سُورَةُ الْأَنْفَالِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ آيَةً

١

و قوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ (١) نزلت فى أنفال أهل بدر. وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لمّا رأى قلّة الناس وكراهيتهم للقتال قال : من قتل قتيلا فله كذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا.

فلما فرغ من أهل بدر قام سعد بن معاذ «١» فقال : يا رسول اللّه إن نفّلت هؤلاء ما سمّيت لهم بقي كثير من المسلمين بغير شىء ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى :

قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ : يصنع فيها ما يشاء ، فسكتوا وفى أنفسهم من ذلك كراهية.

(١) هو سيد الأوس. شهد بدرا وأحدا ، واستشهد زمن الخندق فقال فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم :

«اهتز العرش لموت سعد بن معاذ».

٥

وهو قوله : كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ (٥) على كره منهم ، فامض لأمر اللّه فى الغنائم كما مضيت على مخرجك وهم كارهون.

ويقال فيها : يسألونك عن الأنفال كما جادلوك يوم بدر فقالوا : أخرجتنا للغنيمة ولمتعلمنا قتالا فنستعدّ «٢» له.

(٢) كذا فى ا. وفى ج : «فيستعدّ».

٦

فذلك قوله : يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ (٦) وقوله : فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أمر المسلمين أن يتآسوا «٣» فى الغنائم بعد ما أمضيت لهم ، أمرا ليس بواجب «٤».

(٣) أي يؤاسى بعضهم بعضا أي ينيله مما ناله ولا يضنّ عليه.

(٤) كذا فى ا ، ج. وفى ش : «بجواب».

و قوله : وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ، ثم قال «١» أَنَّها لَكُمْ فنصب (إحدى «٢» الطائفتين) ب «يعد» ثم كرّها على أن يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم كما «٣» قال :

فَهَلْ يَنْظُرُونَ «٤» إِلَّا السَّاعَةَ ثم قال : أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فأن فى موضع نصب كما نصبت الساعة وقوله : وَلَوْ لا «٥» رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ رفعهم ب «لو لا» ، ثم قال : أَنْ تَطَؤُهُمْ فأن فى موضع رفع ب «لولا».

(١ ، ٢) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٣) سقط فى ا.

(٤) آية ١٨ سورة محمد.

(٥) آية ٢٥ سورة الفتح.

٩

وقوله : بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) ويقرأ (مردفين) «٦»فأما (مردفين) فمتتابعين ، و(مردفين) فعل بهم.

(٦) أي بفتح الدال : وهى قراءة نافع وأبى جعفر ويعقوب ، والكسر قراءة الباقين.

١٠

وقوله : وَما جَعَلَهُ اللَّهُ (١٠) هذه الهاء للإرداف : ما جعل اللّه الإرداف إِلَّا بُشْرى .

١١

وقوله : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ (١١) بات المسلمون ليلة بدر على غير ماء ، فأصبحوا مجنبين ، فوسوس إليهم الشيطان فقال : تزعمون أنكم على دين اللّه وأنتم على غير الماء وعدوّكم على الماء تصلّون مجنبين ، فأرسل اللّه عليهم السماء «٧» وشربوا واغتسلوا وأذهب اللّه عنهم رجز الشيطان يعنى وسوسته ، وكانوا فى رمل تغيب فيه الأقدام فشدّده المطر حتى اشتدّ عليه الرجال ، فذلك قوله : وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ.

(٧) كذا فى ا. وفى ش ، ج : «الماء».

١٢

و قوله : إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا (١٢) كان الملك يأتى الرجل من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم فيقول : سمعت «١» هؤلاء القوم - يعنى أبا سفيان وأصحابه - يقولون : واللّه لئن حملوا علينا لننكشفنّ ، فيحدّث المسلمون بعضهم بعضا بذلك فتقوى أنفسهم. فذلك وحيه إلى الملائكة.

وقوله : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ علّمهم مواضع الضرب فقال : اضربوا الرءوس والأيدى «٢» والأرجل.

فذلك قوله : وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ.

(١) سقط فى ش. [.....]

(٢) هذا من ضرب البنان. والبنان جمع بنانة وهى أطراف أصابع اليدين والرجلين.

١٤

وقوله : ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ (١٤) خاطب المشركين.

ثم قال : وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ فنصب (أنّ) من جهتين.

أما إحداهما : وذلك بأن للكافرين عذاب النار ، فألقيت الباء فنصبت. والنصب الآخر أن تضمر فعلا مثل قول الشاعر :

تسمع للأحشاء منه لغطا ولليدين جسأة وبددا «٣»

أضمر (وترى لليدين) كذلك قال ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ واعلموا أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ. وإن شئت جعلت (أن) فى موضع رفع تريد : ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وذلكم (أنّ

(٣) اللغط : الأصوات المبهمة. والجسأة الصلابة والغلظ والخشونة. والبدد : تباعد ما بين اليدين.

للكافرين عذاب النّار) ومثله فى كتاب اللّه تبارك وتعالى : خَتَمَ «١» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ قرأها عاصم فيما حدّثنى المفضل ، وزعم أن عاصما أخذها عليه مرتين بالنصب. وكذلكقوله : وَحُورٌ عِينٌ «٢».

(١) آية ٧ سورة البقرة.

(٢) الآية ٢٢ من سورة الواقعة. ويريد المؤلف قراءة أبى وعبد اللّه بن مسعود (وحورا عينا) على معنى : ويعطون هذا كله وحورا عينا كما فى البحر ٨/ ٢٠٦

١٦

وقوله : إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ (١٦) هو استثناء والمتحيز غير من. وإن شئت جعلته من صفة «٥» من ، وهو على مذهب قولك : إلا أن يوليهم يريد الكرّة ، كما تقول فى الكلام : عبد اللّه يأتيك إلّا ماشيا ، ويأتيك إلا أن تمنعه الرحلة. ولا يكون (إلا) هاهنا على معنى قوله إِلى «٦» طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ لأن (غير) فى مذهب (لا) ليست فى مذهب (إلا).

 (٥) يريد بصفتها ما بعدها من فعل الشرط ، وهو (يولهم) ، يريد الضمير فى الفعل.

(٦) آية ٥٣ سورة الأحزاب.

١٧

وقوله : وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى (١٧) دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر بكفّ من تراب فحثاه فى وجوه القوم ، وقال : شاهت الوجوه ، أي قبحت ، فكان ذلك أيضا سبب هزمهم «٦».

(٦) كذا فى ش ، ج. وفى ا : «هزيمتهم».

١٨

وقوله : ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) ومُوهِنُ. فإن شئت أضفت ، وإن شئت نوّنت ونصبت «٣» ، ومثله : إِنَّ «٤» اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ ، وبالغ أمره وكاشِفاتُ «٥» ضُرِّهِ ، وكاشفات ضرّه.

(٣) الإضافة والتنوين فى الوصفين من فعّل وأفعل وقرى بكل هذه الأوجه ما عدا النصب مع الوصف من أوهن.

(٤) آية ٣ سورة الطلاق. وقراءة حفص بالإضافة والباقين بالتنوين ونصب أمره.

(٥) آية ٣٨ سورة الزمر. قرأ بالتنوين أبو عمرو ويعقوب وقرأ الباقون بغير تنوين.

١٩

وقوله : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ (١٩) (قال «٧» أبو جهل يومئذ : اللهم انصر أفضل الدينين وأحقّه بالنصر ، فقال اللّه تبارك وتعالى إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ يعنى النصر.

(٧) سقط ما بين القوسين فى ا.

و قوله«١» : وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ قال : كسر ألفها أحب إلىّ من فتحها لأن فى قراءة عبد اللّه : (وإن اللّه لمع المؤمنين) فحسّن هذا كسرها بالابتداء. ومن فتحها أراد وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ يريد : لكثرتها ولأن اللّه مع المؤمنين ، فيكون موضعها نصبا لأن الخفض يصلح فيها.

(١) الفتح قراءة نافع وابن عامر وحفص ، والكسر قراءة الباقين.

٢٤

وقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ (٢٤) يقول : استجيبوا للّه وللرّسول إذا دعاكم إلى إحياء أمركم.

وقوله : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بين المؤمن وبين المعصية ، وبين الكافر وبين الطاعة و(أنه) مردود على (واعلموا) ولو استأنفت فكسرت لكان صوابا.

٢٥

وقوله : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ (٢٥) أمرهم ثم نهاهم ، وفيه طرف من الجزاء وإن كان نهيا. ومثلهقوله يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ «٢» أمرهم ثم نهاهم ، وفيه تأويل الجزاء.

(٢) آية ١٨ سورة النمل.

٢٦

وقوله : وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ (٢٦) نزلت فى المهاجرين خاصّة.

وقوله : فَآواكُمْ يعنى إلى المدينة ، وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ أي قوّاكم.

٢٧

و قوله : لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (٢٧) إن شئت جعلتها «١» جزما على النهى ، وإن شئت جعلتها صرفا ونصبتها قال «٢» :

لا تنه عن خلق وتأتى مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

و فى إحدى القراءتين (ولا تخونوا أماناتكم) فقد يكون أيضا هاهنا جزما ونصبا.

(١) أي تخونوا فى قوله : (وتخونوا أماناتكم) يحتمل أن يكون معطوفا على المجزوم بلا الناهية ، ويحتمل أن يكون منصوبا بأن مضمرة بعد واو المعية ، وهو ما يعرف عند الكوفيين بالنصب على الصرف.

(٢) المشهور أن القائل هو أبو الأسود الدؤلي من قصيدة طويلة. وانظر الخزانة ٣/ ٦١٨

٢٩

وقوله : إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً (٢٩) يقول : فتحا ونصرا. وكذلكقوله يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ يوم الفتح والنصر.

٣٠

وقوله : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ (٣٠) اجتمع نفر من قريش فقالوا : ما ترون فى محمد (صلى اللّه عليه وسلم) ويدخل إبليس عليهم فى صورة رجل من أهل نجد ، فقال عمرو بن هشام «٣» : أرى أن تحبسوه فى بيت وتطيّنوه عليه وتفتحوا له كوّة وتضيّقوا عليه حتى يموت. فأبى ذلك إبليس وقال : بئس الرأى رأيك ، وقال أبو البخترىّ بن هشام : أرى أن يحمل على بعير ثم يطرد به حتى يهلك «٤» أو يكفيكموه بعض العرب ، فقال إبليس : بئس الرأى! أتخرجون عنكم رجلا قد أفسد عامّتكم فيقع إلى غيركم! فعلّه يغزوكم بهم. قال الفاسق أبو جهل : أرى أن نمشى إليه برجل من كل فخذ من قريش فنضر به بأسيافنا ، فقال إبليس : الرأى ما رأى هذا «٥» الفتى ، وأتى جبريل عليه السلام إلى

(٣) هو أبو جهل. [.....]

(٤) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «يهم».

(٥) سقط فى أ.

النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بالخبر ، فخرج من مكّة هو وأبو بكر. فقوله (ليثبتوك) :

ليحبسوك فى البيت. (أو يخرجوك) على البعير «١» (أو يقتلوك).

(١) فى ج : «فارتفع».

٣٢

وقوله : وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ (٣٢) فى (الحق) النصب والرفع «٢» إن جعلت (هو) اسما رفعت الحق بهو. وإن جعلتها عمادا بمنزلة الصلة نصبت الحق. وكذلك فافعل فى أخوات كان ، وأظنّ وأخواتها كما قال اللّه تبارك وتعالى وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ «٣» تنصب الحق لأن (رأيت) من أخوات ظننت. وكل موضع صلحت فيهارفع «١» فتقول «٢» : رأيت زيدا هو قائم ورأيت عمرا هو جالس. وقال الشاعر :

أجدّك لن تزال نجىّ همّ تبيت الليل أنت له ضجيع

و يجوز النصب فى (ليت) بالعماد ، والرفع لمن «٣» قال : ليتك قائما. أنشدنى الكسائىّ :

ليت الشباب هو الرجيع على الفتى والشيب كان هو البديء الأوّل «٤»

و نصب فى (ليت) على العماد ورفع فى كان على الاسم. والمعرفة والنكرة فى هذا سواء.

(٢) فى ا : «فأقول».

(٣) هذا راجع للنصب.

(٤) الرجيع : المرجوع فيه : أراد به المتأخر ، والبديء : الأوّل.

٤١

و قوله : وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (٤١) دخلت (أنّ) فى أوّله وآخره لأنه جزاء بمنزلة قوله كُتِبَ «١» عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وبمنزلة قوله أَلَمْ «٢» يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ويجوز فى (أنّ) الآخرة أن تكسر ألفها لأن سقوطها يجوز ألا ترى أنك لو قلت :

(أعلموا أنّ ما غنمتم من شىء فللّه خمسه) تصلح ، فإذا صلح سقوطها صلح كسرها.

وقوله : وَلِذِي الْقُرْبى : قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ : يتامى الناس ومساكينهم ، ليس فيها يتامى بنى هاشم ولا مساكينهم.

(١) آية ٤ سورة الحج. [.....]

(٢) آية ٦٣ سورة التوبة.

٤٢

وقوله : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا (٤٢) والعدوة : شاطئ الوادي الدُّنْيا مما يلى المدينة ، والْقُصْوى مما يلى مكّة.

وقوله وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى أبا سفيان والعير ، كانوا على شاطئ البحر.

وقوله أَسْفَلَ مِنْكُمْ نصبت يريد : مكانا أسفل منكم. ولو وصفهم بالتسفل وأراد : والركب أشد تسفّلا لجاز ورفع.

وقوله وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ كتابتها على الإدغام بياء واحدة ، وهى أكثر قراءة القراء. وقد قرأ بعضهم «٣» (حيى عن بيّنة) بإظهارها. وإنما أدغموا الياء مع الياء وكان ينبغى لهم ألا يفعلوا لأن الياء الآخرة لزمها النصب فى فعل ، فأدغموا لمّا التقى حرفان متحرّكان من جنس واحد. ويجوز الإدغام فى الاثنين للحركة اللازمة للياء الآخرة ، فتقول للرجلين : قد حيّا ، وحييا. وينبغى للجمع ألا يدغم لأنّ ياءه

(٣) هم نافع والبزىّ عن ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ويعقوب وخلف.

يصيبها الرفع وما قبلها مكسور ، فينبغى لها أن تسكن فتسقط بواو الجمع. وربما أظهرت العرب الإدغام فى الجمع إرادة تأليف الأفعال وأن تكون كلها مشدّدة.

فقالوا فى حييت حيّوا ، وفى عييت عيّوا أنشدنى بعضهم :

يحدن بنا عن كلّ حىّ كأننا أخاريس عيّوا بالسلام وبالنّسب «١»

يريد النّسب. وقال الآخر :

من الذين إذا قلنا : حديثكم عيّوا ، وإن نحن حدّثناهم شغبوا «٢»

و قد اجتمعت العرب على إدغام التحيّة والتحيّات بحركة الياء الأخيرة فيها كما استحبّوا إدغام عىّ وحىّ بالحركة اللازمة فيها. وقد يستقيم أن تدغم الياء والياء فى يحيا ويعيا وهو أقل من الإدغام فى حىّ لأن يحيا يسكن ياؤها إذا كانت فى موضع رفع ، فالحركة فيها ليست لازمة. وجواز ذلك أنك «٣» إذا نصبتها كقول اللّه تبارك وتعالى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى «٤» استقام إدغامها هاهنا ثم نؤلّف الكلام ، فيكون فى رفعه وجزمه بالإدغام فتقول (هو يحىّ ويميت) أنشدنى بعضهم :

و كأنها بين النساء سبيكة تمشى بسدّة بيتها فتعىّ «٥»

و كذلك يحيّان ويحيّون.

(١) كأنه يصف إبلا سافروا عليها وتجنبوا الأحياء فى طريقهم. وأخاريس كأنه جمع أخرس ، جمعه على أفاعل وأشبع الكسرة فتولدت الياء ، وقد ذهب به مذهب الاسم فجمعه هذا الجمع ، ولو لا هذا لقال : خرس.

(٢) «قلنا : حديثكم» أي هاتوا حديثكم أو حدّثوا حديثكم. يرميهم بالعيّ والشغب.

(٣) سقط فى ش ، ج. وثبت فى أ.

(٤) آية ٤٠ سورة القيامة.

(٥) سدة البيت : فناؤه. يصف امرأة أنها منعمة يثقل عليها المشي ، فلو مشت بفناء بيتها لحقها الإعباء والكلال.

و قوله : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ (٤٨) هذا إبليس تمثل فى صورة رجل من بنى كنانة يقال له سراقة بن جعشم. قال الفراء : وقوله وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ «١» من قومى بنى كنانة ألّا يعرضوا لكم ، وأن يكونوا معكم على محمد (صلى اللّه عليه وسلم) فلمّا عاين الملائكة عرفهم ف «نكص على عقبيه» ، فقال له الحرث «٢» بن هشام : يا سراقة أفرارا من غير قتال! فقال (إنى أرى ما لا ترون).

(١) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «بين».

(٢) هو أخو أبى جهل. أسلم يوم الفتح. واستشهد يوم اليرموك ، وقيل : فى طاعون عمواس.

٥٠

وقوله : يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا (٥٠) يريد : ويقولون ، مضمرة كما قال : وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا «٣» يريد يقولون : (ربّنا). وفى قراءة عبد اللّه وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ «٤» يقولان رَبَّنا.

(٣) آية ١٢ سورة السجدة.

(٤) آية ١٢٧ سورة البقرة

٥١

وقوله : وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) (أنّ) فى موضع نصب إذا جعلت (ذلك) نصبا وأردت : فعلنا ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وب أَنَّ اللَّهَ. وإن شئت جعلت (ذلك) فى موضع رفع ، فتجعل (أن) فى موضع رفع كما تقول : هذا ذاك.

٥٢

وقوله : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ (٥٢) يريد : كذّب هؤلاء كما كذّب آل فرعون ، فنزل بهم كما نزل بآل فرعون.

٥٧

و قوله : فأما تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ (٥٧) يريد : إن أسرتهم يا محمد فنكّل بهم من خلفهم ممن تخاف نفضه للعهد فَشَرِّدْ بِهِمْ.

لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فلا ينقضون العهد. وربما قرئت (من خلفهم) بكسر (من) «١» ، وليس لها معنى أستحبّه مع التفسير.

(١) نسب فى البحر ٣/ ٥٠٩ هذه القراءة إلى أبى حيوة وإلى الأعمش بخلاف عنه.

٥٨

وقوله : وأما تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً (٥٨) يقول : نقض عهد فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ بالنقض عَلى سَواءٍ يقول : افعل كما يفعلون سواء. ويقال فى قوله : عَلى سَواءٍ : جهرا غير سرّ. وقوله : تَخافَنَّ فى موضع جزم. ولا تكاد العرب تدخل النون الشديدة ولا الخفيفة فى الجزاء حتى يصلوها ب (ما) ، فإذا وصلوها آثروا التنوين. وذلك أنهم وجدوا ل (إما) «٢» وهى جزاء شبيها ب (إما) من التخيير ، فأحدثوا النون ليعلم بها تفرقة بينهما ثم جعلوا أكثر جوابها بالفاء كذلك جاء التنزيل قال : فأما تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ ، فأما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ «٣» ثم قال : فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ فاختيرت الفاء لأنهم إذا نوّنوا فى (إمّا) جعلوها صدرا للكلام ولا يكادون يؤخرّونها. ليس من كلامهم : اضربه إمّا يقومنّ إنما كلامهم أن يقدّموها ، فلما لزمت التقديم صارت كالخارج من الشرط ، فاستحبوا الفاء فيها وآثروها ، كما استحبّوها فى قولهم : أمّا أخوك فقاعد ، حين ضارعتها.

(٢) فى ا : «إما».

(٣) آية ٧٧ سورة غافر. [.....]

٥٩

وقوله : ولا تحسبنّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) بالتاء لا اختلاف فيها. وقد قرأها حمزة «٤» بالياء. ونرى أنه اعتبرها بقراءة عبد اللّه.

وهى فى قراءة عبد اللّه ولا يحسبنّ الذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يعجزون

(٤) وكذلك ابن عامر وحفص.

فإذا لم تكن فيها (أنّهم) لم يستقم للظنّ ألّا يقع على شىء. ولو أراد : ولا يحسب الذين كفروا أنهم لا يعجزون لاستقام «١» ، ويجعل لا (صلة) كقوله : وَحَرامٌ «٢» عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ يريد : أنهم يرجعون. ولو كان مع (سبقوا) (أن) استقام ذلك ، فتقول : ولا يحسب الذين كفروا أن سبقوا.

فإن قال قائل : أليس من كلام العرب عسيت أذهب ، وأريد أقوم معك ، و(أن) فيهما مضمرة ، فكيف لا يجوز أن تقول : أظن أقوم ، وأظن قمت

 قلت :

لو فعل ذلك فى ظننت إذا كان الفعل للمذكور أجزته وإن كان اسما مثل قولهم : عسى «٣» الغوير أبؤسا ، والخلقة لأن «٤» ، فإذا قلت ذلك قلته فى أظن فقلت : أظن أقوم ، وأظن قمت لأن الفعل لك ، ولا يجوز أظن يقوم زيد ، ولا عسيت يقوم زيد ولا أردت يقوم زيد وجاز والفعل له لأنك إذا حوّلت يفعل إلى فاعل اتصلت به وهى منصوبة بصاحبها ، فيقول : أريد قائما والقيام لك. ولا تقول أريد قائما زيد ، ومن قال هذا القول قال مثله فى ظننت. وقد أنشدنى بعضهم لذى الرّمّة :

أظنّ ابن طرثوث عتيبة ذاهبا بعاديّتى تكذابه وجعائله «٥»

(١) فيكون «أنهم لا يعجزون» سدّ مسدّ مفعولى «يحسبن». وجملة «سبقوا» حال.

(٢) آية ٩٥ سورة الأنبياء.

(٣) الغوير تصغير غار ، والأبؤس جمع بأس وهو العذاب ، أو بؤس وهو الشدّة. وهو مثل. وأصله أن قوما حذروا عدوّا لهم فاستكنوا منه فى غار ، فقال بعضهم مشفقا : عسى الغوير أبؤسا ، أي لعل البلاء يجىء من قبل الغار ، فكان كذلك فقد احتال العدوّ حتى دخل عليهم من صدع كان بالغار ، فأسروهم.

وقيل : إن الغار انهار عليهم. وقد قيل فى المثل غير هذا.

(٤) كأنه يريد أن الأصل أن يقرن الخبر بأن ، فكانت الخلقة فى الخبر والطبيعة فيه لأن.

(٥) العادية : البئر القديمة. والجعائل جمع جعالة : وهى هنا الرشوة. كان ذو الرمة اختصم هو وابن طرثوث فى بئر وأراد أن يقضى له بها. ورواية الديوان ٤٧٣ : «لعل ابن طرثوث».

فهذا مذهب لقراءة حمزة يجعل (سبقوا) فى موضع نصب : لا يحسبن الذين كفروا سابقين. وما أحبها لشذوذها «١».

(١) إن كان يريد الشذوذ من جهة النقل فهذا غير صحيح فإنها قراءة سبعية متواترة. وإن أراد الشذوذ من جهة العربية فلها أكثر من وجه قياسى. وقد خرجت على أن المراد : ولا يحسبن من خلفهم أو فريق المؤمنين. وهذا غير ما ذكر المؤلف.

٦٠

وقوله : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (٦٠) يريد إناث الخيل. حدّثنا محمد قال حدّثنا الفرّاء قال حدّثنا ابن «٢» أبى يحيى رفعه إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : القوة : الرمي.

وقوله تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ. ولو جعلتها «٣» نصبا من قوله : وأعدّوا لهم ولآخرين من دونهم كان صوابا كقوله : وَالظَّالِمِينَ «٤» أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمىّ : (ترهبون به عدوّا للّه وعدوّكم) كما قرأ بعضهم «٥» فى الصفّ (كونوا أنصارا للّه).

(٢) هو محمد بن أبى يحيى الأسلمىّ المدني. مات سنة ١٤٦

(٣) ظاهر الأمر عطف «و آخرين» على «عدوّ اللّه». وأبدى المؤلف وجها آخر : أن يكون هذا موصولا فى المعنى بقوله : «أعدوا لهم» فيكون العامل فيه فعلا مقدّرا من معنى الكلام السابق.

والتقدير : راقبوا آخرين بما تعدونه لهم من سلاح.

(٤) آية ٣١ سورة الإنسان.

(٥) هم من عدا ابن عامر وعاصما وحمزة والكسائي وخلفا ويعقوب. وهذا فى الآية ١٤ من سورة الصف.

٦١

وقوله : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (٦١) إن شئت جعلت (لها) كناية عن السلم لأنها مؤنثة. وإن شئت جعلته للفعلة كما قال إِنَّ «٦» رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ولم يذكر قبله إلا فعلا ، فالهاء للفعلة.

(٦) آية ١٥٣ سورة الأعراف. والفعل السابق قوله : «ثم تابوا من بعدها».

٦٣

و قوله : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (٦٣) : بين قلوب الأنصار من الأوس والخزرج كانت بينهم حرب ، فلمّا دخل المدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصلح اللّه به وبالإسلام ذات بينهم.

٦٤

وقوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ (٦٤) جاء التفسير : يكفيك اللّه ويكفى من اتبعك فموضع الكاف فى (حسبك) خفض. و(من) فى موضع نصب على التفسير كما قال الشاعر :

إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا فحسبك والضّحاك سيف مهنّد «١»

و ليس بكثير من كلامهم أن يقولوا : حسبك وأخاك ، حتى يقولوا : حسبك وحسب أخيك ، ولكنا أجزناه لأن فى (حسبك) معنى واقع من الفعل ، رددناه «٢» على تأويل الكاف لا على لفظها كقوله إِنَّا «٣» مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ فردّ الأهل على تأويل الكاف.

وإن شئت جعلت (من) فى موضع رفع ، وهو أحبّ الوجهين إلىّ لأن التلاوة تدلّ على معنى «٤» الرفع ألا ترى أنه قال :

إن يكن منكم عشرون صبرون يغلبوا مائتين (٦٥) فكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يغزى أصحابه على أنّ العشرة للمائة ، والواحد للعشرة ، فكانوا كذلك ، ثم شقّ عليهم أن يقرن «٥» الواحد للعشرة فنزل :

(١) نسبه فى ذيل الأمالى ١٤٠ إلى جرير. وقال فى السمط ٨٩٩ : «نسبه القالي لجرير.

وعليه العهدة».

(٢) أي رددنا المنصوب على تأويل الكاف وتقدير أنها منصوبة إذ هى فى معنى المفعول ، فكأنه قيل : يكفيك. ولم يرد على لفظ الكاف فإن لفظها خفض بالإضافة. [.....]

(٣) آية ٣٣ سورة العنكبوت.

(٤) وهو أن المؤمنين بإعانة اللّه يكفون الرسول عليه الصلاة والسلام غوائل الأعداء ، والآية الآتية تدل على هذا إذ فيها أنه تعالى ضمن للقليل من المؤمنين النصرة على من يزيد عليهم أضعافا فى العدد من المشركين.

(٥) يقال. أقرن الشيء : أطاقه وقدر عليه.

الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ (٦٦) فبين اللّه قوّتهم أوّلا وآخرا. وقد قال هذا القول الكسائي ورفع (من).

٦٧

و قوله : ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى (٦٧) معناه : ما كان ينبغى له يوم بدر أن يقبل فداء الأسرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ : حتى يغلب على كثير من فى الأرض. ثم نزل :

قوله : لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ (٦٨) فى فداء الأسرى والغنائم. وقد «١» قرئت (أسارى) ، وكلّ صواب. وقوله أَنْ يَكُونَ بالتذكير «٢» والتأنيث كقوله يشهد «٣» عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ و(تشهد).

(١) وكلتا القراءتين سبعية.

(٢) قرأ أبو عمرو ويعقوب بالتأنيث ، والباقون بالتذكير.

(٣) آية ٢٤ سورة النور. وقراءة حمزة والكسائي وخلف بالياء ، وقراءة الباقين بالتاء.

٧٢

وقوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ (٧٢) ثم قال : أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فى المواريث ، كانوا يتوارثون دون قراباتهم ممن لم يهاجر.

وذلك قولهوَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ يريد : من مواريثهم.

وكسر «٤» الواو فى الولاية أعجب إلىّ من فتحها لأنها إنما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت

(٤) وهو قراءة حمزة والأعمش.

فى معنى النصرة ، وكان الكسائىّ يفتحها ويذهب بها إلى النصرة ، ولا أراه «١» علم التفسير. ويختارون فى وليته ولاية الكسر ، وقد سمعنا هما بالفتح والكسر فى معنا هما جميعا ، وقال الشاعر :

دعيهم فهم ألب علىّ ولاية وحفرهم أن يعلموا ذاك دائب «٢»

ثم نزلت بعد :

وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (٧٥) فتوارثوا ، ونسخت هذه الآخرة الآية التي قبلها. وذلك أنّ قوله : إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) : إلا تتوارثوا «٣» على القرابات تكن فتنة. وذكر أنه فى النصر : إلا تتناصروا «٤» تكن فتنة.

(١) لأن الولاية هنا فى الميراث لا فى النصرة ، وإلا تعارض مع قوله : «و إن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر».

(٢) ألب : أي مجتمعون ، وقوله : علىّ ولاية : أي مجتمعون بالنصرة ، يريد أنهم تألبوا وتناصروا عليه. وقوله. «حفرهم» كذا فى أ. وفى ش ، ج : «خفرهم».

(٣) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «يتوارثوا».

(٤) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «يتناصروا».