سُورَةُ الْحَجِّ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانٍ وَسَبْعُونَ آيَةً

٢

قوله : تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ [٢]

رفعت القراء (كُلُّ مُرْضِعَةٍ)

لأنّهم جعلوا الفعل لهما.

ولو قيل : تذهل كلّ مرضعة وأنت تريد الساعة أنها تذهل أهلها كان وجها. ولم أسمع «٥» أحدا قرأ به والمرضعة : الأمّ «٦». والمرضع : التي معها صبّى ترضعه. ولو قيل «٧» فى الأمّ : مرضع لأنّ الرضاع لا يكون إلا من الإناث فيكون مثل قولك : طامث «٨» وحائض. ولو قيل فى التي معها صبى : مرضعة كان صوابا.

وقوله : (وترى الناس سكرى وما هم بسكرى) اجتمع الناس والقراء على (سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى )

حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ «٩» (وترى الناس سكرى وما هم بسكرى) وهو وجه

 (٥) قرأ به ابن أبى عبلة واليماني كما فى البحر ٦/ ٣٥٠.

(٦) سقط فى ا.

(٧) الجواب محذوف أي جاز. وقوله : «لأن الرضاع لا يكون إلا من الإناث» دليل عليه.

(٨) الطامث : الحائض.

(٩) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف ، وافقهم الأعمش. [.....]

جيّد فى العربية : (لأنه بمنزلة الهلكى والجرحى ، وليس بمذهب النشوان والنّشاوى «١». والعرب تذهب بفاعل وفعيل وفعل إذا كان صاحبه كالمريض أو الصريع أو الجريح فيجمعونه على الفعلى فجعلوا الفعلى علامة لجمع كل ذى زمانة وضرر وهلاك. ولا يبالون أكان واحده فاعلا أم «٢» فعيلا أم «٣» فعلان فاختير سكرى بطرح الألف من هول ذلك اليوم وفزعه. ولو قيل (سكرى) على أن الجمع يقع عليه «٤» التأنيث فيكون كالواحدة كان وجها ، كما قال اللّه : (وَ لِلَّهِ «٥» الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) (والْقُرُونِ «٦» الْأُولى ) والناس. جماعة فجائز أن يقع ذلك عليهم. وقد قالت العرب : قد جاءتك الناس :

و أنشدنى بعضهم :

أضحت بنو عامر غضبى أنوفهم أتى عفوت فلا عار ولا بأس

فقال : غضبى للأنوف على ما فسّرت لك.

وقد ذكر أن بعض القراء قرأ (وَ تَرَى النَّاسَ)

و هو وجه جيد يريد : مثل قولك رئيت «٧» أنك قائم ورئيتك قائما فتجعل (سُكارى )

فى موضع نصب لأن (ترى) تحتاج إلى شيئين تنصبهما.

كما يحتاج الظنّ.

(١) ا : «النشوي».

(٢) ش ، ب : «أو».

(٣) ش ، ب : «أو».

(٤) ش ، ب : «على».

(٥) الآية ١٨٠ سورة الأعراف.

(٦) الآية ٤٣ سورة القصص.

(٧) كذا. وكأن الصواب : أريت. وكذا قوله بعد : «رئيتك قائما» كأن الصواب : أريتك قائما.

٤

وقوله : كُتِبَ عَلَيْهِ [٤] الهاء للشيطان المريد فى (عليه) وفى (أنّه يضلّه) ومعناه قضى عليه أنه يضلّ من اتّبعه.

٥

وقوله : مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [٥] يقول : تماما «٨» وسقطا. ويجوز ١١٩ ب مخلّقة وغير مخلّقة على الحال :

 (٨) ضبط فى ا بكسر التاء وفيها الفتح أيضا. يقال ولدته لتمام بالوجهين.

و الحال تنصب فى معرفة الأسماء ونكرتها. كما تقول : هل من رجل يضرب مجرّدا. فهذا حال وليس بنعت.

وقوله : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) استأنف (وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) ولم يرددها على (لنبيّن) ولو قرئت (ليبيّن) يريد اللّه ليبيّن لكم كان صوابا ولم أسمعها «١».

وقوله : (وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) : إلى أسفل العمر (لِكَيْلا يَعْلَمَ) يقول لكيلا يعقل من بعد عقله الأوّل (شَيْئاً).

قوله : (وَ رَبَتْ) قرأ «٢» القراء (وربت) من تربو. حدثنا أبو العبّاس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى أبو عبد اللّه التميمي عن أبى جعفر المدني أنه قرأ (اهتزّت وربأت) مهموزة فإن كان ذهب إلى الرّبيئة الذي يحرس القوم فهذا مذهب ، أي ارتفعت حتى صارت كالموضع للربيئة.

فإن لم يكن أراد (من «٣» هذا) هذا فهو من غلط قد تغلطه العرب فتقول : حلأت «٤» السّويق ، ولبّأت «٥» بالحجّ ، ورثأت «٦» الميّت. وهو كما قرأ الحسن (ولأدرأتكم «٧» به) يهمز. وهو ممّا يرفض من القراءة.

(١) هى قراءة ابن أبى عبلة كما فى البحر.

(٢) ا : «قرأت»

(٣) سقط في ا.

(٤) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير.

(٥) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير.

(٦) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير. [.....]

(٧) الآية ١٦ سورة يونس

٩

وقوله : ثانِيَ عِطْفِهِ [٩] منصوب على : يجادل ثانيا عطفه : معرضا عن الذكر.

١١

وقوله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [١١] نزلت فى أعاريب من بنى أشد انتقلوا إلى المدينة بذراريّهم ، فامتنّوا بذلك على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا : إنما يسلم الرجل (بعد «٨» الرجل) من القبيلة. وقد أتيناك بذراريّنا. وكانوا إذا أعطوا من الصّدقة وسلمت مواشيهم وخيلهم قالوا : نعم الدين هذا. وإن لم يعطوا من الصّدقة ولم تسلم مواشيهم انقلبوا عن الإسلام. فذلك قوله

(٨) سقط فى ا.

(يعبد اللّه على حرف فإن أصابه خير اطمأنّ به) يقول : أقام عليه (وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ) «١» ورجع.

وقوله : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) غبنهما. وذكر عن حميد الأعرج وحده أنه قرأ (خاسر الدنيا والآخرة) وكلّ صواب : والمعنى واحد.

(١) سقط فى ا

١٢

وقوله : يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ [١٢] يعنى الأصنام.

١٣

ثم قال : يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ [١٣] فجاء التفسير : يدعو من ضرّه أقرب من نفعه. وقد حالت اللام بينهما. وكذلك هى فى قراءة عبد اللّه (يدعو من ضرّه) ولم نجد العرب تقول ضربت لأخاك ولا رأيت لزيدا أفضل منك. وقد اجتمعت القراء على ذلك. فترى أن جواز ذلك لأن (من) حرف لا يتبيّن فيه الاعراب ، فأجيز «٢» ب : فاستجيز الاعتراض باللام دون الاسم إذ لم يتبيّن فيه الإعراب.

وذكر عن العرب أنهم قالوا : عندى لما غيره خير منه ، فحالوا باللام دون الرافع. وموقع اللام كان ينبغى أن يكون فى (ضرّه) وفى قولك «٣» : عندى ما لغيره خير منه. فهذا وجه القراءة للاتّباع. وقد يكون قوله : (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُوا) فتجعل (يَدْعُوا) من صلة (الضَّلالُ الْبَعِيدُ) وتضمر فى (يَدْعُوا) الهاء ، ثم تستأنف الكلام باللام ، فتقول لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولي) كقولك فى مذهب الجزاء لما فعلت لهو خير لك. وهو وجه قويّ فى العربيّة.

ووجه آخر لم يقرأ به. وذلك أن تكسر اللام فى (لمن) وتريد يدعو إلى من ١٢٠ ا ضرّه أقرب من نفعه ، فتكون اللام بمنزلة إلى ، كما قال (الْحَمْدُ «٤» لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) وإلى هذا وأنت قائل فى الكلام : دعوت إلى فلان ودعوت لفلان بمعنى واحد. ولو لا كراهية خلاف الآثار والاجتماع

 (٢) ا : «فاستجيز»

(٣) ا : «قوله»

(٤) الآية ٤٣ سورة الأعراف

لكان وجها جيّدا من القراءة. ويكون «١» قوله (يَدْعُوا) التي بعد (الْبَعِيدُ) مكرورة على قوله (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ) يدعو مكرّرة ، كما تقول : يدعو يدعو دائبا ، فهذا قوّه لمن نضب اللام ولم يوقع (يدعو) على (من) والضّلال البعيد الطويل.

(١) هذا الوجه غير ما قبله.

١٥

وقوله : مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ [١٥] جزاء جوابه فى قوله (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) والهاء فى (قوله «٢») (يَنْصُرَهُ اللَّهُ) للنبىّ صلّى اللّه عليه وسلم. أي من كان منكم يظنّ أن اللّه لن ينصر محمدا بالغلبة حتى يظهر دين اللّه فليجعل فى سماء بيته حبلا ثم ليختنق به «٣» فذلك «٤» قوله (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) اختناقا وفى قراءة عبد اللّه (ثم ليقطعه) يعنى السّبب وهو الحبل : يقول (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) إذا فعل ذلك غيظه. و(ما يَغِيظُ) فى موضع نصب :

(٢) ا : «أن لن ينصره».

(٣) سقط في ا.

(٤) ش ، ب : «كذلك».

١٧

و قوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا [١٧] إلى قوله (وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) ثم قال (إِنَّ اللَّهَ) فجعل فى خبرهم (إنّ) وفى أوّل الكلام (إنّ) وأنت لا تقول فى الكلام : إن أخاك إنّه ذاهب ، فجاز ذلك لأنّ المعنى كالجزاء ، أي من كان مؤمنا أو على شىء من هذه الأديان ففصل بينهم وحسابهم على اللّه. وربما قالت العرب : إنّ أخاك إن الدّين عليه لكثير ، فيجعلون (إنّ) فى خبره إذا كان إنما يرفع باسم مضاف إلى ذكره «٥» كقول الشّاعر «٦» :

إنّ الخليفة إن اللّه سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم

و من قال «٧» هذا لم يقل : إنك إنك قائم ، ولا يقول : إنّ أباك إنه قائم لأن الأسمين قد اختلفا فحسن رفض الأول ، وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ فحسن للاختلاف وقبح للاتّفاق.

(٥) أي الضمير العائد عليه.

(٦) هو جرير من قصيدة يمدح بها بنى مروان والرواية فى الديوان ٤٣١ (طبع بيروت) :

يكفى الخليفة أن اللّه سربله

(٧) ا : «ذلك».

١٨

و قوله : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ [١٨] يريد : أهل السموات (وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) يعنى كلّ خلق من الجبال ومن الجنّ وأشباه ذلك (وَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) من أهل الطاعة (وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) فيقال. كيف رفع الكثير وهو لم يسجد؟ فالجواب فى ذلك أنّ قوله (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) يدلّ على أنه : وكثير أبى السّجود ، لأنه لا يحقّ عليه العذاب إلّا بترك «١» السجود والطاعة. فترفعه بما عاد من ذكره فى قوله (حَقَّ عَلَيْهِ) فتكون (حَقَّ عَلَيْهِ) بمنزلة أبى. ولو نصبت : وكثيرا حقّ العذاب كان وجها بمنزلة قوله (فَرِيقاً هَدى «٢» وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ينصب «٣» إذا كان فى الحرف واو وعاد ذكره بفعل قد وقع عليه. ويكون فيه الرفع لعودة ذكره كما قال اللّه (وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) «٤» وكما قال (وَ أَمَّا ثَمُودُ «٥» فَهَدَيْناهُمْ).

وقوله (وَ مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يقول : ومن يشقه اللّه فما له من مسعد. وقد تقرأ «٦» (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يريد : من إكرام.

(١) ا : «بتركه». [.....]

(٢) الآية ٣٠ سورة الأعراف.

(٣) ا : «فينصب».

(٤) الآية ٢٢٤ ، سورة الشعراء.

(٥) الآية ١٧ سورة فصلت.

(٦) هى قراءة ابن أبى عبلة كما فى البحر ٦/ ٣٥٩.

١٩

وقوله : هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [١٩] فريقين «٧» أهل دينين. فأحد الخصمين المسلمون ، والآخر اليهود والنصارى.

وقوله (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) فى دين ربّهم. فقال اليهود والنصارى للمسلمين : ديننا خير من دينكم لأنّا سبقناكم. فقال المسلمون : بل ديننا خير من دينكم. لأنّا آمنّا بنبيّنا والقرآن ، وآمنّا بأنبيائكم وكتبكم ، وكفرتم بنبيّنا وكتابنا. فعلاهم المسلمون بالحجّة وأنزل اللّه هذه الآية.

 (٧) هو حال من الضمير فى «اختصموا».

و قوله : (اخْتَصَمُوا) ولم يقل : اختصما لأنهما جمعان ليسا برجلين ، ولو قيل : اختصما كان صوابا. ومثله (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) يذهب إلى الجمع. ولو قيل «١» اقتتلتا لجاز ، يذهب إلى الطائفتين.

(١) ا : «قال».

٢٠

وقوله : يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ : [٢٠] يذاب به. تقول : صهرت الشحم بالنار.

وقوله : وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [٢١] ذكر أنهم يطمعون (فى الخروج) «٢» من النار حتى إذا همّوا بذلك ضربت الخزنة رءوسهم بالمقامع «٣» فتخسف رءوسهم فيصبّ فى أدمغتهم الحميم فيصهر شحوم بطونهم ، فذلك قوله فى إبراهيم (وَ يُسْقى «٤» مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) ممّا يذوب من بطونهم وجلودهم.

وقوله : (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) يكره عليه.

وقوله : وَلُؤْلُؤاً [٢٣] قرأ «٥» أهل المدينة هذه والتي فى الملائكة «٦» (وَ لُؤْلُؤاً) بالألف «٧» وقرأ الأعمش «٨» كلتيهما بالخفض. ورأيتها فى مصاحف عبد اللّه والتي فى الحج خاصّة (ولؤلأ) (ولا تهجّأه). «٩»

و ذلك أن مصاحفه قد أجرى الهمز فيها بالألف فى كل حال إن كان ما قبلها مكسورا أو مفتوحا أو غير ذلك. والتي فى الملائكة كتبت فى مصاحفنا (ولؤلؤ) بغير ألف والتي فى الحج (وَ لُؤْلُؤاً) بالألف فخفضهما ونصبهما جائز. ونصب التي فى الحج أمكن - لمكان الألف - من التي فى الملائكة.

(٢) ا : «بالخروج».

(٣) سقط فى ا.

(٤) الآيتان ، ١٦ ، ١٧ من سورة إبراهيم.

(٥) ش : «قرأها».

(٦) أي سورة فاطر.

(٧) وهى قراءة نافع وعاصم وأبى جعفر ، وقراءة يعقوب هنا.

(٨) وهى قراءة غير من ذكر. [.....]

(٩) سقط فى ا. أي لا تراع فى النطق هجاء هذه الحروف فتقول : لو لا بالألف من غير همز.

٢٥

وقوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [٢٥] ردّ يفعلون «١٠» على فعلوا «١١» لأن

 (١٠) يريد بيفعلون المضارع ويفعلوا الماضي.

(١١) يريد بيفعلون المضارع ويفعلوا الماضي.

معناهما كالواحد فى الذي «١» وغير الذي. ولو «٢» قيل : إن الذين كفروا وصدّوا لم يكن فيها ما يسأل عنه. وردّك يفعلون على «٣» فعلوا لأنك أردت إن الذين كفروا يصدّون بكفرهم.

وإدخالك الواو كقوله (وَ لِيَرْضَوْهُ «٤» وَلِيَقْتَرِفُوا) أضمرت فعلا «٥» فى الواو مع الصدّ كما أضمرته هاهنا «٦». وإن شئت قلت : الصدّ منهم كالدائم فاختير لهم يفعلون كأنك قلت : إن الذين كفروا ومن شأنهم الصدّ. ومثله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ «٧» بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) وفى قراءة عبد اللّه (وقاتلوا الذين يأمرون «٨» بالقسط) وقال (الَّذِينَ آمَنُوا «٩» وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) مثل ذلك. ومثله فى الأحزاب فى قراءة عبد اللّه (الذين «١٠» بلّغوا رسالات اللّه ويخشونه) فلا بأس أن تردّ فعل على يفعل كما قال (وقاتلوا الذين يأمرون) ، وأن تردّ يفعل على فعل ، كما قال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).

وقوله : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) فالعاكف من كان من أهل مكّة. والباد من نزع إليه بحجّ أو عمرة. وقد اجتمع «١١» القراء على رفع (سَواءً) هاهنا. وأما قوله ١٢١ ا فى الشريعة «١٢» :

(١) ش : «الذين».

(٢) ش : «فلو».

(٣) ش ، ب : «إلى».

(٤) الآية ١١٣ سورة الأنعام. والأولى أن يذكر صدر الآية : «و لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه» :

(٥) كأنه يريد أن التقدير : إن الذين كفروا يخالفون ويصدون «و هذا جواب غير السابق».

(٦) أي فى قوله «و ليرضوه» والأصل : «ليغروهم ولتصغى ... وليرضوه».

(٧) الآية ٢١ سورة آل عمران.

(٨) والآية في قراءة الجمهور : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ».

(٩) الآية ٢٨ سورة الرعد.

(١٠) الآية ٣٩ من سورة الأحزاب وقراءة الجمهور : «الذين يبلغون».

(١١) خالف فى هذا حفص فقرأه بالنصب. [.....]

(١٢) ا : «الجاثية» وهما واحد.

(سَواءً مَحْياهُمْ

«١» مَماتُهُمْ) فقد نصبها الأعمش وحده ، ورفعها سائر القراء. فمن نصب «٢» أوقع عليه (جَعَلْناهُ) ومن رفع جعل الفعل واقعا على الهاء واللام التي فى الناس ، ثم استأنف فقال :

(سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ومن شأن العرب أن يستأنفوا بسواء إذا جاءت بعد حرف قد تمّ به الكلام فيقولون : مررت برجل سواء عنده الخير والشرّ. والخفض جائز. وإنما اختاروا الرفع لأن (سَواءً) فى مذهب واحد ، كأنك قلت : مررت على رجل واحد عنده الخير والشرّ. ومن خفض أراد : معتدل عنده الخير الشرّ. ولا يقولون : مررت على رجل معتدل عنده الخير والشر لأنّ (معتدل) فعل مصرّح ، وسواء فى مذهب مصدر. فإخراجهم «٣» إيّاه إلى الفعل كإخراجهم مررت برجل حسبك من رجل إلى الفعل.

وقوله : (وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) دخلت الباء فى (إلحاد) لأن تأويله : ومن يرد بأن يلحد فيه بظلم. ودخول الباء فى (أن) أسهل منه فى الإلحاد وما أشبهه لأن (أن) تضمر الخوافض معها كثيرا ، وتكون كالشرط فاحتملت دخول الخافض وخروجه لأن الإعراب لا يتبيّن فيها ، وقلّ فى المصادر لتبيّن الرفع والخفض فيها «٤». أنشدنى أبو الجرّاح :

فلمّا رجت بالشّرب هزلها العصا شحيح له عند الإزاء نهيم «٥»

(قال الفراء «٦» : نهيم من الصّوت). وقال امرؤ القيس :

ألا هل أتاها والحوادث جمّة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا «٧»

(١) الآية ٢١ سورة الجاثية.

(٢) أي سواء هنا ، وقد علمت أنه حفص.

(٣) ا : «و إخراجهم».

(٤) سقط فى ا.

(٥) الإزاء : مصب الحوض. والنهيم : صوت توعد وزجر.

(٦) سقط فى ا.

(٧) بيقر : هاجر من أرض إلى أرض ، وبيقر : خرج إلى حيث لا بدري ، وبيقر : نزل الحضر وأقام هناك وترك قومه بالبادية وخص بعضهم به العراق وكلام امرئ القيس يحتمل جميع ذلك كما فى اللسان.

فأدخل الباء على (أنّ) وهى فى موضع رفع كما أدخلها على (بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) وهو فى موضع نصب. وقد أدخلوها على (ما) إذا أرادوا بها المصدر ، يعنى الباء. وقال قيس بن زهير :

ألم يأتيك والأنباء تنمى بما لاقت لبون بنى زياد «١»

و هو فى (ما) أقل منه فى (أن) لأنّ (أن) أفل شبها بالأسماء من (ما). وسمعت أعرابيّا من ربيعة وسألته عن شىء فقال : أرجو بذاك ، يريد : أرجو ذاك. وقد قرأ بعض القراء (ومن ترد فيه بإلحاد) من الورود ، كأنه أراد : من ورده أو تورّده. ولست أشتهيها ، لأنّ (وردت) يطلب الاسم ، ألّا ترى أنك تقول : وردنا مكّة ولا تقول : وردنا فى مكّة. وهو جائز تريد النزول «٢». وقد تجوز فى لغة الطائيّين لأنهم يقولون : رغبت «٣» فيك ، يريدون : رغبت بك.

وأنشدنى بعضهم فى بنت له :

و أرغب فيها عن لقيط ورهطه ولكننى عن سنبس لست أرغب «٤»

(يعنى «٥» بنته).

(١) سبق البيت.

(٢) ش ، ب : «أردنا النزول».

(٣) أي يقولون : رغبت فيك عن فلان أي رغبت بك عنه أي رأيت لك فضلا على فلان فزهدت فى فلان ولم أرده.

(٤) سنبس أبو حي من طيئ.

(٥) سقط فى ا كما سقط فى ش ، ب : «فى بنت لم».

٢٦

وقوله : وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ [٢٦] ولم يقل : بوّأنا إبراهيم. ولو كان بمنزلة قوله (وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي «٦» إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) فإن شئت أنزلت (بَوَّأْنا) بمنزلة جعلنا. وكذلك سمعت فى التفسير.

وإن شئت كان بمنزلة قوله (قُلْ عَسى «٧» أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ) معناه : ردفكم.

وكلّ صواب.

 (٦) الآية ٩٣ سورة يونس. [.....]

(٧) الآية ٧٢ سورة النمل.

٢٧

و قوله : يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ [٢٧] (يأتين) فعل النوق وقد/ ١٢١ ب قرئت (يأتون) يذهب إلى الركبان. ولو قال : وعلى كل ضامر تأتى تجعله فعلا موحّدا لأن (كلّ) أضيفت «١» إلى واحدة ، وقليل فى كلام العرب أن يقولوا : مررت على كل رجل قائمين وهو صواب. وأشدّ منه فى الجواز قوله (فَما مِنْكُمْ مِنْ «٢» أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) وإنما جاز الجمع فى أحد ، وفى كلّ رجل لأن تأويلهما قد يكون فى النية موحّدا وجمعا. فإذا كان (أحدا) وكل متفرقة من اثنين لم يجز إلّا توحيد فعلهما من ذلك أن تقول : كلّ رجل منكما قائم. وخطأ أن تقول قائمون أو قائمان لأن المعنى قد ردّه إلى الواحد. وكذلك ما منكما أحد قائمون أو قائمان ، خطأ لتلك «٣» العلة.

(١) ا : «أضيف».

(٢) الآية ٤٧ سورة الحاقة.

(٣) ا : «بتلك».

٢٩

وقوله : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [٢٩] (اللام ساكنة) «٤» (وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا) اللامات سواكن. سكّنهن أهل المدينة وعاصم والأعمش ، وكسرهن أبو عبد الرحمن السلمى والحسن فى الواو وغير الواو. وتسكينهم إيّاها تخفيف كما تقول : وهو قال ذلك ، وهي قالت ذاك ، تسكّن الهاء إذا وصلت بالواو. وكذلك ما كان من لام أمر وصلت بواو أو فاء ، فأكثر كلام العرب تسكينها. وقد كسر بعضهم (ثُمَّ لْيَقْضُوا) وذلك لأنّ الوقوف على (ثمّ) يحسن ولا يحسن فى الفاء ولا الواو : وهو وجه ، إلّا أن أكثر القراءة على تسكين اللام فى ثمّ :

و أمّا التّفث فنحر البدن وغيرها من البقر والغنم وحلق الرأس ، وتقليم الأظافر «٥» وأشباهه.

(٤) سقط فى ا.

(٥) فى الطبري أن هذه قراءة أبى عمرو.

٣٠

وقوله : وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ [٣٠] فى سورة المائدة. من المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة إلى آخر الآية.

٣١

و قوله : فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ [٣١] ممّا ردّ من يفعل على فعل. ولو نصبتها فقلت «١» : فتخطفه الطير كان وجها. والعرب قد تجيب بكأنّما. وذلك أنها فى مذهب يخيّل إلىّ وأظنّ فكأنها مردودة على تأويل (أنّ) ألا ترى أنك تقول : يخيّل إلىّ أن تذهب فأذهب معك. وإن شئت جعلت فى (كأنما) تأويل جحد كأنك قلت : كأنك عربىّ فتكرم ، والتأويل : لست بعربىّ فتكرم :

(١) فى الطبري أن هذه قراءة أبى عمرو.

٣٢

و قوله : فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [٣٢] يريد : فإن الفعلة كما قال (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «٢») ومن بعده جائز. ولو قيل : فإنه من تقوى القلوب كان جائزا.

(٢) الآية ١٥٣ سورة الأعراف.

٣٣

وقوله : لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [٣٣] يعنى البدن. يقول : لكم أن تنتفعوا بألبانها وركوبها إلى أن تسمّى «٣» أو تشعر «٤» فذلك الأجل المسمّي.

وقوله : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ما كان من هدى للعمرة أو للنذر «٥» فإذا بلغ البيت نحر. وما كان للحجّ نحر بمنى. جعل ذلك بمنى لتطهر مكّة.

وقوله : (الْعَتِيقِ) أعتق من الجبابرة. حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : حدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال : العتيق : أعتق من الجبابرة.

ويقال : من الغرق زمن نوح.

(٣) أي تعين للهدى.

(٤) أي يحز سنامها حتى يسيل منه الدم فيعلم أنها شعيرة.

(٥) ش : «لنذر».

٣٥

وقوله : وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ [٣٥] خفضت (الصَّلاةِ) لمّا حذفت النون وهى فى قراءة عبد اللّه (والمقيمين الصلاة) ولو نصبت (الصلاة) وقد حذفت النون كان «٦» صوابا. أنشدنى بعضهم :

 (٦) ا : «لكان».

أسيّد ذو خريّطة نهارا من المتلقّطى قرد القمام «١» (وقرد «٢») وإنما ١٢٢ ا جاز النصب مع حذف النون لأن العرب لا تقول فى الواحد إلّا بالنصب.

فيقولون : هو الآخذ حقّه فينصبون «٣» الحقّ ، لا يقولون إلّا ذلك والنون مفقودة ، فبنوا الاثنين والجميع على الواحد ، فنصبوا بحذف النون. والوجه فى الاثنين والجمع الخفض لأن نونهما قد تظهر إذا شئت ، وتحذف إذا شئت ، وهى فى الواحد لا تظهر. فلذلك نصبوا. ولو خفض فى الواحد لجاز ذلك. ولم أسمعه إلا فى قولهم : هو الضارب الرجل ، فإنهم يخفضون الرجل وينصبونه فمن خفضه شبّهه بمذهب قولهم : مررت بالحسن الوجه فإذا أضافوه «٤» إلى مكنىّ قالوا : أنت الضاربه وأنتما الضارباه ، وأنتم الضاربوه. والهاء فى القضاء عليها خفض فى الواحد والاثنين والجمع. ولو نويت بها النصب كان وجها ، وذلك أنّ المكنى لا يتبيّن فيه الإعراب. فاغتنموا الإضافة لأنها تتّصل بالمخفوض أشدّ ممّا تتصل بالمنصوب ، فأخذوا بأقوى الوجهين فى الاتّصال. وكان ينبغى لمن نصب أن يقول : هو الضارب إيّاه ، ولم أسمع ذلك.

(١) من قصيدة للفرزدق يمدح فيها هشام بن عبد الملك. وقبله :

سيبلغهن وحي القول عنى ويدخل رأسه تحت القرام

فقوله : «أسيد» فاعل «سيبلغهن» وهو تصغير أسود ويريد الرسول بينه وبين حبائبه وعنى به امرأة فقوله : أسيد أي شخص أسود. والخريطة : وعاء من أدم أو غيره يشد على ما فيه. والقرد : ما نلبد من الوبر والصوف. والقمام الكناسة وانظر اللسان (قرد) والديوان ٨٣٥.

(٢) سقط فى ا. يريد أنه روى بنصب (قرد) وكسره. [.....]

(٣) ا : «ينصبون».

(٤) ش : «أضافوا».

٣٦

وقوله : صَوافَّ [٣٦] : معقولة وهى فى قراءة عبد اللّه (صوافن) وهى القائمات. وقرأ الحسن (صوافى) يقول : خوالص للّه.

وقوله : (الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) القانع : الذي يسألك (فما أعطيته من شىء «٥») قبله. والمعترّ : ساكت يتعرّض لك عند الذبيحة ، ولا يسألك.

(٥) ا «فإذا أعطيته شيئا».

٣٧

و قوله : لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها [٣٧] اجتمعوا على الياء. ولو قيل (تنال) كان صوابا. ومعنى ذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروها نضحوا الدماء حول البيت. فلمّا حجّ المسلمون أرادوا مثل ذلك فأنزل اللّه عز وجل لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم :

الإخلاص إليه.

٣٨

وقوله : إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ [٣٨] و(يدفع «١») وأكثر القراء على (يُدافِعُ) وبه أقرأ. وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمى (يدافع) ، (ولو لا دفاع اللّه) وكلّ صواب.

(١) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وعاصم وأبى جعفر ويعقوب. ووافقهم ابن محيصن واليزيدي. والباقون قرءوا : «يدافع».

٣٩

وقوله : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ [٣٩] (يُقاتَلُونَ «٢») ومعناه : أذن اللّه للذين يقاتلون أن يقاتلوا. هذا إذا أنزلت (فَاقْتُلُوا»

الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقرئت (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) والمعنى أذن لهم أن يقاتلوا وكلّ صواب.

(٢) فتح التاء لنافع وابن عامر وحفص وأبى جعفر وكسرها للباقين. أما (أذن) فقد ضم الهمزة نافع وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر ويعقوب ، وفى رواية عن خلف ، وفتحها الباقون.

٤٠

وقوله : الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [٤٠] يقول لم يخرجوا إلّا بقولهم : لا إله إلا اللّه.

فإن شئت جعلت قوله : (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) فى موضع خفض تردّه على الباء فى (بِغَيْرِ حَقٍّ) وإن شئت جعلت (أن) مستثناة كما قال (إِلَّا ابْتِغاءَ «٤» وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ).

وقوله : لهدّمت صوامع وبيع وهى مصلّى النصارى والصوامع للرهبان وأما الصلوات فهى كنائس اليهود والمساجد (مساجد «٥» الإسلام) ومعنى التهديم أن اللّه قال قبل ذلك (وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) يدفع بأمره وأتباعه عن دين كل نبىّ إلى أن بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وسلم.

 (٣) الآية ٥ من سورة التوبة.

(٤) الآية ٢٠ سورة الليل.

(٥) ا : «مساجدنا».

٤٥

و قوله : فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [٤٥] البئر والقصر يخفضان على العطف على العروش وإذا نظرت فى معناها وجدتها ليست تحسن فيها «١» (على) لأن العروش أعالى البيوت ، والبئر فى الأرض وكذلك القصر ، لأن القرية لم تخو على القصر. ولكنه أتبع «٢» بعضه بعضا ، كما قال (وَ حُورٌ «٣» عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ) ولو «٤» خفضت البئر ١٢٢ ب والقصر - إذا نويت أنهما ليسا من القرية - بمن كأنك قلت : كم من قرية أهلكت ، وكم من بئر ومن قصر. والأول أحبّ إلىّ.

(١) فى الطبري : «فيهما».

(٢) أي اتباعا فى اللفظ من غير أن يكون اتباعا فى المعنى كما فى قول الشاعر :

علفتها تبنا وماء باردا

و يخرج النحويون هذا على إضمار عامل مناسب للمعطوف.

(٣) الآيتان ٢٢ ، ٢٣ سورة الواقعة. وهو يريد قراءة خفض (حور) عطفا على قوله. «بأكواب وأباريق» فهذا عطف فى اللفظ لا فى المعنى لأن المعنى أن يطاف عليهم بالأكواب وبالحور ، وهذا لا يليق بالحور.

(٤) جواب الشرط محذوف أي لجاز.

٤٦

وقوله : فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ [٤٦] الهاء (هاء عماد «٥») توفّى «٦» (بها) إنّ. يجوز مكانها (إنّه) وكذلك هى قراءة عبد اللّه (فانه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فى الصّدور) والقلب لا يكون إلا فى الصدر ، وهو توكيد ممّا تزيده العرب على المعنى المعلوم كما «٧» قيل (فَصِيامُ «٨» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) والثلاثة والسّبعة معلوم أنهما عشرة. ومثل ذلك نظرت إليك بعيني. ومثله قول اللّه (يَقُولُونَ «٩» بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) وفى قراءة «١٠» عبد اللّه (إِنَّ «١١» هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ أنثى) فهذا أيضا من التوكيد وإن

 (٥) ش ، ب : «الهاء عماد».

(٦) أي تكف عن أن تطلب غيرها. وهى عند البصريين ضمير الشأن. [.....]

(٧) ا : «كما».

(٨) الآية ١٩٦ سورة البقرة.

(٩) الآية ١٦٧ سورة آل عمران.

(١٠) ا : «حرف».

(١١) الآية ٢٣ سورة ص. وقراءة الجمهور : «نعجة واحدة» وقراءة (أنثى) من الشواذ المخالفة لرسم المصحف.

قال قائل. كيف انصرف من العذاب إلى أن قال : (وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) فالجواب في ذلك أنهم استعجلوا العذاب فى الدنيا فأنزل اللّه على نبيّه (وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) أي فى أن ينزل بهم العذاب فى الدنيا. فقوله (وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) من عذابهم أيضا. فهو متّفق : أنهم يعذّبون فى الدنيا والآخرة أشدّ.

وقوله : مُعاجِزِينَ [٥١] قراءة العوامّ (معاجزين) ومعنى معاجزين معاندين ودخول (فى) كما تقول : سعيت فى أمرك وأنت تريد : أردت بك خيرا أو شرا. وقرأ مجاهد «١» وعبد اللّه بن الزبير (معجّزين) يقول : مثبّطين.

(١) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو.

٤٧

وقوله : وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [٤٧]. ويقال يوم من أيّام عذابهم فى الآخرة كألف سنة ممّا تعدون فى الدنيا.

٥٢

وقوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا [٥٢] فالرسول النبىّ المرسل ، والنبي :

المحدّث «٢» الذي لم يرسل.

وقوله (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) التمنّى : التلاوة ، وحديث النفس أيضا.

(٢) المحدث. الملهم الذي يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به.

٦٣

وقوله : فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [٦٣] رفعت (فَتُصْبِحُ) لأنّ المعنى فى (أَ لَمْ تَرَ) معناه خبر كأنك قلت فى الكلام : اعلم أنّ اللّه ينزل من السّماء ماء فتصبح الأرض. وهو مثل قول الشاعر «٣» :

ألم تسأل الربع القديم فينطق فهل تخبرنك اليوم بيداء سملق

أي قد سألته فنطق. ولو جعلته استفهاما وجعلت الفاء شرطا لنصبت : كما قال الآخر :

ألم تسأل فتخبرك الديارا عن الحىّ المضلّل حيث سارا «٤»

و الجزم فى هذا البيت جائز كما قال :

فقلت له صوّب ولا تجهدنّه فيذرك من أخرى العطاة فتزلق «٥»

(٣) هو جميل وفى ا : «و هل يخبرنك». والسملق القاع الأملس لا شجر فيه.

(٤) ا : «حيث صارا».

(٥) سبق فيما سبق.

فجعل الجواب بالفاء كالمنسوق على ما قبله.

٦٧

وقوله (مَنْسَكاً) «١» و(منسكا) [٦٧] قد قرئ بهما «٢» جميعا. والمنسك لأهل الحجاز والمنسك لبنى أسد ، والمنسك فى كلام العرب : الموضع الذي تعتاده وتألفه ويقال : إن لفلان منسكا يعتاده فى خير كان أو غيره. والمناسك بذلك «٣» سميت - واللّه أعلم - لترداد الناس عليها بالحجّ والعمرة.

(١) ا : «المنسك والمنسك».

(٢) الكسر لحمزة والكسائي وخلف ووافقهم الأعمش. والفتح للباقين.

(٣). ٢ : «لذلك».

٧٢

وقوله : يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا [٧٢] يعنى مشركى أهل مكّة ، كانوا إذا سمعوا الرجل ٢١٣ ا من المسلمين يتلو القرآن كادوا يبطشون به.

وقوله (النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ) ترفعها لأنها معرفة فسّرت الشرّ وهو نكرة. كما تقول : مررت برجلين أبوك وأخوك. ولو نصبتها بما عاد من ذكرها ونويت بها الاتّصال بما قبلها كان وجها. ولو خفضتها على الباء «٤» (فأنبئكم) «٥» بشرّ من ذلكم بالنار كان صوابا. والوجه الرفع.

(٤) يريد أن تكون بدلا من شر. [.....]

(٥) ا : «أنبئكم».

٧٣

وقوله : الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [٧٣] الطالب الآلهة والمطلوب الذباب. وفيه معنى المثل.

٧٤

وقوله : ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [٧٤] أي ما عظّموا اللّه حقّ تعظيمه. وهو كما تقول فى الكلام : ما عرفت لفلان قدره أي «٦» عظمته وقصّر به «٧» صاحبه.

(٦) ب : «إذا».

(٧) كأن هذه جملة حالية أي وقد قصر به صاحبه وفى ش ، ب : «صاحبك».

٧٥

وقوله : اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [٧٥] اصطفى منهم جبريل وميكائيل وملك الموت وأشباههم. ويصطفى من الناس الأنبياء.

٧٧

و قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [٧٧] كان الناس يسجدون بلا ركوع ، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع قبل السجود.

٧٨

وقوله : فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [٧٨] من ضيق.

وقوله : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) نصبتها على : وسّع عليكم كملّة أبيكم إبراهيم لأن قوله (وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يقول : وسّعه وسمّحه كملّة إبراهيم ، فإذا ألقيت الكاف نصبت. وقد تنصب (ملة إبراهيم) على الأمر بها لأن أول الكلام أمر كأنّه «١» قال : اركعوا والزموا ملّة إبراهيم.

وقوله : (مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) يعنى القرآن.

(١) فى الأصول «لأنه» وما أثبت عن الطبري.