سُورَةُ ”الْمُؤْمِنُونَ“ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَ عَشَرَةَ آيَةً

٥

قوله : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ [٥] إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ [٦] المعنى : إلّا من أزواجهم اللاتي أحلّ اللّه لهم من الأربع لا تجاوز «٢».

وقوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (ما) فى موضع خفض. يقول : ليس عليهم فى الإماء وقت «٣» ، ينكحون ما شاءوا. فذلك قوله : حفظوا فروجهم إلّا من هذين (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فيه. يقول : غير مذنبين.

(٢) ش : «تجاوزوا».

(٣) أي حد. يقال : وقت الشيء إذا بين حده ومقداره.

١١

وقوله : الْفِرْدَوْسَ [١١] قال الكلبىّ : هو البستان بلغة الروم. قال الفراء : وهو عربى أيضا.

العرب «٤» تسمى البستان الفردوس.

(٤) ش : «و العرب».

١٢

وقوله : [من سلالة] [١٢] والسّلالة التي تسلّ من كلّ تربة.

١٤

و قوله : فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً [١٤] و(العظم «١») وهى فى قراءة عبد اللّه (ثم جعلنا «٢» النطفة عظما وعصبا فكسوناه لحما) فهذه حجّة لمن قال : عظما وقد قرأها بعضهم (عظما).

وقوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) يذهب إلى الإنسان وإن شئت : إلى العظم والنطفة»

و العصب ، تجعله كالشىء الواحد.

(١) هذه قراءة لابن عامر وأبى بكر.

(٢) فى الطبري : «خلقنا».

١٥

وقوله : بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ [١٥] تقرأ (لَمَيِّتُونَ) و(لمائتون «٤») وميّتون أكثر ، والعرب تقول لمن لم يمت : إنك ميّت «٥» عن قليل ومائت. ولا يقولون للميت الذي قد مات ، هذا مائت إنما يقال فى الاستقبال ، ولا يجاوز به الاستقبال. وكذلك يقال : هذا سيّد قومه اليوم ، فإذا أخبرت أنه يكون سيّدهم عن قليل قلت : هذا سائد قومه عن قليل وسيّد. وكذلك الطمع ، تقول : هو طامع فيما قبلك غدا. فإذا ١٢٣ ب وصفته بالطمع قلت : هو طمع. وكذلك الشريف تقول : إنه لشريف قومه «٦» ، وهو شارف عن قليل. وهذا الباب كلّه فى العربية على ما وصفت لك «٧».

(٣) أخذت فى ا عن (العصب).

(٤) هى قراءة زيد بن على وابن أبى عبلة وابن محيصن كما فى البحر ٦/ ٣٩٩

(٥) أخرى في ا عن (مائت).

(٦) ا : «القوم».

(٧) سقط فى ث ، ب. [.....]

١٧

وقوله : وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ [١٧] يعنى السموات كلّ سماء طريقة (وَ ما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) عمّا خلقنا (غافِلِينَ) يقول : كنا له حافظين.

٢٠

وقوله : وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ [٢٠] وهى شجرة الزيتون (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) وقرأ الحسن (تنبت بالدهن) وهما لغتان يقال نبتت وأنبتت كقول زهير :  

رأيت ذوى الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتّي إذا أنبت البقل «١»

(ونبت) «٢» وهو كقولك : مطرت السماء وأمطرت. وقد قرأ أهل «٣» الحجاز. (فَأَسْرِ «٤» بِأَهْلِكَ) موصولة من سريت. وقراءتنا (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) (من أسريت) وقال اللّه (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) (وهو «٥» أجود) وفى قراءة عبد اللّه (تخرج الدهن).

وقوله : (وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) يقول : (الآكلون يصطبغون «٦» بالزيت. ولو كان (وصبغا) على (وصبغا أنبتناه) فيكون. بمنزلة قوله (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً «٧»). وذلك أن الصّبغ هو الزيت بعينه. ولو كان خلافه لكان خفضا لا يجوز غيره. فمن ذلك أن تقول : مررت بعبد اللّه ورجلا ما شئت من رجل ، إذا جعلت الرجل من صفة عبد اللّه نصبته. وإن كان خلافه خفضته لأنك تريد : مررت بعبد اللّه وآخر.

وقرأ أهل «٨» الحجاز (سيناء) بكسر السّين والمدّ ، وقرأ عاصم وغيره (سيناء) ممدودة مفتوحة السّين. والشجرة منصوبة بالردّ على الجنات ، ولو كانت مرفوعة إذ لم يصحبها الفعل كان صوابا ، كمن قرأ (وَ حُورٌ عِينٌ «٩») أنشدنى بعضهم :

(١) من قصيدة فى مدح هرم بن سنان وقومه. وقبله :

إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت وقال كرام المال فى السنة الأكل

و الشهباء : البيضاء من الجدب لكثرة الثلج ليس فيها نبات. والقطين : الساكن النازل فى الدار ، يكون للواحد والجمع كما فى البيت. يقول : إن ذوى الحاجات يقصدونهم فى زمن الجدب ، حتى يأتى الربيع وينبت البقل.

(٢) هذه رواية فى البيت وقد سقط هذا فى ش.

(٣) هم نافع وابن كثير وأبو جعفر.

(٤) الآية ٦٥ سورة الحجر.

(٥) سقط فى ش ، ب.

(٦) أي يتخذونه إداما. والصبغ : الإدام المائع كالخل والزيت.

(٧) الآيتان ٦ ، ٧ سورة الصافات.

(٨) هم نافع وابن كثير وأبو جعفر. وقرأ بالكسر أيضا أبو عمرو البصري.

(٩) الآية ٢٢ سورة الواقعة. يريد المؤلف أن التقدير : ولهم حور عين. وهو وجه فى الآية. والرفع قراءة حمزة والكسائي وأبى جعفر. وقرأ الباقون بالجر.

و من يأت ممشانا يصادف غنيمة سوارا وخلخالا وبرد مفوّف «١»

كأنه قال : ومع ذلك برد مفوّف. وأنشدنى آخر :

هزئت حميدة أن رأت بي رتّة وفما به قصم وجلد أسود «٢»

كأنه قال : ومع ذلك جلد «٣» أسود.

(١) ش. «ممسانا» والبرد المفوف : الرقيق.

(٢) الرتة : حبسة فى اللسان. وعن المبرد : هى كالريح تمنع الكلام فاذا جاء شىء منه اتصل كما فى المصباح. والقصم :

انكار السن. يقال : رجل أقصم الثنية إذا كان منكسرها من النصف.

(٣) ش. «جلدى».

٢٥

وقوله : جِنَّةٌ [٢٥] هو الجنون. وقد يقال للجن الجنّة ، فيتّفق الاسم والمصدر.

وقوله (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) لم يرد بالحين حين موقّت. وهو فى المعني كقولك. دعه إلى يوم «٤» ولم ترد : إلى يوم معلوم واحد من ذى «٥» قبل : ولا إلى مقدار يوم معلوم. إنما هو كقولك إلى يوم ما.

(٤) سقط فى ا.

(٥) ا فيما يستانف ويجىء من الأيام. [.....]

٣٣

وقوله : وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [٣٣] المعنى ممّا تشربون منه. وجاز حذف (منه) لأنك تقول : شربت من مائك «٦». فصارت (ما تشربون) بمنزلة شرابكم. ولو حذفت (من «٧») (تأكلون) «منه» كان صوابا.

(٦) ا : «شرابك».

(٧) ش ، ب : «منه مما تأكلون»

٣٥

وقوله : أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [٣٥] أعيدت (أنكم) مرّتين ومعناهما «٨» واحد. إلّا أن ذلك حسن لمّا فرقت بين (أنكم) وبين خبرها بإذا. وهى فى قراءة عبد اللّه (أ يعدكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) وكذلك تفعل «٩» بكل اسم أوقعت عليه (أنّ) بالظنّ وأخوات الظنّ ، ثم اعترض عليه الجزاء دون خبره. فإن

 (٨) ا : «معناها».

(٩) ا : «فافعل».

شئت كرّرت اسمه ، وإن شئت حذفته/ ١٢٤ ا أوّلا وآخرا. فتقول : أظنّ أنك إن خرجت أنك نادم. فإن حذفت (أنك) الأولى أو الثانية صلح. وإن ثبتتا صلح. وإن لم تعرض بينهما بشىء لم يجز. فحطأ أن تقول أظن أنك أنك نادم «١» إلّا أن تكرّر كالتوكيد.

(١) ا : «قادم».

٣٦

وقوله : هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ [٣٦] لو لم تكن فى (ما) اللام كان صوابا. ودخول اللام عربىّ. ومثله فى الكلام هيهات لك ، وهيهات أنت منّا ، وهيهات لأرضك.

قال الشاعر «٢» :

فأيهات أيهات العقيق ومن به وأيهات وصل بالعقيق نواصله

فمن لم يدخل اللام رفع الاسم. ومعنى هيهات بعيد كأنه قال : بعيد (لِما تُوعَدُونَ) «٣» وبعيد العقيق وأهله. ومن أدخل اللام قال هيهات أداة ليست بمأخوذة من فعل بمنزلة بعيد وقريب ، فأدخلت لها اللام كما يقال : هلمّ لك إذ لم تكن مأخوذة من فعل. فإذا قالوا : أقبل لم يقولوا : أقبل لك لأنه يحتمل ضمير الاسم.

فإذا وقفت على هيهات وقفت بالتاء «٤» فى كلتيهما لأنّ من العرب من يخفض التاء ، فدلّ ذلك على أنها ليست بهاء التأنيث «٥» فصارت بمنزلة دراك «٦» ونظار. ومنهم من يقف على الهاء لأنّ من شأنه نصبها فيجعلها كالهاء. والنصب الذي فيهما «٧» أنهما أداتان جمعتا فصارتا بمنزلة خمسة عشر. وإن

(٢) أي جرير. وأيهات لغة فى هيهات. وقوله : «وصل» فى ا : «حبا» وكأنه مصحف عن «حب» أي : أي محبوب. وانظر ديوانه طبعة بيروت ٣٨٥

(٣) آخر فى ا عن «أهله»

(٤) ا : «على التاء»

(٥) ا : «تأنيث»

(٦) دراك اسم فعل أمر بمعنى أدرك ، ونظار كذلك اسم فعل أمر بمعنى انتظر

(٧) أي فى هيهات هيهات. وفى ا : «فيها»

قلت إنّ كل واحدة مستغنية بنفسها يجوز الوقوف عليها فإن نصبها كنصب قوله «١» : قمت ثمّت جلست ، وبمنزلة قول الشاعر «٢» :

ماويّ بل ربّتما غارة شعواء كاللذعة بالميسم

فنصب هيهات بمنزلة هذه الهاء التي فى ربّت لأنها دخلت على ربّ وعلى ثمّ ، وكانا أداتين ، فلم يغيّرهما عن أداتهما فنصبا «٣». قال الفراء : واختار «٤» الكسائي الهاء ، وأنا أقف على التاء.

(١) ا : قولك»

(٢) هو ضمرة بن ضمرة النهشلي كما فى شواهد العيني فى مبحث حروف الجر. وماوى مرخم ماوية اسم امرأة.

والغارة الشعواء : الفاشية المتفرقة. والميسم : الأداة يكوى بها

(٣) ا : «فنصبت» [.....]

(٤) فى ا : «و كان الكسائي يختار الوقوف على الهاء ، وأنا أختار التاء فى الوقف على هيهات».

٤١

وقوله : فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً [٤١] كغثاء الوادي يبّسا «٥» بالعذاب.

(٥) جمع يابس

٤٤

وقوله : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [٤٤] أكثر العرب على ترك التنوين ، تنزّل بمنزلة تقوى ومنهم من نوّن فيها وجعلها ألفا كألف الإعراب ، فصارت فى تغيّر «٦» واوها بمنزلة التراث والتجاه. وإن شئت جعلت بالياء منها كأنها أصليّة «٧» فتكون بمنزلة المعزى تنوّن ولا تنوّن «٨».

ويكون الوقوف «٩» عليها حينئذ بالياء وإشارة «١٠» إلى الكسر. وإن جعلتها ألف إعراب لم تشر لأنك لا تشير إلى ألفات الإعراب بالكسر ، ولا تقول رأيت زيدى «١١» ولا عمرى.

(٦) يريد أن التاء أصلها واو فأبدلت تاء كما فى تاءى التراث والتجاه أصلهما واو

(٧) أي ملحقة

(٨) إنما يترك التنوين إذا قدرت الألف للتأنيث ولم تجعل كالأصلية.

(٩) ا : «الوقف»

(١٠) يريد الإماتة

(١١) كتبت الألف فيهما ياء للامالة كما يكتب الفتى والندى. ورسما فى ا : «زيدا وعمرا» وكتب فوق كل «منهما : بمال»

٥٠

وقوله : وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ [٥٠] الربوة : ما ارتفع من الأرض. وقوله : (ذاتِ قَرارٍ)

منبسطة وقوله (وَ مَعِينٍ) : الماء الظاهر والجاري. ولك أن تجعل المعين مفعولا من العيون ، وأن تجعله فعيلا من الماعون ويكون أصله المعن. قال الفراء : (المعن «١» الاستقامة) ، وقال عبيد بن الأبرص :

واهية أو معين معن أو هضبة دونها لهوب «٢»

(١) سقط فى ا

(٢) من معلقته. وقبله فى وصف دمعه :

عيناك دمعاهما سروب كأن شأنيهما شعيب

و سروب : جار .. والشأن : مجرى الدمع. والشعيب : القربة المنشقة ، فقوله : «واهية» وصف «شعيب» واللهوب جمع لهب وهو مهواة ما بين الجبلين. يشبه مجارى دمعه بقربة واهية منشقة أو ماء حار أو ماء هضبة عالية ودونها مهاو ومهابط

٥١

و قوله : يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ [٥١] أراد النبىّ «٣» فجمع كما يقال فى الكلام للرجل الواحد : أيّها ١٢٤ ب القوم كفّوا عنا أذاكم. ومثله (الَّذِينَ «٤» قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) الناس واحد (معروف كان «٥» رجلا من أشجع يقال له نعيم ابن مسعود).

(٣) فى الطبري أنه عيسى عليه السلام

(٤) الآية ١٧٣ سورة آل عمران

(٥) فى ا : «و هو نعيم بن مسعود كان رجلا من أشجع» :

٥٢

وقوله : وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ [٥٢] قرأها عاصم «٦» والأعمش بالكسر على الائتناف «٧».

وقرأها أهل الحجاز والحسن (وأنّ هذه أمّتكم) والفتح على قوله (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وعليم «٨» بأن هذه أمتكم. فموضعها خفض لأنها مردودة على (ما) وإن شئت كانت منصوبة بفعل مضمر كأنك قلت : واعلم هذا.

(٦) وكذلك حمزة والكسائي وخلف [.....]

(٧) ا : «الاستئناف»

(٨) سقط فى ا

٥٣

وقوله : فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [٥٣] : فرّقوه. تفرّقوا يهود ونصارى. ومن قال (زُبُراً)

أراد : قطعا مثل قوله (آتُونِي «١» زُبَرَ الْحَدِيدِ) والمعنى فى زبر وزبر واحد «٢». واللّه أعلم. وقوله (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) يقول : معجبون بدينهم. يرون أنهم على الحقّ.

وقوله : فذرهم فى غمرتهم حتّى حين) : فى جهالتهم.

(١) الآية ٩٦ سورة الكهف

(٢) أي كلاهما جمع زبرة بمعنى قطعة

٥٥

وقوله : أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ [٥٥] (ما) فى موضع الذي ، وليست بحرف واحد.

٥٦

وقوله : نُسارِعُ لَهُمْ [٥٦] يقول : أيحسبون أن ما نعطيهم فى هذه الدنيا من الأموال والبنين أنا جعلناه لهم ثوابا. ثم قال (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) أنّما هو استدراج منّا لهم :

٦٠

و قوله : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا [٦٠] الفرّاء على رفع الياء ومدّ الألف فى (آتَوْا) حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : حدّثنى مندل قال حدّثنى عبد الملك عن عطاء عن عائشة أنها قرأت أو قالت ما كنا نقرأ إلّا (يأتون ما أتوا) وكانوا أعلم باللّه من أن توجل قلوبهم.

قال الفراء يعنى به الزكاة تقول : فكانوا أتقى للّه من أن يؤتوا زكاتهم وقلوبهم وجلة.

وقوله (وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ) : وجلة «٣» من أنّهم. فإذا ألقيت (من) نصبت. وكل شىء فى القرآن حذفت منه خافضا فإن الكسائىّ كان يقول : هو خفض على حاله. وقد فسّرنا أنه نصب إذا فقد الخافض.

(٣) يريد أن الكلام على تقدير من داخلة على (أنهم)

٦١

وقوله : أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [٦١] يبادرون بالأعمال (وَ هُمْ لَها سابِقُونَ) يقول :

إليها سابقون. وقد يقال (وَ هُمْ لَها سابِقُونَ) أي سبقت لهم السّعادة.

٦٣

و قوله : وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ [٦٣] يقول : أعمال منتظرة ممّا سيعملونها ، فقال (مِنْ دُونِ ذلِكَ).

٦٤

وقوله : يَجْأَرُونَ [٦٤] : يضجّون. وهو الجؤار.

٦٦

وقوله : عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ [٦٦] وفى قراءة عبد اللّه (على أدباركم تنكصون) يقول :

ترجعون وهو النكوص.

٦٧

وقوله : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ [٦٧] «١» (الهاء للبيت العتيق) تقولون : نحن أهله ، وإذا كان الليل وسمرتم هجرتم القرآن والنبىّ فهذا من الهجران ، أي تتركونه وترفضونه. وقرأ ابن عباس «٢» (تَهْجُرُونَ) من أهجرت. والهجر أنهم كانوا يسبّون النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إذا خلوا حول البيت ليلا. وإن «٣» قرأ قارئ (تَهْجُرُونَ) يجعله كالهذيان ، يقال : قد هجر الرجل فى منامه إذا هذى ، أي إنكم تقولون فيه ما ليس فيه ولا يضرّه فهو كالهذيان.

(١) ا : «البيت العتيق»

(٢) وهى قراءة نافع ، وافقه ابن محيصن

(٣) جواب الشرط محذوف أي كان مصيبا ، مثلا.

٦٩

وقوله : أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ [٦٩] أي نسب رسولهم.

٧١

وقوله : وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ [٧١] يقال : إن الحقّ هو اللّه. ويقال : إنه التنزيل ، لو نزل بما يريدون (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) قال الكلبىّ (وَ مَنْ فِيهِنَّ) من خلق. وفى قراءة عبد اللّه (لفسدت السّماوات والأرض وما بينهما) وقد يجوز فى العربيّة أن يكون ما فيهما ما بينهما ١٢٥ الآن السماء كالسقف على الأرض ، وأنت قائل : فى البيت كذا وكذا ، وبين أرضه وسمائه كذا وكذا ، فلذلك جاز أن تجعل الأرض والسّماء كالبيت.

وقوله (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) : بشرفهم.

٧٢

و قوله : أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً «١» [٧٢] يقول : على ما جئت به ، يريد : أجرا ، فأجر ربّك خير.

(١) أثبت (خراجا) كما فى الكتاب. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. وقراءة غيرهم (حرجا)

٧٤

وقوله : لَناكِبُونَ [٧٤] يقول : لمعرضون عن الدين. والصراط هاهنا الدين.

٨٠

وقوله : وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [٨٠] يقول : هو الذي جعلهما مختلفين ، كما تقول فى الكلام :

لك الأجر والصلة أي إنك تؤجر «٢» وتصل.

(٢) كذا وقد يكون : «تأجر»

٨٤

وقوله : قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [٨٤] (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [٨٥] هذه «٣» لا مسألة «٤» فيها لأنه قد استفهم بلام فرجعت فى خبر المستفهم. وأمّا الأخريان «٥» فإنّ أهل المدينة وعامّة أهل الكوفة يقرءونها (للّه) ، (للّه) وهما فى قراءة أبىّ كذلك (للّه) (للّه) (للّه) ثلاثهنّ. وأهل «٦» البصرة يقرءون الأخريين (اللّه) (اللّه) وهو فى العربيّة أبين لأنه مردود مرفوع ألا ترى

(٣) ا : «هذا»فَلا تَجْعَلْنِي

٩٤

[أن ] قوله : (قُلْ مَنْ رَبُّ «٧» السَّماواتِ) مرفوع لا خفض فيه ، فجرى جوابه على مبتدأ به.

وكذلك هى فى قراءة عبد اللّه (للّه) (اللّه). والعلّة فى إدخال اللام فى الأخريين فى قول أبىّ وأصحابه أنك لو قلت لرجل : من مولاك؟ فقال : أنا لفلان ، كفاك من أن يقول : مولاى فلان. فلمّا كان المعنيان واحدا أجرى ذلك فى كلامهم. أنشدنى بعض بنى عامر :

و أعلم أننى سأكون رمسا إذا سار النواجع لا يسير «٨»

(يعنى»

الرمس)

فقال السّائلون لمن حفرتم فقال المخبرون لهم : وزير

صفحة ناقصة

[٩٤] هذه الفاء جواب للجزاء لقوله (إِمَّا تُرِيَنِّي) اعترض النداء بينهما كما : تقول إن تأتنى يا زيد فعجّل. ولو لم يكن قبله جزاء لم يجز أن تقول : يا زيد فقم ، ولا أن تقول يا ربّ فاغفر لى لأنّ النداء مستأنف ، وكذلك الأمر بعده مستأنف لا تدخله الفاء ولا الواو.

لا تقول : يا قوم فقوموا ، إلا أن يكون جوابا لكلام قبله ، كقول قائل : قد أقيمت الصّلاة ، فتقول : يا هؤلاء فقوموا. فهذا جوازه.

٩٩

وقوله : قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [٩٩] فجعل الفعل كأنه لجميع «٣» وإنما دعا ربه. فهذا ممّا جرى على

(١) الرفع لنافع وأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف وأبى جعفر. والخفض للباقين

(٢) ا : «مما»

(٣) ا : «لجمع»

ما وصف اللّه به نفسه من قوله (وقد خلقناك «١» من قبل) فى غير مكان من القرآن. فجرى هذا على ذلك.

(١) الآية ٩ سورة مريم. وقد أورد المؤلف قراءة حمزة والكسائي وقد وافقهما الأعمش. أما الباقون فقراءتهم «خلقتك». وقوله : «فى غير مكان من القرآن» فكأنه يريد لفظ (خلقنا) فهو الذي يتكرر في القرآن واقعا على الإنسان أو على غيره.

١٠٠

وقوله : وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ [١٠٠] البرزخ من يوم يموت إلى يوم يبعث. وقوله (وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) يقول حاجزا. والحاجز والمهلة متقاربان فى المعنى ، وذلك أنك تقول : بينهما حاجز أن يتزاورا ، فتنوى بالحاجز المسافة البعيدة ، وتنوى الأمر المانع ، مثل اليمين والعداوة. فصار المانع فى المسافة كالمانع فى الحوادث ، فوقع عليهما البرزخ.

١٠٦

وقوله : قالُوا رَبَّنا «٢» غَلَبَتْ عَلَيْنا شقاوتنا [١٠٦] حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى شريك عن أبى إسحاق (وقيس «٣») عن أبى إسحاق ، وزهير ابن معاوية أبو خيثمة الجعفىّ عن أبى إسحاق عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ (شقاوتنا «٤») بألف وفتح الشين. قيل للفراء أأخبرك زهير؟ فقال :

يا هؤلاء إنى لم أسمع «٥» من زهير شيئا. وقرأ أهل المدينة وعاصم (شِقْوَتُنا) وهى كثيرة.

أنشدنى أبو ثروان :

كلّف من عنائه وشقوته بنت ثمانى عشرة من حجّته «٦»

قال الفراء : لو لا عبد اللّه ما قرأتها إلا (شِقْوَتُنا).

 (٢) الآية ١٠٦ سورة المؤمنون

(٣) ا : «قال الفراء : وحدثنا قيس». وهذه أسانيد عن أبى إسحاق. والظاهر أنه السبيحى عمرو بن عبد اللّه من التابعين. وكانت وفاته سنة ١٢٧ كما فى الخلاصة

(٤) هذه قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والباقون (شِقْوَتُنا) بكسر الشين وإسكان القاف بلا ألف

(٥) كانه يستجيز فى (حدثنى) أن يكون الحديث بالواسطة

(٦) يرد هذا الرجز فى كتب النحو فى مبحث العدد. وفي العيني أنه قيل إن قائله نفيع بن طارق. وقوله. «من حجته» ففى كتابة يس على التصريح ما يفيد أن المراد : فى حجته أي أنه علقها حين كان فى الحج

و قوله : سِخْرِيًّا (١١٠) و(سخريّا). وقد قرىء «١» بهما جميعا. والضمّ أجود. قال الذين كسروا ما كان من السّخرة «٢» فهو مرفوع ، وما كان من الهزؤ فهو مكسور.

وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : بحر لجّى ولجّى ، ودرىّ ودرىّ منسوب إلى الدّرّ ، والكرسىّ والكرسىّ. وهو كثير. وهو فى مذهبه بمنزلة قولهم العصىّ «٣» والعصىّ والأسوة والإسوة.

وقوله : أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) كسرها «٤» الأعمش على الاستئناف ، ونصبها من سواه على :

إنى جزيتهم الفوز بالجنّة ، فأنّ فى موضع نصب. ولو جعلتها نصبا من إضمار الخفض جزيتهم لأنهم «٥» هم الفائزون بأعمالهم فى السّابق.

وقوله : لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (١١٣) أي لا ندرى (فاسأل) الحفظة هم العادّون.

وقوله : قل كم لبثتم (١١٢) قراءة أهل «٦» المدينة (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) وأهل الكوفه (قل كم لبثتم).

(١) الضم لنافع وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف وافقهم الأعمش ، والكسر للباقين.

(٢) أي الاستعباد وتكليف المشاق. [.....]

(٣) أي فى جمع العصا.

(٤) الكسر لحمزة والكسائي ، والفتح للباقين.

(٥) كذا. والأولى : «بأنهم».

(٦) قرأ (قل) ابن كثير وحمزة والكسائي. وافقهم ابن محيصن والأعمش. وقرأ الباقون (قال).