من سليمان. ويكون فى قراءة أبىّ أن تجعل (أن) التي فى بسم اللّه الرحمن الرحيم هى (أن) التي فى قوله (أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى) كأنها فى المعنى. ألقى إلىّ أن لا تعلوا علىّ. فلمّا وضعت فى (بسم اللّه) كرّرت على موضعها فى (أَنْ لا تَعْلُوا) كما قال اللّه (أَ يَعِدُكُمْ «١» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ) فأنكم مكررة ومعناها واحد واللّه أعلم. ألا ترى أن المعنى : أيعدكم أنكم مخرجون إذا كنتم ترابا وعظاما.

(١) الآية ٣٥ سورة المؤمنين.

٣٢

وقوله : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي [٣٢] جعلت المشورة فتيا. وذلك جائز لسعة العربية.

وقوله (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) وفى قراءة عبد اللّه (ما كنت قاضية أمرا) والمعنى واحد. تقول لا أقطع أمرا دونك ، ولا أقضى أمرا دونك.

٣٤

وقوله : قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً [٣٤] جواب لقولهم (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) فقالت : إنهم إن دخلوا بلادكم أذلوكم وأنتم ملوك. فقال اللّه (وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ).

٣٥

وقوله : وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [٣٥] نقصت الألف من قوله (بِمَ) لأنها فى معنى بأيّ شىء يرجع المرسلون وإذا كانت (ما) فى موضع (أىّ) ثم وصلت بحرف خافض نقصت الألف من (ما) ليعرف الاستفهام من الخبر. ومن ذلك قوله : (فِيمَ «٢» كُنْتُمْ) و(عَمَّ يَتَساءَلُونَ «٣») وإن أتممتها فصواب. وأنشدنى المفضّل :

إنا قتلنا بقتلانا سراتكم أهل اللواء ففيما يكثر القيل «٤»

و أنشدنى المفضّل أيضا :

على ما قام يشتمنا لئيم كخنزير تمرّغ فى رماد «٥»

 (٢) الآية ٩٧ سورة النساء.

(٣) الآية ١ سورة النبأ. [.....]

(٤). ٢ : «القتل» فى مكان «القيل» ويظهر أنه تحريف عما أثبت.

(٥) هو لحسان بن ثابت. وفى شواهد العيني فى مباحث الوقف : «و يروى فى دمان موضع فى رماد ويروى فى دمال.

وكل هذا ليس بشىء فان القصيدة داليه»

و قوله : إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [٣٥] وهى تعنى سليمان كقوله (عَلى خَوْفٍ «١» مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) وقالت (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وكان رسولها - فيما ذكروا - امرأة «٢» واحدة فجمعت وإنما هو رسول ، لذلك قال (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) يريد : فلما جاء الرسول سليمان ، وهى فى قراءة عبد اللّه (فلما جاءوا سليمان) لما قال (الْمُرْسَلُونَ) صلح (جاءوا) وصلح (جاء) لأن المرسل كان واحدا.

يدلّ على ذلك قول سليمان (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ).

(١) الآية ٨٣ سورة يونس.

(٢) كذا. وفى الطبري : «امرأ واحدا» وهو ظاهر القرآن. ويمكن أن يطلق الرسول على الأنثى باعتبار أنه فى الأصل بمعنى الرسالة ويطلق على حاملها من ذكر أو أنثى.

٣٦

وقوله : أتمدّوننى بمال [٣٦] هى فى قراءة عبد اللّه «٣» بنونين وباء مثبتة. وقرأها حمزة.

(أ تمدّونّى بمال) يريد قراءة عبد اللّه فأدغم النون فى النون فشدّدها. وقرأ عاصم بن أبى النّجود (أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ) بنونين بغير ياء. وكلّ صواب.

وقوله : (فما آتان اللّه) ولم يقل «٤» (فَما آتانِيَ اللَّهُ) لأنها محذوفة الياء من الكتاب. فمن كان ممّن يستجيز الزيادة فى القرآن من الياء والواو اللاتي يحذفن مثل قوله (وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ «٥» بِالشَّرِّ) فيثبت الواو وليست فى المصحف ، أو يقول المنادى للمناد «٦» جاز له أن يقول فى (أَ تُمِدُّونَنِ) بإثبات الياء ، وجاز له أن يحرّكها إلى ١٣٧ ا النصب كما قيل (وَ ما لِيَ «٧» لا أَعْبُدُ) فكذلك يجوز (فَما آتانِيَ اللَّهُ) ولست أشتهى ذلك ولا آخذ به. اتّباع المصحف إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة القرّاء أحبّ إلىّ من خلافه. وقد كان أبو عمرو يقرأ (إنّ هذين «٨» لساحران) ولست

 (٣) وهى قراءة نافع وأبى عمرو وأبى جعفر.

(٤) قرأ بإثبات الياء مفتوحة نافع وأبو عمرو وأبو جعفر وحفص.

(٥) الآية ١١ سورة الاسراء.

(٦) فى الآية ٤١ سورة ق.

(٧) الآية ٢٢ سورة يس.

(٨) الآية ٦٣ سورة طه.

أجترئ على ذلك وقرأ (فأصّدّق «١» وأكون) فزاد واوا فى الكتاب. ولست أستحبّ ذلك.

(١) الآية ١٠ سورة المنافقين.

٣٧

وقوله : لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [٣٧] وهى فى مصحف عبد اللّه (لهم بهم) وهو سواء.

قوله : ارْجِعْ إِلَيْهِمْ [٣٧] هذا من قول سليمان لرسولها ، يعنى بلقيس. وفى قراءة عبد اللّه (ارجعوا إليهم) وهو صواب على ما فسّرت لك من قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) «٢» من الذهاب بالواحد إلى الذين معه ، فى كثير من الكلام.

(٢) الآية ١ سورة الطلاق.

٣٩

وقوله : عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ [٣٩] والعفريت : القوىّ النافذ. ومن العرب من يقول للعفريت : عفرية. فمن قال : عفرية قال فى جمعه : عفار «٣». ومن قال : عفريت قال : عفاريت وجاز أن يقول : عفار وفى إحدى القراءتين (وما أهلّ «٤» به للطواغى) يريد جمع الطاغوت.

وقوله (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) يعنى أن يقوم من مجلس القضاء. وكان يجلس إلى نصف النهار. فقال : أريد أعجل (من ذلك) «٥».

(٣) ا : «عفارى».

(٤) ليس فى الكتاب العزيز آية يكون فيها هذا. ولعله يريد : «و الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها» فى الزمر. وقد قرأ الحسن «الطواغيت». [.....]

(٥) ا : «منك».

٤٠

وقوله : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [٤٠] يقول : قبل أن يأتيك الشيء من مدّ بصرك فقال ابن عباس فى قوله (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) (يا حىّ «٦» يا قيّوم) فذكر أنّ عرشها غارفى موضعه ثم نبع عند مجلس سليمان.

(٦) هذا بيان للعلم عنده.

٤١

وأمّا قوله : نَكِّرُوا لَها عَرْشَها [٤١] فإنه أمرهم بتوسعته ليمتحن عقلها إذا جاءت. وكان «٧» الشياطين قد خافت أن يتزوّجها سليمان فقالوا : إن فى عقلها شيئا ، وإن رجلها كرجل الحمار : فأمر سليمان بتغيير العرش لذلك ، وأمر بالماء فأجرى من تحت الصّرح وفيه السمك. فلمّا جاءت قيل له

 (٧) ا : «كانت»

(أَ هكَذا عَرْشُكِ) فعرفت وأنكرت. فلم تقل ، هو هو ، ولا ليس به. فقالت (كَأَنَّهُ هُوَ) ثم رفعت ثوبها عن ساقيها ، وظنّت أنها تسلك لجّة ، واللّجّة : الماء الكثير. فنظر إلى أحسن ساقين ورجلين : وفى قراءة عبد اللّه (وكشفت «١» عن رجليها).

(١) وهى قراءة شاذة. وقراءة الناس : «و كشفت عن ساقيها»

٤٣

وقوله : وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ [٤٣] يقول : هى عاقلة وإنما صدها عن عبادة اللّه عبادة الشمس والقمر. وكان عادة من دين آبائها ، معنى الكلام : صدّها من أن تعبد اللّه ما كانت تعبد أي عبادتها الشمس والقمر. و(ما) فى موضع رفع. وقد قبل : (إن صدّها) منعها سليمان ما كانت تعبد. موضع (ما) نصب لأن الفعل لسليمان. وقال بعضهم : الفعل للّه تعالى : صدّها اللّه ما كانت تعبد.

وقوله : (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) كسرت الألف على الاستئناف. ولو قرأ قارئ (أنّها) يردّه «٢» على موضع (ما) فى رفعه : صدّها عن عبادة اللّه أنّها كانت من قوم كافرين. وهو كقولك : منعنى من زيارتك ما كنت فيه من الشغل : أنّى كنت أغدو وأروح. فأنّ مفسّرة لمعنى ما كنت فيه من الشغل.

(٢) أي يكون بدلا أو بيانا من (ما كانت تعبد).

٤٥

وقوله : فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ [٤٥] ومعنى (يَخْتَصِمُونَ) مختلفون «٣» : مؤمن ومكذّب.

(٣) فى الطبري : «يختلفون».

٤٧

وقوله : قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ [٤٧] يقول : فى اللوح المحفوظ عند اللّه. تشاءمون بي وتطيّرون بي ، وذلك كلّه من عند اللّه. وهو بمنزلة قوله (قالُوا طائِرُكُمْ «٤» مَعَكُمْ) أي لازم لكم ما كان من خير أو شرّ فهو فى رقابكم لازم. وقد بيّنه اللّه فى قوله (وَ كُلَّ إِنسانٍ «٥» أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ).

 (٤) الآية ١٩ سورة يس.

(٥) الآية ١٣ سورة الإسراء.

٤٩

و قوله : قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ [٤٩] وهى فى قراءة عبد اللّه (تَقاسَمُوا بِاللَّهِ) ليس فيها (قالوا).

وقوله : (لَنُبَيِّتَنَّهُ) التاء والنون والياء كلّ قد قرىء به فمن قال (تَقاسَمُوا) فجعل (تَقاسَمُوا) خبرا فكأنه قال : قالوا متقاسمين : لنبيّتنّه بالنون. ثم يجوز الياء على هذا المعنى فتقول : قالوا ليبيتنّه بالياء ، كما تقول : قالوا لنقومنّ وليقومنّ. ومن قال : تقاسموا فجعلها فى موضع جزم فكأنه قال : تحالفوا وأقسموا لتبيّتنه بالتاء والنون تجوز من هذا الوجه لأن الذي قال لهم تقاسموا معهم فى الفعل داخل ، وإن كان قد أمرهم ألا ترى أنك تقول : قوموا نذهب إلى فلان ، لأنه أمرهم وهو معهم فى الفعل. فالنون أعجب الوجوه إلىّ ، وإنّ الكسائىّ يقرأ بالتاء ، والعوامّ على النون.

وهى فى قراءة عبد اللّه (تَقاسَمُوا) (ثم لنقسمنّ ما شهدنا مهلك أهله) وقد قال اللّه (تَعالَوْا «١» نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) لأنهم دعوهم ليفعلوا جميعا ما دعوا إليه. وقرأها أهل المدينة وعاصم والحسن بالنون ، وأصحاب عبد اللّه بالتّاء. حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى سفيان ابن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد أنه قرأ (ليبيّتنّه) بالياء.

(١) الآية ٦٤ سورة آل عمران.

٥١

وقوله : فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ [٥١] تقرأ بالكسر «٢» على الاستئناف مثل قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ «٣» إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ) يستأنف وهو يفسّر به ما قبله وإن ردّه على إعراب ما قبله قال (أنّا) بالفتح «٤» فتكون (أنّا) فى موضع رفع ، تجعلها تابعة للعاقبة.

وإن شئت جعلتها نصبا من جهتين : إحداهما أن تردّها على موضع (كيف) والأخرى أن تكرّ «٥» (كان) كأنّك قلت : كان عاقبة مكرهم تدميرنا إيّاهم. وإن شئت جعلتها كلمة واحدة فجعلت (أنّا) فى موضع نصب كأنك قلت : فانظر كيف كان عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم. وقوله : وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ تعلمون أنها فاحشة.

 (٢) الفتح لعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وافقهم الأعمش والحسن. والباقون بكسرها.

(٣) الآيتان ٢٤ ، ٢٥ سورة عبس. والكسر لغير عاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقرءوا بالكسر

(٤) الآيتان ٢٤ ، ٢٥ سورة عبس. والكسر لغير عاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقرءوا بالكسر

(٥) أي تنوى تكرارها

٥٩

و قوله : قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [٥٩].

قيل للوط : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على هلاك من هلك (وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ) (آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا تشركون) «١» يقول : أعبادة اللّه خير أم عبادة الأصنام :

(١) أثبتت قراءة التاء كما جاء فى ش ، ا. وهى قراءة غير عاصم وأبى عمرو ويعقوب. أما هؤلاء فقراءتهم «يشركون» بالياء [.....]

٦٠

و قوله : فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [٦٠] فقال : (ذات) ولم يقل : ذوات وكلّ صواب.

وإنما جاز أن يقول (ذات) للحدائق وهى جمع لأنك تقول ، هذه حدائق كما تقول : هذه حديقة.

ومثله قول اللّه (وَ لِلَّهِ «٢» الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) ولم يقل الحسن و(الْقُرُونِ الْأُولى «٣») ولو كانت حدائق ذوات بهجة كان صوابا. وقال الأعشى فى توحيدها :

فسوف يعقبنيه إن ظفرت به ربّ غفور وبيض ذات أطهار

و لم يقل : ذوات أطهار. وإنما يقال : حديقة لكل بستان عليه حائط. فما لم يكن عليه حائط لم يقل له : حديقة.

وقوله : (أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ) مردود على قوله (أَمَّنْ خَلَقَ) كذا وكذا. ثم قال (أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ) خلقه. وإن شئت جعلت رفعه بمع كقولك : أمع اللّه ويلكم إله! ولو جاء نصبا أإلها مع اللّه على أن تضمر فعلا يكون به النصب كقولك : أتجعلون إلها مع اللّه ، أو أتتّخذون إلها مع اللّه.

والعرب تقول : أثعلبا وتفرّ كأنهم أرادوا : أترى ثعلبا وتفرّ. وقال بعض «٤» الشعراء :

أعبدا حلّ فى شعبى غريبا ألؤما لا أبالك واغترابا

يريد : أتجمع اللؤم والاغتراب. وسمعت بعض العرب يقول لأسير أسره ليلا ، فلمّا ١٣٨ ا

 (٢) الآية ١٨٠ سورة الأعراف

(٣) الآية ٥١ سورة طه

(٤) هو جرير. وانظر كتاب سيبويه ١/ ١٧٠

أصبح رآه أسود ، فقال أعبدا سائر الليلة ، كأنه قال : ألا أرانى أسرت عبدا منذ ليلتى. وقال آخر :

أ جخفا تميميّا إذا فتنة خبت وجبنا إذا ما المشرفيّة سلّت «١»

فهذا فى كل تعجّب خاطبوا صاحبه ، فإذا كان يتعجّب من شىء ويخاطب غيره أعملوا الفعل فقالوا : أثعلب ورجل يفرّ منه ، لأن هذا خطاب لغير صاحب الثعلب. ولو نصب على قوله أيفر رجل من ثعلب فتجعل العطف كأنه السّابق. يبنى على هذا. وسمعت بعض بنى عقيل ينشد لمجنون بنى عامر :

أ ألبرق أم نارا لليلى بدت لنا بمنخرق من ساريات الجنائب

و أنشدنى فيها :

بل البرق يبدو فى ذرى دفئيّة يضىء نشاصا مشمخرّ الغوارب

و أنشدنى فيها :

و لو نار ليلى بالشريف بدت لنا لحبّت إلينا نار من لم يصاقب

فنصب كل هذا ومعه فعله على إضمار فعل منه ، كأنه قال أأرى نارا بل أرى البرق. وكأنه قال.

ولو رأيت نار ليلى. وكذلك الآيتان الأخريان فى قوله (أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ).

(١) الجخف أن يفتخر بأكثر مما عنده. والمشرفية : السيوف.

٦٥

وقوله : قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [٦٥] رفعت ما بعد (إلّا) لأن فى الذي قبلها جحدا وهو مرفوع. ولو نصبت كان صوابا. وفى إحدى القراءتين (ما فعلوه «٢» إلا قليلا منهم) بالنصب. وفى قراءتنا بالرّفع. وكلّ صواب ، هذا إذا كان الجحد الذي قبل إلا مع أسماء معرفة «٣» فإذا كان مع نكرة لم يقولوا إلا الاتباع لما قبل (إلّا) فيقولون : ما ذهب أحد إلّا

 (٢) الآية ٦٦ سورة النساء وقراءة النصب لابن عامر

(٣) ش : «معروفة»

أبوك ، ولا يقولون : إلا أباك. وذلك أن الأب كأنّه خلف من أحد لأن ذا واحد وذا واحد فآثروا الإتباع ، والمسألة الأولى ما قبل (إلّا) جمع وما بعد (إلّا) واحد منه أو بعضه ، وليس بكلّه.

٦٦

وقوله : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [٦٦] معناه : لعلّهم تدارك علمهم. يقول : تتابع علمهم فى الآخرة. يريد : بعلم الآخرة أنها تكون أو لا تكون ، لذلك قال (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) وهى فى قراءة أبىّ (أم تدارك علمهم فى الآخرة) بأم. والعرب تجعل (بل) مكان (أم) و(أم) مكان (بل) إذا كان فى أوّل الكلام استفهام ، مثل قول الشاعر :

فو اللّه ما أدرى أسلمى تغوّلت أم النوم أم كلّ إلى حبيب «١»

فمعناهن : بل. وقد اختلف القراء فى (ادّارك) فقرأ يحيى والحسن وشيبة ونافع «٢» (بل ادّارك) وقرأ مجاهد وأبو جعفر المدني (بل أدرك علمهم فى الآخرة) من أدركت ومعناه ، كأنه قال : هل أدرك علمهم علم الآخرة. وبلغني عن ابن عبّاس أنه قرأ (بلى ادّارك) يستفهم ويشدّد الدال ويجعل فى (بلى) ياء. وهو وجه جيّد لأنه أشبه بالاستهزاء بأهل الجحد كقولك للرّجل تكذّبه : بلى لعمرى لقد أدركت السلف فأنت تروى ما لا نروى وأنت تكذّبه.

وقرأ القراء أإنّا لمخرجون [٦٧] و(إنّنا) «٣» وهى فى مصاحف أهل الشام (إنّنا).

(١) ا : «و اللّه» فى مكان «فو اللّه». و«تغولت» : تلونت

(٢) وكذا عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف

(٣) هى قراءة ابن عامر والكسائي

٧٢

وقوله : عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ : [٧٢] جاء فى التفسير : دنا لكم بعض الذي تستعجلون ، فكأن اللام دخلت إذ كان المعنى دنا كما قال الشاعر :

١٣٨ ب فقلت لها الحاجات يطرحن بالفتى وهمّ تعنّانى معنّى ركائبه «٤»

فأدخل الباء فى الفتى لأن معنى (يطرحن) يرمين ، وأنت تقول : رميت بالشيء وطرحته ،

 (٤) ب : «تغشائى» فى مكان : «تعنانى»

و تكون اللام داخلة : والمعنى ردفكم كما قال بعض العرب : نفذت لها مائة وهو يريد : نفذتها مائة.

٧٦

وقوله : إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [٧٦] وذلك أن بنى إسرائيل اختلفوا حتى لعن بعضهم بعضا ، فقال اللّه : إنّ هذا القرآن ليقصّ عليهم الهدى مما اختلفوا فيه لو أخذوا به :

٨١

و قوله : وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [٨١] لو قلت بهاد العمى كان صوابا. وقرأ حمزة (وما أنت تهدى العمى عن ضلالتهم) لأنها فى قراءة عبد اللّه (وما إن تهدى العمى) وهما جحدان اجتمعا كما قال الشاعر - وهو دريد بن الصّمّة - :

ما إن رأيت ولا سمعت به كاليوم طالى أينق جرب «١»

(١) سبق هذا البيت

٨٢

و قوله : وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ [٨٢] معناه إذا وجب السّخط عليهم وهو كقوله (حَقَّ «٢» عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) فى موضع آخر. وقوله (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) اجتمع القراء على تشديد (تكلّمهم) وهو من الكلام. وحدثنى بعض المحدّثين أنه قال (تكلّمهم) و(تكلمهم) وقوله (أنّ الناس) «٣» تفتح وتكسر. فمن فتحها أوقع عليها الكلام : تكلّمهم بأن الناس ، وموضعها نصب. وفى حرف عبد اللّه (بأن الناس) وفى حرف أبىّ (تنبّئهم أنّ الناس) وهما حجّة لمن فتح وأهل المدينة (تكلّمهم إنّ الناس) فتكون (إنّ) خبرا مستأنفا ولكنه معنى وقوع الكلام. ومثله (فلينظر «٤» الإنسان إلى طعامه) من قال (أنّا) جعله مخفوضا مردودا على الطعام إلى أنا صببنا الماء. ومن كسره قال : إنّا أخبر بسبب الطعام كيف قدّره اللّه

(٢) الآية ٦٣ سورة القصص

(٣) الفتح لعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والكسر للباقين

(٤) الآية ٢٤ سورة عبس [.....]

٨٧

وقوله : (وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) [٨٧] ولم يقل فيفزع ، فجعل فعل مردودة على يفعل.

و ذلك أنه فى المعنى : وإذا نفخ فى الصّور ففزع ألا ترى أن قولك. أقوم يوم تقوم كقولك : أقوم إذا تقوم ، فأجيبت بفعل ، لأن فعل ويفعل تصلحان مع إذا. فإن قلت فأين جواب قوله (ويوم ينفخ فى الصّور) قلت : قد يكون فى فعل مضمر مع الواو كأنه قال : وذلك يوم ينفخ فى الصور.

وإن شئت قلت : جوابه متروك كما قال (وَ لَوْ تَرى «١» إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ).

(١) الآية ٥١ سورة سبأ.

وقوله (وَ لَوْ يَرَى «٢» الَّذِينَ ظَلَمُوا) [٨٧] قد ترك جوابه. واللّه أعلم.

وقوله (وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) القرّاء على تطويل الألف يريدون : فاعلوه. وقصرها «٣» حمزة حدّثنا أبو العبّاس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء حدثنى عدة منهم المفضل الضبي وقيس وأبو بكر كلهم عن جحش بن زياد الضبىّ عن تميم بن حذلم قال : قرأت على عبد اللّه بن مسعود (وكلّ آتوه داخرين) بتطويل الألف. فقال (وَ كُلٌّ أَتَوْهُ) بغير تطويل الألف وهو وجه حسن مردود على قوله (فَفَزِعَ) كما تقول فى الكلام : رآنى ففرّ وعاد وهو صاغر. فكان ردّ فعل على مثلها أعجب إلىّ مع قراءة عبد اللّه. حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال وحدثنى عبد اللّه بن إدريس عن الأعمش عن تميم عن عبد اللّه بمثل حديث أبى بكر وأصحابه.

(٢) الآية ١٦٥ سورة البقرة.

(٣) وكذا حفص وخلف ، وافقهم الأعمش.

٨٩

وقوله : وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [٨٩] قراءة القراء بالإضافة. فقالوا (وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) و(يَوْمَئِذٍ) وقرأ عبد اللّه بن مسعود فى إسناد بعضهم بعض الذي حدثتك (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) قرأها عليهم تميم هكذا (وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) فأخذها بالتنوين والنصب. والإضافة أعجب إلىّ وإن كنت أقرأ بالنصب لأنه فزع معلوم ، ألا ترى أنه قال (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) فصيّره ١٣٩ ا معرفة. فأن أضيفه فيكون معرفة أعجب إلىّ. وهو صواب.

٩٢

وقوله : وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ [٩٢] وفى إحدى القراءتين (وأن اتل) بغير واو مجزومة على جهة

الأمر. قد أسقطت منها الواو للجزم على جهة الأمر كما قال (قُلْ إِنِّي «١» أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ) فجعل الواو مردودة بالنهى على حرف قد نصب بأن لأن المعنى يأتى فى (أمرت) بالوجهين جميعا ، ألا ترى أنك تقول : أمرت عبد اللّه أن يقوم ، وأن قم. وقال اللّه (وَ أُمِرْنا «٢» لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) فهذا مثل قوله (وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ).

(١) الآية ١٤ سورة الأنعام

(٢) الآية ٧١ سورة الأنعام