قوله : تَبارَكَ [١] : هو من البركة. وهو فى العربيّة كقولك تقدّس ربّنا. البركة والتقدّس «٣» العظمة وهما بعد سواء.
(٣) ا : «التقديس».
وقوله : لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ [٧] جواب بالفاء لأن (لو لا) بمنزلة هلّا.
قوله : أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ [٨] له مرفوعان على الرّدّ على (لو لا) كقولك «١» فى الكلام أو هلّا يلقى إليه كنز وقد قرئت (نأكل منها) و(يأكل بالياء «٢» والنون).
(١) ش ، ب : «كقيلك».
(٢) فى ا : «نأكل بالنون ويأكل بالياء». وقد قرأ حمزة والكسائي وخلف بالنون وافقهم الأعمش ، وقرأ الباقون بالياء.
وقوله : فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [٩] يقول : لا يستطيعون فى أمرك حيلة.
وقوله : تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ [١٠] جزاء (وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) مجزومة مردودة على (جعل) و(جعل) فى معنى جزم ، وقد تكون رفعا وهى فى ذلك مجزومة لأنها لام لقيت لام فسكنت. وإن رفعتها «٣» رفعا بيّنا فجائز (ونصبها «٤» جائز على الصّرف).
(٣) والرفع قراءة أبى بكر وابن كثير وابن عامر.
(٤) فى ا : «قال قيل للفراء : فهل تجيز (ويجعل) بالنصب على الصرف؟ قال : نعم». والنصب على الصرف هنا هو عند البصريين النصب بأن مضمرة بعد واو المعية.
وقوله : تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [١٢] هو كتغيظ الآدمىّ إذا غضب فغلى صدره وظهر فى كلامه.
وقوله : ثُبُوراً واحِداً [١٣] الثبور مصدر ، فلذلك قال (ثُبُوراً كَثِيراً) لأن المصادر لا تجمع :
أ لا ترى أنك تقول : قعدت قعودا طويلا ، وضربته ضربا كثيرا فلا تجمع. والعرب تقول : ما ثبرك عن ذا؟ أي ما صرفك عنه. وكأنهم دعوا بما فعلوا ، كما يقول الرجل : وا ندامتاه.
وقوله : كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا [١٦] يقول : وعدهم اللّه الجنّة فسألوها إيّاه فى الدنيا إذ قالوا (رَبَّنا «٥» وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) يريد على ألسنة رسلك ، وهو يوم القيامة غير مسئول. وقد يكون فى الكلام أن تقول : لأعطينّك ألفا وعدا مسئولا أي هو واجب لك فتسأله لأن المسئول واجب ، وإن لم يسأل كالدّين.
(٥) الآية ١٩٤ سورة آل عمران.
وقوله : سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ [١٨].
قالت الأصنام : ما كان لنا أن نعبد غيرك فكيف ندعو إلى عبادتنا! ثم قالت : ولكنك يا ربّ متّعتهم بالأموال والأولاد حتّى نسوا ذكرك. فقال اللّه للآدميين (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) يقول : (كذّبتكم الآلهة بما تقولون) وتقرأ (بما يقولون) بالياء (والتّاء «١») فمن قرأ بالتّاء فهو كقولك كذّبك يكذّبك. ومن قرأ بالياء قال : كذّبوكم بقولهم. والقراء مجتمعة على نصب النون فى (نَتَّخِذَ) إلا أبا جعفر المدنىّ فإنه قرأ (أن نتّخذ) بضم النون (من دونك) فلو لم تكن فى الأولياء (من) كان وجها جيّدا ، وهو على (شذوذه «٢» و) قلّة من قرأ به قد يجوز على أن يجعل الاسم «٣» فى (من أولياء) وإن كانت قد وقعت فى موقع الفعل ١٣٠ ب وإنما آثرت قول الجماعة لأن العرب إنما تدخل (من) فى الأسماء لا فى الأخبار ألا ترى أنهم يقولون : ما أخذت من شىء وما عندى من شىء ، ولا يقولون ما رأيت عبد اللّه من رجل. ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبد اللّه فجعلوا عبد اللّه هو الفعل جاز ذلك. وهو مذهب أبى جعفر المدنىّ.
وقوله (قَوْماً بُوراً) والبور مصدر واحد وجمع والبائر الذي لا شىء فيه. تقول : أصبحت منازلهم بورا أي لا شيء فيها. فكذلك أعمال الكفار باطل. ويقال : رجل بور وقوم بور.
(١) سقط فى ا.
(٢) سقط فى ا.
(٣) أي يكون هو المفعول الثاني.
وقوله : إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ [٢٠] (لَيَأْكُلُونَ) صلة لاسم «٤» متروك اكتفى بمن المرسلين منه كقيلك فى الكلام : ما بعثت إليك من الناس إلا من إنه ليطيعك ، ألا ترى أن (إنه ليطيعك) صلة لمن. وجاز ضميرها «٥» كما قال (وَ ما مِنَّا «٦» إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) معناه - واللّه أعلم - إلا من له مقام وكذلك قوله (وَ إِنْ «٧» مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ما منكم إلا من يردها ، ولو لم تكن اللام جوابا لإنّ كانت إنّ مكسورة أيضا ، لأنها مبتدأة ، إذ كانت صلة.
(٤) يريد من الموصولة.
(٥) أي حذفها.
(٦) الآية ١٦٤ سورة الصافات.
(٧) الآية ٧١ سورة مريم. [.....]
و قوله (وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) كان الشريف من قريش يقول : قد أسلم هذا من قبلى - لمن هو دونه - أفأسلم بعده فتكون له السّابقة فذلك افتتان بعضهم ببعض. قال اللّه (أَ تَصْبِرُونَ) قال الفرّاء يقول : هو هذا الذي ترون.
وقوله : لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [٢١].
لا يخافون لقاءنا وهى لغة تهاميّة : يضعون الرجاء فى موضع الخوف إذا كان معه جحد «١». من ذلك قول اللّه (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ «٢» لِلَّهِ وَقاراً) أي لا تخافون له عظمة. وأنشدنى بعضهم :
لا ترتجى حين تلاقى الذائدا أسبعة لاقت معا أم واحدا «٣»
يريد : لا تخاف ولا تبالي. وقال لآخر :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وحالفها فى بيت نوب عوامل «٤»
يقال : نوب «٥» ونوب. ويقال : أوب وأوب من الرجوع قال الفراء : والنّوب ذكر النحل.
وقوله (وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) جاء العتوّ بالواو لأنه مصدر مصرّح. وقال فى مريم (أَيُّهُمْ أَشَدُّ «٦» عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) فمن جعله بالواو كان مصدرا محضا. ومن جعله بالياء قال : عات وعتىّ فلمّا جمعوا بنى جمعهم على واحدهم. وجاز أن يكون المصدر بالياء أيضا لأن المصدر والأسماء تتّفق فى هذا المعنى : ألا ترى أنهم يقولون : قاعد وقوم قعود ، وقعدت قعودا. فلمّا استويا هاهنا فى القعود لم يبالوا أن يستويا فى العتو والعتىّ.
(١) ا : «الجحد»
(٢) الآية ١٣ سورة نوح
(٣) انظر ص ٢٨٦ ، من الجزء الأول
(٤) ش : «حالفها» وا : خالفها» وهما روايتان وانظر ص ٢٨٦ من الجزء الأول
(٥) المعروف فى كتب اللغة ضم النون ولم أقف على فتحها للنحل ، وكذا لم أقف على الأوب فيه
(٦) الآية ٦٩ من سورة مريم
و قوله : يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ [٢٢] اليوم ليس بصلة للبشرى فيكون نصبه بها. ولكنك مضمر للفاء كقيلك فى الكلام : أمّا اليوم فلا مال. فإذا ألقيت الفاء فأنت مضمر لمثل اليوم بعد لا «١». ومثله فى الكلام : عندنا لا مال إن أردت لا مال عندنا فقدّمت (عندنا) لم يجز. وإن أضمرت (عندنا) ثانية بعد (لا مال) صلح ألا ترى أنّك لا تقول : زيدا لا ضارب (يا هذا «٢») كما تقول : لا ضارب زيدا.
وقوله : (وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) حراما محرّما أن يكون لهم البشرى. والحجر : الحرام ، كما تقول : حجر التاجر على غلامه ، وحجر على أهله. وأنشدنى بعضهم :
فهممت أن ألقى إليها محجرا ولمثلها يلقى إليه المحجر «٣»
قال الفراء : ألقى وإلقى «٤» من لقيت أي مثلها يركب منه المحرّم.
(١) ب ، وش : «بعده»
(٢) سقط فى ا
(٣) هو لحميد بن ثور والرواية فى الديوان ٨٤ : «أغشى» و«يغشى»
(٤) يريد أن بعض العرب يكسر حرف المضارعة فيقول : إلقى
وقوله : وَقَدِمْنا إِلى ١٣١ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ [٢٣] عمدنا بفتح العين : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أي باطلا ، والهباء ممدود غير مهموز فى الأصل يصغر هبىّ كما يصغر الكساء كسىّ. وجفاء الوادي مهموز فى الأصل إن صغّرته قلت هذا جفىء. مثل جفيع ويقاس على هذين كلّ ممدود من الهمز ومن الياء ومن الواو «٥».
(٥) سقط من ا
وقوله : أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [٢٤] قال : بعض المحدّثين يرون أنه يفرغ من حساب الناس فى نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنّة فى الجنّة وأهل النار فى النار. فذلك قوله (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمق وعاقل لم يستجيزوا أن يقولوا : هذا أحمق الرّجلين ولا أعقل الرجلين ، ويقولون لا نقول : هذا أعقل الرجلين إلا
لعاقلين تفضّل أحدهما على صاحبه. وقد سمعت قول اللّه (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) فجعل أهل الجنة خيرا مستقرا من أهل النّار ، وليس فى مستقرّ أهل النار شىء من الخير فاعرف ذلك من خطائهم.
وقوله : وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [٢٥] ويقرأ (تَشَقَّقُ) بالتشديد وقرأها الأعمش «١» وعاصم (تَشَقَّقُ السَّماءُ) بتخفيف الشين فمن قرأ تشّقّق أراد تتشقق بتشديد الشين والقاف فأدغم كما قال (لا يَسَّمَّعُونَ «٢» إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ) ومعناه - فيما ذكروا - تشقّق السماء (عن الغمام «٣») الأبيض ثم تنزل «٤» فيه الملائكة وعلى وعن والياء فى هذا الموضع (بمعنى «٥» واحد) لأنّ العرب تقول :
رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس ، يراد به معنى واحد.
(١) وكذا أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف.
(٢) الآية ٩ سورة الصافات
(٣) ش : «بالغمام» [.....]
(٤) ا : «تتنزل»
(٥) ا : «كالواحد»
وقوله : لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ [٢٩] يقال : النبىّ ويقال : القرآن. فيه قولان.
وقوله : وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [٣٠] متروكا.
ويقال : إنهمجعلوه كالهذيان والعرب تقول (هجر «٦» الرجل) فى منامه إذا هذى أو ردّد الكلمة.
(٦) ا : «الرجل يهجر»
وقوله : وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا [٣١] يقول : جعلنا بعض أمّة كل نبىّ أشدّ عليه من بعض وكان الشديد العداوة للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم أبو جهل بن هشام.
وقوله : لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ [٣٢] يقال : إنها «٧» من قول المشركين.
أي هلا أنزل عليه القرآن جملة ، كما أنزلت التوراة على موسى. قال اللّه (وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) لنثبّت به فؤادك. كان ينزّل الآية والآيتين فمكان بين نزول أوله وآخره عشرون سنة (وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا)
(٧) يريد قوله : «كذلك» فى التلاوة
نزّلناه تنزيلا. ويقال : إن (كذلك) من قول اللّه ، انقطع الكلام من قيلهم (جملة واحدة) قال اللّه : كذلك أنزلناه يا محمّد متفرقا لنثبّت به فؤادك.
وقوله : وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [٣٣] بمنزلة قوله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) فى معنى الكلام والنصب.
وقوله : فَقُلْنَا اذْهَبا [٣٦] وإنما أمر موسى وحده بالذهاب فى المعنى ، وهذا بمنزله قوله (نَسِيا «١» حُوتَهُما) ، وبمنزلة قوله (يَخْرُجُ «٢» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنما يخرج من أحدهما وقد فسّر شأنه.
(١) الآية ٦١ سورة الكهف
(٢) الآية ٢٢ سورة الرحمن
وقوله : وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ [٣٧] نصبتهم بأغرقناهم وإن شئت بالتدمير المذكور قبلهم.
وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ وقرونا [٣٨] منصوبون بالتدمير قال الفراء يقال : إن الرسّ بئر.
وقوله : وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً [٣٩] أهلكناهم وأبدناهم إبادة.
وقوله : أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [٤٣] كان أحدهم يمرّ بالشيء الحسن من الحجارة فيعبده فذلك قوله (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ).
وقوله : كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ [٤٥] ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وقوله (وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) يقول دائما.
وقوله (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) يقول : إذا كان فى موضع ١٣١ ب شمس كان فيه قبل ذلك ظلّ ، فجعلت الشمس دليلا على الظلّ.
ثمّ قبضناه إلينا قبضا يسيرا [٤٦] يعنى الظلّ إذا لحقته الشمس قبض الظلّ قبضا يسيرا ، يقول : هيّنا خفيّا.
و قوله : وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً [٤٨] قرأ أصحاب عبد اللّه (الرياح) ثلاثة مواضع.
منها حرفان فى قراءتنا ، وحرف فى النحل وليس فى قراءتنا ، مكان قوله (وَ النُّجُومَ «١» مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) (والرياح مسخّرات بأمره) وهذا واحد يعنى «٢» الذي فى الفرقان. والآخر فى الروم (الرِّياحَ «٣» مُبَشِّراتٍ) وكان عاصم يقرأ ما كان من رحمة الرياح «٤» وما كان من عذاب «٥» قرأه ريح.
وقد اختلف القراء فى الرحمة فمنهم من قرأ الرّيح ومنهم من قرأ الرياح ولم يختلفوا فى العذاب بالريح ونرى أنهم اختاروا الرياح للرحمة لأن رياح الرّحمة تكون من الصّبا والجنوب والشّمال من الثلاث) «٦» المعروفة. وأكثر ما تأتى بالعذاب وما لا مطر فيه الدّبور لأن الدّبور لا تكاد تلقح فسمّيت ريحا موحّدة لأنها لا تدور كما تدور اللواقح.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال حدثنى قيس بن الربيع عن أبى إسحاق عن الأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع أنهما قرءا (نشرا «٧») وقد قرأت القراء (نشرا «٨») و(نشرا «٩») وقرأ عاصم (بُشْراً) حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى قيس عن أبى إسحاق عن أبى عبد الرحمن أنه قرأ (بشرا) كأنه بشيرة وبشر.
(١) الآية ١٢ سورة النحل
(٢) الذي قرأ بالإفراد ابن كثير
(٣) الآية ٤٦
(٤) ا : «بالرياح».
(٥) ا : «العذاب»
(٦) ش ، ب : «الثلاثة».
(٧) ضبط فى ا بفتح النون وسكون الشين. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف
(٨) هذه قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ويعقوب. [.....]
(٩) هذه قراءة ابن عامر.
وقوله : وَأَناسِيَّ كَثِيراً [٤٩] واحدهم إنسىّ وإن شئت جعلته إنسانا ثم جمعته أناسىّ فتكون الياء عوضا من النون والإنسان فى الأصل إنسيان لأن العرب تصغره أنيسيان. وإذا قالوا : أناسين
فهو بيّن مثل بستان وبساتين ، وإذا قالوا (أَناسِيَّ كَثِيراً) فخفّفوا الياء أسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه مثل قراقير «١» وقراقر ، ويبيّن جواز أناسى بالتخفيف قول العرب أناسية كثيرة ولم نسمعه فى القراءة.
(١) جمع قرقور وهى السفينة ، أو هى العظيمة من السفن.
وقوله : وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً [٥٣] البرزخ : الحاجز ، جعل بينهما حاجزا لئلا تغلب الملوحة العذوبة.
وقوله : (وَ حِجْراً مَحْجُوراً) (من ذلك «٢» أي) حراما محرّما أن يغلب أحدهما صاحبه.
(٢) سقط فى ا.
وقوله : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [٥٤] فأمّا النسب فهو النسب الذي لا يحلّ نكاحه ، وأمّا الصّهر فهو النسب الذي يحلّ نكاحه كبنات العمّ والخال وأشباههن من القرابة التي يحلّ تزويجها.
وقوله : وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [٥٥] المظاهر المعاون والظهير العون.
وقوله : قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [٦٠] ذكروا أنّ مسيلمة كان يقال له الرحمن ، فقالوا : ما نعرف الرّحمن إلّا الذي باليمامة ، يعنون مسيلمة الكذّاب ، فأنزل اللّه (قُلِ ادْعُوا «٣» اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ).
وقوله : (أَ نَسْجُدُ لِما يأمرنا) و(تَأْمُرُنا «٤») فمن قرأ بالياء أراد مسيلمة : ومن قرأ بالتاء جاز أن يريد (مسيلمة أيضا) ويكون للأمر أنسجد لأمرك إيانا ومن قرأ بالتّاء والياء يراد به محمد صلّى اللّه عليه وسلم (وهو بمنزلة قوله «٥») (قُلْ لِلَّذِينَ «٦» كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) و(سيغلبون) والمعنى لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم.
(٣) الآية ١١٠ سورة الإسراء.
(٤) قرأ بالياء حمزة والكسائي وافقهما الأعمش. وقرأ الباقون بالتاء.
(٥) ا : «ذلك المذهب».
(٦) الآية ١٢ سورة آل عمران وقد قرأ بالياء حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش ، وقرأ الباقون بالتاء
و قوله : وجعل فيها سرجا [٦١] قراءة العوام (سِراجاً «١») حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا [الفرّاء] قال حدّثنى هشيم عن مغيرة «٢» عن إبراهيم أنه قرأ (سرجا). وكذلك قراءة أصحاب عبد اللّه فمن قرأ (سراجا) ذهب إلى الشمس وهو وجه حسن لأنه قد قال (وَ جَعَلَ «٣» الشَّمْسَ سِراجاً) ومن قال (سرجا) ذهب إلى المصابيح إذ كانت يهتدى بها ، جعلها كالسرج والمصباح كالسراج «٤» فى كلام العرب ١٣٢ ا وقد قال اللّه (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) «٥»
(١) قرأ حمزة والكسائي وخلف (سرجا) بضم السين والراء وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون (سراجا).
(٢) ا : «المغيرة»
(٣) الآية ١٦ سورة نوح
(٤) ا : «السراج»
(٥) الآية ٣٥ سورة النور.
وقوله : جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً [٦٢] يذهب هذا ويجىء هذا ، وقال زهير فى ذلك :
بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم «٦»
فمعنى قول زهير : خلفة : مختلفتات فى أنها ضربان فى ألوانها وهيئتها ، وتكون خلفة فى مشيتها. وقد ذكر أن قوله (خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ) أي من فاته عمل من الليل استدركه بالنهار فجعل هذا خلفا من هذا.
وقوله : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) وهى فى قراءة أبىّ (يتذكّر) حجّة لمن شدّد وقراءة أصحاب عبد اللّه وحمزة وكثير من الناس (لمن أراد أن يذكر) بالتخفيف ، ويذكر ويتذكر يأتيان بمعنى واحد ، وفى قراءتنا (وَ اذْكُرُوا «٧» ما فِيهِ) وفى حرف عبد اللّه (وتذكّروا ما فيه).
(٦) هذا البيت من معلقته. وقوله : «بها» أي بديار من يتغزل بها ، والعين : البقر واحدها أعين وعيناء أطلق عليها هذا لسعة عيونها ، والآرام : الظباء الخوالص البياض ، والأطلاء الصغار من البقر والظباء ، والمجثم ما تربض فيه وترقد.
(٧) الآية ٦٣ سورة البقرة. [.....]
وقوله : عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [٦٣] حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى
شريك عن جابر الجعفىّ عن عكرمة ومجاهد فى قوله (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قال :
بالسّكينة والوقار.
وقوله (وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) كان أهل مكّة إذا سبّوا المسلمين ردّوا عليهم ردّا جميلا قبل أن يؤمروا بقتالهم.
وقوله : وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً [٦٤] جاء فى التفسير أنّ من قرأ شيئا من القرآن فى صلاة وإن قلت ، فقد بات ساجدا وقائما. وذكروا أنّهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان.
وقوله : إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [٦٥] يقول ملحّا دائما. والعرب تقول : إن فلانا لمغرم بالنّساء إذا كان مولعا بهنّ ، وإنى بك لمغرم إذا لم تصبر عن الرجل ونرى أن الغريم إنما سمّى غريما «١» لأنّه بطلب حقه ويلحّ حتى يقبضه.
(١) ش ، ب : «لذلك» وكان الأصل : «بذلك».
وقوله : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [٦٧] بكسر التاء. قرأ أبو عبد الرحمن وعاصم «٢» (ولم يقتروا) من أقترت. وقرأ الحسن (وَ لَمْ يَقْتُرُوا) وهى من قترت كقول من قرأ يقتروا بضم الياء. واختلافهما كاختلاف قوله (يَعْرِشُونَ «٣») و(يعرشون) و(يَعْكُفُونَ) و(يعكفون) ومعناه (لَمْ يُسْرِفُوا «٤») فيجاوزوا فى الإنفاق إلى المعصية (وَ لَمْ يَقْتُرُوا) : لم يقصّروا عما يجب عليهم (وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ففى نصب القوام وجهان إن شئت نصبت القوام بضمير اسم فى كان (يكون ذلك «٥» الاسم من الإنفاق) أي وكان الانفاق «٦» (قواما بين ذلك) كقولك :
(٢) الذي فى الإتحاف أن هذه قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر. وفيه أن (يقتروا) بفتح الياء وكسر التاء قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب وافقهم ابن محيصن والحسن واليزيدي. وقرأ بضم التاء الباقون ومنهم عاصم.
(٣) الآية ١٣٧ سورة الأعراف والآية ٦٨ سورة النحل.
(٤) الآية ١٣٨ سورة الأعراف
(٥) سقط فى ش
(٦) ا : «انفاقهم».
عدلا بين ذلك أي بين الإسراف والإقتار. وإن شئت جعلت (بين) فى معنى رفع كما تقول :
كان دون هذا كافيا لك ، تريد : أقلّ من هذا كان كافيا لك ، وتجعل (وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ) كان الوسط من ذلك قواما. والقوام قوام الشيء بين الشيئين. ويقال للمرأة : إنها لحسنة القوام فى اعتدالها. ويقال : أنت قوام أهلك أي بك يقوم أمرهم وشأنهم وقيام وقيم وقيّم فى معنى قوام.
وقوله : وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [٦٨] يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [٦٩] قرأت القراء بجزم (يُضاعَفْ) ورفعه عاصم «١» بن أبى النّجود. والوجه الجزم. وذلك أن كلّ مجزوم فسّرته ولم يكن فعلا «٢» لما قبله فالوجه فيه الجزم ، وما كان فعلا لما قبله رفعته. فأمّا المفسّر للمجزوم فقوله (وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ثم فسر الأثام ، فقال (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) ومثله فى الكلام :
إن تكلّمنى توصنى بالخير والبرّ أقبل منك ألا ترى أنك فسّرت الكلام بالبرّ ولم يكن فعلا له ، فلذلك جزمت. ولو كان الثاني فعلا للأوّل لرفعته ، كقولك إن تأتنا تطلب الخير تجده ألا ترى أنك تجد «٣» (تطلب) فعلا للاتيان ١٣٢ ب كقيلك : إن تأتنا طالبا للخير تجده.
قال الشاعر «٤» :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
فرفع (تعشو) لأنه أراد : متى تأته عاشيا. ورفع عاصم (يضاعف له) لأنه أراد الاستئناف كما تقول : إن تأتنا نكرمك نعطيك كلّ ما تريد ، لا على الجزاء.
(١) أي فى رواية أبى بكر. وقرأ بالرفع أيضا ابن عامر.
(٢) يريد ألا يكون مطلوبا لما قبله فى المعنى ، ومن المطلوب لما قبله أن يكون حالا كما فى الشواهد الآتية.
(٣) ا : «أن تطلب فعل للإتيان».
(٤) أي الخطيئة. ويقال : عشا إلى النار : رآها ليلا من بعيد فقصدها مستضيئا.
وقوله : وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [٧٢] يقول : لا يحضرون مجالس الكذب والمعاصي.
ويقال (أعياد المشركين «١» لا يشهدونها) لأنها زور وكذب إذ كانت لغير اللّه. وقوله (باللّغو مرّوا كراما) ذكر أنهم كانوا إذا أجروا ذكر النساء كنوا عن قبيح الكلام فيهنّ. فذلك مرورهم به.
(١) ا : «لا يشهدون أعياد المشركين»
وقوله : (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) [٧٣] يقال : إذا تلى عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه. فذلك الخرور. وسمعت العرب تقول : قعد يشتمنى ، وأقبل يشتمنى.
وأنشدنى بعض العرب :
لا يقنع الجارية الخضاب ولا الوشاحان ولا الجلباب
من دون أن تلتقى الأركاب ويقعد الهن له لعاب
قال الفرّاء : يقال لموضع المذاكير : ركب. ويقعد كقولك : يصير.
وقوله : وَذُرِّيَّاتِنا [٧٤] قرأ أصحاب عبد اللّه (وذرّيّتنا) والأكثر (وذرّيّاتنا) وقوله (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) ولو قيل : (عين) كان صوابا كما قالت (قُرَّتُ عَيْنٍ «٢» لِي وَلَكَ) ولو قرئت : قرّات أعين لأنهم كثير كان صوابا. والوجه التقليل (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) لأنّه فعل والفعل لا (يكاد يجمع «٣») ألا ترى أنه قال (لا تَدْعُوا «٤» الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) فلم يجمعه وهو كثير.
والقرّة مصدر. تقول : قرّت عينك قرّة.
وقوله (لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) ولم يقل : أئمّة وهو واحد يجوز فى الكلام أن تقول : أصحاب محمد أئمّة الناس وإمام الناس كما قالِ نَّا رَسُولُ
«٥»بِّ الْعالَمِينَ) للاثنين ومعناه : اجعلنا أئمّة يقتدى بنا. وقال مجاهد : اجعلنا يقتدى بمن قبلنا حتى يقتدى بنا من بعدنا.
(٢) الآية ٩ سورة القصص.
(٣) ا : «يكادون يجمعونه».
(٤) الآية ١٤ سورة الفرقان. [.....]
(٥) الآية ١٦ سورة الشعراء.
و قوله : وَيُلَقَّوْنَ [٧٥] و(يلقّون فيها) «١» كل قد قرئ به و(يلقون) أعجب إليّ لأنّ القراءة لو كانت على (يلقّون) كانت بالباء فى العربيّة لأنك تقول : فلان يتلقّى بالسّلام وبالخير.
وهو صواب يلقّونه ويلقّون به كما تقول : أخذت بالخطام وأخذته.
(١) القراءة الأولى لأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. والقراءة الأخرى للباقين.
وقوله : ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي [٧٧] ما استفهام أي ما يصنع بكم (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) لو لا دعاؤه إياكم إلى الإسلام (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) نصبت اللزام لأنك أضمرت فى (يكون) اسما إن شئت كان مجهولا فيكون بمنزله قوله فى قراءة أبىّ (وإن كان «٢» ذا عسرة) وإن شئت جعلت «٣» فسوف يكون تكذيبكم عذابا لازما «٤» ذكر أنه ما نزل بهم يوم بدر. والرفع فيه جائز لو أتى. وقد تقول العرب : لأضربنّك ضربة تكون لزام يا هذا ، تخفض كما تقول :
دراك ونظار. وأنشد.
لا زلت محتملا علىّ ضغينة حتى الممات تكون منك لزام
قال «٥» : أنشدناه فى المصادر.
(٢) الآية ٢٨٠ سورة البقرة.
(٣) أ: «كان».
(٤) فى أبعده : «يوم بدر».
(٥) أي مستملى الكتاب وهو؟؟؟ بن الجهم.