سُورَةُ النُّورِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعٌ وَ سِتُّونَ آيَةً

١

قوله : سُورَةٌ أَنْزَلْناها [١] ترفع السّورة بإضمار هذه سورة أنزلناها. ولا ترفعها براجع ذكرها لأنّ النكرات لا يبتدأ بها قبل أخبارها ، إلا أن يكون ذلك جوابا ألا ترى أنك لا تقول : رجل

قام ، إنما الكلام أن تقول : قام رجل. وقبح تقديم النكرة قبل خبرها «١» أنّها توصل «٢» ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة. فيقال : رجل يقوم أعجب إلىّ من رجل لا يقوم : فقبح إذ كنت كالمنتظر للخبر بعد الصلة. ١٢٦ او حسن فى الجواب لأنّ القائل يقول : من فى الدار؟ فتقول : رجل (وإن قلت «٣» (رجل فيها) فلا بأس لأنه كالمرفوع بالردّ لا بالصفة.

ولو نصبت «٤» السّورة على قولك : أنزلناها سورة وفرضناها كما تقول : مجرّدا ضربته كان وجها. وما رأيت أحدا «٥» قرأ به.

ومن قال (فرضناها) يقول : أنزلنا فيها فرائض مختلفة. وإن شاء : فرضناها عليكم وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة. والتشديد لهذين الوجهين حسن.

وقوله : الزانية والزّانى فاجلدوا كلّ واحد منهما «٦» رفعتهما بما عاد من ذكرهما فى قوله (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) ولا ينصب مثل هذا لأن تأويله الجزاء (ومعناه «٧») - واللّه أعلم - من زنى فافعلوا به ذلك. ومثله (وَ الشُّعَراءُ «٨» يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) معناه - واللّه أعلم : من قال الشعر اتّبعه الغواة. وكذلك (وَ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ، (وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما «٩») ولو أضمرت قبل كلّ ما ذكرنا فعلا كالأمر جاز نصبه ، فقلت : الزانية والزاني فاجلدوا :

(١) أي لأنها.

(٢) يريد وصفها.

(٣) سقط فى أ.

(٤) النصب قراءة عمر بن عبد العزيز ومجاهد وعيسى بن عمر الثقفي وغيرهم كما فى البحر ٦/ ٤٢٧. وهى من الشواذ.

ويريد الفراء أنها تنصب على الحال. وفى البحر : «و قال الفراء : سورة حال من الهاء والألف. والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه». ولم نر هذا النص فى نسخنا.

(٥) قد علمت أنه قرىء به فى الشواذ.

(٦) قرأ بالتخفيف من العشرة غير ابن كثير وأبى عمرو. أما هما فقرءا بالتشديد.

(٧) ش : «المعنى».

(٨) الآية ٢٢٤ سورة الشعراء.

(٩) الآية ١٦ سورة النساء.

و هى فى قراءة عبد اللّه محذوفة الياء (الزان) مثل ما جرى فى كتاب اللّه كثيرا من حذف الياء من الداع والمناد والمهتد وما أشبه ذلك. وقد فسّر.

وقوله : (وَ لا تَأْخُذْكُمْ) اجتمعت القراء على التّاء إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأ (ولا يأخذكم) بالياء. وهو صواب كما قال (وَ أَخَذَ «١» الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وفى الرأفة والكأبة والسّأمة لغتان السّامة فعلة والسّآمة مثل فعالة والرأفة والرآفة والكأبة والكآبة وكأنّ السّأمة والرأفة مرّة ، والسّآمة المصدر ، كما تقول : قد ضؤل ضآلة ، وقبح قباحة.

حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال حدثنى قيس ومندل عن ليث عن مجاهد قال : الطّائفة : الواحد فما فوقه قال الفرّاء : وكذلك حدثنى حبّان عن الكلبيّ عن أبى صالح عن ابن عباس أنه واحد فما فوقه. وذلك للبكرين لا للمحصنين ومعنى الرأفة يقول : لا ترأفوا بالزانية والزاني فتعطّلوا حدود اللّه.

وقوله : الزاني لا ينكح «٢» يقال : الزاني لا يزنى إلّا بزانية من بغايا كنّ بالمدينة ، فهمّ أصحاب الصّفّة أن يتزوجوهنّ فيأووا إليهنّ ويصيبوا من طعامهن ، فذكروا ذلك للنبى عليه السّلام فأنزل اللّه عزّ وجل هذا ، فأمسكوا عن تزويجهن لمّا نزل (وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يعنى الزاني.

وقوله : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ «٣» (وبالكسر «٤») بالزنى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا) الحكام (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) القاذف لا تقبل له شهادة ، توبته فيما

(١) الآية ٦٧ سورة هود. [.....]

(٢) النصب قراءة عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وشيبة وغيرهم وهى شاذة.

(٣) الآية ٤ سورة النور.

(٤) سقط فى ش. ويريد كسر الصاد فى المحصنات. وهى قراءة الكسائي وقراءة غيره فتح الصاد :

بينه وبين ربه ، وشهادته «١» ملقاة. وقد كان بعضهم يرى شهادته جائزة إذا تاب ويقول : يقبل «٢» اللّه توبته ولا نقبل نحن شهادته!

(١) أي مطروحة لا اعتداد بها. وقد يكون الأصل : «ملغاة».

(٢) الكلام على الاستفهام الإنكارى فالهمزة محذوفة.

٦

و قوله : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ [٦] بالزنى نزلت فى عاصم بن عدىّ لمّا أنزل اللّه الأربعة الشهود ، قال : يا رسول اللّه إن دخل أحدنا فرأى على بطنها رجلا (يعنى امرأته) احتاج أن يخرج فيأتى بأربعة شهداء إلى ذلك «٣» ما قد قضى حاجته وخرج. وإن قتلته قتلت ١٢٦ ب به. وإن قلت : فعل بها جلدت الحدّ. فابتلى بها. فدخل على امرأته وعلى بطنها رجل ، فلا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم بينهما. وذلك أنها كذّبته فينبغى أن يبتدئ الرجل فيشهد فيقول : واللّه الذي لا إله إلا هو إنّى صادق فيما رميتها به من الزنى ، وفى الخامسة ، وإنّ عليه لعنة اللّه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنى : ثم تقول المرأة فتفعل مثل ذلك ، ثم تقوم فى الخامسة فتقول :

إنّ عليها غضب اللّه إن كان من الصّادقين فيما رماها به من الزنى. ثم يفرّق بينهما فلا يجتمعان أبدا.

وأمّا رفع قوله (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ) فإنه من جهتين. إحداهما : فعليه أن يشهد فهى «٤» مضمرة ، كما أضمرت ما يرفع (فَصِيامُ «٥» ثَلاثَةِ) وأشباهه ، وإن شئت جعلت رفعه بالأربع الشهادات : فشهادته أربع شهادات كأنك قلت والذي يوجب من الشهادة أربع ، كما تقول : من أسلم فصلاته خمس.

وكان الأعمش ويحيى يرفعان «٦» الشهادة والأربع ، وسائر القراء يرفعون الشهادة وينصبون الأربع لأنهم يضمرون للشهادة ما يرفعها ، ويوقعونها على الأربع. ولنصب الأربع وجه آخر. وذلك أن

 (٣) أي إلى أن يحصل ذلك وهو الإتيان بأربعة شهداء ، وقوله : «ما قد قضى حاجته» أي يكون الزاني قضى حاجته وخرج فكلمة (ما) زائدة.

(٤) أي (عليه).

(٥) الآية ١٩٦ سورة البقرة ، والآية ٨٩ سورة المائدة.

(٦) قرأ برفع (أربع) حفص وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالنصب

يجعل (باللّه إنّه لمن الصّادقين) رافعة «١» للشهادة كما تقول : فشهادتى «٢» أن لا إله إلا اللّه ، وشهادتى إن اللّه لواحد. وكلّ يمين فهى ترفع بجوابها ، العرب تقول : حلف صادق لأقومنّ ، وشهادة عبد اللّه لتقومنّ. وذلك أن الشهادة كالقول. فأنت تراه حسنا أن تقول : قولى لأقومنّ وقولى إنك لقائم «٣».

و(الخامسة) فى الآيتين مرفوعتان «٤» بما بعدهما من أنّ وأنّ. ولو نصبتهما على وقوع الفعل كان صوابا : كأنك قلت : وليشهد الخامسة بأنّ لعنة اللّه عليه. وكذلك فعلها «٥» يكون نصب الخامسة بإضمار «٦» تشهد الخامسة «٧» بأن غضبت اللّه عليها.

(١) أي خبر عنها. ومذهب الكوفيين أن المبتدأ والخبر يترافعان.

(٢) أ: «شهادتى».

(٣) أ: «قائم».

(٤) أنفق فى القراءة على رفع الأولى. أما الأخيرة فقد نصبها حفص.

(٥) أ، ش ، ب : «فعله» والمناسب ما أثبت. [.....]

(٦) ش ، ب : «فى تشهد».

(٧) ش : «فى الخامسة».

١٠

وقوله : وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ [١٠] متروك الجواب لأنه معلوم المعنى. وكذلك كلّ ما كان معلوم الجواب فإن العرب تكتفى بترك جوابه ألا ترى أن الرجل يشتم صاحبه فيقول المشتوم : أما واللّه لو لا أبوك ، فيعلم أنه يريد لشتمتك ، فمثل هذا يترك جوابه. وقد قال بعد ذلك فبيّن جوابه فقال (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (وما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) فذلك يبيّن لك المتروك.

١١

وقوله : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ [١١] اجتمع القراء على كسر الكاف. وقرأ حميد «٨» الأعرج ، كبره بالضم. وهو وجه جيّد فى النحو لأن العرب تقول : فلان تولّى عظم كذا وكذا يريدون أكثره.

(٨) وهى أيضا قراءة يعقوب وسفيان الثوري.

١٥

وقوله : إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [١٥] كان الرجل يلقى الآخر فيقول : أما بلغك كذا كذا

فيذكر قصة عائشة لتشيع الفاحشة. وفى قراءة عبد اللّه (إذ تتلقّونه) وقرأت عائشة (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) وهو الولق أي تردّدونه. والولق فى السّير والولق فى الكذب بمنزلته إذا استمرّ فى السّير والكذب فقد ولق. وقال الشاعر «١» :

إن الجليد زلق وزمّلق جاءت به عنس من الشام تلق

مجوّع البطن كلابىّ الخلق ويقال فى الولق من الكذب : هو الألق والإلق! وفعلت منه : ألقت وأنتم تألقونه. وأنشدنى بعضهم :

من لى بالمزرّر اليلامق صاحب إدهان وألق آلق «٢»

(١) هو الشماخ. يقوله فى هجو جليد الكلابي على ما فى اللسان فى (ولق). ونسب فيه فى (زلق) إلى القلاخ ابن حزن المنقري. والزملق : الذي ينزل قبل أن يجامع. والزملق : الخفيف الطائش. والعنس : الناقة الصلبة. وفى ش ، ب : «عيس» وهى الإبل البيض.

(٢) اليلامق جمع اليلمق. وهو القباء المحشو. والإدهان : الغش والخداع.

٢٢

و قوله : وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ [٢٢] والائتلاء : الحلف. وقرأ بعض «٣» أهل المدينة (ولا يتالّ أولو الفضل) وهى مخالفة للكتاب ، من تألّيت. وذلك أن أبا بكر حلف ألّا ينفق على مسطح بن أثاثة وقرابته الذين ذكروا عائشة. وكانوا ذوى جهد «٤» فأنزل اللّه (أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) فقال أبو بكر : بلى يا ربّ. فأعادهم إلى نفقته.

(٣) هو أبو جعفر وافقه الحسن. وهى قراءة ابن عياش بن ربيعة وزيد بن أسلم.

(٤) الجهد : كثرة العيال والفقر.

٢٤

وقوله : يَوْمَ تَشْهَدُ [٢٤] القراء على التاء (يَوْمَ تَشْهَدُ) وقرأ يحيى «٥» بن وثّاب وأصحاب عبد اللّه (يشهد) التاء لتأنيث الألسنة والياء لتذكير اللسان ، ولأن الفعل «٦» إذا تقدم كان كأنه لواحد الجمع.

(٥) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٦) أي الذي هو واحد الألسنة فروعى فى فعل الألسنة مفردها. وقوله : «و لأن الفعل» فكان الأصل سقوط الواو ليكون تعليلا لما قبله.

٢٦

وقوله : الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ [٢٦] الخبيثات من الكلام للخبيثين من الرجال. أي ذلك من فعلهم وممّا «٧» يليق بهم. وكذلك قوله (وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) الطّيّبات من الكلام للطّيّبين من الرجال.

 (٧) أ: «ما».

ثم قال (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ) يعنى عائشة وصفوان بن المعطّل الذي قذف معها. فقال (مبرّءون) للاثنين كما قال (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فلكلّ واحد) يريد أخوين فما زاد ، لذلك حجب بالإثنين.

ومثله (وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) يريد داود وسليمان. وقرأ ابن عباس (وكنّا لحكمهما شاهدين) فدلّ على أنهما اثنان.

٢٧

وقوله : حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [٢٧] يقول : تستأذنوا. حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال حدثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) : تستأذنوا قال :

هذا مقدّم ومؤخر إنما هو حتى تسلموا وتستأذنوا. وأمروا أن يقولوا : السّلام عليكم أأدخل؟

و الاستئناس فى كلام العرب : اذهب فاستأنس هل ترى أحدا. فيكون هذا المعنى : انظروا «١» من فى الدار.

(١) ا : «انظر».

٢٩

وقوله : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [٢٩] وهى البيوت التي تتّخذ للمسافرين : الخانات وأشباهها.

وقوله (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) أي منافع لكم. يقول تنتفعون بها وتستظلّون بها من الحرّ والبرد (قال الفراء الفندق مثل الخان «٢» قال : وسمعت أعرابيا من قضاعة يقول فنتق).

(٢) سقط ما بين القوسين في ا.

٣١

وقوله : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [٣١] الزينة : الوشاح والدّملج «٣» (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) مثل الكحل والخاتم والخضاب (وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) يقول لتخمّر نحرها وصدرها بخمار. وذلك أن نساء الجاهلية كنّ يسدلن خمرهن من ورائهن فينكشف ما قدامها ، فأمرن بالاستتار. ثم قال مكرّرا (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) يعنى الوشاح والدّملوج «٤» لغة (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ) من النسب إلى قوله (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ).

(٣) الدملج : المعضد وهى حلية تلبس فى العضد.

(٤) يريد أنه لغة فى الدملج. [.....]

و قوله (أَوْ نِسائِهِنَّ) يقول : نساء أهل دينهنّ. يقول : لا بأس أن تنظر المسلمة إلى جسد المسلمة. ولا تنظر إليها يهوديّة ولا نصرانيّة.

ورخّص أن يرى ذلك من لم يكن له فى النساء أرب ، مثل الشيخ الكبير والصبىّ الصغير الذي لم يدرك ، والعنّين. وذلك قوله (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) : التبّاع والاجراء (قال الفراء يقال إرب وأرب).

وقوله (لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) لم يبلغوا أن يطيقوا النساء. وهو كما تقول : ظهرت على القرآن أي أخذته وأطقته. وكما تقول للرجل : صارع فلان فلانا وظهر عليه أي أطاقه وغالبه.

وقوله (وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) يقول : لا تضربنّ رجلها بالأخرى فيسمع صوت الخلخال. فذلك قوله (لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ) وفى قراءة عبد اللّه (لِيُعْلَمَ ما سرّ «١» ١٢٧ ب مِنْ زِينَتِهِنَّ).

وأمّا قوله (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) فإنه يخفض «٢» لأنه نعت للتابعين ، وليسوا بموقّتين «٣» فلذلك صلحت (غير) نعتا لهم وإن كانوا معرفة. والنصب جائز قد قرأ به عاصم «٤» وغير عاصم. ومثله (لا يَسْتَوِي «٥» الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) والنصب فيهما جميعا على القطع «٦» لأن (غير) نكرة. وإن شئت جعلته على الاستثناء فتوضع «٧» (إلا) فى موضع (غير) فيصلح.

والوجه الأول أجود.

(١) كذا. وكأنه محرف عن (أسر).

(٢) الخفض لغير ابن عامر وأبى بكر عن عاصم وأبى جعفر ، أما هؤلاء فقراءتهم النصب.

(٣) أي بمعينين.

(٤) أي فى رواية أبى بكر. أما فى رواية حفص فالخفض ، كما علم آنفا.

(٥) الآية ٩٥ سورة النساء. قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب. وقرأ الباقون بالنصب.

(٦) يريد الحال.

(٧) أ، ب : «فتضع».

٣٢

و قوله : وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [٣٢] يعنى «١» الحرائر. والأيامى القرابات نحو البنت والأخت وأشباههما «٢». ثم قال (وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) يقول : من عبيدكم وإمائكم ولو كانت (وإماءكم) تردّه على الصّالحين لجاز.

وقوله (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ) للأحرار خاصة من الرجال والنساء.

(١) سقط فى ا.

(٢) ا : «شبهها».

٣٣

وقوله : وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ [٣٣] يعنى المكاتبة. و(الذين) فى موضع رفع كما قال (وَ الَّذانِ «٣» يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) والنصب جائز. وقوله (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) يقول «٤» إذا رجوتم عندهم وفاء وتأدية للمكاتبة (وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ) حثّ الناس على إعطاء المكاتبين. حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنا حبّان عن الكلبي عن أبى صالح عن علىّ بن أبى طالب قال : يعطيه ثلث مكاتبته. يعنى المولى يهب له «٥» ثلث مكاتبته.

وقوله (وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) البغاء : الزنى. كان أهل الجاهلية يكرهون الإماء ويلتمسون منهنّ الغلّة فيفجرن ، فنهى أهل الإسلام عن ذلك (وَ مَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ) لهنّ (غَفُورٌ رَحِيمٌ).

(٣) الآية ١٦ سورة النساء.

(٤) ا : «إن».

(٥) ا : «للمكاتب».

٣٤

وقوله : وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ [٣٤] قرأ يحيى بن وثّاب (مبيّنات) بالكسر.

والناس بعد (مُبَيِّناتٍ «٦») بفتح الياء ، هذه والتي فى سورة النساء «٧» الصغرى. فمن قال (مُبَيِّناتٍ) جعل الفعل واقعا عليهنّ ، وقد بيّنهن اللّه وأوضحهنّ (ومبيّنات) : هاديات واضحات.

(٦) قرأ بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر وأبو جعفر ويعقوب ، وقرأ بالكسر الباقون.

(٧) يريد سورة الطلاق. وهو يريد ما فى الآية ١١ منها «رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ» قرأ بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة وأبو جعفر ويعقوب. وقرأ بالكسر غيرهم. [.....]

٣٥

و قوله : كَمِشْكاةٍ [٣٥] المشكاة الكوّة التي ليست بنافذة. وهذا مثل ضربه اللّه لقلب المؤمن والإيمان فيه. وقوله (الزُّجاجَةُ) اجتمع القراء على ضمّ الزجاجة. وقد يقال زجاجة وزجاجة.

وقوله (كوكب درّى ء) يخفض «١» أوله يهمز ، حدثنا الفراء قال حدثنى بذلك المفضّل الضبىّ قال قرأها عاصم كذلك (درّى ء) بالكسر. وقال أبو بكر بن عيّاش : قرأها عاصم «٢» (درّى ء) بضم الدال والهمز. وذكر عن الأعمش أنه قرأ (درّى ء) و(درّىّ) بهمز وغير همز رويا عنه جميعا ولا تعرف جهة ضمّ أوله وهمزه لا يكون فى الكلام فعيل إلّا عجميا. فالقراءة إذا ضممت أوّله بترك الهمز. وإذا همزته كسرت أوّله. وهو من قولك : درأ الكوكب إذا انحط كأنه رجم «٣» به الشيطان فدمغه «٤». ويقال فى التفسير : إنه واحد من الخمسة : المشترى وزحل وعطارد والزهرة والمرّيخ.

والعرب «٥» قد تسمّي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها الدراريّ بغير همز.

ومن العرب من يقول : كوكب درّىّ فينسبه إلى الدّرّ فيكسر اوّله ولا يهمز كما قالوا : سخرىّ وسخرىّ ، ولجّىّ ولجّىّ.

وقوله (توقد مِنْ شَجَرَةٍ) (تذهب «٦» إلى الزجاجة. إذا قال (توقد) «٧». ومن قال (يُوقَدُ) «٨» ذهب إلى المصباح ويقرأ (توقّد) «٩» مرفوعة مشدّدة. ويقرأ (توقّد) بالنصب والتشديد. من قال (توقّد) ذهب إلى الزجاجة. ومن قال (توقّد) نصبا ذهب إلى المصباح) وكلّ صواب.

(١) هى قراءة أبى عمرو والكسائي.

(٢) أي فى رواية أبى بكر لا فى رواية حفص. وهذه أيضا قراءة حمزة.

(٣) ش ، ب : «زجر».

(٤) سقط فى ا.

(٥) ا : «يعد».

(٦) من هنا إلى قوله : «نصب ذهب إلى المصباح» هو ما فى ا. وفى ش ، ب بدله : «مرفوعة. وتقرأ توقد) بالنصب والتشديد. من قال (توقد) ذهب إلى الزجاجة. ومن قال (توقد) فنصب ذهب إلى المصباح».

(٧) وهى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائي وخلف ، وافقهم الأعمش.

(٨) هى قراءة نافع وابن عامر وحفص

(٩) هى قراءة ابن محيصن والحسن.

و قوله (شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) وهى شجرة الزيت تنبت على تلعة «١» من الأرض ، فلا يسترها عن الشمس شىء. وهو أجود لزيتها فيما ذكر. والشرقيّة : التي تأخذها الشمس إذا شرقت ، ولا تصيبها إذا غربت لأن لها سترا. والغربية التي تصيبها الشمس بالعشيّ ولا تصيبها بالغداة ، فلذلك قال لا شرقيّة وحدها ولا غربيّة وحدها ولكنها شرقية غربية ١٢٨ ا. وهو كما تقول فى الكلام : فلان لا مسافر ولا مقيم إذا كان يسافر ويقيم ، معناه : أنه ليس بمنفرد بإقامة ولا بسفر.

وقوله (وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) انقطع الكلام هاهنا ثم استأنف فقال (نُورٌ عَلى نُورٍ) ولو كان :

نورا على نور كان صوابا تخرجه من الأسماء المضمرة من الزجاجة والمصباح.

(١) التلعة هنا : ما ارتفع من الأرض.

٣٦

وقوله : يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [٣٦] قرأ الناس «٢» بكسر الباء. وقرأ عاصم (يُسَبِّحُ) بفتح الباء. فمن قال (يُسَبِّحُ) رفع الرجال بنيّة فعل مجدّد. كأنه قال يسبّح له رجال لا تلهيهم تجارة.

ومن قال (يُسَبِّحُ) بالكسر جعله فعلا للرجال ولم يضمر سواه.

(٢) هم غير ابن عامر وأبى بكر. أما هما فقراءتهما بالفتح. وقراءة أبى بكر هى المرادة بقوله : «و قرأه عاصم».

وأمّا قوله : فى بيوت أذن اللّه أن ترفع [٣٦].

فإن دخول (فى) لذكر «٤» المصباح الذي وصفه فقال : كمثل مصباح فى مسجد. ولو جعلت (فى)

(٤) ش ، ب : «لذكره».

لقوله (يُسَبِّحُ) كان جائزا «١» ، كأنه : قال فى بيوت أذن اللّه أن ترفع يسبج له فيها رجال.

وأمّا قوله (أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي تبنى.

وأمّا قوله (وَ إِقامِ «٢» الصَّلاةِ) فإن المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت : أفعلت كقيلك : أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله : إقامة وإجارة وإجابة لا يسقط منه الهاء. وإنما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه العين ، كان ينبغى أن يقال : أقمته إقواما وإجوابا فلمّا سكّنت «٣» الواو وبعدها ألف الإفعال فسكّنتا سقطت «٤» الأولى منهما. فجعلوا فيه الهاء كأنها تكثير للحرف. ومثله ممّا أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء قولهم : وعدته عدة ووجدت فى المال جدة ، وزنة ودية وما أشبه ذلك ، لما أسقطت الواو من أوّله كثّر من آخره بالهاء. وإنما استجيز سقوط الهاء من قوله (وَ إِقامِ الصَّلاةِ) لإضافتهم إيّاه ، وقالوا : الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد. فلذلك أسقطوها فى الإضافة.

وقال الشاعر :

إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا

يريد عدة الأمر فاستجاز إسقاط الهاء حين أضافها.

(١) ا : «صوابا». [.....]

(٢) فى الآية ٣٧ سورة النور.

(٣) أي يعد نقل حركتها إلى ما قبلها

(٤) ش ، ب : «فسقطت».

٣٧

وقوله : لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ [٢٧] فالتجارة لأهل الجلب ، والبيع ما باعه الرجل على يديه.

كذا جاء فى التفسير «٣».

وقوله (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) يقول : من كان فى دنياه شاكأ أبصر ذلك فى أمر آخرته ، ومن كان لا يشكّ ازداد قلبه بصرا لأنه لم يره فى دنياه : فذلك تقلّبها.

(٣) سقط فى ا.

٣٩

وقوله : وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ [٣٩] القيعة جماع القاع واحدها قاع كما قالوا : جار وجيرة. والقاع من الأرض : المنبسط الذي لا نبت فيه ، وفيه يكون السّراب. والسّراب ما لصق بالأرض ، والآل الذي يكون ضحى كالماء بين السّماء والأرض.

و قوله (حَتَّى إِذا جاءَهُ) يعنى السّراب (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) وهو مثل للكافر كان يحسب أنه على شىء فلمّا قدم على ربّه لم يجد له عملا ، بمنزلة السراب (وَ وَجَدَ اللَّهَ) عند عمله يقول : قدم على اللّه فوفّاه حسابه.

٤٠

قوله : أَوْ كَظُلُمات ٍ [٤٠]

والظلمات مثل لقب الكافر ، أي أنه لا يعقل ولا يبصر ، فوصف قلبه بالظلمات. ثم قال : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) فقال بعض المفسّرين : لا يراها ، وهو المعنى لأن أقل من الظلمات التي وصفها اللّه لا يرى فيها الناظر كفّه. وقال بعضهم إنما هو «١» مثل ضربه اللّه فهو يراها ولكنه لا يرها إلّا بطيئا كما تقول : ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت. وهو وجه العربية. ومن العرب ١٢٨ ب من يدخل كاد ويكاد فى اليقين فيجعلها بمنزلة الظن إذا دخل ، فيما هو يقين كقوله (وَ ظَنُّوا «٢» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) فى كثير من الكلام.

(١) ا : «هذا».

(٢) الآية ٤٨ سورة فصلت.

٤١

وقوله : وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ [٤١] وتسبيحه ترفع كلّا بما عاد إليه من ذكره وهى الهاء فى (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) وإن شئت جعلت العلم لكل ، أي كل قد عاد صلاته وتسبيحه فإن شئت جعلت الهاء صلاة نفسه وتسبيحا. إن شئت : تسبيح اللّه وصلاته التي نصلّيها له وتسبيجها ، وفى القول الأوّل : كلّ قد علم اللّه صلاته وتسبيحه. ولو أتت كلّا قد علم بالنصب على قولك : علم اللّه صلاة كلّ وتسبيحه فتنصب لوقوع الفعل على راجع ذكرهم. أنشدنى بعض العرب :

كلّا قرعنا فى الحروب صفاته ففررتم وأطلتم الخذلانا «٣»

و لا يجوز أن تقول : زيدا ضربته. وإنما جاز فى كلّ لأنها لا تأتى إلّا وقبلها كلام ، كأنها متّصلة به كما تقول : مررت بالقوم كلّهم ورأيت القوم كلّا يقول ذلك ، فلمّا كانت نعتا مستقصى به كانت مسبوقة بأسمائها وليس ذلك لزيد ولا لعبد «٤» اللّه ونحوهما لأنها أسماء مبتدآت.

وقد قال بعض النحويين : زيدا ضربته ، فنصبه بالفعل كما تنصبه إذا كان قبله كلام. ولا يجوز ذلك إلا أن تنوى التكرير ، كأنه نوى أن يوقع ب : يقع الضرب على زيد قبل أن يقع على الهاء ، فلمّا تأخّر الفعل أدخل الهاء على التكرير. ومثله ممّا يوضحه.

 (٣) الصفاة : الصخرة الملساء. ويقال : قرع صفاته إذا آذاه ونال منه.

(٤) ا : «عبد اللّه».

قولك : بزيد مررت به. ويدخل على من قال زيدا ضربته على كلمة «١» أن يقول : زيدا مررت به وليس ذلك بشىء لأنه ليس قبله شىء يكون طرفا للفعل.

(١) أي على أن يكون جملة واحدة لا على نية التكرير.

٤٣

وقوله : يُزْجِي سَحاباً [٤٣] يسوقه حيث يريد. والعرب تقول : نحن نزجى المطىّ أي نسوقه.

وقوله (يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) يقول القائل : بين لا تصلح «٢» إلّا مضافة إلى اثنين فما زاد ، فكيف قال (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) وإنما هو واحد؟ قلنا : هو واحد فى اللفظ ومعناه جمع ألا ترى قوله (يُنْشِئُ «٣» السَّحابَ الثِّقالَ) ألا ترى أن واحدته سحابة ، فإذا ألقيت الهاء كان بمنزلة نخلة ونخل وشجرة وشجر ، وأنت قائل : فلان بين الشجر وبين النخل ، فصلحت (بين) مع النخل وحده لأنه جمع فى المعنى. والذي لا يصلح من ذلك قولك : المال بين زيد ، فهذا خطأ حتى تقول : بين زيد وعمرو وإن نويت بزيد أنه اسم لقبيلة جاز ذلك كما تقول : المال بين تميم تريد : المال «٤» بين بنى تميم وقد قال الأشهب بن رميلة :

قفا نسأل منازل آل ليلى بتوضح بين حومل أو عرادا «٥»

أراد بحومل منزلا جامعا فصلحت (بين) فيه لأنه أراد بين أهل حومل أو بين أهل عراد.

وقوله (فَتَرَى الْوَدْقَ) الودق : المطر.

وقوله (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) يعذّب به من يشاء.

قوله (مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) والمعنى - واللّه أعلم - أن الجبال فى السّماء من برد خلقة مخلوقة ، كما تقول فى الكلام ، الآدمىّ من لحم ودم ف (من) هاهنا تسقط فتقول : الآدمىّ لحم ودم ،

 (٢) ا : «يصلح .. مضافا».

(٣) الآية ١٢ سورة الرعد.

(٤) سقط في ا.

(٥) توضح وحومل وعراد مواضع.

و الجبال برد. وكذا سمعت تفسيره. وقد يكون فى العربيّة أمثال الجبال ومقاديرها من البرد ، كما نقول : عندى بيتان تبنا ، والبيتان ليسا من التبن ، إنما تريد : عندى «١» قدر بيتين من التبن. فمن فى هذا الموضع إذا أسقطت نصبت ما بعدها ، كما قال (أَوْ عَدْلُ «٢» ذلِكَ صِياماً) وكما قال (مِلْ ءُ «٣» الْأَرْضِ ذَهَباً).

(١) ش : «قدر بيتبن».

(٢) الآية ٩٥ سورة المائدة. [.....]

(٣) الآية ٩١ سورة آل عمران.

٤٥

وقوله (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) وقد قرأها أبو جعفر (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) ١٢٩ ا وقوله : واللّه خالق كلّ دابّة [٤٥] و(خلق «٤») وأصحاب عبد اللّه قرأوا (خالق) ذكر عن أبى إسحاق السّبيعىّ - قال الفراء : وهو الهمداني - أنه قال : صليت إلى جنب عبد اللّه بن معقل فسمعته يقول (واللّه خالق كلّ دابّة) والعوامّ بعد (خَلَقَ كُلَّ).

وقوله (كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) يقال : كيف قال (مَنْ يَمْشِي) وإنما تكون (من) للناس وقد جعلها هاهنا للبهائم؟

قلت : لمّا قال (خالق كل دابّة) فدخل فيهم الناس كنى عنهم فقال (منهم) لمخالطتهم الناس ، ثم فسّرهم بمن لمّا كنى عنهم كناية الناس خاصّة ، وأنت قائل فى الكلام : من هذان المقبلان لرجل ودابّته ، أو رجل وبعيره. فتقوله بمن وبما لاختلاطهما ، ألا ترى أنك تقول : الرجل وأباعره مقبلون فكأنهم «٥» ناس إذا قلت : مقبلون.

(٤) قراءة (خالق) لحمزة والكسائي وخلف. وقراءة (خلق) للباقين.

(٥) ا : «كأنهم».

٤٩

وقوله : مُذْعِنِينَ [٤٩] : مطيعين غير مستكرهين. يقال : قد أذعن بحقّى وأمعن به واحد ، أي أقرّ به طائعا.

٥٠

وقوله عزّ وجلّ : أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله [٥٠] فجعل الحيف منسوبا إلى اللّه

و إلى رسوله ، وإنما المعنى للرّسول ، ألا ترى أنه قال (وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) ولم يقل (ليحكما) وإنما بدئ باللّه إعظاما له ، كما تقول : ما شاء اللّه وشئت وأنت تريد ما شئت ، وكما تقول لعبدك : قد أعتقك اللّه وأعتقتك.

٥١

وقوله : إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ [٥١] ليس هذا بخبر ماض يخبر عنه ، كما تقول : إنما كنت صبيّا ، ولكنه : إنما كان ينبغى أن يكون قول المؤمنين إذ دعوا أن يقولوا سمعنا. وهو أدب من اللّه. كذا جاء التفسير.

٥٤

وقوله : فَإِنْ تَوَلَّوْا [٥٤] واجه القوم ومعناه : فإن تتولّوا. فهى فى موضع جزم. ولو كانت لقوم غير مخاطبين كانت نصبا لأنها بمنزلة قولك : فإن قاموا. والجزاء يصلح فيه لفظ فعل ويفعل ، كما قال (فَإِنْ فاؤُ «١» فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وقوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا «٢» فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ) هؤلاء غير مخاطبين. وأنت تعرف مجزومة من منصوبه بالقراءة بعده ألا ترى قوله (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) ولم يقل : وعليهم. وقال (وَ إِنْ «٣» تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) فهذا يدلّ على فعلوا.

(١) الآية ٢٢٦ سورة البقرة

(٢) الآية ١٢٩ سورة التوبة.

(٣) الآية ١٣٧ سورة البقرة.

٥٥

وقوله : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ [٥٥] العدة قول يصلح فيها أن وجواب اليمين. فتقول : وعدتك أن آتيك ، ووعدتك لآتينّك. ومثله (ثُمَّ «٤» بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) وإنّ أن تصلح فى مثله من الكلام. وقد فسّر فى غير هذا الموضع.

وقوله (وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ) قرأها عاصم بن أبى النّجود والأعمش (وليبدّلنّهم) بالتشديد. وقرأ

 (٤) الآية ٣٥ سورة يوسف.

الناس «١» (وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ) خفيفة وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بدّلت فمعناه غيّرت وغيّرت حالك ولم يأت مكانك آخر. فكل ما غيّر عن حاله فهو مبدّل بالتشديد. وقد يجوز مبدل بالتخفيف وليس بالوجه : وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت : قد «٢» أبدلته كقولك (أبدل لى «٣») هذا الدرهم أي أعطنى مكانه. وبدّل جائزة «٤» فمن قال (وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) فكأنه جعل سبيل الخوف أمنا. ومن قال (وليبدلنّهم) بالتخفيف قال : الأمن خلاف الخوف فكأنه جعل «٥» مكان الخوف أمنا أي ذهب بالخوف وجاء بالأمن. وهذا من سعة العربية وقال أبو النجم :

عزل الأمير للأمير المبدل

فهذا يوضح الوجهين جميعا.

(١) قرأ بالتخفيف ابن كثير وأبو بكر ويعقوب.

(٢) سقط في ا.

(٣) ش ، ب : «أبدلنى».

(٤) ا : «جائز».

(٥) ا : «قال جعل».

٥٧

وقوله : لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [٥٧] قرأها حمزة «٦» (لا يحسبنّ) بالياء هاهنا «٧». وموضع (الذين) رفع. وهو قليل أن تعطّل (أظنّ) من الوقوع على أن أو على اثنين سوى مرفوعها.

وكأنه جعل (مُعْجِزِينَ) اسما وجعل (فِي الْأَرْضِ) خبرا لهم كما تقول : لا تحسبنّ ١٢٩ ب الذين كفروا رجالا فى بيتك ، وهم يريدون أنفسهم. وهو ضعيف فى العربية. والوجه أن تقرأ بالتاء لكون الفعل واقعا على (الذين) وعلى (معجزين) وكذلك قرأ حمزة فى الأنفال (ولا يحسبن «٨» الذين كفروا سبقوا).

 (٦) وكذا ابن عامر.

(٧) بعده فى ش : «و فى الأنفال» وقد أثبتنا ما فى ا من التصريح بالآية بعد. [.....]

(٨) الآية ٥٩. وقد قرأ (يحسبن) بالياء ابن عامر وحمزة وحفص.

٥٨

و قوله : لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [٥٨] يعنى الرجال والنساء. ثم قال (وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) الصبيان (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ثم فسرهنّ فقال (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) عند النوم. ثم قال (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) فنصبها عاصم «١» والأعمش ، ورفع غيرهما. والرفع فى العربيّة أحبّ إلىّ. وكذلك أقرأ. والكسائي يقرأ بالنصب لأنه قد فسرها فى المرات وفيما بعدها فكرهت أن تكرّ ثالثة «٢» واخترت الرفع لأنّ المعنى - واللّه أعلم - هذه الخصال وقت العورات ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ. فمعها ضمير يرفع الثلاث. كأنك قلت : هذه ثلاث خصال كما قال (سُورَةٌ «٣» أَنْزَلْناها) أي هذه سورة ، وكما قال (لَمْ يَلْبَثُوا «٤» إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ).

وأمّا قوله (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) فإنه أيضا مستأنف كقولك فى الكلام : إنما هم خدمكم ، وطوّافون عليكم. ولو كان نصبا لكان صوابا تخرجه «٥» من (عليهم) لأنها معرفةو (طَوَّافُونَ) نكرة ونصبه «٦» كما قال (مَلْعُونِينَ «٧» أَيْنَما ثُقِفُوا) فنصب لأن فى الآية قبلها ذكرهم «٨» معرفة ، و(مَلْعُونِينَ) نكرة.

(١) أي فى رواية أبى بكر لا في رواية حفص. وكذلك قرأ بالنصب حمزة والكسائي :

(٢) ش : «ثلاثة».

(٣) أول سورة النور.

(٤) الآية ٣٥ سورة الأحقاف.

(٥) أي يكون حالا.

(٦) سقط في ا.

(٧) الآية ٦١ سورة الأحزاب.

(٨) أي ذكر أصحاب الحال فى قوله : «لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك».

٥٩

وقوله : وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [٥٩] يقول :

لا يدخلنّ عليكم فى هذه الساعات إلا بإذن ولا فى غير هذه السّاعات إلّا بإذن. وقوله (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يريد الأحرار.

٦٠

و قوله : وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً [٦٠] لا يطمعن فى أن يتزوّجن من الكبر (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ) و(من ثيابهنّ) وهو الرداء. فرخّص للكبيرة أن تضعه ، لا تريد لذلك التزيّن. ثم قال (وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) فلا يضعن الأردية (خَيْرٌ لَهُنَّ) وفى قراءة عبد اللّه (أن يضعن من ثيابهم).

٦١

وقوله : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ [٦١] إلى آخر الآية ، كانت الأنصار يتنزّهون عن مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض ، ويقولون : نبصر طيّب الطعام ولا يبصره فنسبقه إليه ، والأعرج لا يستمكن من القعود فينال ما ينال الصحيح ، والمريض يضعف عن الأكل. فكانوا يعزلونهم.

فنزل : ليس عليكم فى مؤاكلتهم حرج. و(فى) تصلح مكان (على) هاهنا كما تقول : ليس على صلة الرحم وإن كانت قاطعة إثم ، وليس فيها إثم ، لا تبالي «١» أيّهما قلت.

ثم قال (وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إلى آخر الآية. لمّا أنزل اللّه (لا تَأْكُلُوا «٢» أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) ترك الناس مؤاكلة الصّغير والكبير ممّن أذن اللّه فى الأكل معه ومنه ، فقال : وليس عليكم (فى أنفسكم «٣») فى عيالكم أن تأكلوا منهم ومعهم إلى قوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ) معناه : أو بيوت صديقكم ، وقبلها (أَوْ بيوت ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) يعنى بيوت عبيدكم وأموالهم «٤» فذلك قوله (مَفاتِحَهُ) خزائنه وواحد المفاتح مفتح إذا أردت به المصدر وإذا كان من المفاتيح التي يفتح بها - وهو الإقليد - فهو مفتح ومفتاح.

وقوله (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) إذا دخل على أهله فليسلّم. فإن لم يكن فى بيته أحد فليقل السّلام

(١) ا : «و لا تبال».

(٢) الآية ٢٩ سورة النساء.

(٣) سقط في ا.

(٤) ش : «أموالكم».

علينا من ربّنا ، وإذا دخل المسجد قال : السلام على رسول اللّه ، السّلام علينا وعلى خيار «١» عباد اللّه الصالحين ، ثم قال : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي من أمر اللّه أمركم بها تفعلون تحيّة منه وطاعة له. ولو كانت رفعا ١٣٠ ا على قولك : هى تحيّة من عند اللّه (كان صوابا)

(١) سقط في ا. [.....]

٦٢

 وقوله : وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ [٦٢] كان المنافقون يشهدون الجمعة مع النبىّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيذكّرهم ويعيبهم بالآيات التي تنزل فيهم ، فيضجرون من ذلك. فإن خفى لأحدهم القيام قام فذلك

٦٣

قوله : قد يعلم اللّه الذين يتسلّلون منكم لواذا [٦٣] أي يستتر (هذا «٢» بهذا) وإنّما قالوا : لو إذا لأنها مصدر لاوذت ، ولو كانت مصدرا للذت لكانت لياذا أي لذت لياذا ، كما تقول :

قمت إليه قياما ، وقاومتك قواما طويلا. وقوله : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) يقول : لا تدعوه يا محمد كما يدعو بعضكم بعضا. ولكن وقّروه فقولوا : يا نبىّ اللّه يا رسول اللّه يا أبا القاسم.

(٢) ا : «ذا بذا».