سُورَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشَرَةَ آيَةً

قول اللّه عزّ وجلّ : بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ [٣]

(هذَا الْقُرْآنَ) منصوب بوقوع الفعل عليه. كأنك قلت : بوحينا «١» إليك هذا القرآن.

ولو خفضت (هذا) و(القرآن) كان صوابا : تجعل (هذا) مكرورا «٢» على (ما) تقول : مررت بما عندك متاعك تجعل المتاع مردودا على (ما) ومثله فى النحل : (وَ لا تَقُولُوا»

لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) و(الكذب) على ذلك.

وقوله : يا أبت «٤» لا تقف عليها بالهاء وأنت خافض لها فى الوصل لأن تلك الخفضة تدلّ على الإضافة إلى المتكلّم. ولو قرأ قارئ (يا أبت) لجاز (وكان «٥» الوقف على الهاء جائزا.

ولم يقرأ به أحد نعلمه. ولو قيل : يا أبت لجاز) الوقوف عليها (بالهاء «٦») من جهة ، ولم يجز من أخرى. فأما جواز الوقوف على الهاء فأن تجعل الفتحة فيها من النداء ولا تنوى أن تصلها بألف الندبة فكأنه كقول الشاعر «٧» :

كلينى لهمّ يا أميمة ناصب

و أمّا الوجه الذي لا يجوز الوقف على الهاء فأن تنوى : يا أبتاه ثم تحذف الهاء والألف لأنها فى النّيّة متّصلة بالألف كاتّصالها فى الخفض بالياء من المتكلّم.

وأماقوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [٤] فإن العرب تجعل العدد ما بين أحد عشر

(١) لو أتى بمصدر (أَوْحَيْنا) لقال : «بإمحائنا» ولكنه أتى بمصدر الثلاثي إذ كان فى معنى الإيحاء.

(٢) يريد أن يكون بدلا.

(٣) الآية ١١٦ سورة النحل

(٤) قرأ بالخفض ابن كثير ويعقوب وهما يقفان بالهاء ، كما فى الإتحاف.

(٥) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٦) سقط ما بين القوسين فى ا ، ب.

(٧) هو النابغة. وعجزه :

و ليل أقاسيه بطيء الكواكب

و قد روى «أميمة» بالضم والفتح وهو يريد رواية الفتح وانظر مختار الشعر الجاهلى ١٥٣. [.....]

إلى تسعة عشر منصوبا فى خفضه ورفعه. وذلك أنهم جعلوا اسمين معروفين «١» واحدا ، فلم يضيفوا الأوّل إلى الثاني فيخرج من معنى العدد. ولم يرفعوا آخره فيكون بمنزلة بعلبكّ إذا رفعوا آخرها.

واستجازوا أن يضيفوا (بعل) إلى (بكّ) لأنّ هذا لا يعرف فيه الانفصال من ذا ، والخمسة تنفرد من العشرة والعشرة من الخمسة ، فجعلوهما بإعراب واحد لأن معناهما فى الأصل هذه عشرة وخمسة ، فلمّا عدلا عن جهتهما أعطيا إعرابا واحدا فى الصرف «٢» كما كان إعرابهما واحدا قبل أن يصرفا.

فأما«٣» نصب كوكب فإنه خرج مفسّرا للنوع من كل عدد ليعرف ما أخبرت عنه. وهو فى الكلام بمنزلة قولك : عندى كذا وكذا درهما. خرج الدرهم مفسرا لكذا وكذا لأنها واقعة على كلّ شىء. فإذا أدخلت فى أحد عشر الألف واللام أدخلتهما فى أوّلها فقلت : ما فعلت الخمسة عشر.

و يجوز ما فعلت الخمسة العشر ، فأدخلت عليهما الألف واللام مرّتين لتوهّمهم انفصال ذا من ذا فى حال.

فإن قلت : الخمسة العشر لم يجز لأن الأوّل غير الثاني ألا ترى أن قولهم : ما فعلت الخمسة الأثواب لمن أجازه تجد الخمسة هى الأثواب ولا تجد العشر الخمسة. فلذلك لم تصلح إضافته بألف ولام. وإن شئت أدخلت الألف واللام أيضا فى الدرهم الذي يخرج مفسرا فتقول : ما فعلت الخمسة العشر الدرهم «٤»؟. وإذا أضفت الخمسة العشر «٥» إلى نفسك رفعت الخمسة. فتقول : ما فعلت خمسة عشرى؟ : ورأيت خمسة عشرى ، (ومررت بخمسة «٦» عشرى) وإنما عرّبت الخمسة لإضافتك العشر ، فلمّا أضيف العشر إلى الياء منك لم يستقم للخمسة أن تضاف إليها وبينهما عشر فأضيفت إلى عشر لتصير اسما ، كما صار ما بعدها بالإضافة اسما. سمعتها من أبى فقعس الأسدى

(١) ش : «مرفوعين».

(٢) يريد صرفهما عن حالة الإفراد إلى التركيب.

(٣) ا : «و أما».

(٤) ا : «الدراهم».

(٥) ش ، ب : «العشر الدرهم».

(٦) سقط ما بين القوسين فى ا ، ش.

و أبى الهيثم العقيلىّ : ما فعلت خمسة عشرك؟ ولذلك لا يصلح للمفسر أن يصحبهما لأن إعرابيهما قد اختلفا. ب : اختلف ، وإنما يخرج الدرهم والكوكب مفسرا لهما جميعا كما يخرج الدرهم من عشرين مفسرا لكلّها. فإذا أضفت العشرين دخلت فى الأسماء وبطل عنها التفسير. فخطأ أن تقول :

ما فعلت عشروك درهما ، أو خمسة عشرك درهما. ومثله أنك تقول : مررت بضارب زيدا.

فإذا أضفت الضارب إلى غير زيد لم يصلح أن يقع على زيد أبدا.

ولو نويت بخمسة عشر أن تضيف الخمسة إلى عشر فى شعر لجاز ، فقلت : ما رأيت خمسة عشر قطّ «١» خيرا منها ، لأنك نويت الأسماء ولم تنو العدد. ولا يجوز للمفسّر أن يدخل هاهنا كما لم يجز فى الإضافة أنشدنى العكليّ أبو ثروان :

كلّف من عنائه وشقوته بنت ثمانى عشرة من حجّته «٢»

و من القرّاء «٣» من يسكّن العين من عشر «٤» فى هذا النوع كلّه «٥» ، إلّا اثنا عشر. وذلك أنهم استثقلوا كثرة الحركات ، ووجدوا الألف فى (اثنا) والياء فى (اثنى) ساكنة فكرهوا تسكين العين وإلى جنبها ساكن (ولا يجوز «٦» تسكين العين فى مؤنّث العدد لأن الشين من عشرة يسكن فلا يستقيم تسكين العين والشين معا).

وأماقوله (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) فإن هذه النون والواو إنما تكونان «٧» فى جمع ذكران الجنّ والإنس وما أشبههم. فيقال : الناس ساجدون ، والملائكة والجنّ ساجدون : فإذا عدوت هذا

(١) سقط فى ش وب.

(٢) فى مختصر الشواهد للعينى فى باب العدد أنه رجز لم يدر راجزه. وقيل : قاله نفيع بن طارق.

(٣) هو أبو جعفر كما فى الإتحاف.

(٤) ش ، ب : «عشرة».

(٥) سقط فى ا.

(٦) سقط ما بين القوسين فى ش.

(٧) ا : «يكون».

صار المؤنّث والمذكّر إلى التأنيث. فيقال : الكباش قد ذبّحن وذبّحت ومذبّحات. ولا يجوز مذبّحون. وإنما جاز فى الشمس والقمر والكواكب بالنون والياء لأنهم وصفوا بأفاعيل الآدميين (ألا ترى «١» أن السجود والركوع لا يكون إلّا من الآدميين فأخرج فعلهم على

 فعال الآدميّين) ومثله (وَ قالُوا «٢» لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) فكأنهم خاطبوا رجالا إذ كلّمتهم وكلّموها.

وكذلك (يا أَيُّهَا «٣» النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) فما أتاك مواقعا لفعل الآدميين من غيرهم أجريته على هذا.

[قوله ] «٤» (يا بُنَيَّ) و(يا بنىّ) «٥» لغتان ، كقولك : يا أبت ويا أبت لأن من نصب أراد النّدبة : يا أبتاه فحذفها.

وإذا تركت الهمزة من (الرؤيا) قالوا : الرّؤيا طلبا «٦» للهمزة. وإذا كان من شأنهم تحويل الهمزة : قالوا : لا تقصص ريّاك فى الكلام ، فأما فى القرآن فلا يجوز لمخالفة الكتاب. أنشدنى أبو الجرّاح :

لعرض م ن الأعراض يمسى حمامه ويضحى على أفنانه الغين يهتف

أحبّ إلى قلبى من الديك ريّة وباب إذا ما مال للغلق يصرف «٧»

أراد : رؤية ، فلمّا ترك الهمز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تحولتا ياء مشدّدة ، كما يقال : لويته ليّا وكويته كيّا والأصل كويا ولويا. وإن أشرت «٨» إلى الضمّة قلت : ريّا فرفعت الراء فجائز.

(١) سقط ما بين القوسين فى ا [.....]

(٢) الآية ٢١ سورة فصلت.

(٣) الآية ١٨ سورة النمل.

(٤) الفتح لحفص والكسر للباقين.

(٥) الفتح لحفص والكسر للباقين.

(٦) أي مراعاة لها كأنها موجودة ، ومن ثم تجب القلب والإدغام.

(٧) العرض : الوادي فيه شجر. والغين جمع الغيناء وهى الخضراء من الشجر وهو بدل من (أفنانه) و(يصرف) :

يصوت. وقوله : (رية) فى اللسان (عرض) : «رنة» ولا شاهد فيه.

(٨) هو ما يسمى فى كتب النحو بالإشمام وهو أن تأتى بحركة بين الضمة والكسرة.

و تكون هذه الضمّة مثل قوله (وَ حِيلَ «١») (وَ سِيقَ «٢») وزعم الكسائىّ أنه سمع أعرابيّا يقول (إِنْ كُنْتُمْ «٣» لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ).

(١) فى الآية ٥٤ سورة سبأ.

(٢) فى الآيتين ٧١ ، ٧٣ سورة الزمر.

(٣) الآية ٤٣ سورة يوسف. وقد ضبط «للريا» بكسر الراء وفقا لما ا. وفى اللسان (رأى) ضبط بضم الراء.

٦

وقوله : (وكذلك يجتبيك ربّك) [٦] جواب لقوله (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) فقيل له : وهكذا يجتبيك ربّك. كذلك وهكذا سواء فى المعنى. ومثله فى الكلام أن يقول الرجل قد فعلت اليوم كذا وكذا من الخير فرأيت عاقبته محمودة ، فيقول له القائل : هكذا السعادة ، هكذا التوفيق و(كَذلِكَ) يصلح فيه. و(يَجْتَبِيكَ) بصطفيك.

قوله : (وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ) [٨] والعصبة : عشرة فما زاد.

٩

وقوله : (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) [٩] جواب للأمر ولا يصلح الرفع فى (يخل) لأنه لا ضمير فيه. ولو قلت : أعرنى ثوبا ألبس لجاز الرفع والجزم لأنك تريد : ألبسه فتكون رفعا من صلة النكرة. والجزم على أن تجعله شرطا.

قوله : (وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) [١٠] واحدة «٤». وقد قرأ أهل الحجاز (غيابات) على الجمع (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) قرأه العامّة بالياء لأن (بعض) ذكر وإن أضيف إلى تأنيث. وقد قرأ «٥» الحسن - فيما ذكر «٦» عنه - ب : ذكروا (تلتقطه) بالتاء وذلك أنه ذهب إلى السّيارة والعرب إذا أضافت المذكّر إلى المؤنّث وهو فعل له «٧» أو هو بعض له قالوا فيه بالتأنيث والتذكير. وأنشدونا :

(٤) يريد (غيابة) بالإفراد. وهو مقابل (غيابات) فى القراءة الأخرى. والإفراد قراءة غير نافع وأبى جعفر.

أما هما فقرأ ا (غيابات) كما فى الإتحاف. وقوله «أهل الحجاز» فالأولى. «أهل المدينة».

(٥) سقط فى ا

(٦) ا : «ذكروا».

(٧) سقط فى ا. [.....]

على قبضة موجوءة ظهر كفّه فلا المرء مستحى ولا هو طاعم «١»

ذهب إلى الكفّ وألغى الظهر لأن الكف يجزىء من الظهر فكأنه قال : موجوءة كفّه وأنشدنى العكلىّ أبو ثروان :

أرى مرّ السنين أخذن منى كما أخذ السّرار من الهلال

و قال ابن مقبل :

قد صرّح السير عن كتمان وابتذلت وقع المحاجن بالمهريّة الذقن «٢»

أراد : وابتذلت المحاجن وألغى الوقع. وأنشدنى الكسائىّ :

إذا مات منهم سيّد قام سيّد فدانت له أهل القرى والكنائس

و منه قول الأعشى :

و تشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدّم

و أنشدنى يونس البصرىّ :

لمّا أتى خبر الزبير تهدّمت سور المدينة والجبال الخشّع «٣»

و إنما جاز هذا كلّه لأن الثاني يكفى من الأوّل ألا ترى أنه لو قال : تلتقطه السيّارة لجاز وكفى من (بعض) ولا يجوز أن يقول : قد ضربتنى غلام جاريتك لأنك لو ألقيت الغلام لم تدلّ الجارية على معناه.

(١) سبق ص ٣٢ فى ١٨٧ من الجزء الأول. وفيه : «مرجوة» فى مكان «موجوءة» ويبدو أن الصواب ما هنا.

(٢) انظر ص ١٨٧ من الجزء الأول.

(٣) هو لجرير من قصيدة يهجو فيها الفرزدق. وكان قاتل الزبير بن العوام غدرا رجلا من رهط الفرزدق ، فعيره جرير بهذا. وانظر الديوان ٢٧٠.

١١

و قوله : لا تَأْمَنَّا [١١] تشير «١» إلى الرفعة ، وإن تركت فصواب ، كلّ قد قرئ به وقد قرأ يحيى بن وثّاب : (تيمنّا).

(١) يريد الإشمام.

١٢

وقوله يرتع ويلعب [١٢] من سكّن العين أخذه من القيد والرّتعة «٢» وهو يفعل حينئذ ومن قال (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) فهو يفتعل من رعيت ، فأسقط الياء للجزم.

وقوله : وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [١٨] معناه : مكذوب : والعرب تقول للكذب. مكذوب وللضعف «٣» : مضعوف ، وليس له عقد رأى ومعقود رأى فيجعلون المصدر فى كثير من الكلام مفعولا. ويقولون : هذا أمر ليس له معنىّ يريدون معنى ، ويقولون للجلد : مجلود قال الشاعر :

إن أخا المجلود من صبرا «٤» وقال الآخر «٥» :

حتّى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا

و قال أبو ثروان : إنّ بنى نمير ليس لحدّهم «٦» مكذوبة ومعنىقوله (بِدَمٍ كَذِبٍ) أنهم قالوا ليعقوب : أكله الذئب. وقد غمسوا قميصه فى دم جدى. فقال : لقد كان هذا الذئب رفيقا بابني ، مزّق جلده ولم يمزق ثيابه. قال : وقالوا : اللصوص قتلوه ، قال : فلم تركوا قميصه! وإنما يريدون الثياب. فلذلك قيل (بِدَمٍ كَذِبٍ) ويجوز فى العربيّة أن تقول : جاءوا على قميصه بدم كذبا كما تقول : جاءوا بأمر باطل وباطلا ، وحق وحقا.

(٢) هو الاتساع فى الخصب واللهو.

(٣) فى الأصول : «للضعيف» وما أثبت عن اللسان فى حكاية كلام الفراء فى (كذب)

(٤) الشطر فى اللسان (جلد) : واصبر فان أخا المجلود من صبرا.

(٥) هو الراعي النميري.

(٦) ب : «لجدهم».

و قوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) مثل قوله : (فَصِيامُ «١» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) (فَإِمْساكٌ «٢» بِمَعْرُوفٍ) ولو كان :

فصبرا جميلا يكون كالآمر لنفسه بالصبر لجاز. وهى فى قراءة أبىّ (فصبرا جميلا) كذلك على النصب بالألف.

(١) الآية ١٩٦ سورة البقرة ، والآية ٨٩ سورة المائدة.

(٢) الآية ٢٩ ، سورة البقرة.

١٩

وقوله : (يا بُشْرى «٣» [١٩] هذا غُلامٌ) (ويا بشراى «٤») بنصب الياء ، وهى لغة فى بعض قيس.

وهذيل : يا بشرىّ. كل ألف أضافها المتكلم إلى نفسه جعلتها ياء مشدّدة. أنشدنى القاسم بن معن :

تركوا هوىّ وأعنقوا لهواهم ففقدتهم ولكل جنب مصرع «٥»

و قال لى بعض بنى سليم : آتيك بموليّ فإنه أروى منّى. قال :

أنشدنى المفضّل :

يطوّف بي عكبّ فى معدّ ويطعن بالصملّة فى قفيّا

فإن لم تثأروا لى من عكبّ فلا أرويتما أبدا صديّا «٦»

و من قرأ (يا بُشْرى ) بالسكون فهو كقولك : يا بنى لا تفعل ، يكون مفردا فى معنى الإضافة.

والعرب تقول : يا نفس اصبري ويا نفس اصبري وهو يعنى نفسه فى الوجهين و(يا بشراى) فى موضع نصب. ومن قال : يا بشرىّ فأضاف وغيّر الألف إلى الياء فإنه طلب «٧» الكسرة التي تلزم ما قبل

(٣) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي ، والآخرى للباقين.

(٤) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي ، والآخرى للباقين.

(٥) هو من عينية أبى ذؤيب المشهورة. [.....]

(٦) الشعر للمنخل اليشكري. وعكب اللخمي صاحب سجن النعمان بن المنذر. والصملة : العصا. وقوله. «يثأروا» فى ش : «تثأروا» والرواية : «تثأرا» ليناسب قوله بعد : «فلا أرويتما» وفى الشعر :

أ لا من مبلغ الحرين عتى مغلغلة وخص بها أبيا

و الحران الحر وأخوه أبى وانظر اللسان (حرر).

(٧) يريد أنه مال إلى الكسرة فأتى بالياء التي هى مناسبة للكسرة.

الياء من المتكلّم فى كل حال ألا ترى أنك تقول : هذا غلامى فتحفض الميم فى كل جهات الإعراب فحطّوها إذا أضيفت إلى المتكلّم ولم يحطّوها عند غير الياء فى قولك : هذا غلامك وغلامه لأن (يا بشرى) من البشارة والإعراب يتبيّن عند كل مكنىّ إلّا عند الياء.

وقوله : (وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً) ذلك أن الساقي الذي التقطه قال للذين كانوا معه : إن سألكم أصحابكم عن هذا الغلام فقولوا : أبضعناه أهل الماء لنبيعه بمصر.

٢٠

وقوله : (وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ [٢٠] قيل : عشرين. وإنما : قيل معدودة ليستدل به على القلّة لأنهم كانوا لا يزنون الدراهم حتى تبلغ أوقية ، والأوقية كانت وزن أربعين درهما.

وقوله : (وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يقول : لم يعلموا منزلته من اللّه عزّ وجلّ.

٢٣

وقوله : (وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ) [٢٣] قرأها عبد اللّه بن مسعود وأصحابه حدثنا الفرّاء قال : حدثنى بن أبى يحيى عن أبي حبيب عن الشّعبىّ عن عبد اللّه ابن مسعود أنه قال : أقرأنى رسول اللّه صلّى عليه وسلم (هَيْتَ) ويقال : إنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكّة فتكلّموا بها. وأهل المدينة يقرءون هيت لك بكسر الهاء ولا يهمزون وذكر عن على بن أبى طالب وابن عبّاس أنهما قرءا (هئت لك) يراد بها : تهيّأت لك وقد قال الشاعر :

أنّ العراق وأهله سلم عليك فهيت هيتا «١»

أي هلمّ.

(١) قبله.

أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا وهو يريد عليا رضي اللّه عنه. ويروى «عنق» إليك أي ماثلون فى مكان (أسلم عليك) ويروى (إن العراق) بكسر النون. وانظر الخصائص ١/ ٢٧٩.

وقوله : (إِنَّهُ رَبِّي) يعنى مولاه الذي اشتراه. يقول : قد أحسن إلىّ فلا أخونه.

٢٤

وقوله : أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ [٢٤] ذكروا أنه رأى صورة يعقوب عليه السلام.

٢٥

و قوله : وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ [٢٥] يعنى يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عم لامرأته على الباب ، فقالت : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) فقال : هى راودتنى عن «١» [نفسى فذكروا أن ابن عمّها قال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فلمّا رأوا القميص مقدودا من دبر قال ابن العمّ (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ثم إن ابن العمّ طلب إلى يوسف فقال : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) أي اكتمه ، وقال للأخرى : (اسْتَغْفِرِي) زوجك (لِذَنْبِكِ).

قوله : (وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [٢٦].

قال : حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى قيس بن الربيع عن أبى حصين عن سعيد ابن جبير فى قوله :

(وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قال : صبىّ. قال : وحدّثنى قيس عن رجل عن مجاهد أنه رجل. قال :

و حدّثنى معلّي بن هلال عن أبى يحيى عن مجاهد فى قوله : (وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قال : حكم حاكم من أهلها.

ولو كان فى الكلام : (أن إن كان قميصه) لصلح لأن الشهادة تستقبل ب (أن) ولا يكتفى بالجزاء فإذا اكتفت فإنما ذهب بالشهادة إلى معنى القول كأنه قال : وقال قائل من أهلها ، كما قال : (يُوصِيكُمُ «٢» اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فذهب بالوصية إلى القول ، وأنشدنى الكسائىّ :

و خبّرتما أن إنّما بين بيشة ونجران أحوى «٣» والمحلّ قريب

(١) سقط ما بين القوسين فى ا

(٢) الآية ١١ سورة النساء.

(٣) أحوى وصف من الحوة ، وهو سواد يضرب إلى الخضرة ويوصف به الشجر الأخضر والنبات الأخضر ، وكأنه يريد أن ما بين بيشة ونجران كثير الشجر والنبات.

(والجناب «١» خصيب) فأدخل (أن) على (إنما) وهى بمنزلتها قال : وسمعت الفرّاء قال : زعم القاسم بن معن أن بئشة وزئنة أرضان مهموزتان.

(١) هذه رواية أخرى فى تمام البيت فى مكان «و المحل قريب».

٣٠

وقوله : قَدْ شَغَفَها حُبًّا [٣٠] أي قد خرق شغاف «٢» قلبها وتقرأ «٣» (قد شعفها) بالعين وهو من قولك : شعف بها. كأنّه «٤» ذهب بها كلّ مذهب. والشعف : رءوس الجبال.

وقوله : (وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) يقال : اتخذت لهنّ مجلسا. ويقال : إنّ متكا غير مهموز ، فسمعت «٥» أنه الأترجّ. وحدّثنى شيخ من ثقات أهل البصرة أنه قال : الزّماورد «٦».

وقوله : وقطّعن أيديهنّ يقول : وخدشنها ولم يبنّ أيديهن ، من إعظامه ، وذلك قوله :

(حاشَ لِلَّهِ) أعظمته أن يكون بشرا ، وقلن : هذا ملك. وفى قراءة «٧» عبد اللّه (حاشا للّه) بالألف ، وهو فى معنى معاذ اللّه.

وقوله : (ما هذا بَشَراً) نصبت (بَشَراً) لأن الباء قد استعملت فيه فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء ، فلمّا حذفوها أحبّوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه فنصبوا على ذلك ألا ترى أن كلّ ما فى القرآن أتى بالباء إلّا هذا ، وقوله : (ما هُنَّ «٨» أُمَّهاتِهِمْ) وأما أهل نجد فيتكلّمون بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا. وهو أقوى الوجهين فى العربية. أنشدنى بعضهم :

لشتّان ما أنوى وينوى بنو أبى جميعا فما هذان مستويان

(٢) شغاف القلب غلافه.

(٣) ش : «يقرأ» وهى قراءة الحسن وابن محيصن.

(٤) هذا تفسير لقراءة العين فى الآية.

(٥) ا : «و سمعت».

(٦) هو طعام يتخذ من البيض واللحم.

(٧) قرأ أبو عمرو بالألف فى الوصل.

(٨) الآية ٢ سورة المجادلة. [.....]

تمنّوا لى الموت الذي يشعب الفتى وكلّ فتى والموت يلتقيان «١»

و أنشدونى :

ركاب حسيل أشهر الصيف بدّن وناقة عمرو ما يحلّ لها رحل

و يزعم حسل أنه فرع قومه وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل «٢»

و قال الفرزدق :

أما نحن راءو دارها بعد هذه يد الدهر إلا أنّ يمرّ بها سفر «٣»

و إذا قدّمت الفعل قبل الاسم رفعت الفعل واسمه فقلت : ما سامع هذا وما قائم أخوك. وذلك أن الباء لم تستعمل هاهنا ولم تدخل ألا ترى أنه قبيح أن تقول : ما بقائم أخوك لأنها إنما تقع فى المنفىّ إذا سبق الاسم ، فلمّا لم يمكن فى (ما) ضمير الاسم قبح دخول الباء. وحسن ذلك فى (ليس) :

أن تقول : ليس بقائم أخوك لأنّ (ليس) فعل يقبل المضمر ، كقولك : لست ولسنا ولم يمكن ذلك فى (ما).

فإن قلت : فإنى أراه لا يمكن فى (لا) وقد أدخلت العرب الباء فى الفعل التي تليها «٤» فقالوا «٥» :

لا بالحصور ولا فيها بسوّار

قلت : إن (لا) أشبه بليس من (ما) ألا ترى أنك تقول : عبد اللّه لا قائم ولا قاعد ، كما تقول :

عبد اللّه ليس قاعدا ولا قائما ، ولا يجوز عبد اللّه ما قائم ولا قاعد فافترقتا هاهنا.

(١) ورد هذا البيت الثاني فى شواهد النحو فى مبحث المبتدأ ، ونسبه العيني إلى الفرزدق. ويشعب : يفرق.

(٢) فرع القوم : الشريف فيهم.

(٣) من قصيدة له في مدح بنى ضبة. وانظر ديوانه ٣١٥ : وقوله : «بها» فى ا : «لها» والسفر : المسافرون ويد الدهر : طول الدهر.

(٤) أراد بالفعل الكلمة فأنث اسم الموصول لها. وأراد بالفعل هنا الوصف وفى ب : «الفعل يليها»

(٥) الشطر من بيت تقدم للأخطل. ونسبه إلى العرب لما سمعهم ينشدونه هكذا ويقرونه

و لو حملت الباء على (ما) إذا وليها الفعل تتوهّم فيها ما توهّمت فى (لا) لكان وجها ، أنشدتنى امرأة من غنىّ :

أما واللّه أن لو كنت حرّا وما بالحرّ أنت ولا العتيق «١»

فأدخلت الباء فيما يلى (ما) فإن ألقيتها رفعت ولم يقو النصب لقلّة هذا. قال : وحدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى دعامة بن رجاء التّيمىّ - وكان غرّا - عن أبى الحويرث الحنفىّ أنه قال : (ما هذا بشرى) أي ما هذا بمشترى.

٣٣

وقوله : رَبِّ السِّجْنُ [٣٣]

السّجن : المحبس. وهو كالفعل. وكل موضع مشتقّ من فعل فهو يقوم مقام الفعل كما قالت العرب : طلعت الشمس مطلعا وغربت الشمس مغربا ، فجعلوهما خلفا من المصدر وهما اسمان ، كذلك السّجن. ولو فتحت السين لكان مصدرا بينا. وقد قرىء :

(ربّ السّجن).

(١) انظر الخزانة ٢/ ١٣٣.

٣٤

وقوله : فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ [٣٤] ولم تكن منه مسألة إنما قال : (إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) فجعله اللّه دعاء لأن فيه معنى الدعاء ، فلذلك قال : (فاستجاب له) ومثله فى الكلام أن تقول لعبدك : إلّا تطع تعاقب ، فيقول : إذا أطيعك كأنك قلت له :

أطع فأجابك.

٣٥

وقوله : ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ [٣٥] آيات البراءة قدّ القميص من دبر (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) فهذه اللام فى اليمين وفى كل ما ضارع القول. وقد ذكرناه. ألا ترى قوله :

(وَ ظَنُّوا «٢» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (وَ لَقَدْ «٣» عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) دخلت هذه اللام و(ما) مع الظنّ (والعلم) لأنهما فى معنى القول واليمين.

(٢) الآية ٤٨ سورة فصلت.

(٣) الآية ١٠٢ سورة البقرة.

٣٦

و قوله : إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [٣٦] يقول : من العالمين قد أحسنت العلم. حدّثنا الفراء قال :

حدّثنا ابن «١» الغسيل الأنصارىّ عن عكرمة قال : الحين حينان : حين لا يدرك وهو قوله عزّ وجلّ :

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (قال «٢» الفرّاء فهذا يقلّ ويكثر) ليست له غاية.

قال عكرمة : وحين يدرك وهو قوله : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) يعنى ستّة أشهر.

(١) فى الأصول : «العسيل» والظاهر ما أثبت. والغسيل حنظلة بن أبى عامر الأنصاري ، وأولاده ينسبون اليه.

وانظر التاج فى غسل.

(٢) ما بين القوسين كتب فى ا بعد قوله. «ستة أشهر».

٣٧

وقوله : (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) [٣٧] يقول : بسببه وألوانه. وقوله : (وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) العرب لا تجمع اسمين قد كنى عنهما ليس بينهما شىء إلّا أن ينووا التكرير وإفهام المكلّم فإذا أرادوا ذلك قالوا : أنت أنت فعلت ، وهو هو أخذها. ولا يجوز أن نجعل الآخرة توكيدا للأولى ، لأن لفظهما واحد. ولكنهم إذا وصلوا الأوّل بناصب أو خافض أو رافع أدخلوا له اسمه فكان توكيدا. أمّا المنصوب فقولك : ضربتك أنت ، والمخفوض : مررت بك أنت ، والمرفوع :

قمت أنت. وإنما فعلوا ذلك لأن الأوّل قلّ واختلف لفظه ، فأدخلوا اسمه المبتدأ. فإذا قالوا : أنت فينا أنت راغب ففرقوا بينهما بصفة «٣» قالوا ذلك ، وكأنه فى مذهبه بمنزلة قوله : (كُتِبَ «٤» عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) كأنّ الأوّل ملغى والاتّكاء والخبر عن الثاني. وكذلكقوله :

(أَ يَعِدُكُمْ «٥» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) ثم قال : (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) وهما جميعا فى معنى واحد ، إلا أن ذلك جاز حين فرق بينهما بإذا. ومثله : (وَ هُمْ «٦» بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).

(٣) يريد الجار والمجرور : (فينا).

(٤) الآية ٤ سورة الحج.

(٥) الآية ٣٥ سورة المؤمنين.

(٦) الآية ٤ سورة لقمان. [.....]

٣٨

وقوله : (وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي) [٣٨] تهمز وتثبت فيها الياء. وأصحابنا يروون عن الأعمش

(ملّة آباي إبراهيم) و(دعاى «١» إلّا فرارا) بنصب الياء لأنه يترك الهمز ويقصر الممدود فيصير بمنزلة محياى وهداى.

وقوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ [٤١]) ذكروا أنه لما عبّر لهما الرؤيا فقال للآخر :

تصلب رجعا عن الرؤيا ، فقالا : لم نر شيئا فقال يوسف : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).

وقوله : (فَأَنْساهُ [٤٢] الشَّيْطانُ).

يقول : أنسى الشيطان يوسف أن يجعل ذكره ومستغاثه إلى اللّه. ويقال : أنسى الشيطان الساقي أن يذكر أمر يوسف.

وقوله : (ذِكْرَ رَبِّهِ) يقول : ذكر يوسف لمولاه.

وقوله : (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) ذكروا أنه لبث سبعا بعد خمس والبضع ما دون العشرة.

(١) الآية ٦ سورة نوح (١)

٤٣

وقوله : (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ) [٤٣] هو من كلام العرب : أن يقول الرجل : إنى أخرج إلى مكّة وغير ذلك ، فعلم أنّه للنوم ولو أراد الخبر لقال : إنى أفعل إنى أقوم فيستدلّ على أنها رؤيا «٢» لقوله : أرى ، وإن لم يذكر نوما. وقد بيّنها إبراهيم عليه السلام فقال : إنّى «٣» أرى في المنام أنّى أذبحك) وقوله : أَضْغاثُ أَحْلامٍ [٤٤] رفع ، لأنهم أرادوا : ليس هذه بشى إنما هى أضغاث أحلام «٤».

وهو كقوله : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «٥») كفروا فقالوا : لم ينزل شيئا ، إنما هى

(٢) كذا. والأولى : «بقوله».

(٣) الآية ١٠٢ سورة الصافات.

(٤) سقط فى ا.

(٥) الآية ٢٤ سورة النحل.

أساطير الأولين. ولو كان (أضغاث أحلام) أي أنك «١» رأيت أضغاث أحلام كان صوابا.

(١) ش : «كأتك».

٤٥

وقوله : وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [٤٥] الأمة : الحين من الدهر. وقد ذكر عن بعضهم «٢» (بعد أمه) وهو النسيان. يقال رجل مأموه كأنه الذي ليس معه عقله وقد أمه الرجل.

وقوله : وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ [٤٦] لو كان الخضر منصوبة تجعل نعتا للسّبع حسن ذلك. وهى إذ خفضت نعت للسنبلات. وقال اللّه عزّ وجلّ : (أَ لَمْ تَرَوْا كَيْفَ «٣» خَلَقَ اللَّهُ

(٢) هو الحسن كما فى الإتحاف.

(٣) الآية ١٥ سورة نوح.

٤٧

سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) ولو كانت (طباق) كان صوابا وقوله : دَأَباً [٤٧] وقرأ بعض «٤» قرّائنا (سبع سنين دأبا) : فعلا. وكذلك كل حرف فتح أوّله وسكّن ثانيه فتثقيله جائز إذا كان ثانيه همزة أو عينا أو غينا أو حاء أو خاء أو هاء.

(٤) هو حفص.

٤٨

وقوله : يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ [٤٨] يقول ما تقدّمتم فيه لهنّ من الزرع.

٥١

وقوله : قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ [٥١] لمّا دعا النسوة فبرّأته قالت : لم يبق إلا أن يقبل علىّ بالتقرير فأقرّت ، فذلك قوله : (حَصْحَصَ الْحَقُّ) يقول : ضاق الكذب وتبيّن الحقّ.

٥٢

وقوله : ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ : [٥٢] قال ذلك يوسف لما رجع إليه الساقي فأخبره «٥» ببراءة النسوة إيّاه. فقال يوسف (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) وهو متّصل بقول امرأته (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلِكَ) وربّما وصل الكلام بالكلام ، حتى كأنه قول واحد وهو كلام اثنين ، فهذا من ذلك. وقوله (مِنْ أَرْضِكُمْ «٦» بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) اتّصل قول فرعون بقول الملأ : وكذلكقوله (إِنَّ «٧» الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا

(٥) كذا. والمناسب : «بتبرئة»

(٦) الآية ٣٥ سورة الشعراء. يريد الفراء ، أن قوله «يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره» من كلام فرعون ، وقوله : «فَما ذا تَأْمُرُونَ» من خطاب الملأ لفرعون. ويرى جمهور المفسرين أن الكل من كلام فرعون ، وأنه غشيه الدهش حتى استأمر رعيته ونسى مكانه فيما يزعم فى الألوهية.

(٧) الآية ٣٤ سورة النمل.

قَرْيَةً أَفْسَدُوها) إلى قوله (وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) انقطع كلامها عند قوله (أَذِلَّةً) ثم قال عزّ وجلّ (وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) ويقال : إنه من قول سليمان عليه السّلام.

٥٣

وقوله : إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي [٥٣] (ما) فى موضع نصب. وهو استثناء منقطع ممّا قبله : ومثله (إِلَّا حاجَةً «١» فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) ومثله فى سورة يس (فَلا صَرِيخَ «٢» لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) إنما هو - واللّه أعلم - إلا أن يرحموا. و(أن) تضارع (ما) إذا كانتا فى معنى مصدر.

(١) الآية ٦٨ سورة يوسف.

(٢) الآيتان ٤٣ ، ٤٤. [.....]

٦٠

وقوله : وَلا تَقْرَبُونِ [٦٠] فى موضع جزم ، والنون فى موضع نصب حذفت ياؤها. ولو جعلتها رفعا فنصبت النون كان صوابا على معنى قوله ولستم تقربون بعد هذه كقوله (فَبِمَ «٣» تُبَشِّرُونَ) و(الَّذِينَ «٤» كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ).

(٣) الآية ٥٤ سورة الحجر.

(٤) الآية ٢٧ سورة النحل.

٦٢

وقوله : وَقالَ لِفِتْيانِهِ [٦٢] و(لفتيته) قراءتان «٥» مستفيضتان.

وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا) قيل فيها قولان : أحدهما أن يوسف خاف ألّا يكون عند أبيه دراهم ، فجعل البضاعة فى رحالهم ليرجعوا. وقيل إنهم إن عرفوا أنّها بضاعتهم وقد اكتالوا ردّوها على يوسف ولم يستحلّوا إمساكها.

(٥) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والثانية لغيرهم ، كما فى الاتحاف.

قوله : فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ [٦٣] قرأ أصحاب «١» عبد اللّه (يكتل) وسائر الناس (نَكْتَلْ) كلاهما صواب من قال (نَكْتَلْ) جعله معهم فى الكيل. ومن قال (يكتل) يصيبه كيل لنفسه فجعل الفعل له خاصّة لأنهم يزادون به كيل بعير.

[قوله ] : فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً «٢» [٦٤] و(حفظا «٣» وهى فى قراءة عبد اللّه (واللّه خير الحافظين) وهذا شاهد للوجهين جميعا. وذلك أنك «٤» إذا أضفت أفضل إلى شىء فهو بعضه ، وحذف المخفوض يجوز وأنت تنويه. فإن شئت جعلته خيرهم حفظا فحذفت الهاء والميم وهى تنوى فى المعنى وإن شئت جعلت (حافِظاً) تفسيرا لأفضل. وهو كقولك : لك أفضلهم رجلا ثم تلغى الهاء والميم فتقول لك أفضل رجلا وخير رجلا. والعرب : تقول لك أفضلها كبشا ، وإنما هو تفسير الأفضل.

حدّثنا الفراء قال حدّثنا أبو ليلى السجستانىّ عن أبى حريز «٥» قاضى سجستان أن ابن مسعود قرأ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً «٦» وقد أعلمتك أنها مكتوبة فى مصحف عبد اللّه (خير الحافظين) وكان هذا - يعنى أبا ليلى - معروفا بالخير. وحدّثنا بهذا الإسناد عن عبد اللّه أنه قرأ (فلا أقسم «٧» بموقع النّجوم) (وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) «٨» يقولون : مؤدون فى السلاح آدى يؤدى.

(١) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٢) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والآخرى للباقين. لأ

(٣) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والآخرى للباقين. لأ

(٤) سقط فى ا.

(٥) ش : «جرير».

(٦) ش : «حفظا».

(٧) الآية ٧٥ سورة الواقعة. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٨) الآية ٥٦ سورة الشعراء. وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان وهشام.

٦٥

وقوله : يا أَبانا ما نَبْغِي [٦٥] كقولك فى الكلام ماذا تبغى؟ ثم قال (هذِهِ بِضاعَتُنا) كأنهم طيّبوا بنفسه «٩». و(ما) استفهام فى موضع نصب. ويكون معناها جحدا كأنهم قالوا :

لسنا نريد منك دراهم. واللّه أعلم بصواب ذلك.

(٩) كذا. وكأن الباء زائدة.

٦٦

و قوله : إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [٦٦] يقول : إلّا أن يأتيكم من اللّه ما يعذركم.

٦٧

وقوله : يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ [٦٧] يقول : لا تدخلوا مصر من طريق واحد.

كانوا صباحا تأخذهم العين.

٦٨

[وقوله ] : وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ [٦٨] يقول : إنه لذو علم لتعليمنا إيّاه ويقال : إنه لذو حفظ «١» لما علمناه.

(١) ا : «حظ».

٦٩

وقوله : فَلا تَبْتَئِسْ [٦٩] معناه : لا تستكن من الحزن والبؤس. يقول : لا تحزن.

وقوله : فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ [٧٠] «٢» جواب وربّما أدخلت العرب فى مثلها الواو وهى جواب على «٣» حالها كقوله فى أول السورة (فَلَمَّا «٤» ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) والمعنى - واللّه أعلم - : أوحينا إليه. وهى فى قراءة عبد اللّه (فلمّا جهّزهم بجهازهم وجعل السّقاية) ومثله فى الكلام : لمّا أتانى وأثب عليه كأنه قال : وثبت عليه.

وربما أدخلت العرب فى جواب لمّا لكن. فيقول الرجل : لمّا شتمنى لكن أثب عليه ، فكأنه استأنف الكلام استئنافا ، وتوهّم أنّ ما قبله فيه جوابه. وقد جاء (الشعر «٥» فى كل ذلك) قال امرؤ القيس :

فلمّا أجزنا ساحة الحىّ وانتحى بنا بطن خبت ذى قفاف عقنقل «٦»

(٢) فى الأصول : «جوابا» ولا وجه للنصب. [.....]

(٣) ش : «فى».

(٤) الآية ١٠.

(٥) كذا. والأنسب : «فى الشعر كل ذلك».

(٦) البيت من معلقته. «انتحى» : اعترض. والخبت : المتسع من بطون الأرض. والقفاف جمع قف وهو ما ارتفع من الأرض. والعقنقل : المنعقد المتداخل.

و قال الآخر :

حتّي إذا قملت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبّوا

و قلبتم ظهر المجنّ لنا إنّ اللئيم العاجز الخبّ «١»

قملت : سمنت وكبرت.

قوله : قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ [٧٢].

وقوله : الصّواع ذكر. وهو الإناء الذي كان الملك يشرب فيه. والصاع يؤنّث ويذكّر. فمن أنّثه قال : ثلاث أصوع مثل ثلاث أدؤر. ومن ذكّره قال : ثلاثة أصواع مثل أبواب. وقوله (وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يقول : كفيل. وزعيم القوم سيّدهم.

(١) المجن : الترس ، ويقال : قلب له ظهر المجن إذا كان ووادا له ثم تغير عن مودته. والخب : الخداع. وانظر الخزانة ٤/ ٤١٤.

٧٣

وقوله : تَاللَّهِ [٧٣] العرب لا تقول تالرحمن ولا يجعلون مكان الواو تاء إلّا فى اللّه عزّ وجلّ.

وذلك أنها أكثر الأيمان مجرى فى الكلام فتوهّموا أنّ الواو منها لكثرتها فى الكلام ، وأبدلوها تاء كما قالوا : التّراث ، وهو من ورث ، وكما قال : (رُسُلَنا «٢» تَتْرا) وهى من المواترة ، وكما قالوا :

التّخمة وهى من الوخامة ، والتّجاه وهى من واجهك. وقوله (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ) يقول القائل : وكيف علموا أنهم لم يأتوا للفساد ولا للسرقة؟ فذكر أنهم كانوا فى طريقهم لا ينزلون بأحد ظلما ، ولا ينزلون فى بساتين الناس فيفسدوها فذلك قوله (ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) يقول : لو كنّا سارقين ما رددنا عليكم البضاعة التي وجدناها فى رحالنا.

(٢) الآية ٤٤ سورة المؤمنين.

٧٥

وقوله : قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ [٧٥] (من) فى معنى جزاء وموضعها رفع بالهاء التي عادت. وجواب الجزاء الفاء فى قوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) ويكون قوله (جَزاؤُهُ) الثانية

مرتفعة بالمعنى المحمّل فى الجزاء وجوابه. ومثله فى الكلام أن تقول : ما ذا لى عندك؟ فيقول : لك عندى إن بشّرتنى فلك ألف درهم ، كأنه قال : لك عندى هذا. وإن شئت جعلت (من) فى مذهب (الذي) وتدخل الفاء فى خبر (من) إذا كانت على معنى (الذي) كما تقول : الذي يقوم فإنّا نقوم معه. وإن شئت جعلت الجزاء مرفوعا بمن خاصّة وصلتها ، كأنك قلت : جزاؤه الموجود فى رحله. كأنك قلت : ثوابه أن يسترقّ ، ثم تستأنف أيضا فتقول : هو جزاؤه. وكانت سنّتهم أن يسترقّوا من سرق.

ثم قال : ثُمَّ اسْتَخْرَجَها [٧٦] ذهب إلى تأنيث السّرقة. وإن يكن الصّواع فى معنى الصّاع فلعلّ هذا التأنيث من ذلك. وإن شئت جعلته لتأنيث السّقاية.

وقوله (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (من) فى موضع نصب ، أي نرفع من نشاء درجات.

يقول : نفضّل من نشاء بالدرجات. ومن «١» قال (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) فيكون (من) فى موضع خفض.

وقوله (وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يقول : ليس من عالم إلّا وفوقه أعلم منه.

(١) هم غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف.

٧٧

وقوله : (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) [٧٧] أسرّ الكلمة. ولو قال : (فأسرّه) ذهب إلى تذكير الكلام كان صوابا كقوله (تِلْكَ «٢» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و(ذلِكَ «٣» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) (وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ) : أضمرها فى نفسه ولم يظهرها.

(٢) الآية ٤٩ سورة هود.

(٣) الآية ٤٤ سورة آل عمران

٧٩

وقوله : مَعاذَ اللَّهِ [٧٩] نصب لأنه مصدر ، وكل مصدر تكلّمت العرب فى معناه بفعل أو يفعل فالنصب فيه جائز. ومن ذلك الحمد للّه لأنك قد تقول فى موضعه يحمد اللّه. وكذلك أعوذ باللّه تصلح فى معنى معاذ اللّه.

٨٠

و قوله : خَلَصُوا نَجِيًّا [٨٠] و[نجوى ] قال اللّه عزّ وجلّ (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) وقوله : (قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْأَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ)

(ما) التي مع (فرّطتم) فى موضع رفع كأنه قال : ومن قبل هذا تفريطكم فى يوسف.

فإن «١» شئت جعلتها نصبا ، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبل تفريطكم فى يوسف. وإن شئت جعلت (ما) صلة كأنه قال «٢» : ومن قبل فرّطتم فى يوسف.

(١) كذا. والأولى : «و إن».

(٢) سقط فى ا.

٨١

وقوله : إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ [٨١] ويقرأ (سرّق) ولا أشتهيها لأنها شاذّة. وكأنه ذهب إلى أنه لا يستحلّ أن يسرّق ولم يسرق : وذكر أن ميمون بن مهران لقى رجاء بن حيوة بمكّة ، وكان رجاء يقول : لا يصلح الكذب فى جد ولا هزل. وكان ميمون يقول : ربّ كذبة هى خير من صدق كثير. قال فقال ميمون لرجاء : من كان زميلك؟ قال : رجل من قيس. قال : فلو أنك إذ مررت بالبشر «٣» قالت لك تغلب : أنت الغاية فى الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كان من قيس قتلناة ، فقد علمت ما قتلت قيس منّا ، أكنت تقول : من قيس أم من غير قيس؟ قال : بل من غير قيس. قال : فهى كانت أفضل أم الصدق؟ قال الفراء : قد جعل اللّه عزّ وجلّ للأنبياء من المكايد ما هو أكثر من هذا. واللّه أعلم بتأويل ذلك.

وقوله : وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ يقول : لم نكن نحفظ غيب ابنك ولا ندرى ما يصنع إذا غاب عنا. ويقال : لو علمنا أن هذا يكون لم نخرجه معنا.

(٣) البشر : جبل من منازل تغلب. وبين تغلب وقيس حروب وغارات.

٨٣

وقوله : أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [٨٣] الصبر الجميل مرفوع لأنه عزّى نفسه وقال : ما هو إلا الصبر ، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل ، كما قال الشاعر :

يشكو إلىّ جملى طول السّرى صبرا جميلا فكلانا مبتلى «١»

و قوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يقول : لا شكوى فيه إلّا إلى اللّه جلّ وعزّ.

قالو : تَاللَّهِ تَفْتَؤُا : [٨٥] معناه لا تزال تذكر يوسف و(لا) قد تضمر مع الأيمان لأنها إذا كانت خبرا لا يضمر فيها (لا) لم تكن إلا بلام ألا ترى أنك تقول : واللّه لآتينّك ، ولا يجوز أن تقول : واللّه آتيك إلّا أن تكون تريد (لا) فلمّا تبيّن موضعها وقد فارقت الخبر أضمرت ، قال امرؤ القيس :

فقلت يمين اللّه أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى «٢»

و أنشدنى بعضهم :

فلا وأبى دهماء زالت عزيزة على قومها ما فتّل الزّند قادح

يريد : لا زالت. وقوله : (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً)] يقال : رجل حرض وامرأة حرض وقوم حرض ، يكون موحّدا على كلّ حال : الذكر والأنثى ، والجميع فيه سواء ، ومن العرب من يقول للذكر : حارض ، وللأنثى حارضة ، فيثّنى هاهنا ويجمع لأنه قد خرج على صورة فاعل وفاعل «٣» يجمع. والحارض : الفاسد فى جسمه أو عقله. ويقال للرجل : إنه لحارض أي أحمق.

والفاسد فى عقله أيضا. وأما حرض فترك جمعه لأنه مصدر بمنزلة دنف وضنى «٤». والعرب تقول :

قوم دنف ، وضنى وعدل ، ورضا ، وزور ، وعود ، وضيف. ولو ثنّى وجمع لكان صوابا كما قالوا : ضيف وأضياف. وقال عزّ وجلّ (أَ نُؤْمِنُ «٥» لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) وقال فى موضع آخر :

(ما أَنْتُمْ «٦» إِلَّا بَشَرٌ) والعرب إلى التثنية أسرع منهم إلى جمعه لأن الواحد قد يكون فى معنى

(١) ورد فى كتاب سيبويه ١/ ١٦٢.

(٢) من قصيدة له فى الديوان ٣٢. [.....]

(٣) ا : «الفاعل».

(٤) الضنى فى الأصل المرض المخامر كلما ظن برؤه نكس.

(٥) الآية ٤٧ سورة المؤمنين.

(٦) الآية ١٥ سورة يس.

الجمع ولا يكون فى معنى اثنين ألا ترى أنك تقول : كم عندك من درهم ومن دراهم ، ولا يجوز :

كم عندك من درهمين. فلذلك كثرت التثنية ولم يجمع.

٨٨

وقوله : وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ [٨٨] ذكروا أنهم قدموا مصر ببضاعة ، فباعوها بدراهم لا تنفق فى الطعام إلّا بغير سعر الجياد ، فسألوا يوسف أن يأخذها منهم ولا ينقصهم. فذلك قوله :

(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بفضل ما بين السّعرين.

٩٣

وقوله : يَأْتِ بَصِيراً [٩٣] أي يرجع بصيرا.

٩٤

وقوله : لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ [٩٤] يقول : تكذبون وتعجّزون وتضعفون.

٩٨

وقوله : سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [٩٨] قال : حدّثنا الفراء «١» (عن) شريك عن السّدّىّ فى هذه الآية أخّرهم «٢» إلى السّحر (قال أبو زكريا «٣» وزادنا حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال : أخّرهم إلى السحر) ليلة الجمعة.

(١) ا : «قال حدثنى».

(٢) أي أخر الاستغفار لهم.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ا.

١٠٥

وقوله : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [١٠٥] فآيات السّموات الشمس والقمر والنجوم. وآيات الأرض الجبال والأنهار وأشباه ذلك.

١٠٦

وقوله : وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [١٠٦] يقول : إذا سألتهم من خلقكم؟

قالوا : اللّه ، أو من رزقكم؟ قالوا : اللّه ، وهم يشركون به فيعبدون الأصنام. فذلك قوله :

(وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).

١٠٨

وقوله : أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [١٠٨] يقول : أنا ومن اتّبعنى ، فهو يدعو على بصيرة كما أدعو.

١٠٩

وقوله : وَلَدارُ الْآخِرَةِ [١٠٩] أضيفت الدار إلى الآخرة وهى الآخرة وقد تضيف العرب الشي ء

إلى نفسه إذا اختلف لفظه كقوله (إِنَّ «١» هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) والحقّ هو اليقين. ومثله أتيتك بارحة الأولى ، وعام الأوّل وليلة الأولى ويوم الخميس. وجميع الأيّام تضاف إلى أنفسها لاختلاف لفظها. وكذلك شهر ربيع. والعرب تقول فى كلامها - أنشدنى بعضهم - :

أ تمدح فقعسا وتذمّ عبسا ألا للّه أمّك من هجين «٢»

و لو أقوت «٣» عليك ديار عبس عرفت الذلّ عرفان اليقين

و إنما معناه عرفانا ويقينا.

(١) الآية ٩٥ سورة الواقعة.

(٢) الهجين : عربى ولد من أمة أو من أبوه خير من أمه.

(٣) أقوت : أقفرت وخلت.

١١٠

وقوله : حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [١١٠].

خفيف. وقرأها أهل المدينة بالتثقيل ، وقرأها ابن عباس بالتخفيف ، وفسّرها : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاءهم نصرنا. وحكيت عن عبد اللّه (كذّبوا) مشدّدة وقوله : (فنجى من نشاء) القراءة بنونين «٤» والكتاب أتى بنون واحدة. وقد قرأ عاصم (فنجّى من نشاء) فجعلها نونا ، كأنه كره زيادة نون ف (من) حينئذ فى موضع رفع. وأما الذين قرءوا بنونين فإن النون الثانية ، تخفى ولا تخرج من موضع الأولى ، فلمّا خفيت حذفت ، ألا ترى أنك لا تقول فننجى بالبيان. فلمّا خفيت الثانية حذفت واكتفى بالنون الأولى منها ، كما يكتفى بالحرف من الحرفين فيدغم ويكون كتابهما واحدا.

(٤) قرأ «فتنجى» غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقد قرءوا : «فنجى» على صيغة المبنى للمفعول من نجى.

١١١

وقوله : ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ [١١١] منصوب ، يراد به : ولكن كان تصديق ما بين يديه من الكتب : التوراة والإنجيل. ولو رفعت التصديق كان صوابا كما تقول : ما كان

هذا قائما ولكن قاعدا وقاعد. وكذلكقوله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ) و(رَسُولَ اللَّهِ) فمن رفع لم يضمر كان «١» أراد : ولكن هو رسول اللّه.