[قوله : سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ].
حدثنا محمد بن الجهم قال : حدّثنا الفراء قال حدّثنى عماد بن الصّلت العكلىّ عن سعيد بن مسروق أبى سفيان عن الربيع بن خيثم «٤» أنه قرأ (سبحانه وتعالى عمّا تشركون) الأولى والتي بعدها كلتاهما «٥» بالتاء : وتقرأ بالياء. فمن قال بالتاء فكأنه خاطبهم ومن قرأ بالياء فكأنّ القرآن نزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم ثم قال (سُبْحانَهُ) يعجّبه من كفرهم وإشراكهم.
(٤) فى ا : «خثيم ، بتقدم المثلثة على الياء. والتصويب من الخلاصة. وكانت وفاته سنة ٦٤ ه
(٥) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
وقوله : يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ [٢] بالياء ، و(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) بالتاء «٦». وقراءة أصحاب عبد اللّه (ينزّل الملائكة) بالياء.
(٦) هذه قراءة ردح عن يعقوب ، ووافته الحسن.
و قوله : وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ [٥] نصبت (الأنعام) بخلقها لمّا كانت فى الأنعام واو. كذلك كلّ فعل عاد على اسم بذكره ، قبل الاسم واو أو فاء أو كلام يحتمل نقلة الفعل إلى ذلك الحرف الذي قبل الاسم ففيه وجهان : الرفع والنصب. أمّا النصب فأن تجعل الواو ظرفا للفعل. والرفع أن تجعل الواو ظرفا للاسم الذي هى معه. ومثله (وَ الْقَمَرَ «١» قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (وَ السَّماءَ بَنَيْناها «٢» بِأَيْدٍ) وهو كثير.
ومثله : . وإن أردت : وكلّ من ضربوه هو فى الدار رفعت.
وقوله : (لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ) وهو ما ينتفع به من أوبارها. وكتبت بغير همز لأن الهمزة إذا سكن ما قبلها حذفت من الكتاب ، وذلك لخفاء الهمزة إذا سكت عليها ، فلمّا سكن ما قبلها ولم يقدروا على همزها فى السكت كان سكوتهم كأنه على الفاء. وكذلكقوله : (يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ) و(النَّشْأَةَ) «١» و(مِلْ ءُ الْأَرْضِ) واعمل فى الهمز بما وجدت فى هذين الحرفين.
وإن كتبت الدّفء فى الكلام بواو فى الرفع وياء فى الخفض وألف فى النصب كان صوابا.
وذلك على ترك الهمز ونقل إعراب الهمزة إلى الحرف الذي قبلها. من ذلك قول العرب. هؤلاء نشء صدق ، فإذا طرحوا الهمزة قالوا : هؤلاء نشو صدق ورأيت نشا صدق ومررت بنشى صدق. وأجود من ذلك حذف الواو والألف والياء لأن قولهم : يسل أكثر من يسال ، ومسلة أكثر من مسالة وكذلك بين المر وزوجه إذا تركت الهمزة.
والمنافع : حملهم على ظهورها ، وأولادها وألبانها. والدفء : ما يلبسون منها ، ويبتنون من أوبارها.
وقوله : حِينَ تُرِيحُونَ [٦] أي حين تريحون إبلكم : تردّونها بين الرعي ومباركها يقال لها المراح. والسروح بالغداة (قال «٢» الفرّاء) إذا سعت للرعى.
(١) كذا وقد يكون النشأ حتى تكون الهزة بسكت عليها.
(٢) سقط ما بين القوسين فى ا.
و قوله : بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [٧] أكثر القرّاء على كسر الشين ومعناها : إلا بجهد الأنفس. وكأنه اسم وكأن الشّقّ فعل كما توهّم أن الكره الاسم وأن الكره الفعل. وقد قرأ به بعضهم «١» (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) وقد يجوز فى قوله : (بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) أن تذهب إلى أن الجهد ينقص من قوّة الرجل ونفسه حتى يجعله قد ذهب بالنصف من قوّته ، فتكون الكسرة على أنه كالنصف والعرب تقول : خذ هذا الشّقّ لشقّة الشاة ويقال : المال بينى وبينك شقّ الشعرة وشقّ الشعرة وهما متقاربان ، فإذا قالوا شققت عليك شقّا نصبوا ولم نسمع غيره.
(١) هو أبو جعفر كما فى الإتحاف وقد وافقه اليزيدي راوى أبى عمرو ، وخالف فى هذا أبا عمرو.
و قوله : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ [٨] تنصبها بالردّ على خلق. وإن شئت جعلته منصوبا على إضمار سخّر : فيكون فى جواز إضماره مثل قوله : (خَتَمَ «٢» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) من «٣» نصب فى البقرة نصب الغشاوة بإضمار (وجعل) ولو رفعت (الخيل والبغال والحمير) كان صوابا من وجهين.
أحدهما أن تقول : لمّا لم يكن الفعل معها ظاهرا رفعته على الاستئناف.
والآخر أن يتوهّم أن الرفع فى الأنعام قد كان يصلح فتردّها على ذلك كأنك قلت :
و الأنعام خلقها ، والخيل والبغال على الرفع.
وقوله عزّ وجلّ : (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ، ننصبها : ونجعلها زينة على فعل مضمر ، مثل وَحِفْظاً «٤» مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ) أي جعلناها. ولو لم يكن فى الزينة ولا فى (وَ حِفْظاً) واو لنصبتها بالفعل الذي قبلها لا بالإضمار. ومثله أعطيتك درهما ورغبة فى الأجر ، المعنى أعطيتكه رغبة.
فلو ألقيت الواو لم تحتج إلى ضمير لأنه متّصل بالفعل الذي قبله.
(٢) الآية ٧ سورة البقرة.
(٣) هو المفضل كما فى البحر المحيط ١/ ٤٩.
(٤) الآية ٩ سورة الصافات.
وقوله : وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ [٩] يقال : هداية الطرق. ويقال السبيل ، الإسلام
(وَ مِنْها جائِرٌ) ، يقال : الجائر اليهوديّة والنصرانيّة. يدلّ على هذا أنّه «١» القول قوله (وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ).
(١) هذا بدل من قوله : «هذا».
وقوله : تُسِيمُونَ [١٠] ترعون إبلكم.
وقوله : مَواخِرَ فِيهِ [١٤] واحدها «٢» ماخرة وهو صوت جرى الفلك بالرياح ، وقد مخرت تمخر وتمخر.
(٢) الأولى : «واحدتها».
وقوله : وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [١٦] يقال : الجدى والفرقدان.
وقوله : أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [١٧] جعل (من) لغير الناس لمّا ميّزه فجعله مع الخالق وصلح ، كما قال : (فَمِنْهُمْ «٣» مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) والعرب تقول : اشتبه علىّ الراكب وحمله فما أدرى من ذا من «٤» ذا ، حيث جمعهما وأحدهما إنسان صلحت (من) فيهما جميعا.
(٣) الآية ٤٥ سورة النور.
(٤) فى تفسير الطبري : «و من ذا».
وقوله : أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [٢١] رفعته بالاستئناف. وإن شئت رددته إلى أنه خبر للذين فكأنه قال : والذين تدعون من دون اللّه أموات. الأموات فى غير هذا الموضع أنها لا روح فيها يعنى الأصنام. ولو كانت نصبا على قولك يخلقون أمواتا على القطع «٥» وعلى وقوع الفعل أي ويخلقون «٦» أمواتا ليسوا بأحياء.
وقوله : (وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) يقول : هى أموات فكيف تشعر متى تبعث ، يعنى
(٥) كانه يريد الحال. [.....]
(٦) كأن الأصل : لا يخلقون أمواتا ، وهذا بالبناء للفاعل وما قبله بالبناء للمفعول.
الأصنام. ويقال للكفار : وما يشعرون أيّان. وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمىّ (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) بكسر ألف (إيّان) وهى لغة لسليم وقد سمعت بعض العرب يقول : متى إيوان «١» ذاك والكلام أوان ذلك.
(١) كذا فى الأصول. وفى اللسان (أون) نقلا عن الكسائي ، وفيه (أين) نقلا عن الفراء : «أوان» وكأن ما هنا إن صح نشأ من إشباع كسرة الهمزة.
وقوله : وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ [٣٠] جَنَّاتُ عَدْنٍ [٣١].
ترفع الجنات لأنه اسم لنعم كما تقول : نعم الدار دار تنزلها. وإن شئت جعلت (وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) مكتفيا بما قبله ، ثم تستأنف الجنات فيكون رفعها على الاستئناف. وإن شئت رفعتها بما عاد من ذكرها فى (يَدْخُلُونَها).
وقوله : إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [٣٨] قرأها أصحاب «٢» عبد اللّه (يهدّى) يريدون : يهتدى من يضلّ. والعرب تقول للرجل : قد هدّى الرجل يريدون : اهتدى.
ومثله (أَمَّنْ لا يَهِدِّي «٣» إِلَّا أَنْ يُهْدى ) ، حدثنا «٤» محمّد قال : حدّثنا الفراء قال حدّثنى الحسن بن عيّاش أخو أبى بكر بن عيّاش وقيس بن الربيع وغيرهما عن الأعمش عن الشّعبى عن علقمة أنه قرأ (لا يهدى من يضل) كذلك.
وقرأها أهل الحجاز (لا يهدى من يضلّ) وهو وجه جيّد لأنها فى قراءة أبىّ (لا هادى لمن أضل اللّه) ومن فى الوجهين جميعا فى موضع رفع ومن قال (يهدى) كانت رفعا إذ لم يسمّ فاعلها ومن «٥» قال (لا يهدى) يريد : يهتدى يكون الفعل لمن.
(٢) هى قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف كما فى الإتحاف.
(٣) الآية ٣٥ سورة يونس وهو يريد قراءة حمزة والكسائي وخلف بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال
(٤) سقط ما بين القوسين فى ا.
(٥) كذا والأولى حذف الواو.
و قوله : بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا [٣٨] بلى ليبعثنّهم وعدا عليه حقّا. ولو كان رفعا على قوله :
بلى ذلك وعد عليه حقّ كان صوابا.
وقوله : إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [٤٠] القول مرفوع بقوله :
(أَنْ نَقُولَ) كما تقول : إنما قولنا الحقّ. وأماقوله (فَيَكُونُ) فهى منصوبة «١» بالردّ على نقول.
ومثلها التي فى يس منصوبة ، وقد رفعها أكثر القراء. وكان الكسائىّ يردّ الرفع فى النحل ٩٤ ب.
وفى يس «٢» وهو جائز على أن تجعل (أن تقول له) كلاما تامّا ثم تخبر بأنه سيكون ، كما تقول للرجل : إنّما يكفيه أن آمره ثم تقول : فيفعل بعد ذلك ما يؤمر.
(١) النصب قراءة ابن عامر والكسائي.
(٢) فى الآية ٨٢.
وقوله : (وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا [٤١] ذكر أنها نزلت فى عمّار وصهيب وبلال ونظرائهم الذين عذّبوا بمكّة (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) : نزول المدينة ، ولنحلّلنّ لهم الغنيمة. و(الذين) موضعها رفع.
وقوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا [٤٣] ثم قال : بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ [٤٤] بعد إلّا وصلة ما قبل إلّا لا تتأخّر بعد إلّا. وذلك جائز على كلامين. فمن ذلك أن تقول : ما ضرب زيدا إلّا أخوك ، وما مرّ بزيد إلّا أخوك. (فإن قلت ما ضرب [سقط فى ا] إلّا أخوك زيدا أو ما مرّ إلا أخوك بزيد) فإنه على كلامين تريد ما مرّ إلا أخوك ثم تقول : مرّ بزيد. ومثله قول الأعشى :
و ليس مجيرا إن أتى الحىّ خائف ولا قائلا إلا هو المتعيّبا «٣»
(٣) من قصيدة له يهجو فيها عمرو بن المنذر ويعاتب بنى سعد بن قيس. ويذكر هذا فى وصف الغريب عن قومه وما يلاقيه من هوان وعجز ، فهو لا يستطيع أن يجير خائفا ، وإذا قيل فى المجلس قول معيب نسب إليه. والمتعيب من تعيبه عابه ونقصه ، وهو وصف للقول. وانظر ديوانه نشر الدكتور كامل حسين ص ١١٣.
فلو كان على كلمة واحدة كان خطأ لأن المتعيّب من صلة القائل فأخّره ونوى كلامين فجاز ذلك.
وقال الآخر :
نبّئتهم عذّبوا بالنار جارتهم وهل يعذّب إلّا اللّه بالنار «١»
و رأيت الكسائىّ يجعل (إلّا) مع الجحد والاستفهام بمنزلة غير فينصب ما أشبه هذا على كلمة واحدة ، واحتجّ بقول الشاعر «٢» :
فلم يدر إلّا اللّه ما هيّجت لنا أهلّة آناء الديار وشامها
و لا حجّة له فى ذلك لأنّ (ما) فى موضع أىّ «٣» فلها فعل مضمر على كلامين. ولكنه حسن قوله ، يقول اللّه عزّ وجلّ (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) «٤» فقال : لا أجد المعنى إلّا لو كان فيهما آلهة غير اللّه لفسدتا ، واحتجّ بقول الشاعر «٥» :
أبنى لبينى لستم بيد إلّا يد ليست لها عضد
فقال لو كان المعنى إلّا كان الكلام فاسدا فى هذا لأنى لا أقدر فى هذا البيت على إعادة خافض بضمير وقد ذهب هاهنا مذهبا.
(١) «جارتهم» كذا فى ا ، ش. والمعروف فى الرواية : «جارهم».
(٢) هو ذو الرمة. والأنآء جمع نؤى ، وهو ما يحفر حولى البيت يمنع المطر ، والأهلة جمع هلال ، وهو هنا ما استقوس واعوج من الأنآء ، والشام جمع شامة وهى العلامة. وانظر الديوان ٦٣٦.
(٣) يريد أن (ما) استفهامية كأى الاستفهامية وليست موصولة فهى ليست معمولة للفعل السابق لأن الاستفهام له الصدر.
(٤) الآية ٢٢ سورة الأنبياء.
(٥) هو أوس بن حجر. وانظر الكتاب ١/ ٣٦٢ ، وشرح المفصل ٢/ ٩٠ ، واللسان فى (عبد). [.....]
وقوله : أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [٤٧] جاء التفسير بأنه التنقّص. والعرب تقول : تحوّفته بالحاء :
تنقّصته من حافاته. فهذا الذي سمعت. وقد أتى التفسير بالخاء و(هو «٦» معنى). ومثله ممّا قرى ء
(٦) فى الطبري «هما بمعنى».
بوجهين قوله (إِنَّ «١» لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا) و(سبخا) «٢» بالحاء والخاء. والسّبخ :
السعة. وسمعت العرب تقول : سبّخى صوفك وهو شبيه بالندف ، والسّبح نحو من ذلك ، وكلّ صواب بحمد اللّه.
(١) الآية ٧ سورة المزمل.
(٢) هذه قراءة ابن يعمر وعكرمة وابن أبى عبلة كما فى البحر المحيط ٨/ ٣٦٣. وهى قراءة شاذة.
وقوله : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ [٤٨] الظّلّ يرجع على كلّ شىء من جوانبه ، فذلك تفيّؤه. ثم فسّر فقال : (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) فوحّد اليمين وجمع الشمائل. وكل ذلك جائز فى العربيّة.
قال الشاعر «٣» :
بفي الشامتين الصخر إن كان هدّنى رزيّة شبلى مخدر فى الضراغم
و لم يقل : بأفواه الشامتين. وقال الآخر «٤» :
الواردون وثيم فى ذراسبأ قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
و قال الآخر/ ٩٥ :
فباست بنى عبس وأستاه طيّئ وباست بنى دودان حاشا بنى نصر
فجمع ووحّد. وقال الآخر :
كلوا فى نصف بطنكم تعيشوا فإنّ زمانكم زمن خميص «٥»
فجاء التوحيد لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد ، فيقال : خذ عن يمينك وعن شمالك لأن المكلّم واحد والمتكلّم كذلك ، فكأنه إذا وحّد ذهب إلى واحد من القوم ، وإذا جمع فهو الذي لا مسألة فيه. وكذلكقوله :
(٣) هو الفرزدق يرثى ابنين له. والمخدر : الأسد ، والضراغم جمع ضرغم وهو الأسد أيضا. وانظر الديوان ٧٦٤.
(٤) هو جرير فى هجاء عمر بن لجأ التيمي. والرواية فى الديوان طبعة بيروت ٢٥٢ : «تدعوك ثيم وثيم ... أراد بعض جلد الجواميس أنهم أسرى وفى أعناقهم أطواق من جلد الجواميس.
(٥) ورد فى أمالى ابن الشجري ١/ ٣١١ و٢/ ٣٨ و٣٤٣. وفيه : «تعفوا» فى مكان «تعيشوا».
بنى عقيل ماذه الخنافق المال هدى والنساء طالق
و جبل يأوى إليه السارق «١»
فقال : طالق لأن أكثر ما يجرى الاستحلاف بين الخصم والخصم ، فجرى فى الجمع على كثرة المجرى فى الأصل. ومثله (بفي الشامتين) وأشباهه.
(١) الخنافق جمع خنفقيق وهى الداهية. وانظر الخصائص ٢/ ٦٢.
وقوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ [٤٩] فقال : (مِنْ دابَّةٍ) لأن (ما) وإن كانت قد تكون على مذهب (الذي) فإنها غير مؤقّتة ، وإذا أبهمت غير موقّتة أشبهت الجزاء ، والجزاء تدخل (من) فيما جاء من اسم بعده من النكرة. فيقال : من ضربه من رجل فاضربوه. ولا تسقط من فى هذا الموضع. وهو كثير فى كتاب اللّه عزّ وجلّ. قال اللّه تبارك وتعالى (ما أَصابَكَ «٢» مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) وقال (وَ مَنْ «٣» يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وقال «٤» (أَ وَلَمْ «٥» يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ) ولم يقل فى شىء منه بطرح (من) كراهية أن تشبه أن تكون حالا لمن وما ، فجعلوه بمن ليدلّ على أنه تفسير لما ومن لأنهما غير مؤقّتتين ، فكان دخول (من) فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما ، وكان دخول (من) أدلّ على ما لم يوقّت من من وما ، فلذلك لم تلقيا «٦». ومثله قول الشاعر :
حاز لك اللّه ما آتاك من حسن وحيثما يقض أمرا صالحا تكن
و قال آخر.
عمرا حييت ومن يشناك من أحد يلق الهوان ويلق الذلّ والغيرا «٧»
(٢) الآية ٧٩ سورة النساء.
(٣) الآية ١٢٤ سورة النساء.
(٤) فى ا ، ش ، ب : «قوله» والمناسب ما أثبت وهو متصل بما قبله.
(٥) الآية ٤٨ سورة النحل.
(٦) فى الطبري : «تلغيا».
(٧) غير الدهر أحداثه وفى ب : «العبرا» ويظهر أنه تحريف.
فدلّ مجىء أحدها هنا على أنه لم يرد أن يكون ما جاء من النكرات حالا للأسماء التي قبلها ، ودلّ على أنه مترجم «١» عن «٢» معنى من وما. وممّا يدلّ أيضا قول اللّه عزّ وجلّ (وَ ما أَنْفَقْتُمْ «٣» مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) لأن الشيء لا يكون حالا ، ولكنه اسم مترجم.
وإنما ذكرت هذا لأن العرب تقول : للّه درّه من رجل ، ثم يلقون (من) فيقولون للّه درّه رجلا.
فالرجل مترجم (لما «٤» قبله) وليس بحال ، إنّما الحال التي تنتقل مثل القيام والقعود ، ولم ترد للّه درّه فى حال رجوليّته فقط ، ولو أردت ذلك لم تمدحه كلّ المدح لأنك إذا قلت : للّه درّك قائما ، فإنما تمدحه فى القيام وحده.
فإن قلت : فكيف جاز سقوط من فى هذا الموضع؟ قلت من قبل أن الذي قبله مؤقت فلم أبل أن يخرج بطرح من كالحال ، وكان فى الجزاء غير موقت فكرهوا أن تفسّر حال عن اسم غير موقّت فألزموها من.
فإن قلت : ٩٥ ب قد قالت العرب : ما أتانى من أحد وما أتانى أحد فاستجازوا إلقاء من
قلت : جاز ذلك إذ لم يكن قبل أحد وما أتى مثله شىء يكون الأحد له حالا فلذلك قالوا :
ما جاءنى من رجل وما جاءنى رجل.
(١) ضبط فى ا بفتح الجيم والظاهر كسرها. [.....]
(٢) ا : «على».
(٣) الآية ٣٩ سورة سبأ.
(٤) سقط فى ا.
وقوله : وَلَهُ الدِّينُ واصِباً [٥٢] معناه : دائما. يقال : وصب يصب : دام. ويقال : خالصا.
وقوله : وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [٥٣] (ما) فى معنى جزاء ولها فعل مضمر ، كأنك قلت : ما يكن بكم من نعمة فمن اللّه لأن الجزاء لا بدّ له من فعل مجزوم ، إن ظهر فهو جزم وإن لم يظهر فهو مضمر كما قال الشاعر :
إن العقل فى أموالنا لا نضق به ذراعا وإن صبرا فنعرف للصبر «١»
أراد : إن يكن فأضمرها. ولو جعلت (ما بِكُمْ) فى معنى (الذي) جاز وجعلت صلته (بكم) و(ما) حينئذ فى موضع رفع بقوله (فَمِنَ اللَّهِ) وأدخل الفاء كما قال تبارك وتعالى (قُلْ إِنَّ «٢» الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) وكلّ اسم وصل ، مثل من وما والذي فقد يجوز «٣» دخول الفاء فى خبره لأنه مضارع للجزاء والجزاء قد يجاب بالفاء. ولا يجوز أخوك فهو قائم لأنه اسم غير موصول وكذلك مالك لى.
فإن قلت : مالك جاز أن تقول : فهو لى. وإن ألقيت الفاء فصواب.
وما ورد عليك فقسه على هذا. وكذلك النكرة الموصولة. تقول : رجل يقول الحقّ فهو أحبّ إلىّ من قائل الباطل. وإلقاء الفاء أجود فى كلّه من دخولها.
والجؤار «٤» : الصوت الشديد. والثور يقال له : قد جأر يجأر جؤارا إذا ارتفع صوته من جوع أو غيره بالجيم. وكذلك (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ)
(١) ورد البيت فى أمالى ابن الشجري ٢/ ٢٣٦ ، وقال : «أراد» إن يكن العقل أي إن تكن الدية ، وقوله :
(وإن صبرا) أي وإن نصبر صبرا بمعنى نحبس حبسا» وقوله : «نحبس» بالبناء للمفعول ، وكانه يريد الحبس للقصاص ، وقوله : فنعرف للصبر أي نخضع له ونقر.
(٢) الآية ٨ سورة الجمعة.
(٣) ش : «يجاز».
(٤) أي فى قوله تعالى فى الآية (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ).
و قوله : وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ [٥٧] نصب «٥» لأنها مصدر ، وفيها معنى من التعوّذ والتنزيه للّه عزّ وجلّ. فكأنها بمنزلة قوله (مَعاذَ «٦» اللَّهِ) وبمنزلة (غُفْرانَكَ «٧» رَبَّنا).
وقوله : (لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (ما) فى موضع رفع ولو كانت نصبا على : ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون لكان ذلك صوابا. وإنما اخترت الرفع لأن مثل ذا من الكلام يجعل مكان لهم لأنفسهم
(٥) الحديث عن (سبحانه).
(٦) فى الآيتين ٢٣ ، ٧٩ سورة يوسف.
(٧) فى الآية ٢٨٥ سورة البقرة.
أ لا ترى أنك تقول : قد جعلت لنفسك كذا وكذا ، ولا تقول : قد جعلت لك. وكلّ فعل أو خافض ذكرته من مكنىّ عائد عليه مكنيّا فاجعل مخفوضه الثاني بالنفس فنقول أنت لنفسك لا لغيرك ، ثم تقول فى المنصوب أنت قتلت نفسك وفى المرفوع أهلكتك نفسك ولا تقول أهلكتك.
وإنما أراد بإدخال النفس تفرقة ما بين نفس المتكلّم وغيره. فإذا كان الفعل واقعا من مكنىّ على مكنىّ سواه لم تدخل النفس. تقول غلامك أهلك مالك ثم تكنى عن الغلام والمال فتقول : هو أهلكه ، ولا تقول : هو أهلك نفسه وأنت تريد المال ، وقد تقوله العرب فى ظننت وأخواتها من رأيت وعلمت وحسبت فيقولون : أظنّنى قائما ، ووجدتني صالحا لنقصانهما وحاجتهما إلى خبر سوى الاسم. وربما اضطرّ الشاعر فقال : عدمتنى وفقدتنى فهو جائز ، وإن كان قليلا قال الشاعر - وهو جران العود - :
لقد كان بي عن ضرّتين عدمتنى وعمّا ألاقي منهما متزحزح
هى الغول والسعلاة حلقى منهما مخدّش ما فوق التراقى مكدّح
و قوله : ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [٥٨] ولو كان (ظلّ وجهه مسودّ) لكان صوابا تجعل الظلول للرجل ويكون «١» الوجه ومسودّ فى موضع نصب كما قال (وَ يَوْمَ «٢» الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) والظلول إذا قلت [٩٦ ا] (مُسْوَدًّا) للوجه.
(١) فى ش ، ر «قد يكون».
(٢) الآية ٦٠ سورة الزمر.
وقوله : أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ [٥٩] الهون فى لغة قريش : الهوان وبعض بنى تميم يجعل الهون مصدرا للشىء الهيّن. قال الكسائىّ : سمعت العرب تقول : إن كنت لقليل هون المئونة مذ اليوم. وقال : سمعت
الهوان فى مثل هذا المعنى من بنى «١» إنسان قال قال «٢» لبعير له ما به بأس غير هوانه ، يقول :
إنه هيّن خفيف الثمن. فإذا قالت العرب : أقبل فلان يمشى على هونه لم يقولوه إلّا بفتح الهاء ، كقوله (يَمْشُونَ «٣» عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) وهى السكينة والوقار. حدثنا محمّد قال حدثنا الفراء قال حدثنى شريك عن جابر عن عكرمة ومجاهد فى قوله (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قالا : بالسكينة والوقار ، وقوله :
(أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ) يقول : لا يدرى أيّهما يفعل : أيمسكه أم يدسّه فى التراب ، يقول :
بدفنها أم يصبر عليها وعلى مكروهها وهى الموؤدة ، وهو مثل ضربه اللّه تبارك وتعالى :
ثم فسّر المثل فى قوله : لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ [٦٠] ولو كان (مَثَلُ السَّوْءِ) نصبا لجاز ، فيكون فى المعنى على قولك : ضرب للذين لا يؤمنون مثل السوء ، كما كان فى قراءة أبىّ (وضرب «٤» مثلا كلمة خبيثة) وقراءة العوامّ هاهنا وفى إبراهيم بالرفع لم نسمع أحدا نصب.
(١) كذا و(إنسان) على هذا أبو قبيلة ولم أقف عليه. وقد يكون «فى» أي فم.
(٢) كذا بتكرر (قال) وكأن (قال) الأولى فاعلها الفراء و(قال) الثانية فاعلها العربي. [.....]
(٣) الآية ٦٣ سورة الفرقان.
(٤) الآية فى قراءة الناس غير أبى : «و مثل كلمة خبيثة» فى الآية ٢٦.
وقوله : وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى [٦٢] أنّ فى موضع نصب لأنه عبارة عن الكذب. ولو قيل «٥» : (وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) تجعل الكذب من صفة الألسنة واحدها كذوب وكذب ، مثل رسول ورسل. ومثلهقوله (وَ لا تَقُولُوا «٦» لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) ، وبعضهم يخفض (الكذب) يجعله مخفوضا باللام التي فى قوله (لما) لأنه عبارة عن (ما) والنصب فيه وجه الكلام ، وبه قرأت العوامّ. ومعناه : ولا تقولوا لوصفها الكذب.
وقوله (وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) يقول : منسيّون فى النار. والعرب تقول : أفرطت منهم ناسا أي
(٥) جواب لو محذوف أي لجاز. وهى قراءة معاذ بن جبل وبعض أهل الشام كما فى البحر ٥/ ٥٠٦
(٦) الآية ١١٦ سورة النحل. وجاءت قراءة الكذب جمع الكذوب عن معاذ وابن أبى عبلة وبعض أهل الشام كما فى البحر ٥/ ٥٤٥
خلفتهم ونسيتهم. وتقرأ «١» (وأنّهم مفرطون) بكسر الراء ، كانوا مفرطين فى سوء العمل لأنفسهم فى الذنوب. وتقرأ «٢» (مفرّطون) كقوله (يا حَسْرَتى «٣» عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) يقول :
فيما تركت وضيّعت.
(١) هى قراءة نافع.
(٢) هى قراءة أبى جعفر.
(٣) الآية ٥٦ سورة الزمر.
وقوله : نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ [٦٦] العرب تقول لكلّ ما كان من بطون الأنعام ومن السّماء أو نهر يجرى لقوم : أسقيت. فإذا سقاك الرّجل ماء لشفتك قالوا : سقاه. ولم يقولوا : أسقاه كما قال اللّه عزّ وجل (وَ سَقاهُمْ «٤» رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) وقال (وَ الَّذِي «٥» هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) وربما قالوا لما فى بطون الأنعام ولماء السّماء سقى وأسقى ، كما قال لبيد :
سقى قومى بنى مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال «٦»
رعوه مربعا وتصيّفوه بلا وبإ سمىّ ولا وبال
و قد اختلف القراء فقرأ بعضهم «٧» (نُسْقِيكُمْ) وبعضهم (نسقيكم).
وأماقوله (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ولم يقل بطونها فإنه قيل - واللّه أعلم - إن النّعم والأنعام شىء واحد ، وهما جمعان ، فرجع التذكير إلى معنى النّعم إذ كان يؤدى عن الأنعام أنشدنى بعضهم :
إذا رأيت أنجما من الأسد جبهته أو الخراة والكتد
بال سهيل فى الفضيح. ففسد وطاب ألبان اللقاح وبرد «٨»
(٤) الآية ٢١ سورة الإنسان.
(٥) الآية ٧٩ سورة الشعراء.
(٦) مجد : أم كلب وكلاب ابني ربيعة بن عامر بن صعصعة. وانظر الخصائص ١/ ٣٧٠.
(٧) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر عن عاصم ويعقوب. وقراءة الباقين بضم النون.
(٨) انظر ص ١٢٩ من الجزء الأول.
فرجع إلى اللبن لأن اللبن والألبان يكون فى معنى واحد. وقال الكسائي (نسقيكم ممّا بطونه) : بطون ما ذكرناه ، وهو صواب ، أنشدنى بعضهم :
مثل الفراخ نتقت حواصله»
و قال الآخر :
كذاك ابنة الأعيار خافى بسالة الرجال وأصلال الرجال أقاصره «٢» ولم يقل أقاصرهم. أصلال «٣» الرجال : الأقوياء منهم.
وقوله (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) يقول : لا يشرق باللبن ولا يغصّ به.
وقوله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً [٦٧] هى الخمر قبل أن تحرّم. والرزق الحسن الزبيب والتمر وما أشبههما.
وقوله : وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [٦٨] ألهمها ولم يأتها رسول.
وقوله : (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) وهى سقوف البيوت.
وقوله : (ذُلُلًا) [٦٩] نعت للسبل. يقال : سبيل ذلول وذلل للجمع ويقال : إن الذّلل نعت للنحل أي ذللّت لأن يخرج الشراب من بطونها.
وقوله (شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يعنى العسل دواء ويقال (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يراد بالهاء القرآن ، فيه بيان الحلال والحرام :
(١) انظر ص ١٣٠ من الجزء الأول.
(٢) الأعيار جمع العير ومن معانيه السيد والملك ، وكأن هذا هو المراد هنا. وقوله : «كذاك» فى اللسان (قصر) :
«إليك» وأقاصره جمع الأقصر. يقول لها : لا تعيبينى بالقصر فإن أصلال الرجال ودهاتهم أقاصرهم. وانظر ص ١٢٩ من الجزء الأول. [.....]
(٣) هو جمع صل ، وهو فى الأصل الحية.
و قوله : لِكَيْلا يَعْلَمَ [٧٠].
يقول : لكيلا يعقل من بعد عقله الأوّل (شَيْئاً) وقوله : فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [٧١] فهذا مثل ضرب اللّه للذين قالوا : إن عيسى ابنه تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ، فقال : أنتم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونون «١» سواء فيه ، فكيف جعلتم عبده شريكا له تبارك وتعالى.
(١) فى الطبري : «فتكونوا» بالنصب فى جواب النفي ، وقد جاء الرفع هنا على الاستئناف.
وقوله : وَحَفَدَةً [٧٢] : والحفدة الأختان «٢» ، وقالوا الأعوان. ولو قيل : الحفد : كان صوابا لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد.
وقوله : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً [٧٣] نصبت (شَيْئاً) بوقوع الرزق عليه ، كما قال تبارك وتعالى (أَ لَمْ نَجْعَلِ «٣» الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً) أي تكفت «٤» الأحياء والأموات. ومثله (أَوْ إِطْعامٌ «٥» فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) ولو كان الرزق مع الشيء لجاز خفضه : لا يملك لهم رزق شىء من السموات.
ومثله قراءة من قرأ (فجزاء «٦» مثل ما قتل من النّعم).
وقوله : (وَ لا يَسْتَطِيعُونَ) وقال فى أوّل الكلام (يَمْلِكُ) وذلك أن (ما) فى مذهب جمع لآلهتم التي يعبدون ، فوحّد (يَمْلِكُ) على لفظ (ما) وتوحيدها ، وجمع فى (يَسْتَطِيعُونَ) على المعنى.
ومثلهقوله (وَ مِنْهُمْ «٧» مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) وفى موضع آخر (وَ مِنْهُمْ «٨» مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)
(٢) فى الطبري عن بعضهم : «هم الأختان أختان الرجل على بنانه» وفيه عن بعضهم : «هم الأصهار» فالأختان على هذا : أزواج البنات. وفى القاموس أن الختن الصهر أو كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ.
(٣) الآيتان ٢٥ ، ٢٦ سورة المراسلات.
(٤) أي تضم وتجمع.
(٥) الآيتان ١٤ ، ١٥ سورة البلد.
(٦) الآية ٩٥ سورة المائدة ، وهو يريد القراءة بإضافة (جزاء) إلى (مثل) وهى قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف كما فى الإتحاف.
(٧) الآية ٢٥ سورة الأنعام ، والآية ١٦ سورة محمد.
(٨) الآية ٤٢ سورة يونس.
و مثله (وَ مَنْ «١» يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) و(يَعْمَلْ صالِحاً) فمن ذكره ردّ آخره على أوّله «٢» ، ومن أنّث ذهب إلى أن (من) فى موضع تأنيث ، فذهب إلى تأنيثها. وأنشدنا بعض العرب :
هيا أمّ عمرو من يكن عقر داره جواء عدىّ يأكل الحشرات «٣»
و يسودّ من لفح السموم جبينه ويعر وإن كانوا ذوى نكرات «٤»
فرجع فى (كانوا) إلى معنى الجمع وفى قراءة عبد اللّه - فيما أعلم - (ومنكم «٥» من يكون شيوخا) ولم يقل (شيخا) وقد قال الفرزدق :
تعشّ فإن واثقتني لا تخوننى نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
و أنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما أخيّين كانا أرضعا بلبان «٦»
فثنّى (يصطحبان) وهو فعل لمن لأنه نواه ونفسه.
وقوله : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً [٧٥] ضرب مثلا للصنم الذي يعبدون أنه لا يقدر على شىء ، (وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي يحمله ، فقال : هل يستوى هذا الصنم (وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) فقال : لا تسوّوا بين الصنم وبين اللّه تبارك وتعالى.
وقوله : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ [٨٠] يعنى الفساطيط «٧» للسفر ، وبيوت العرب التي
(١) الآية ٣١ سورة الأحزاب. وقراءة الياء لحمزة والكسائي وخلف ، وقراءة التاء لغيرهم
(٢) هو التذكير فى (يقنت).
(٣) عقر الدار أصلها ، ويفسر بمحلة القوم. وقوله : «جواء عدى» ففى ش : «حوى» والجواء الواسع من الأودية ، وهو أيضا موضع بالصمان فى نجد كما فى معجم البلدان ، والحوى من معانيه الحوض الصغير.
(٤) «نكرات» جمع نكرة - بالتحريك - وهو اسم من الإنكار ، يراد به استنكار ما لا يوافقهم وذلك من سمات القدرة والحفيظة.
(٥) كأن ذلك بدل قوله تعالى : «و منكم من يرد إلى أرذل العمر» في الآيتين ٧٠ سورة النحل ، ٥ سورة الحج. [.....]
(٦) كان الفرزدق طرقه فى سفره ذئب فألقى إليه كتف شاة مشوية وذكر ذلك فى هذه القصيدة ، واللبان الرضاع.
وانظر الديوان ٨٧٠ ، وأمالرثاء عبد العزيز بن مروان. و«تطبى» : تدعو وتستميل يريد أن نعله من جلد مدبوغ فلا يقبل عليها الكلب. يصفه برقة نعله وطيب ريحها. وانظر الخصائص ٢/ ٩
(٤) ا : «نعمته»
الغزل من الصوف فتبرمه ثم تأمر جارية لها بنقضه. ويقال : إنها ريطة (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) يقول : دغلا وخديعة.
قوله (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) يقول : هى أكثر ، ومعناه لا تغدروا بقوم لقلّتهم وكثرتكم أو قلّتكم وكثرتهم ، وقد غررتموهم بالأيمان فسكنوا إليها ٩٧ ب. وموضع (أدنى) نصب. وإن شئت رفعت كما تقول : ما أظن رجلا يكون هو أفضل منك وأفضل منك ، النصب على العماد «١» ، والرفع على أن تجعل (هو) اسما. ومثله قول اللّه عزّ وجلّ (تَجِدُوهُ «٢» عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) نصب ، ولو كان رفعا كان صوابا.
(١) هو ضمير الفصل عند البصريين
(٢) الآية ٢٠ سورة المزمل
وقوله«٤» : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ [٨٦] فكسرت «٥» لأنها من صلة القول.
ومن فتحها لو لم تكن فيها لام فى قوله لكاذبون جعلها تفسيرا للقول : ألقو إليهم أنكم كاذبون فيكون نصبا لو لم يكن فيها لام كما تقول : ألقيت إليك أنك كاذب. ولا يجوز إلّا الكسر عند دخول اللام ، فتقول : ألقيت إليك إنّك لكاذب.
(٤) سبق كلام على هذه الآية
(٥) أي (إنكم)
وقوله : وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ [١٠١] إذا نسخنا آية فيها تشديد مكان «٣» آية ألين منها قال المشركون : إنما يتقوّله من نفسه ويتعلّمه من عائش مملوك كان لحويطب بن عبد العزّى كان قد أسلم فحسن إسلامه وكان أعجم ، فقال اللّه عزّ وجلّ : لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ [١٠٣] يميلون إليه ويهوونه (أَعْجَمِيٌّ) فقال اللّه : وهذا لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن عربىّ.
(٣) كذا. وكأن الأصل : «بمكان» أي بوجود آية ألين منها ، فسقطت الباء فى «بمكان» من الناسخ.
وقوله : ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا [١١٠] يقول : عذّبوا. نزلت فى عمّار
بن ياسر وأصحابه الذين عذّبوا ، حتّى أشرك بعضهم بلسانه وهو مؤمن بقلبه فغفر اللّه لهم ، فذلك قوله (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) بعد الفعلة «١».
(١) يريد تفسير الضمير فى «بعدها»
وقوله : قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً [١١٢] يعنى مكّة أنها كانت لا يغار عليها كما تفعل العرب :
كانوا يتغاورون (مُطْمَئِنَّةً) : لا تنتقل كما تنتجع العرب الخصب بالنّقلة.
وقوله (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) : من كلّ ناحية (فَكَفَرَتْ) ثم قال (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) ومثله فى القرآن كثير. منه قوله (فَجاءَها «٢» بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ولم يقل : قائلة. فإذا قال (قائِلُونَ) ذهب إلى الرجال ، وإذا قال (قائلة) فإنما يعنى أهلها ، وقوله (فَحاسَبْناها «٣» حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً فَذاقَتْ).
وقوله (لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) ابتلوا بالجوع سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرقة والجيف.
والخوف بعوث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسراياه. ثم إن النبي صلى اللّه عليه وسلم رقّ لهم فحمل إليهم الطعام وهم مشركون. قال اللّه عز وجل لهم ، كلوا (وَ اشْكُرُوا «٤»).
(٢) الآية ٤ سورة الأعراف.
(٣) الآيتان ٨ ، ٩ سورة الطلاق. [.....]
(٤) ورد ذلك في الآية ١١٤
وقوله : لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ [١١٩] كلّ من عمل سوءا فهو جاهل إذا عمله.
وقوله : أُمَّةً قانِتاً [١٢٠] : معلما للخير.
وقوله : إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [١٢٤] أتى موسى أصحابه فقال : تفرّغوا للّه يوم الجمعة فلا تعلموا فيه شيئا ، فقالوا : لا ، بل يوم السبت ، فرغ اللّه فيه من خلق السموات والأرض ، فشدّد عليهم فيه. وأتى عيسى النصارى بالجمعة أيضا فقالوا : لا يكون عيدهم بعد عيدنا فصاروا إلى الأحد. فذلك اختلافهم وتقرأ «٥» (إنما جعل ٩٨ السبت نصبا ، أي جعل اللّه تبارك وتعالى.
(٥) هى قراءة الحسن والمطوعى.
و قوله : وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ [١٢٦] (نزلت فى حمزة «١») لمّا مثّل المشركون بحمزة يوم أحد فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : لأمثّلنّ بسبعين شيخا من قريش فأنزل اللّه عز وجل (وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ثم أمره بالصبر فقال (وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ثم أمره بالصبر عزما فقال :
وَ اصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [١٢٧].
وقوله (وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) فالضّيق ما ضاق عنه صدرك ، والضّيق ما يكون فى الذي يتّسع مثل الدار والثوب وأشباه ذلك وإذا رأيت الضّيق وقع فى موقع الضّيق كان على وجهين : أحدهما أن يكون جمعا واحدته ضيقة كما قال «٢» :
كشف الضيقة عنا وفسح
و الوجه الآخر أن يراد به شىء ضيّق فيكون مخففا ، وأصله التشديد مثل هين ولين تريد هيّن ليّن.
(١) هذه الجملة فى ا ، ش ، ب بعد «يوم أحد» والمناسب وضعها حيث وضعت
(٢) هو الأعشى. وصدره : فلئن ربك من رحمته