قول اللّه جلّ وعزّ : الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها «٢».
جاء فيه قولان. يقول : خلقها مرفوعة بلا عمد ، ترونها : لا تحتاجون مع الرؤية إلى خبر.
ويقال : خلقها بعمد لا ترونها ، لا ترون تلك العمد. والعرب قد تقدم الحجة من آخر الكلمة إلى أوّلها : يكون ذلك جائزا. أنشدنى بعضهم :
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ فدعه وواكل حاله واللياليا
يجئن على ما كان من صالح به وإن كان فيما لا يرى الناس آليا «٣»
معناه وإن كان (فيما يرى «٤») الناس لا يألو. وقال الآخر :
و لا أراها تزال ظالمة تحدث لى نكبة وتنكؤها «٥»
و معناها : أراها لا تزال.
(١) فى الأصول : «كأنه» والمناسب ما أثبت.
(٢) ورد الشعر فى شواهد العيتى فى مبحث المفعول معه على هامش الخزانة ٣/ ٩٩ من غير عزو.
(٣) فى الأصول : «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت. [.....]
(٤) فى الأصول : «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت.
(٥) هو إبراهيم بن هرمه.
وقوله قبل هذه الآية : وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [١] فموضع (الذي) رفع تستأنفه على الحقّ ، وترفع كلّ واحد بصاحبه. وإن شئت جعلت (الذي) فى موضع خفض تريد : تلك
آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك من ربك فيكون خفضا ، ثم ترفع (الحقّ) أي ذلك الحق ، كقوله فى البقرة (وَ إِنَّ «١» فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فنرفع على إضمار ذلك الحقّ أو هو الحق. وإن شئت جعلت (الذي) خفضا فخفضت (الحقّ) فجعلته من صفة الذي ويكون (الذي) نعتا للكتاب مردودا عليه وإن كانت فيه الواو كما قال الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة فى المزدحم «٢»
فعطف بالواو وهو يريد واحدا. ومثله فى الكلام : أتانا هذا الحديث عن أبى حفص والفاروق وأنت تريد عمر بن الخطّاب رحمه اللّه.
وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ [٣] أي بسط الأرض عرضا وطولا.
وقوله : (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الزوجان اثنان الذكر والأنثى والضربان. يبيّن ذلك قوله (وَ أَنَّهُ خَلَقَ «٣» الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ) فتبيّن أنهما اثنان بتفسير الذكر والأنثى لهما.
وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ [٤] يقول : فيها اختلاف وهى متجاورات : هذه طيّبة تنبت وهذه سبخة لا تخرج شيئا.
ثم قال : (وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ) فلك فى الزرع وما بعده الرفع. ولو خفضت كان صوابا. فمن رفع جعله مردودا على الجنّات ومن خفض جعله مردودا على الأعناب أي من أعناب ومن كذا وكذا.
وقوله : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) الرفع فيه سهل لأنه تفسير لحال النخل. والقراءة بالخفض «٤» ولو كان رفعا كان صوابا. تريد : منه صنوان ومنه غير صنوان. والصّنوان النّخلات يكون
(١) الآيتان ١٤٦ ، ١٤٧ سورة البقرة.
(٢) سبق هذا الشعر فى ص ١٠٥ من الجزء الأول.
(٣) الآية ٤٥ سورة النجم.
(٤) قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب. وقرأ بالخفض غيرهم ، كما فى الإتحاف.
أصلهنّ واحدا. وجاء فى الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : إن عمّ الرجل صنو أبيه ثم قال : (تسقى بِماءٍ واحِدٍ) و(يُسْقى ) «١» فمن قال بالتاء ذهب إلى تأنيث الزروع والجنّات والنخل. ومن ذكّر ذهب إلى النبت : ذلك كلّه يسقى بماء واحد ، كلّه مختلف : حامض وحلو.
ففى هذه آية.
(١) هذه قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب.
وقوله : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [٦] يقول : يستعجلونك بالعذاب وهم آمنون له ، وهم يرون العقوبات المثلات فى غيرهم ممّن قد مضى.
هى المثلات وتميم تقول : المثلات ، وكذلكقوله : (وَ آتُوا «٢» النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ) حجازية. وتميم :
صدقات ، واحدها «٣» صدقة. قال الفراء : وأهل الحجاز يقولون : أعطها صدقتها ، وتميم نقول :
أعطها صدقتها فى لغة تميم.
(٢) الآية ٤ سورة النساء.
(٣) كذا. والأولى : «واحدتها»
وقوله : إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [٧] قال بعضهم : نبىّ. وقال بعضهم : لكل قوم هاد يتّبعونه ، إمّا بحق أو بباطل.
وقوله : وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ [٨] (تَغِيضُ) يقول : فما تنقص من التسعة الأشهر التي هى وقت الحمل (وَ ما تَزْدادُ) أي تزيد على التسعة أو لا ترى أن العرب تقول : غاضت المياه أي نقصت. وفى الحديث «٤» : إذا كان الشتاء قيظا ، والولد غيظا ، وغاضت الكرام غيضا وفاضت اللئام فيضا. فقد تبيّن النقصان فى الغيض.
(٤) هذا الحديث فى أشراط الساعة.
وقوله : سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [١٠]. (من) و(من) فى موضع
رفع ، الذي رفعهما جميعا سواء ، ومعناهما : أن من أسرّ القول أو جهر به فهو يعلمه ، وكذلكقوله :
(وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي ظاهر بالنهار. يقول : هو يعلم الظاهر والسرّ وكلّ عنده سواء.
وقوله : لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ [١١] المعقّبات : الملائكة ، ملائكة الليل تعقّب ملائكة النهار «١» يحفظونه. والمعقّبات : ذكران إلّا أنه جميع جمع ملائكة معقّبة ، ثم جمعت معقّبة ، كما قال : أبناوات سعد «٢» ، ورجالات جمع رجال.
ثم قال عزّ وجلّ (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) فرجع إلى التذكير الذي أخبرتك وهو المعنى.
والمعقّبات من أمر اللّه عز وجل يحفظونه ، وليس يحفظ من أمره إنما هو تقديم وتأخير واللّه أعلم ، ويكون (يَحْفَظُونَهُ) ذلك الحفظ من أمر اللّه وبأمره وبإذنه عز وجلّ كما تقول للرجل : أجيئك من دعائك إيّاى وبدعائك إيّاى واللّه أعلم بصواب ذلك.
(١) بعده فى اللسان فى سوق عبارة الفراء : «و ملائكة النهار تعقب ملائكة الليل».
(٢) اسم لأكثر من قبيلة فى العرب ، منهم سعد تميم وسعد قيس وسعد هذيل ، كما فى القاموس.
وقوله : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً : [١٢] خوفا على المسافر وطمعا للحاضر.
وقوله : (وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) السحاب وإن كان لفظه واحدا فإنه جمع ، واحدته سحابة. جعل نعته على الجمع كقوله (مُتَّكِئِينَ «٣» عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) ولم يقل :
أخضر ، ولا حسن ، ولا الثقيل ، للسحاب. ولو أتى بشىء من ذلك كان صوابا كقوله : (جَعَلَ لَكُمْ «٤» مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فإذا كان نعت شىء من ذا يرجع إلى صغر أو كبر لم تقله إلّا على تأويل الجمع. فمن ذلك أن تقول : هذا تمر طيّب ، ولا تقول تمر
(٣) الآية ٧٦ سورة الرحمن.
(٤) الآية ٨٠ سورة يس. [.....]
صغير ولا كبير من قبل أن الطيّب عامّ فيه ، فوحّد ، وأن الصغر والكبر والطول والقصر فى كل تمرة على حدتها.
قوله : لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ : [١٤] لا إله إلا اللّه (وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) يعنى الأصنام لا تجيب داعيها بشىء إلا كما ينال الظمآن المشرفعلى ماء ليس معه ما يستقى به. وذلك قوله عزّ وجلّ :
(إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ) ثم بيّن اللّه عزّ وجلّ ذلك فقال : (لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ).
وقوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً : [١٥] فيقال : من الساجد طوعا وكرها من أهل السموات والأرض؟ فالملائكة «١» تسجد طوعا ، ومن دخل فى الإسلام رغبة فيه أو ولد عليه من أهل الأرض فهو أيضا طائع. ومن أكره على الإسلام فهو يسجد كرها (وَ ظِلالُهُمْ) يقول : كل شخص فظلّه بالغداة والعشىّ يسجد معه. لأن الظلّ يفىء بالعشيّ فيصير فيئا يسجد.
وهو كقوله : (عَنِ الْيَمِينِ «٢» وَالشَّمائِلِ) فى المعنى واللّه أعلم. فمعنى الجمع والواحد سواء.
قوله : أَمْ هَلْ تَسْتَوِي «٣» الظُّلُماتُ وَالنُّورُ [١٦] : ويقرأ (أم هل يستوى الظّلمات والنّور) وتقرأ (تَسْتَوِي) بالتاء. وهو قوله : (وَ أَخَذَ الَّذِينَ «٤» ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وفى موضع آخر :
(وَ أَخَذَتِ «٥»).
وقوله : أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [١٧] :
ضربه مثلا للقرآن إذا نزل عليهم لقوله : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها.
(١) هذا شروع فى الجواب.
(٢) الآية ٤٨ سورة النحل.
(٣) هى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائي وخلف.
(٤) الآية ٦٧ سورة هود.
(٥) فى الآية ٩٤ سورة هود.
و قوله : (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً) يذهب لا منفعة له ، كذلك ما سكن فى قلب من لم يؤمن وعبد آلهته وصار لا شىء فى يده (وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فهذا مثل المؤمن.
ثم قال عزّ وجلّ : (وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) من الذهب والفضة والنّحاس زبد كزبد السيل يعنى خبثه الذي تحصّله النار فتخرجه من الذهب والفضّة بمنزلة الزبد فى السيل.
وأماقوله : (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ) يقول : يوقدون عليه فى النار يبتغون به الحلّى والمتاع ما يكون من النحاس والحديد هو زبد مثله.
وقوله : (فَيَذْهَبُ جُفاءً) ممدود أصله الهمز يقول : جفأ الوادي غثاءه «١» جفئا. وقيل : الجفاء :
كما قيل : الغثاء : وكل مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل القماش «٢» والدّقاق «٣» والغثاء والحطام فهو مصدر. ويكون فى مذهب اسم على هذا المعنى كما كان العطاء اسما على الإعطاء ، فكذلك الجفاء والقماش لو أردت مصدره قلت : قمشته قمشا. والجفاء أي يذهب سريعا كما جاء.
(١) الغثاء ما يحمله السيل من ورق الشجر البالي والزبد وغيره وجف الوادي له : رميه إياه.
(٢) القماش : ما يجمع من هنا وهناك.
(٣) الدقاق : فتات كل شىء.
وقوله : وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ [٢٣] سَلامٌ عَلَيْكُمْ [٢٤].
يقولون : سلام عليكم. القول مضمر كقوله : (وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ «٤» عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا [٢٧] أي يقولون : ربنا ثم تركت
(٤) الآية ١٢ سورة السجدة.
و قوله : اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ [٢٧].
أي يوسّع ويقدر (أي «٥» يقدر ويقتّر) ويقال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له فى ذلك أي
(٥) سقط ما بين القوسين فى ا.
يخير «١» له. قال ابن عباس : إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق الخلق وهو بهم عالم ، فجعل الغنى لبعضهم صلاحا والفقر لبعضهم صلاحا ، فذلك الخيار للفريقين.
(١) يقال : خار اللّه لك فى الأمر : جعل لك الخير فيه.
وقوله : طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [٢٩] رفع «٢». وعليه القراءة. ولو نصب طوبى والحسن كان صوابا كما تقول العرب : الحمد للّه والحمد للّه. وطوبى وإن كانت اسما فالنصب يأخذها كما يقال فى السبّ : التراب له والتراب له. والرفع فى الأسماء الموضوعة أجود من النصب.
(٢) أنظر كتاب سيبويه ١/ ١٦٦.
وقوله : وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [٣١] لم يأت «٣» بعده جواب للو فإن «٤» شئت جعلت جوابها متقدّما : وهم يكفرون - ٨٦ ب ولو أنزلنا عليهم الذي سألوا. وإن شئت كان جوابه متروكا لأن أمره معلوم : والعرب تحذف جواب الشيء إذا كان معلوما إرادة الإيجاز ، كما قال الشاعر :
و أقسم لو شىء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
و قوله : (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) قال المفسّرون : ييأس : يعلم. وهو فى المعنى على تفسيرهم لأن اللّه قد أوقع إلى المؤمنين أنه لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا فقال : أفلم ييأسوا علما. يقول : يؤيسهم العلم ، فكان فيهم «٥» العلم مضمرا كما تقول فى الكلام : قد يئست منك ألّا تفلح علما كأنك قلت : علمته علما.
(٣) ا : «فلم».
(٤) سبق له هذا فى تفسير قوله تعالى فى سورة هود : «أ فمن كان على بينه من ربه ...» [.....]
(٥) فى عبارة الطبري : «فيه» وكذا فى اللسان (يأس).
و قال الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس قال : ييأس فى معنى يعلم لغة للنخع. قال الفراء : ولم نجدها فى العربية إلّا على ما فسّرت. وقول الشاعر «١» :
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا غضفا دواجن قافلا أعصامها
معناه حتى إذا يئسوا من كل شىء ممّا يمكن إلا الذي ظهر لهم أرسلوا. فهو معنى حتى إذا علموا أن ليس وجه إلا الذي رأوا أرسلوا. كان ما وراءه يأسا.
وقوله : (وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) القارعة : السريّة من السرايا (أَوْ تَحُلُّ) أنت يا محمد بعسكرك (قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ).
(١) هو لبيد فى معلقته والبيت فى وصف كلاب الصيد والغضف كلاب الصيد لغضف آذانهن وهو إقبالها على القفا.
و«دواجن» ألفن البيوت. و«قافلا» يابسا. والأعصام القلائد.
وقوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [٣٣]. ترك جوابه ولم يقل : ككذا وكذا لأن المعنى معلوم. وقد بيّنه ما بعده إذ قال : (وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) كأنه فى المعنى قال :
كشركائهم الذين اتّخذوهم ، ومثله قول الشاعر :
تخيّرى خيّرت أمّ عال بين قصير شبره تنبال «٢»
أذاك أم منخرق «٣» السربال ولا يزال آخر الليالى
متلف مال ومفيد مال تخيّرى بين كذا وبين منخرق السربال. فلمّا أن «٤» أتى به فى الذكر كفى من إعادة الإعراب «٥» عليه.
(٢) الشير : القد والقامة. والتنبال : القصير.
(٣) منخرق السربال كأنه كناية عمن يشتغل فى خدمة أهله ، فينخرق سرياله ، والسربال الثوب والقميص
(٤) سقط فى ا.
(٥) أي البيان والتصريح بما هو معلوم
و قوله : (فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) باطل «١» المعنى ، أي أنه ظاهر فى القول باطل المعنى.
ويقرأ : (وَ صُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) وبعضهم (وصدّوا) يجعلهم «٢» فاعلين.
(١) فى الأصول : «باطن» والتصويب من تفسير الطبري.
(٢) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي وخلف ، والآخرى لغيرهم.
وقوله : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [٣٥] يقول : صفات الجنة. قال الفراء : وحدّثنى بعض المشيخة عن الكلبىّ عن أبى عبد الرحمن السّلمىّ أن عليّا قرأها : (أمثال الجنّة) قال الفراء أظن دون «٣» أبى عبد الرحمن رجلا قال : وجاء عن أبى عبد الرحمن ذلك والجماعة على كتاب المصحف.
وقوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) هو الرافع. وإن شئت للمثل الأمثال فى المعنى كقولك :
حلية فلان أسمر وكذا وكذا. فليس الأسمر بمرفوع بالحلية ، إنما هو ابتداء أي هو أحمر أسمر ، هو كذا.
ولو دخل فى مثل هذا أن كان صوابا. ومثله فى الكلام مثلك أنك كذا وأنك كذا. وقوله :
(فَلْيَنْظُرِ «٤» الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا) من وجه (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ومن قال (أَنَّا صَبَبْنَا «٥» الْماءَ) بالفتح أظهر «٦» الاسم لأنه مردود على الطعام بالخفض أو مستأنف أي طعامه أنا صببنا ثم فعلنا.
(٣) أي سقط فى الإسناد رجل بين الكلبي والسلمى.
(٤) الآيتان ٢٤ ، ٢٥ سورة عبس. وكسر (إنا) قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف ، والفتح قراءة هؤلاء كما فى الإتحاف.
(٥) الآيتان ٢٤ ، ٢٥ سورة عبس. وكسر (إنا) قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف ، والفتح قراءة هؤلاء كما فى الإتحاف.
(٦) كذا فى ا. وفى ش : «أضمر».
وقوله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [٣٨] جاء التفسير : لكل كتاب أجل. ومثله (وَ جاءَتْ «٧» سَكْرَةُ
(٧) الآية ١٩ سورة ق.
الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) وذلك عن أبى بكر الصّديق رحمه اللّه : (وجاءت سكرة الموت بالحقّ) لأن الحقّ ٨٧ ا أتى بها وتأتى به. فكذلك تقول : لكل أجل مؤجّل ولكل مؤجّل أجل والمعنى واحد واللّه أعلم.
قوله : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ [٣٩] (ويثبّت) مشدّد قراءة أصحاب عبد اللّه وتقرأ و(يُثْبِتُ «١») خفيف. ومعنى تفسيرها أنه - عزّ وجلّ - ترفع إليه أعمال العبد صغيرها وكبيرها ، فيثبت ما كان فيه عقاب أو ثواب ويمحو ما سوى ذلك.
(١) هذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو وعاصم ويعقوب. [.....]
وقوله : وأما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [٤٠] وأنت حىّ.
(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) يكون بعد موتك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ).
وقوله : أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [٤١] جاء : أو لم ير أهل مكّة أنا نفتح لك «٢» ما حولها. فذلك قوله (نَنْقُصُها) أي أفلا يخافون أن تنالهم. وقيل (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) بموت العلماء.
وقوله : (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) يقول : لا راد لحكمه إذا حكم شيئا «٣» والمعقّب الذي يكرّ على الشيء. وقول لبيد :
حتّى تهجّر فى الرّواح وهاجه طلب المعقّب حقّه المظلوم «٤»
من ذلك لأن (المعقّب صاحب الدين يرجع على صاحبه فيأخذه منه ، أو من أخذ منه شىء فهو راجع ليأخذه.
(٢) ا : «عليك».
(٣) شىء : «بيننا».
(٤) هذا من شعره فى وصف الحمار الوحشي وأتانه ، يبحث معها عن أرض يستطيبها. والتهجر : السير فى الهاجرة وهى شدة الحر يذكر أنه أثاره على السير طلب ما يرعاه ، وقد أجدبت الأماكن التي كان يرتادها فكأنما أصابه ظلم فى ذلك فهو يدفعه بطلب المرعى فى موضع آخر فهو يغذ السير ولا يبالى الهاجرة.
و قوله : وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ [٤٢] على الجمع «١» وأهل المدينة (الكافر).
وقوله : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [٤٣] يقال عبد اللّه بن سلام. و(من عنده «٢») خفض مردود على اللّه عزّ وجل. حدثنا الفراء قال : وحدثنى شيخ عن الزّهرىّ رفعه إلى عمر بن الخطاب أنه لما جاء يسلم سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يتلو (ومن عنده علم الكتاب) حدثنا الفراء قال وحدّثنى شيخ عن رجل عن الحكم بن عتيبة (ومن عنده علم الكتاب) ويقرأ (ومن عنده علم الكتاب) بكسر الميم من (من).