قوله : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. الحرم كلّه مسجد ، يعنى مكّة وحرمها (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) : بيت المقدس (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) بالثمار والأنهار.
وقوله : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) يعنى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم حين أسرى به ليريه تلك الليلة العجائب. وأرى الأنبياء حتّى وصفهم لأهل مكّة ، فقالوا : فإنّ لنا إبلا فى طريق الشام فأخبرنا
بأمرها ، فأخبرهم بآيات وعلامات ، فقالوا : متى تقدم؟ فقال : يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق. فقالوا : هذه علامات نعرف بها صدقه من كذبه. فغدوا من وراء العقبة يستقبلونها ، فقال قائل : هذه واللّه الشمس قد شرقت ولم تأت. وقال آخر : هذه واللّه العير يقدمها جمل أورق كما قال محمد صلى اللّه عليه وسلم. ثم لم يؤمنوا.
وقوله : أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا [٢] يقال : ربّا ، ويقال : كافيا.
وقوله : ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا [٣] منصوبة على النداء ناداهم : يا ذرّيّة من حملنا مع نوح ، يعنى فى أصلاب الرجال وأرحام النساء ممّن لم يخلق.
وقوله : وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ [٤].
أعلمناهم أنهم سيفسدون مرّتين.
وقوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) يقول : عقوبة أولى المرّتين ، وهو أول الفسادين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ «١» عِباداً لَنا) يعنى بختنصّر فسبى وقتل.
وقوله : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) يعنى : قتلوكم بين بيوتكم (فَجاسُوا) فى معنى أخذوا وحاسوا أيضا بالحاء فى ذلك المعنى.
(١) ا : «عليهم»
وقوله : ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [٦] يعنى على بختنصّر جاء رجل بعثه اللّه عزّ وجلّ على بختنصّر فقتله وأعاد اللّه إليهم ملكهم وأمرهم ، فعاشوا ، ثم أفسدوا وهو آخر الفسادين.
وقوله : فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ [٧] يقول القائل : أين جواب (إذا)؟
ففيه وجهان. يقال : فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوء اللّه وجوهكم «٢» لمن قرأ بالياء. وقد يكون
(٢) هى قراءة ابن عامر وأبى بكر وحمزة وخلف ، كما في الإتحاف.
ليسوء العذاب وجوهكم. وقرأها أبىّ بن كعب ٩٨ ب (لنسوءن وجوهكم) بالتخفيف يعنى النون.
ولو جعلتها مفتوحة اللام كانت جوابا لإذا بلا ضمير فعل. تقول إذا أتيتنى لأسوءنّك ويكون دخول الواو فيما بعد (لنسوءن) بمنزلة قوله (وَ كَذلِكَ نُرِي «١» إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ) نريه «٢» الملكوت ، كذلك الواو فى (وَ لِيَدْخُلُوا) تضمر لها فعلا «٣» بعدها ، وقد قرئت (ليسوءوا وجوهكم) الذين «٤» يدخلون.
(١) الآية ٧٥ سورة الأنعام
(٢) يريد أن متعلق الجار والمجرور فى قوله : «و ليكون» هو فعل مقدر مؤخر وهو (نريه الملكوت)
(٣) أي وليد خلوا المسجد قدرنا ذلك وكتبناه
(٤) هذا تفسير للضمير فى (ليسوءوا)
وقوله : إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [٩]. يقول : لشهادة أن لا إله إلا اللّه.
(وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) أوقعت البشارة على قوله (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) ويجوز أن يكون المؤمنون بشروا أيضا بقوله (وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) لأن الكلام يحتمل أن تقول : بشّرت عبد اللّه بأنه سيعطى وأن عدوّه سيمنع ، ويكون «٥». ويبشّر الذين لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا لهم عذابا أليما ، وإن لم يوقع التبشير عليهم كما أوقعه على المؤمنين قبل (أنّ) فيكون بمنزلة قولك فى الكلام بشّرت أن الغيث آت فيه معنى بشّرت الناس أن الغيث آت وإن لم تذكرهم. ولو استأنفت (وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) صلح ذلك ولم أسمع أحدا.
قرأ به.
(٥) هذا وجه آخر والمراد بالتبشير هنا الإخبار ، ولا يراعى فى الخير أنه سار
وقوله : وَيَدْعُ الْإِنْسانُ [١١] حذفت الواو منها فى اللفظ ولم تحذف فى المعنى لأنها فى موضع رفع ، فكان حذفها باستقبالها اللام السّاكنة. ومثلها (سَنَدْعُ «٦» الزَّبانِيَةَ) وكذلك
(٦) الآية ١٨ سورة العلق
(وَ سَوْفَ «١» يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله (يَوْمَ «٢» يُنادِ الْمُنادِ) وقوله (فَما تُغْنِ «٣» النُّذُرُ) ولو كنّ بالياء والواو كان صوابا. وهذا من كلام العرب. قال الشاعر :
كفاك كفّ ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدّما «٤»
و قال بعض الأنصار :
ليس تخفى بشارتى قدر يوم ولقد تخف شيمتى إعسارى «٥»
و قوله : (وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) يريد كدعائه بالخير فى الرغبة إلى اللّه عزّ وجل فيما لا يحبّ الداعي إجابته ، كدعائه على ولده فلا يستجاب له فى الشرّ وقد دعا به. فذلك أيضا من نعم اللّه عزّ وجلّ عليه.
(١) الآية ١٤٦ سورة النساء
(٢) الآية ٤١ سورة ق. [.....]
(٣) الآية ٥ سورة القمر
(٤) تليق : تمسك. يصفه بالكرم والشجاعة. وقد ورد البيت فى اللسان (لوق) من غير عزو
(٥) «بشارتى» كذا فى ا ، ش. وفى اللسان (يسر) : يسارتى» واليسارة الغنى. وهذه الرواية ظاهرة. والبشارة الجمال وحسن المظهر. يريد أنه لا تظهر عليه الكآبة نوما
وقوله : فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [١٢] حدّثنا محمد بن الجهم قال حدثنا الفراء قال حدثنى مندل بن علىّ عن داود بن أبى هند عن أبى حرب بن أبى الأسود الدّؤلي رفعه إلى علىّ بن أبى طالب رحمه اللّه قال : هو اللّطخ الذي فى القمر.
وقوله : وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ [١٣] وهو عمله ، إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا (وَ نُخْرِجُ لَهُ) قرأها يحيى بن وثّاب بالنون «٦» وقرأها غيره بالياء «٧» مفتوحة : (ويخرج له) طائره ، منهم مجاهدو الحسن. وقرأ أبو جعفر المدنىّ (ويخرج ... له كتابا) معناه : ويخرج له عمله كتابا.
وكلّ حسن.
(٦) وكذا قرأها أكثر المفسرين.
(٧) هى قراءة يعقوب ، وقد وافقه الحسن وابن محيصن
و قوله : اقْرَأْ كِتابَكَ [١٤] : فيها - واللّه أعلم - (يقال) مضمرة. مثل قوله (وَ يَوْمَ تَقُومُ «١» السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) ومثل قوله (فأما الَّذِينَ «٢» اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) المعنى - واللّه أعلم - :
فيقال : أكفرتم.
وقوله : أَمَرْنا مُتْرَفِيها [١٦] قرأ الأعمش ٩٩ ا وعاصم ورجال من أهل المدينة (أَمَرْنا)
خفيفة حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثنى سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد (أَمَرْنا)
خفيفة.
وفسّر بعضهم (أَمَرْنا مُتْرَفِيها)
بالطاعة (فَفَسَقُوا)
أي إن المترف إذا أمر بالطاعة خالف إلى الفسوق «٣».
وفى قراءة أبيّ بن كعب (بعثنا فيها أكابر مجرميها) وقرأ الحسن (آمرنا) وروى عنه (أمرنا) ولا ندرى أنها حفظت عنه لأنا «٤» لا نعرف معناها هاهنا. ومعنى (آمرنا) بالمدّ : أكثرنا. وقرأ أبو العالية الرياحي (أمّرنا مترفيها) وهو موافق لتفسير ابن عباس ، وذلك أنه قال : سلّطنا رؤساءها ففسقوا فيها.
قوله : كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [١٤] وكلّ ما فى القرآن من قوله (وَ كَفى بِرَبِّكَ) (وَ كَفى بِاللَّهِ) و(كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ) فلو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعا كما قال الشاعر «٥» :
و يخبرنى عن غائب المرء هديه كفى الهدى عمّا غيّب المرء مخبرا
و إنما يجوز دخول الباء فى المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه ألا ترى أنك تقول : كفاك به ونهاك به وأكرم به رجلا ، وبئس به رجلا ، ونعم به رجلا ، وطاب بطعامك طعاما ، وجاد بثوبك ثوبا. ولو لم يكن مدحا أو ذمّا لم يجز دخولها ألا ترى أن الذي يقول : قام أخوك أو قعد أخوك
(١) الآية ٤٦ سورة غافر
(٢) الآية ١٠٦ سورة آل عمران.
(٣) ب : «الفسق»
(٤) روى عن أبى زيد أن (أمر) بكسر الميم كأمر بفتحها بمعنى أكثر. وانظر البحر ٦/ ٢٠
(٥) هو زيادة بن زيد العدوى كما فى اللسان (هدى). والهدى : السيرة والسمت.
لا يجوز له أن يقول : قام بأخيك ولا قعد بأخيك إلّا أن يريد قام به غيره وقعد به.
وقوله : عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [١٨] أي ذلك منا لمن نريد.
وقوله : كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ أوقعت عليهما نمدّ أي نمدهم جميعا أي نرزق المؤمن والكافر من عطاء ربّك.
وقوله : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا [٢٣] كقولك : أمر ربك وهى فى قراءة عبد اللّه (وأوصى ربّك) وقال ابن عباس هى (ووصّى) التصقت واوها. والعرب تقول تركته يقضى أمور الناس أي يأمر فيها فينفذ أمره.
وقوله (وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) معناه : وأوصى بالوالدين إحسانا. والعرب تقول أوصيك به خيرا ، وآمرك به خيرا. وكان معناه : آمرك أن تفعل به ثم تحذف (أن «١») فتوصل الخير بالوصيّة وبالأمر ، قال الشاعر :
عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبى دهماء إذ يوصينا
خيرا بها كأننا جافونا
و قوله : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) فإنه ثنّى «٢» لأن الوالدين قد ذكر قبله فصار الفعل على عددهما ، ثم قال (أحدهما أَوْ كِلاهُما) على الائتناف «٣» كقوله (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا «٤») ثم استأنف فقال : (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) وكذلكقوله (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا «٥» النَّجْوَى) ثم استأنف فقال :
(الَّذِينَ ظَلَمُوا) وقد قرأها ناس كثير (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) جعلت (يَبْلُغَنَّ) فعلا لأحدهما. فكرّرت «٦» ب فكرت عليه كلاهما.
(١) يريد (أن) ومعمولها من الفعل
(٢) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(٣) كأن المراد أن يكون اكلام على تقدير فعل أي إن يبلغ أحدهما أو كلاهما كما جاء فى إعراب العكبري والمعروف أن (أحدهما أَوْ كِلاهُما) بدل من الضمير فى (يَبْلُغَنَّ) ، وكذا ما بعده مما جعله على الائتناف هو يدل من الضمير فى الفعل قبله عند الكثير ، وعند الفراء فاعل لفعل مقدر.
(٤) الآية ٧١ سورة المائدة [.....]
(٥) الآية ٣ سورة الأنبياء
(٦) يريد : عطفت. وفى ا ، ش : «فكرت»
و قوله (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) قرأها عاصم بن أبى النّجود والأعمش (أفّ) خفضا بغير نون. وقرأ العوامّ (أفّ) فالذين خفضوا ونوّنوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يعرف معناه إلّا بالنطق به فخفضوه كما تخفض الأصوات. من ذلك قول العرب : سمعت طاق طاق لصوت الضرب ، ويقولون :
سمعت تغ تغ لصوت الضحك. والذين لم ينوّنوا وخفضوا قالوا : أفّ على ثلاثة أحرف ، وأكثر الأصوات إنما يكون على حرفين مثل صه ومثل يغ ومه ، فذلك الذي يخفض وينوّن فيه لأنه متحرك الأوّل. ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهها فيخفض «١» فخفض بالنون :
و شبّهت أفّ بقولك مدّ وردّ إذ كانت على ثلاثة أحرف. ويدلّ على ذلك أنّ بعض العرب قد رفعها فيقول أفّ لك. ومثله قول الراجز :
سألتها الوصل فقالت مضّ وحرّكت لى رأسها بالنغض «٢»
كقول «٣» القائل (لا) يقولها بأضراسه. ويقال : ما علّمك أهلك إلا (مضّ «٤» ومضّ) وبعضهم :
إلّا مضّا يوقع عليها الفعل. وقد قال بعض العرب : لا تقولن له أفّا ولا تفّا يجعل كالاسم فيصيبه الخفض والرفع [والنصب ] ثبت فى ب والنصب «٥» بلا نون يجوز كما قالوا ردّ. والعرب تقول : جعل يتأفّف من ريح وجدها ، معناه يقول : أفّ أفّ. وقد قال الشاعر «٦» فيما نوّن :
وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم وما بال تكليم الديار البلاقع
(١) فى الأصول : «فخفض» والمناسب ما أثبت. ويريد بالأدوات نحو ليت
(٢) النغض تحريك الرأس
(٣) فى اللسان (مضض) فى نقل عبارة الفراء : «مض كقول القائل ...» وهى ظاهرة.
(٤) فى ا : «مض» وفى ش ، ب «إض ومض» وما أثبت من اللسان فى (مضض)
(٥) ا ، ش : «إحنا» وما أثبت من اللسان فى الموضع السابق
(٦) هو هو ذو الرمة ، وإيه استزادة فى الحديث وأصلها التنوين. ولذلك يقول الفراء : «فيما نون». وانظر الديوان ٣٥٦.
فحذف النون لأنها كالأداة ، إذ كانت على ثلاثة أحرف ، شبّهت بقولهم : جير «١» لا أفعل ذاك ، وقد قال الشاعر «٢» :
فقلن على الفردوس أوّل مشرب أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره
(١) جبر بمعنى نعم أو حتا. وهو يجرى مجرى القسم.
(٢) هو مضرس بن ربعى الأسدى. والفردوس موضع فى بلاد بنى يربوع. والدعائر جمع دعثور وهو الخوض المتهدم وأصله دعاثيره فحذف الياء للضرورة ، والضمير فى «دعائره» للفردوس أو للمشرب. يقول : إن النسوة ارتحلن وذكرن أن أول منهل يصادفنه فى رحلتهن فى الفردوس ، فأجابهن الشاعر : حقا ذلك تشربن من هذا الموضع إن أبيحت حياضه ولم تمنع. هذا ويذكر البغدادي فى شرح شواهد المغني فى مبحث جير أن الرواية فى البيت :
و قلن ألا الفردوس أول محضر من الحي إن كانت أبيرت دعاثره
و انظر أبياتا مع هذا فى معجم البلدان فى (الفردوس)
و قوله : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ [٢٤] بالضمّ قرأها العوامّ. حدثنا محمد قال : حدّثنا الفراء قال حدّثنى هشيم عن أبى بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير أنه قرأ (واخفض لهما جناح الذّلّ) بالكسر. قال : حدثنا الفراء وحدثنى الحكم بن ظهير عن عاصم بن أبى النّجود أنه قرأها (الذّلّ) بالكسر. قال أبو زكريا : فسألت أبا بكر عنها «٣» فقال : قرأها عاصم بالضمّ. والذّلّ من الذلّة أن يتذلّل وليس بذليل فى الخلقة ، والذّلّة والذّلّ مصدر «٤» الذليل والذّلّ مصدر للذلول مثل الدابّة والأرض. تقول : جمل ذلول ، ودابّة ذلول ، وأرض ذلول بيّنة الذّلّ.
(٣) فى ش : «عنهما» والمناسب ما أثبت أي عن هذه القراءة. وأبو بكر هو أحد رواة عاصم.
(٤) أي كلاهما مصدر الذليل. والأولى : «مصدرا الذليل».
وقوله : وأما تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ [٢٨] يقول : إذا أتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأعرضت لأنه لا شىء عندك تعطيهم فقل لهم : قولا ميسورا ، يقول : عدهم عدة حسنة. ثم نهاه «٥» أن يعطى كلّ ما عنده حتى لا يبقى محسورا لا شىء عنده. والعرب تقول للبعير :
هو محسور إذا انقطع سيره وحسرت الدابّة إذا سرتها حتى ينقطع سيرها. وقوله : (يَنْقَلِبْ «٦» إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) يحسر عند أقصى بلوغ المنظر.
(٥) أي فى قوله تعالى فى الآية التالية : «و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا»
(٦) الآية ٤ سورة الملك. [.....]
و قوله : خِطْأً كَبِيراً [٣١] وقرأ الحسن خطاء «١» كبيرا بالمدّ. وقرأ أبو جعفر المدنىّ (خطأ كبيرا) قصر وهمز. وكلّ صواب. وكأنّ الخطأ الإثم. وقد يكون فى معنى خطأ بالقصر.
كما قالوا : قتب «٢» وقتب ، وحذر وحذر ، ونجس ونجس. ومثله قراءة من قرأ (هم «٣» أولاء على أثرى) و(إثرى).
(١) المنسوب إلى الحسن فى الإتحاف فتح الخاء وسكون الطاء.
(٢) القتب والقتب : إكاف البعير.
(٣) الآية ٨٤ سورة طه.
وقوله : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [٣٣] فى الاقتصاص أو قبول الدّية.
ثم قال : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) فقرئت بالتّاء «٤» والياء. فمن قال بالياء ذهب إلى الولىّ أي لا يقتلنّ غير قاتله. يقول فلا يسرف لولىّ فى القتل. قال : حدّثنا القراء قال وحدّثنى غير واحد ، منهم مندل وجرير وقيس عن مغيرة عن إبراهيم عن أبى معمر عن حذيفة بن اليمان أنه قرا (فلا تسرف) بالتاء.
وفى قراءة أبىّ (فلا يسرفوا فى القتل).
وقوله (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) يقال : إن وليّه كان منصورا. ويقال الهاء للدم. إن دم المقتول كان منصورا لأنه ظلم. وقد تكون الهاء للمقتول نفسه ، وتكون للقتل لأنه فعل فيجرى مجرى الدم واللّه أعلم بصواب ذلك.
(٤) القراءة بالتاء لحمزة والكسائي وخلف ، وبالياء لغيرهم.
وقوله : حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [٣٤] حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال وحدثنى حبّان بن علىّ عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال : الأشدّ. ما بين ثمانى عشرة إلى ثلاثين.
وقوله : وَلا تَقْفُ [٣٦] أكثر القراء يجعلونها من قفوت ، فتحرّك الفاء إلى الواو ، فتقول (وَ لا تَقْفُ) وبعضهم قال (ولا تقف «٥») والعرب تقول قفت أثره وقفوته. ومثله يعتام ويعتمى «٦»
(٥) فى البحر نسبتها إلى معاذ القارئ.
(٦) أي يختار.
وقاع الجمل الناقة وقعا إذا ركبها ، وعاث وعثى من الفساد. وهو كثير ، منه شاك السلاح وشاكى السلاح ، وجرف هار وهار. وسمعت بعض قضاعة يقول : اجتحى ماله واللغة الفاشية اجتاح ماله.
وقد قال الشاعر :
و لو أنى رأيتك من بعيد لعاقك من دعاء النيّب عاقى
يريد : عائق
حسبت بغام راحلتى عناقا وما هى ويب غيرك بالعناق «١»
و قوله : كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً [٣٨] وقرأ بعض «٢» أهل الحجاز (كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً).
(١) انظر ص ٦٢ من الجزء الأول.
(٢) القراءة الأولى لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش والقراءة الآخرة للباقين.
وقوله : تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ [٤٤].
أكثر القراء على التاء. وهى فى قراءة عبد اللّه (سبّحت له السموات السبع) فهذا يقوّى الذين قرءوا بالتاء. ولو قرئت «٣» بالياء لكان صوابا كما قرءوا (تَكادُ «٤» السَّماواتُ) و(يكاد) «٥» وإنما حسنت الياء لأنه عدد قليل ، وإذا قلّ العدد من المؤنّث والمذكر كانت الياء فيه أحسن من التاء قال اللّه عزّ وجلّ فى المؤنّث القليل (وَ قالَ نِسْوَةٌ «٦» فِي الْمَدِينَةِ) ، وقال فى المذكّر (فَإِذَا «٧» انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) فجاء بالتذكير. وذلك أن أوّل فعل المؤنث إذا قلّ يكون بالياء ، فيقال :
النسوة يقمن ١٠٠ ب. فإذا تقدّم الفعل سقطت النون من آخره لأن الاسم ظاهر فثبت الفعل من أوّله على
(٣) هى قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر ورويس كما فى الإتحاف.
(٤) الآية ٩٠ سورة مريم.
(٥) هى قراءة نافع والكسائي.
(٦) الآية ٣٠ سورة يوسف.
(٧) الآية ٥ سورة التوبة.
الياء ، ومن أنّث ذهب إلى أن الجمع يقع عليه (هذه) فأنّث لتأنيث (هذه) والمذكر فيه كالمؤنّث ألا ترى أنك تقول : هذه الرجال ، وهذه النساء. حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : حدثنى قيس بن الربيع عن عمّار الدهنىّ عن سعيد بن جبير قال : كل تسبيح فى القرآن فهو صلاة ، وكلّ سلطان حجّة ، هذا لقوله (وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).
وقوله : عِظاماً وَرُفاتاً : الرّفات : التراب لا واحد له ، بمنزلة الدّقاق والحطام.
وقوله : أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ [٥١] قالوا للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم : أرأيت لو كنّا الموت من يميتنا؟ فأنزل اللّه عز وجل (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) يعنى الموت نفسه أي لبعث اللّه عليكم من يميتكم.
وقوله (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) يقال أنغض رأسه أي حرّكه إلى فوق وإلى أسفل.
وأرانا ذلك أبو زكريا «١» فقال برأسه ، فألصقه بحلقه ثم رفعه كأنه ينظر إلى السّقف. والرأس ينغض وينغض. والثنيّة إذا تحركت : قيل نغضت سنّه. وإنما يسمى الظليم نغضا لأنه إذا عجّل مشيه ارتفع وانخفض.
وقوله : (وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ) يعنى البعث.
(١) أي أشار برأسه وفعل. وفى النهاية : العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال ، وتطلقه على غير الكلام واللسان فتقول : قال بيده أي أخذ وقال برجله أي مشى.» [.....]
وقوله : وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [٥٤] يقول : حافظا وربّا.
وقوله : زَبُوراً [٥٥] قال الفراء وحدثنى أبو بكر قال كان عاصم يقرأ (زَبُوراً) بالفتح فى كلّ القرآن. وقرأ حمزة بالضمّ.
وقوله : أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [٥٧] يعنى الجنّ الذين كانت خزاعة تعبدهم. فقال اللّه عز وجل (أُولئِكَ) يعنى الجنّ الذين (يدعونهم) يبتغون إلى اللّه. ف (يَدْعُونَ) فعل للذين يعبدونهم. و(يَبْتَغُونَ) فعل للجنّ به «٢» ارتفعوا.
(٢) يريد أن الضمير فى (يبتغون) ارتفع بالفعل.
و قوله : وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها [٥٨] بالموت (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) بالسّيف.
وقوله : وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ [٥٩] (أن) فى موضع نصب (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ) أن فى موضع رفع كما تقول : ما منعهم الإيمان إلّا تكذيبهم.
وقوله (النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) جعل الفعل لها. ومن «١» قرأ (مبصرة) أراد : مثل قول عنترة.
والكفر مخبثة لنفس المنعم «٢»
فإذا وضعت مفعلة فى معنى فاعل كفت من الجمع والتأنيث ، فكانت موحّدة مفتوحة العين ، لا يجوز كسرها. العرب تقول : هذا عشب ملبنة «٣» مسمنة «٤» ، والولد مبخلة مجبنة. فما ورد عليك منه فأخرجه على هذه الصورة. وإن كان من الياء والواو فأظهرهما. تقول : هذا شراب مبولة ، وهذا كلام مهيبة للرجال «٥» ، ومتيهة ، وأشباه ذلك. ومعنى (مبصرة) مضيئة ، كما قال اللّه عز وجل (والنَّهارَ مُبْصِراً) : «٦» مضيئا.
(١) هو قتادة كما فى البحر ٦/ ٥٣
(٢) صدره :
نبئت عمرا غير شاكر نعمتى
و هو من معلقته.
(٣) أي يغزر عليه اللبن إذا رعى.
(٤) أي يكثر السمن فى لبن المال إذا رعاه.
(٥) ش ، ب : «للرجل»
(٦) الآيات ٦٧ سورة يونس ، ٨٦ سورة النمل ، ٦١ سورة غافر.
وقوله : إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ [٦٠] يعنى أهل مكة أي أنه سيفتح لك (وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً) يريد : ما أريناك ليلة الإسراء إلا فتنة لهم ، حتى قال بعضهم : ساحر ، وكاهن ، وأكثروا. (وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) هى شجرة الزّقوم ، نصبتها بجعلنا. ولو رفعت تتبع الاسم «٧» الذي فى فتنة من الرؤيا كان صوابا. ومثله فى الكلام جعلتك عاملا وزيدا وزيد.
(٧) كأنه يريد الضمير فى (فتنة) وعند الكوفيين أن الخبر الجامد يتحمل ضميرا. وفى العكبري أن الرفع قراءة شاذة وأنه على جعل (الشجرة) مبتدأ محذوف الخبر أي فتنة
و قوله : لَأَحْتَنِكَنَّ ١٠١ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [٦٢] يقول : لأستولينّ عليهم (إِلَّا قَلِيلًا) يعنى المعصومين.
وقوله : وَاسْتَفْزِزْ [٦٤] يقول استخفّ (بِصَوْتِكَ) بدعائك (وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) يعنى خيل المشركين ورجالهم.
وقوله (وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) كلّ مال خالطه حرام فهو شركه. وقوله (وَ عِدْهُمْ) أي قل لهم : لا جنّة ولا نار. ثم قال اللّه تبارك وتعالى (وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).
وقوله : لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً [٦٩] يقال : ثائرا وطالبا. فتبيع فى معنى تابع.
وقوله : يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [٧١] قراءة العوامّ بالنون. و(يدعوا «١») أيضا للّه تبارك وتعالى. حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال : وسألنى هشيم فقال : هل يجوز (يوم يدعوا كلّ أناس) رووه عن الحسن فأخبرته أنى لا أعرفه ، فقال : قد سألت أهل العربيّة عن ذلك فلم يعرفوه «٢».
(١) هى قراءة الحسن.
(٢) فى الكشاف أن هذا جاء على قلب الألف واوا فى لغة من يقول : أفعو فى أفعى.
وقوله : وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى [٧٢] يعنى : فى نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) فى نعم الآخرة (أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا).
والعرب إذا قالوا : هو أفعل منك قالوه فى كل فاعل وفعيل ، وما لا يزاد فى فعله شىء على ثلاثة أحرف. فإذا كان على فعللت مثل زخرفت ، أو أفعلت مثل احمررت واصفررت لم يقولوا : هو أفعل منك إلا أن يقولوا : هو أشدّ حمرة منك ، وأشدّ زخرفة منك. وإنما جاز فى العمى لأنه لم يرد به عمى العين ، إنما أراد به - واللّه أعلم - عمى القلب. فيقال : فلان أعمى من فلان فى القلب
و (لا تقل) «١» : هو أعمى منه فى العين. فذلك أنه لمّا جاء على مذهب أحمر وحمراء ترك فيه أفعل منك كما ترك فى كثيره «٢». وقد تلقى بعض النحويين يقول : أجيزه فى الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق ، لأنا قد نقول : عمى وزرق وعرج وعشى ولا نقول : صفر ولا حمر ولا بيض. وليس ذلك بشىء ، إنما ينظر فى هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فعل يقلّ أو يكثر ، فيكون أفعل دليلا على قلّة الشيء وكثرته ألا ترى أنك قد تقول : فلان أقوم من فلان وأجمل لأنّ قيام ذا وجماله قد يزيد على قيام الآخر وجماله ، ولا تقول لأعميين : هذا أعمى من هذا ، ولا لميّتين : هذا أموت من هذا.
فإن جاءك منه شىء فى شعر فأجزته احتمل النوعان «٣» الإجازة : حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى شيخ من أهل البصرة أنه سمع العرب تقول : ما أسود شعره. وسئل الفراء عن الشيخ فقال : هذا بشّار الناقط. وقال الشاعر «٤» :
أمّا الملوك فأنت اليوم ألأمهم لؤما وأبيضهم سربال طبّاخ
فمن قال هذا لزمه أن يقول : اللّه أبيضك واللّه أسودك وما أسودك. ولعبة للعرب يقولون أبيضى حالا «٥» وأسيدى حالا «٦» والعرب تقول مسودة مبيضة إذا ولدت السودان والبيضان وأكثر ما يقولون : موضحة إذا ولدت البيضان وقد يقولون مسيدة ١٠١ ب.
(١) ا : «لم يقل».
(٢) كأنه يريد مازاد على ثلاثة أحرف كاحمر.
(٣) كأنه يريد بالنوعين ما ليس له فعل ثلاثى ، وماله فعل ثلاثى ولا تفاوت فيه ولا تفاضل.
(٤) هو طرفة بن العبد ، يقوله فى هجاء عمرو بن هند ، كما فى التاج. والسربال : الثوب. كنى ببياض سربال طباخه عن قلة طبخه فيبقى سرباله نظيفا ، وهذا يراد به البخل وأنه لا يبذل طعامه ، إذ لو كان كذلك لاسود سربال طباخه ويقول ابن الكلبي : إن هذا الشعر منحول لطرفة. وانظر الخزانة ٣/ ٤٨٤ [.....]
(٥ ، ٦) فى القاموس : «حبالا» وقد نقل هذا عن الصاغاني. وفى التكملة له «حالا» كما هنا فيبدو أنه الصواب.
ولم أقف على وصف هذه اللعبة.
وقوله : وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ [٧٦] لمّا قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة حسدته اليهود وثقل عليهم مكانه ، فقالوا : إنك لتعلم أن هذه البلاد ليست ببلاد الأنبياء ، إنما بلادهم
الشام. فإن كنت نبيّا فاخرج إليه ، فإن اللّه سينصرك. قال : فعسكر النبي صلى اللّه عليه وسلم على أميال من المدينة فأنزل اللّه : (وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ليستخفونك وإذا لا يلبثون من الأرض (خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا) يقول : إنك لو خرجت ولم يؤمنوا لنزل بهم العذاب.
وقوله : سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ [٧٧] نصب السنّة على العذاب المضمر ، أي يعذّبون كسنّة من قد أرسلنا (وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا).
وقوله : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ [٧٨].
جاء عن ابن عباس قال : هو زيغوغتها وزوالها للظهر. قال أبو زكريّا : ورأيت العرب تذهب بالدلوك إلى غياب الشمس أنشدنى بعضهم :
هذا مقام قدمى رباح ذبّب حتى دلكت براح
يعنى الساقي ذبّب : طرد الناس. براح يقول : حتى قال «١» بالراحة على العين فينظر هل غابت قال : هكذا فسّروه.
وقوله (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) : أوّل ظلمته للمغرب والعشاء.
وقوله (وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ) أي وأقم قرآن الفجر (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) يعنى صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.
(١) ا : «يقال» وقال بالراحة : أشار بها. ورواه غير الفراء : «براح» بفتح الباء. وبراح اسم الشمس.
وانظر اللسان (برح)
وقوله : نافِلَةً لَكَ [٧٩] ليست لأحد نافلة إلا للنبى صلى اللّه عليه وسلم ، لأنه ليس من أحد إلّا يخاف على نفسه ، والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فعمله نافلة.
وقوله : وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [٨٠] قال له فى المنصرف لمّا رجع من معسكره إلى المدينة حين أراد الشام (وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) إلى مكة.
و قوله : كانَ يَؤُساً [٨٣] إذا تركت الهمزة من قوله (يؤوسا) فإن العرب تقول يوسا ويووسا تجمعون «١» بين ساكنين وكذلك (وَ لا يَؤُدُهُ «٢» حِفْظُهُما) وكذلك (بِعَذابٍ «٣» بَئِيسٍ) يقول بيس و(بييس) و(يؤوده) يجمعون بين ساكنين. فهذا كلام العرب : والقراء يقولون (يووسا) و(يووده) فيحرّكون الواو إلى الرفع و(بييس) يحرّكون الياء الأولى إلى الخفض. ولم نجد ذلك فى كلامهم ، لأن تحريك الياء والواو أثقل من ترك الهمزة ، فلم يكونوا ليخرجوا من ثقل إلى ما هو أثقل منه.
(١) أي إذا حذفت الهمزة خلفتها واو ساكتة فتجتمع ساكنة مع الواو الأولى ، وهذا الرأى من الفراء لا يعرف لغيره.
(٢) الآية ٢٥٥ سورة البقرة
(٣) الآية ١٦٥ سورة الأعراف
وقوله : قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ [٨٤] : ناحيته. وهى الطريقة والجديلة. وسمعت بعض العرب من قضاعة يقول : وعبد الملك إذا ذاك على جديلته وابن الزبير على جديلته. والعرب تقول : فلان على طريقة صالحة ، وخيدبة صالحة ، وسرجوجة. وعكل تقول : سرجيجة.
وقوله : قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [٨٥] يقول : من علم ربّي ، ليس من علمكم.
وقوله : إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [٨٧] استثناء «٤» كقوله (إِلَّا حاجَةً «٥» فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها).
(٤) يريد أنه استثناء منقطع بمعنى لكن الاستدراكية ، كما فى آية يوسف
(٥) الآية ٦٨ سورة يوسف
وقوله : عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ [٨٨] جواب «٦» لقوله (لئن) والعرب إذا أجابت (لئن) ب (لا) جعلوا ما بعد لا رفعا لأن (لئن) كاليمين ، وجواب اليمين ب (لا) مرفوع.
وربما جزم الشاعر ، لأن (لئن) «٧» إن التي يجازى بها زيدت عليها لام ، فوجّه الفعل فيها إلى فعل ، ولو أتى بيفعل لجاز جزمه. وقد جزم بعض الشعراء بلئن ، وبعضهم بلا التي هى جوابها.
قال الأعشى :
(٦) أي قوله : لا يأتون»
(٧) ا : «بعد إن»
لئن منيت بنا عن غبّ معركة لا تلفنا من دماء القوم ننتفل «١»
١٠٢ ا وأنشدتنى امرأة عقيليّة فصيحة :
لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا أصم فى نهار القيظ للشمس باديا
و أركب حمارا بين سرج وفروة وأعر من الخاتام صغرى شماليا «٢»
قال وأنشدنى الكسائي للكميت بن معروف :
لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ليعلم ربّى أنّ بيتي واسع «٣»
و قوله (لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الظهير العون.
(١) البيت فى معلقته ، والانتفال : التبرؤ ، ومنيت : ابتليت.
(٢) انظر ص ٦٧ من الجزء الأول
(٣) انظر ص ٦٦ من الجزء الأول
وقوله : مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [٩٠].
الذي ينبع ، ويقال : ينبع لغتان. و(تفجر) قرأها يحيى بن وثّاب وأصحاب عبد اللّه بالتخفيف «٤». وكأن الفجر مرة واحدة و(فَتُفَجِّرَ) فكأن التفجير من أماكن. وهو بمنزلة فتحت الأبواب وفتحتها.
(٤) قراءة التخفيف العاصم والكسائي وحمزة ويعقوب وخلف وافقهم الحسن والأعمش. وقراءة التشديد للباقين
وقوله : كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً [٩٢].
و(كِسَفاً) الكسف «٥» : الجماع. قال : سمعت أعرابيّا يقول لبزّاز ونحن بطريق مكة :
أعطنى كشفة أي قطعة. والكشف مصدر. وقد تكون الكسف جمع كسفة وكسف.
وقوله (أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا) أي كفيلا.
(٥) قرأ بفتح السين نافع وابن عامر وعاصم وأبو جعفر ، وقرأ الباقون بإسكانها [.....]
وقوله : أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ [٩٣]. المعنى : إلى السّماء. غير أن جوازه أنهم قالوا : أو تضع سلّما فترقى عليه إلى السماء ، فذهبت (فى) إلى السلّم.
و قوله : وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [٩٤] أن فى موضع نصب (إِلَّا أَنْ قالُوا) (أن) فى موضع رفع.
(أَوْ يَكُونَ «١» لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى حبّان عن الكلبىّ قال : الزخرف : الذهب.
(١) هذا وتفسيره فى الآية ٩٣ السابقة. ومكانه قبل قوله : «أو ترقى فى السماء»
وقوله : لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ [١٠٢] قرأها ابن عباس وابن مسعود (علمت) بنصب التاء.
حدّثنا محمد قال : حدّثنا الفراء قال : وحدّثنى هشيم عن أبى بشر عن سعيد بن جبير (لَقَدْ عَلِمْتَ) مثله بنصب التاء. حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : وحدّثنى قيس وأبو الأحوص جميعا عن أبى إسحاق عن شيخ من مراد عن علىّ أنه قال : واللّه ما علم عدوّ «٢» اللّه ، إنما علم موسى. وكان يقرأ (علمت) برفع التاء. وفسّره الكلبىّ بإسناده على قراءة علىّ وتفسيره. وأما ابن عباس وابن مسعود فقالا : قد قال اللّه عزّ وجل (وَ جَحَدُوا «٣» بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) قال الفراء : والفتح أحبّ إلىّ وقال «٤» بعضهم : قرأ الكسائي بالرفع ، فقال : أخالفه أشدّ الخلاف.
(٢) يريد فرعون
(٣) الآية ١٤ سورة النمل
(٤) الظاهر أن هذا من المستملي ، أي قال المستملي للفراء : إن بعض القراء نسب إلى الكسائي القراءة بالضم فقال الفراء إنى أخالفه فى هذا ولا أقبل قراءته
وقوله : يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [١٠٢] ممنوعا من الخير. والعرب تقول : ما ثبرك عن ذا أي ما منعك منه وصرفك عنه.
وقوله : جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً [١٠٤] من هاهنا وهاهنا وكلّ جانب.
وقوله : وَقُرْآناً فَرَقْناهُ [١٠٦] نصبت القرآن بأرسلناك أي ما أرسلناك إلا مبشّرا ونذيرا وقرآنا أيضا كما تقول : ورحمة لأن القرآن رحمة. ويكون نصبه بفرقناه على راجع ذكره. فلمّا كانت الواو قبله
نصب. مثله (وَ فَرِيقاً «١» حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) وأما (فَرَقْناهُ) بالتخفيف فقد قرأه أصحاب «٢» عبد اللّه.
والمعنى أحكمناه وفصّلناه كما قال (فِيها «٣» يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي يفصّل. وروى عن ابن عباس (فرّقناه يقول : لم ينزل فى يوم ولا يومين. حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : وحدثنى الحكم بن ظهير عن السّدّى عن أبى مالك عن ابن عباس (وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ) مخففة.
(١) الآية ٣٠ سورة الأعراف
(٢) هى قراءة عامة القراء. وقرأ بالتشديد ابن محيصن
(٣) الآية ٤ سورة الدخان
وقوله : أَيًّا ما تَدْعُوا [١١٠] (ما) قد يكون صلة ، كما قال تبارك وتعالى (عَمَّا قَلِيلٍ «٤» لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) وتكون فى معنى أىّ معادة لمّا اختلف لفظهما :
و قوله : (وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا) أي قصدا.