سُورَةُ الْأَعْرَافِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَتَانِ وَسِتُّ آياَتٍ

١

قلت :«١» أرأيت ما يأتى بعد حروف الهجاء مرفوعا مثل قوله : المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ومثل قوله : الم «٢» تَنْزِيلُ الْكِتابِ ،

وقوله : الر «٣» كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ وأشباه ذلك بم رفعت الكتاب فى هؤلاء الأحرف؟

قلت : رفعته بحروف الهجاء التي قبله كأنك

قلت : الألف واللام والميم والصاد من حروف المقطّع كتاب أنزل إليك مجموعا.

فإن قلت : كأنك قد جعلت الألف واللام والميم والصاد يؤدّين عن جميع حروف المعجم ، وهو ثلاثة أحرف أو أربعة

 قلت : نعم ، كما أنك تقول : ا ب ت ث ثمانية وعشرون حرفا ، فتكتفى بأربعة أحرف من ثمانية وعشرين.

فإن قلت : إن ألف ب ت ث قد صارت كالاسم لحروف الهجاء كما تقول : قرأت الحمد ، فصارت اسما لفاتحة الكتاب

قلت : إن الذي تقول ليقع فى الوهم ، ولكنك قد تقول : ابني فى ا ب ت ث ، ولو قلت فى حاط لجاز ولعلمت بأنه يريد : ابني فى الحروف المقطّعة.

فلما اكتفى بغير أوّلها علمنا أن أوّلها ليس لها باسم وإن كان أوّلها آثر فى الذكر من سائرها.

فإن قلت : فكيف جاءت حروف (المص) (وكهيعص) مختلفة ثم أنزلا «٤» منزل با تا ثا وهنّ متواليات

 قلت : إذا ذكرن متواليات دللن على أب ت ث

(١) كذا فى ش ، ج. يريد أن سائلا معينا وجه إليه هذا السؤال. وقد يكون الأصل : «فإن قلت» كما هو الشائع فى مثل هذا.

(٢) أوّل سورة السجدة.

(٣) أوّل سورة هود.

(٤) أي مجموعنا (المص) و(كهيعص). والأنسب بالسياق : «أنزلن».

بعينها مقطّعة ، وإذا لم يأتين متواليات دللن على الكلام المتصل لا على المقطّع.

أنشدنى الحارثىّ :

تعلمت باجاد وآل مزامر وسوّدت أثوابى ولست بكاتب «١»

و أنشدنى بعض بنى أسد :

لمّا رأيت أمرها فى حطّى وفنكت فى كذب ولط «٢»

أخذت منها بقرون شمط ولم يزل ضربى لها ومعطى

حتى على الرأس دم يغطى فاكتفى بحطى من أبى جاد ، ولو قال قائل : الصبى فى هوّز أو كلمن ، لكفى ذلك من أبى جاد.

وقد قال الكسائىّ : رفعت كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وأشباهه من المرفوع بعد الهجاء بإضمار (هذا) أو (ذلك) وهو وجه. وكأنه إذا أضمر (هذا) أو (ذلك) أضمر لحروف الهجاء ما يرفعها قبلها لأنها لا تكون إلا ولها موضع.

قال : أفرأيت ما جاء منها ليس بعده «٣» ما يرافعه مثل قوله : حم. عسق ، ويس ، وق ، وص ، مما يقلّ أو يكثر ، ما موضعه إذ لم يكن بعده مرافع

 قلت :

(١) مرامر هو ابن مرة أو ابن مروة. وهو من أهل الأنبار ، من أوّل من كتب بالعربية.

ويريد بآله حروف الهجاء لأنه اشتهر بتعليمها ، أو لأنه سمى أولاده الثمانية بأسماء جملها ، فسمى أحدهم أبجد وهكذا الباقي. وانظر اللسان فى مرر. [.....]

(٢) كأنه يتحدّث عن امرأة لا يرضى خلقها ، حاول إصلاحها فلم تنقد له ولم تتقدّم ، كأنها تستمر فى أوّل وسائل تعلمها ، كالصبى لا يعدو فى تعلمه حروف الهجاء. وفنكت فى الكذب : لجت فيه وتمادت.

واللط : ستر الخبر وكتمه. والمعط : الشدّ والجذب. والقرون الشمط : يريد خصل شعر رأسها المختلط فيه السواد والبياض ، يريد أنها جاوزت عهد الشباب. وقوله : على الرأس ، فعلى جارة. ويضح أن يقرأ : علا الرأس ، فيكون (علا) فعلا و(الرأس) مفعول.

(٣) فى ش ، ج : «قبله». وظاهر أنه سهو من الناسخ.

قبله ضمير «١» يرفعه ، بمنزلة قول اللّه تبارك وتعالى : بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «٢» المعنى واللّه أعلم : هذه براءة من اللّه. وكذلك سُورَةٌ أَنْزَلْناها «٣»وكذلك كل حرف مرفوع مع القول ما ترى معه ما يرفعه فقبله اسم مضمر يرفعه مثل قوله : وَلا تَقُولُوا «٤» ثَلاثَةٌ انْتَهُوا المعنى واللّه أعلم : لا تقولوا هم ثلاثة ، يعنى الآلهة ، وكذلكقوله :

سَيَقُولُونَ «٥» ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ المعنى واللّه أعلم : سيقولون هم ثلاثة.

وقد قيل فى (كهيعص) : إنه مفسّر لأسماء اللّه. فقيل : الكاف من كريم ، والهاء من هاد ، والعين والياء من عليم ، والصاد من صدوق. فإن يك كذلك (فالذكر) مرفوع بضمير لا ب (كهيعص). وقد قيل فى (طه) إنه : يا رجل ، فإن يك كذلك فليس يحتاج إلى مرافع لأن المنادى يرفع بالنداء وكذلك (يس) جاء فيها يا إنسان ، وبعضهم : يا رجل ، والتفسير فيها كالتفسير فى طه.

٢

وقوله : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ (٢) يقول : لا يضيق صدرك بالقرآن بأن يكذبوك ، وكما قال اللّه تبارك وتعالى :

فَلَعَلَّكَ «٦» باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. وقد قيل : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ : شك.

لِتُنْذِرَ بِهِ مؤخر ، ومعناه : المص كتاب أنزل إليك لتنذر به فلا يكن فى صدرك حرج منه.

وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ فى موضع نصب ورفع. إن شئت رفعتها على الردّ على الكتاب كأنك قلت : كتاب حقّ وذكرى للمؤمنين والنصب يراد به : لتنذر وتذكّر به المؤمنين.

(١) يريد مبتدأ محذوفا.

(٢) آية ١ سورة التوبة.

(٣) آية ١ سورة النور.

(٤) آية ١٧١ سورة النساء.

(٣) آية ١١ سورة النساء.

(٤) أول سورة التحريم.

(٥) آية ٢ سورة التحريم.

(٦) أي وقعت مكانها. ولو كان «خالفتها» كان المعنى أظهر. [.....]

فاستغنى ، إلا أن تدع الحروف فى مواضعها. وقوله : (أهلكناها فجاءها) قد يكونان خبرا بالواو : أهلكناها وجاءها البأس بياتا.

٤

وقوله : أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) ردّ الفعل إلى أهل القرية وقد قال فى أولها (أهلكناها) ولم يقل : أهلكناهم فجاءهم ، ولو قيل ، كان صوابا. ولم يقل : قائلة ، ولو قيل لكان صوابا.

وقوله : أَوْ هُمْ قائِلُونَ واو «١» مضمرة. المعنى أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون ، فاستثقلوا نسقا على نسق ، ولو قيل لكان جائزا كما تقول فى الكلام :

أتيتنى واليا ، أو وأنا معزول ، وإن قلت : أو أنا معزول ، فأنت مضمو للواو.

(١) يريد : فيه واو ... أو هنا واو.

٥

وقوله : فَما كانَ دَعْواهُمْ (٥) الدعوى فى موضع نصب لكان. ومرفوع كان قوله : إِلَّا أَنْ قالُوا فأن فى موضع رفع. وهو الوجه فى أكثر القرآن : أن تكون أن إذا كان معها فعل ، أن تجعل مرفوعة والفعل منصوبا مثل قوله : فَكانَ «٢» عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ وما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا «٣» أَنْ قالُوا. ولو جعلت الدعوى مرفوعة (وأن) فى موضع نصب كان صوابا كما قال اللّه تبارك وتعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا «٤» وهى فى إحدى «٥» القراءتين : ليس البر بأن تولوا.

(٢) آية ١٧ سورة الحشر.

(٣) آية ٢٥ سورة الجاثية.

(٤) آية ٧٧ سورة البقرة.

(٥) نسبها فى البحر ٢/ ٢ إلى مصحف أبى وابن مسعود.

٨

و قوله : وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ (٨) وإن «١» شئت رفعت الوزن بالحقّ ، وهو وجه الكلام. وإن شئت رفعت الوزن بيومئذ ، كأنك قلت : الوزن فى يوم القيامة حقّا ، فتنصب الحقّ وإن كانت فيه ألف ولام كما قال : فَالْحَقُّ «٢» وَالْحَقَّ أَقُولُ الأولى منصوبة «٣» بغير «٤» أقول.

والثانية بأقول.

وقوله : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ ولم يقل (فذلك) فيوحّد لتوحيد من ، ولو وحّد لكان صوابا. و(من) تذهب بها إلى الواحد وإلى الجمع.

وهو كثير.

(١) ثبتت الواو فى ش ، ج. والأولى حذفها.

(٢) آية ٨٤ سورة ص.

(٣) أي فى غير قراءة عاصم وحمزة وخلف. أما هؤلاء فقراءتهم بالرفع.

(٤) أي على أنه توكيد للجملة ، كما تقول أنت أخى حقا. ويقول أبو حيان فى رده فى البحر ٧/ ٤١١ : «و هذا المصدر الجائى توكيدا لمضمون الجملة لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة. وذلك مخصوص بالجملة التي جزءاها معرفتان جامدتان جمودا محضا».

١٠

وقوله : وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ (١٠) لا تهمز لأنها - يعنى الواحدة - مفعلة ، الياء من الفعل ، فلذلك لم تهمز ، إنما يهمز من هذا ما كانت الياء فيه زائدة مثل مدينة ومدائن ، وقبيلة وقبائل لما كانت الياء لا يعرف لها أصل ثم قارفتها «٥» ألف مجهولة أيضا همزت ، ومثل معايش من الواو مما لا يهمز لو جمعت ، معونة قلت : (معاون) أو منارة قلت مناور. وذلك أن الواو ترجع إلى أصلها لسكون الألف قبلها. وربما همزت العرب هذا وشبهه ، يتوهمون أنها فعيلة لشبهها بوزنها فى اللفظ وعدّة الحروف

(٥) فى ش ، ط : «فارقتها» وقد رأينا أنه مصحف عما أثبتنا. والقراف المخالطة.

كما جمعوا مسيل الماء أمسلة ، شبّه بفعيل وهو مفعل. وقد همزت العرب المصائب وواحدتها مصيبة شبهت بفعيلة لكثرتها فى الكلام.

١٢

وقوله : قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (١٢) المعنى - واللّه أعلم - ما منعك أن تسجد. و(أن) فى هذا الموضع تصحبها لا ، وتكون (لا) صلة. كذلك تفعل بما كان فى أوّله جحد. و«١» ربما أعادوا على خبره جحدا للاستيثاق من الجحد والتوكيد له كما قالوا :

ما إن رأينا مثلهن لمعشر سود الرءوس فوالج وفيول «٢»

و (ما) جحد و(إن) جحد فجمعتا للتوكيد. ومثله : وَما «٣» يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ. ومثله : وَحَرامٌ «٤» عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ. ومثله :

لِئَلَّا «٥» يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ إلا أن معنى الجحد الساقط فى لئلا من أوّلها لا من آخرها المعنى : ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون. وقوله : ما مَنَعَكَ (ما) فى موضع رفع. ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كان رفعا ، وقلت :

منعنى منك أنك بخيل. وهو مما ذكر جوابه على غير بناء أوله ، فقال : (أنا خير منه) ولم يقل : منعنى من السجود أنى خير منه كما تقول فى الكلام : كيف بتّ البارحة؟ فيقول : صالح ، فيرفع أو تقول : أنا بخير ، فتستدلّ به على معنى الجواب ، ولو صحح الجواب لقال صالحا ، أي بتّ صالحا.

(١) الأظهر فى المعنى حذف الواو.

(٢) الفوالج جمع الفالج بكسر اللام ، وهو البعير ذو السنامين ، والفيول جمع الفيل للحيوان المعروف.

(٣) آية ١٠٩ سورة الأنعام.

(٤) آية ٩٥ سورة الأنبياء. [.....]

(٥) آية ٢٩ سورة الحديد.

١٦

و قوله : لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ (١٦) المعنى - واللّه أعلم - : لأقعدن لهم على طريقهم أو فى طريقهم. وإلقاء الصفة «١» من هذا جائز كما قال : قعدت لك وجه الطريق ، وعلى وجه الطريق لأن الطريق صفة فى المعنى ، فاحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام إذا قيل : آتيك غدا أو آتيك فى غد.

(١) يريد بها الكوفيون الظرف.

٢٦

وقوله : يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً (٢٦) «و رياشا» «٢». فإن شئت جعلت رياش جميعا واحده الريش ، وإن شئت جعلت الرياش مصدرا فى معنى الريش كما يقال لبس ولباس قال الشاعر «٣» :

فلما كشفن الّلبس عنه مسحنه بأطراف طفل زان غيلا موشما

و قوله : وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى و«لباس «٤» التقوى» يرفع بقوله : ولباس التقوى خير ، ويجعل (ذلك) من نعته. وهى فى قراءة أبىّ وعبد اللّه جميعا : ولباس التقوى خير. وفى قراءتنا (ذلك خير) فنصب اللباس أحب إلىّ لأنه تابع الريش «٥» ، (ذلك خير) فرفع خير بذلك.

(٢) هذه القراءة نسبها أبو عبيد إلى الحسن. وفى القرطبي نسبتها إلى عاصم من رواية المفضل الضبي وإلى أبى عمرو من رواية الحسين الجعفي.

(٣) هو حميد بن ثور الهلالي. والبيت من ميمبته الطويلة. وهو يصف فرسا خدمته جوارى الحي.

فقوله : كشفن أي الجواري. وقوله : عنه أي عن الفرس. ولبسه : ما عليه من الجل والسرج. وقوله بأطراف طفل أي بأطراف بنان ناعم. وقوله : غيلا يريد ساعدا أو معصما ممتلئا ، موشما أي مزينا بالوشم ، يريد بنان الجواري.

(٤) أي بالنصب. وهو قراءة نافع وابن عامر والكسائي. والضم قراءة الباقين.

(٥) كذا فى ش. وفى ج : «الرياش».

٢٩

وقوله : وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (٢٩) يقول : إذا أدركتك الصلاة وأنت عند مسجد فصلّ فيه ، ولا تقولن : آتى مسجد قومى. فإن كان فى غير وقت الصلاة صليت حيث شئت.

و قوله : كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) يقول : بدأكم فى الخلق شقيا وسعيدا ، فكذلك تعودون على الشقاء والسعادة :

٣٠

و قوله : فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (٣٠) ونصب الفريق بتعودون ، وهى فى قراءة أبىّ : تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضلالة. ولو كانا رفعا كان صوابا كما قال تبارك وتعالى :

كان «١» لكم آية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل اللّه وأخرى كافرةو «فئة» «٢»ومثله : وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ «٣». وقد يكون الفريق منصوبا بوقوع «هدى» عليه ويكون الثاني منصوبا بما «٤» وقع على عائد ذكره من الفعل كقوله : يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «٥».

(١) آية ١٣ سورة آل عمران.

(٢) يريد رفع فئة فى الآية ونصبها. ويجوز فى الآية أيضا خفض فئة بدلا من «فئتين». وانظر ص ١٩٢ من هذا الجزء.

(٣) آية ٧ سورة الشورى.

(٤) يريد النصب على الاشتغال. والعامل هنا يقدر فى معنى المذكور أي أضل.

(٥) آية ٣١ سورة الإنسان.

٣٢

وقوله : قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ (٣٢)

نصبت خالصة على القطع «١» وجعلت الخبر فى اللام التي فى الذين ، والخالصة ليست بقطع من اللام «٢» ، ولكنها قطع من لام أخرى مضمرة. والمعنى - واللّه أعلم - : قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا يقول : مشتركة ، وهى لهم فى الآخرة خالصة.

ولو رفعتها كان صوابا ، تردّها «٣» على موضع الصفة التي رفعت لأن تلك فى موضع رفع.

ومثله فى الكلام قوله : إنا بخير كثير «٤» صيدنا. ومثله قول اللّه عز وجل : إِنَّ «٥» الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً.. المعنى : خلق هلوعا ، ثم فسر حال الهلوع بلا نصب لأنه نصب فى أوّل الكلام. ولو رفع لجاز إلا أن رفعه على الاستئناف لأنه ليس معه صفة ترفعه. وإنما نزلت هذه الآية أن قبائل من العرب فى الجاهلية كانوا لا يأكلون أيام حجهم إلا القوت ، ولا يأكلون اللحم والدسم ، فكانوا يطوفون بالبيت عراة ، الرجال نهارا والنساء ليلا ، وكانت المرأة تلبس شيئا شبيها بالحوف «٦» ليواريها بعض المواراة ولذلك قالت العامرية :

اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله

قال المسلمون : يا رسول اللّه ، نحن أحق بالاجتهاد لربنا ، فأرادوا أن يفعلوا كفعل أهل الجاهلية ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يعنى اللباس. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا حتى يبلغ بكم ذلكم تحريم ما أحللت لكم ، والإسراف هاهنا الغلوّ فى الدين.

(١) أي على الحال.

(٢) يريد أنها ليست حالا من الجار والمجرور فى «للذين آمنوا فى الحياة الدنيا» بل يقدر جار ومجرور آخر هو خبر بعد خبر أي لهم خالصة يوم القيامة ، إذ كان هذا حكما لهم فى حال غير الحال الأولى.

(٣) يريد أن تكون خبرا ثانيا. [.....]

(٤) كذا فى ش. وفى ج : «و كثير». وعلى النسخة الأخيرة يحتمل أن يكون شطر رجز.

(٥) آيات ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ سورة المعارج.

(٦) هو جلد يشقق كهيئة الإزار يلبسه الصبيان والحائض.

٣٣

و قوله : قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ (٣٣) (والإثم) ما دون الحدّ (والبغي) الاستطالة على الناس.

٣٧

وقوله : أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ (٣٧) يقال : ينالهم ما قضى اللّه عليهم فى الكتاب من سواد الوجوه وزرقة الأعين.

وهو قوله : وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ «١» ويقال هو ما ينالهم فى الدنيا من العذاب دون عذاب الآخرة ، فيكون من قوله :

وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ «٢» مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ.

(١) آية ٦٠ سورة الزمر.

(٢) آية ٢١ سورة السجدة.

٣٨

وقوله : كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها (٣٨) يقول : التي سبقتها ، وهى أختها فى دينها لا فى النسب. وما كان من قوله :

وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً «٣» فليس بأخيهم فى دينهم ولكنه منهم.

(٣) آية ٨٥ سورة الأعراف.

٤٠

وقوله : لا تُفَتَّحُ لَهُمْ (٤٠) ولا يفتّح وتفتّح. وإنما يجوز التذكير والتأنيث فى الجمع لأنه يقع عليه التأنيث فيجوز فيه الوجهان كما قال : يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ «٤» و«يشهد» فمن ذكّر قال : واحد الألسنة ذكر فأبنى على الواحد إذ كان الفعل يتوحد إذا تقدّم الأسماء المجموعة ، كما تقول ذهب القوم.

(٤) آية ٢٤ سورة النور. وقد قرأ بالياء حمزة والكسائي وخلف ، وقرأ الباقون بالتاء.

و ربما آثرت القراء أحد الوجهين ، أو يأتى ذلك فى الكتاب بوجه فيرى من لا يعلم أنه لا يجوز غيره وهو جائز. ومما آثروا من التأنيث قوله : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ «١» فآثروا التأنيث. ومما آثروا فيه التذكير قوله : لَنْ «٢» يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها والذي أتى فى الكتاب بأحد الوجهين قوله : فُتِحَتْ «٣» أَبْوابُها ولو أتى بالتذكير كان صوابا.

ومعنىقوله : لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ : لا تصعد أعمالهم. ويقال :

إن أعمال الفجار لا تصعد ولكنها مكتوبة فى صخرة تحبت الأرض ، وهى التي قال اللّه تبارك وتعالى : كَلَّا «٤» إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ.

وقوله : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الجمل هو زوج الناقة. وقد ذكر عن ابن عباس الجمّل يعنى الحبال «٥» المجموعة. ويقال الخياط والمخيط ويراد الإبرة. وفى قراءة عبد اللّه (المخيط) ومثله يأتى على هذين المثالين يقال : إزار ومئزر ، ولحاف وملحف ، وقناع ومقنع ، وقرام «٦» ومقرم.

(١) آية ١٠٦ سورة آل عمران. يريد أن القراء اختاروا التأنيث مع احتمال الرسم للتذكير ، كما أنهم فى الآيات التالية فى الحج آثروا التذكير مع احتمال الرسم للتأنيث. ولا يخفى أن القراءة مرجعها إلى التلقي.

(٢) آية ٣٧ سورة الحج.

(٣) آية ٧١ سورة الزمر.

(٤) آية ٧ سورة المطففين.

(٥) فى القرطبي : «و هو حبل السفينة الذي يقال له الفلس. وهو حبال مجموعة».

(٦) هو ثوب من صوف ملوّن يتخذ سترا.

٤٨

وقوله : وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ (٤٨) وذلك أنهم على سور بين الجنة والنار يقال له الأعراف ، يرون أهل الجنة فيعرفونهم ببياض وجوههم ، ويعرفون أهل النار بسواد وجوههم ، فذلك قوله :

يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وأصحاب الأعراف أقوام اعتدلت حسناتهم وسيئاتهم فقصّرت بهم الحسنات عن الجنّة ، ولم تبلغ بهم سيئاتهم النار ، كانوا موقوفين ثم أدخلهم اللّه الجنة بفضل رحمته.

٥٢

وقوله : وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً (٥٢) تنصب الهدى والرحمة على القطع من الهاء فى فصّلناه. وقد تنصبهما على الفعل «١». ولو خفضته على الإتباع للكتاب كان صوابا كما قال اللّه تبارك وتعالى :

وَ هذا «٢» كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فجعله رفعا بإتباعه للكتاب.

(١) كأنه يريد نصبه على أنه مفعول مطلق. أي هدينا به هدى ورحمنا به رحمة. [.....]

(٢) آية ٩٢ سورة الأنعام.

٥٣

وقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ (٥٣) الهاء فى تأويله للكتاب. يريد عاقبته وما وعد اللّه فيه.

وقوله : فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ ليس بمعطوف على (فيشفعوا) ، إنما المعنى - واللّه أعلم - : أو هل نردّ فنعمل غير الذي كنا نعمل.

ولو نصبت (نردّ) على أن تجعل (أو) بمنزلة حتّى ، كأنه قال : فيشفعوا لنا أبدا حتى نرد فنعمل «٣» ، ولا نعلم قارئا «٤» قرأ به.

وقوله : إِنَّ رَحْمَتَاللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

(٥٦) ذكرت قريبا لأنه ليس بقرابة فى النسب. قال : ورأيت العرب تؤنث القريبة فى النسب لا يختلفون فيها ، فإذا قالوا : دارك منّا قريب ، أو فلانة منك قريب

(٣) جواب لو محذوف ، أي لجاز.

(٤) قرأ به ابن أبى إسحق ، كما فى مختصر البديع ٤٤.

فى القرب والبعد ذكّروا وأنّثوا. وذلك أن القريب فى المعنى وإن كان مرفوعا فكأنه فى تأويل : هى من مكان قريب. فجعل القريب خلفا من المكان كما قال اللّه تبارك وتعالى : وَما «١» هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ وقال : وَما «٢» يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ولو أنّث ذلك فبنى على بعدت منك فهى بعيدة وقربت فهى قريبة كان صوابا حسنا. وقال عروة «٣» :

عشيّة لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد

و من قال بالرفع وذكّر لم يجمع قريبا [ولم ] «٤» يثنّه. ومن قال : إنّ عفراء منك قريبة أو بعيدة ثنّى وجمع.

(١) آية ٧٣ سورة هود.

(٢) آية ٦٣ سورة الأحزاب.

(٣) هو عروة بن حزام العذرى. والبيت ورد فى اللآلى ٤٠١ مع بيت آخر هكذا :

عشية لا عفراء منك بعيدة فتسلو ولا عفراء منك قريب

و إنى لتغشانى لذكراك فترة لها بين جلدى والعظام دبيب

و يرى أن ما أورده المؤلف رواية فى البيت غير ما ورد فى اللآلى. وفى الأغانى (الساسى) ٢٠/ ١٥٦ ستة أبيات على روى الباء يترجح أن تكون من قصيدة بيت الشاهد على ما روى فى اللآلى.

(٤) سقط ما بين القوسين فى ش ، ج. والسياق يقتضيه

٥٧

وقوله : وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ نشرا (٥٧) والنشر من الرياح : الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب. فقرأ بذلك أصحاب عبد اللّه. وقرأ غيرهم (بُشْراً) حدّثنا محمد قال حدّثنا الفرّاء قال حدثنى قيس بن الربيع الأسدىّ عن أبى إسحاق «٥» الهمداني عن أبى «٦» عبد الرحمن السلمىّ عن علىّ أنه قرأ (بشرا) يريد بشيرة ، و(بشرا) كقول اللّه تبارك وتعالى : (يُرْسِلَ الرِّياحَ «٧» مُبَشِّراتٍ).

(٥) هو عمرو بن عبد اللّه السبيعىّ أحد أعلام النابعين ، توفى سنة ١٢٧

(٦) هو عبد اللّه بن حبيب المقري الكوفىّ ، من ثقات التابعين ، مات سنة ٨٥.

(٧) آية ٤٦ سورة الروم.

و قوله : فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى جواب «١» لأنزلنا فأخرجنا به. يقال : إن الناس يموتون وجميع الخلق فى النفخة الأولى. وبينها وبين الآخرة أربعون سنة. ويبعث اللّه المطر فيمطر أربعين يوما كمنىّ الرجال ، فينبتون فى قبورهم كما ينبتون فى بطون أمّهاتهم. فذلك قوله :

كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى كما أخرجنا الثمار من الأرض الميتة.

(١) يريد قوله تعالى : كذلك نخرج الموتى ، جعله جوابا لإنزال الماء فى الأرض المجدبة وترتب النبات وحياة الأرض عليه. كأنه يقول : إن كان من أمرنا أن ننزل الماء فنحيى به الأرض الجدبة فكذلك أمرنا أن نخرج الموتى ونحييهم إذ الأمران متساويان.

٥٨

وقوله : وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً (٥٨) قراءة «٢» العامة وقرأ بعض «٣» أهل المدينة : نكدا يريد : لا يخرج إلا فى نكد.

والنكد والنكد مثل الدنف والدنف. قال : وما أبعد أن يكون فيها نكد ، ولم أسمعها ، ولكنى سمعت حذر وحذر وأشر وأشر وعجل وعجل.

(٢) يريد : بكسر الكاف.

(٣) هو أبو جعفر.

٥٩

وقوله : ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (٥٩) تجعل «٤» (غير) نعتا للإله. وقد يرفع : يجعل تابعا للتاويل فى إله ألا ترى أن الإله لو نزعت منه (من) كان رفعا. وقد قرى بالوجهين جميعا.

وبعض بنى أسد وقضاعة إذا كانت (غير) فى معنى (إلا) نصبوها ، تمّ الكلام قبلها أو لم يتم. فيقولون : ما جاءنى غيرك ، وما أتانى أحد غيرك. قال :

و أنشدنى المفضّل :

(٤) هذا على كسر «غير» وهى قراءة الكسائي وأبى جعفر. [.....]

لم يمنع الشرب منها غير ان هتفت حمامة من سحوق ذات أوقال «١»

فهذا نصب وله الفعل والكلام ناقص. وقال الآخر :

لا عيب فيها غير شهلة عينها كذاك عتاق الطير شهلا عيونها «٢»

فهذا نصب والكلام تامّ قبله.

(١) هو من قصيدة لأبى قيس بن الأسلت الأنصاري. وهو فى وصف ناقته. وسحوق يريد شجرة سحوقا أي طويلة. وأوقال جمع وقل وهو المقل أي الدوم إذا يبس. يريد أن الناقة كانت تشرب فلما سمعت صوت حمامة نفرت وكفت عن الشرب. يريد أنها يخامرها فزع من حدّة نفسها. وذلك محمود فيها.

وقوله : من سحوق ، كذا فى ش ، ج ، يريد أن سماعها الحمامة من قبل الشجرة وجهتها. والمعروف : فى غصون.

(٢) الشهلة فى العين أن يشوب سوادها زرقة. وقوله : شهلا فى اللسان (شهل) : «شهل».

٦٣

وقوله : أَوَ عَجِبْتُمْ (٦٣) هذه واو نسق أدخلت عليه ألف الاستفهام كما تدخلها على الفاء ، فتقول :

أفعجبتم ، وليست بأو ، ولو أريد بها أو لسكّنت الواو.

وقوله : أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ يقال فى التفسير : مع رجل.

وهو فى الكلام كقولك : جاءنا الخير على وجهك ، وهدينا الخير على لسانك ، ومع وجهك ، يجوزان جميعا.

٦٥

وقوله : وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (٦٥)

٦٦

وقوله : قالَ الْمَلَأُ (٦٦) هم الرجال لا يكون فيهم امرأة. وكذلك القوم ، والنفر والرّهط.

٦٨

وقوله : وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) يقول : قد كنت فيكم أمينا قبل أن أبعث. ويقال : أمين على الرسالة.

٧٣

وقوله : وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً (٧٣) منصوب بضمير أرسلنا. ولو رفع إذ فقد الفعل كان صوابا كما قال : فَبَشَّرْناها «٣» بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ وقال أيضا : فَأَخْرَجْنا «٤» بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها

(٣) آية ٧١ سورة هود وقد قرأ «يعقوب» بالنصب وحفص وابن عامر وحمزة ، وقرأ الباقون بالرفع

(٤) آية ٢٧ سورة فاطر.

ثم قال : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ فالوجه هاهنا الرفع لأن الجبال لا تتبع النبات ولا الثمار. ولو نصبتها على إضمار : جعلنا لكم (من الجبال جددا بيضا) كما قال اللّه تبارك وتعالى : خَتَمَ «١» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ أضمر لها جعل إذا نصبت كما قال : وَخَتَمَ «٢» عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً والرفع فى غشاوة الوجه. وقوله : وَمِنَ «٣» النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ولم يقل :

ألوانهم ، ولا ألوانها. وذلك لمكان (من) والعرب تضمر من فتكتفى بمن من من ، فيقولون : منا من يقول ذلك ومنا لا يقوله. ولو جمع على التأويل كان صوابا مثل قول ذى الرمّة :

فظلّوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يثنى دمعة العين بالمهل «٤»

و قوله : وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا.

(١) آية ٧ سورة البقرة.

(٢) آية ٢٣ سورة الجاثية.

(٣) آية ٢٨ سورة فاطر.

(٤) المهل : التؤدة والسكينة. وفى الديوان ٤٨٥ : «بالهمل». وكأنها الصحيحة لقوله بعد :

و هل هملان العين راجع ما مضى من الوجد أو مدنيك يا ميّ من أهلى

٧٨

وقوله : فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ (٧٨) والرجفة هى الزلزلة. والصاعقة هى النار. يقال : أحرقتهم.

وقوله : فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ يقول : رمادا جاثما.

٧٩

و قوله : فَتَوَلَّى عَنْهُمْ (٧٩) يقال : إنه لم يعذب أمّة ونبيّها فيها حتى يخرج عنها.

٨٢

وقوله : أَخْرِجُوهُمْ (٨٢) يعنى لوطا أخرجوه وابنتيه.

وقوله : إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ يقولون : يرغبون عن أعمال قوم لوط ويتنزهون عنها.

٨٥

وقوله : وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (٨٥) وإصلاحها بعثة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يأمر بالحلال وينهى عن الحرام.

فذلك صلاحها. وفسادها العمل - قبل أن يبعث النبىّ - بالمعاصي «١».

وقول شعيب : قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ لم يكن له آية إلا النبوّة. وكان لثمود الناقة ، ولعيسى إحياء الموتى وشبهه.

(١) وهذا متعلق بقوله : «العمل» كما لا يخفى.

٨٦

وقوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ (٨٦) كانوا يقعدون لمن آمن بالنبيّ على طرقهم يتوعّدونهم بالقتل. وهو الإيعاد والوعيد. إذا كان مبهما فهو بألف ، فإذا أوقعته فقلت : وعدتك خيرا أو شرا كان بغير ألف كما قال تبارك وتعالى : النَّارُ «٢» وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا.

(٢) آية ٧٢ سورة الحج.

٨٩

وقوله : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا (٨٩) يريد : اقض بيننا ، وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتّاح.

١٠٠

و قوله : أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ (١٠٠) ثم قال : وَنَطْبَعُ ولم يقل : وطبعنا ، ونطبع منقطعة عن جواب لو يدلّك على ذلك قوله : فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ألا ترى أنه لا يجوز فى الكلام : لو سألتنى لأعطيتك فأنت غنىّ ، حتى تقول : لو سألتنى لأعطيتك فاستغنيت. ولو استقام المعنى فى قوله : فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ أن يتصل بما قبله جاز أن تردّ يفعل على فعل فى جواب لو كما قال اللّه عز وجل : وَلَوْ «١» يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ فنذر مردودة على (لقضى) وفيها النون.

وسهّل ذلك أنّ العرب لا تقول : وذرت ، ولا ودعت ، إنما يقال بالياء والألف والنون والتاء ، فأوثرت على فعلت إذا جازت قال اللّه تبارك وتعالى : تَبارَكَ «٢» الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ ثم قال : وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً فإذا أتاك جواب لو آثرت فيه (فعل «٣» على يفعل) وإن قلته ينفعل جاز ، وعطف فعل على يفعل ويفعل على فعل جائز ، لأن التأويل كتأويل الجزاء.

(١) آية ١١ سورة يونس.

(٢) آية ١٠ سورة الفرقان.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

١٠٥

وقوله : حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ (١٠٥) ويقرأ «٤» : حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ. وفى قراءة عبد اللّه : حقيق بأن لا أقول على اللّه فهذه حجة من «٥» قرأ (على) ولم يضف. والعرب تجعل الباء فى موضع على رميت على القوس ، وبالقوس ، وجئت على حال حسنة وبحال حسنة.

(٤) وهى قراءة نافع. [.....]

(٥) وهم أصحاب القراءة الأولى. وقوله : «و لم يضف» أي لم يجرّ بها ياء المتكلم كما فى قراءة نافع. وحروف الجر تسمى حروف الإضافة.

١٠٧

و قوله : فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ (١٠٧) هو الذكر وهو أعظم الحيّات.

١١٠

وقوله : يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (١١٠) فقوله : يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ من «١» الملأ فَما ذا تَأْمُرُونَ من كلام فرعون. جاز ذلك على كلامهم إياه ، كأنه لم يحك وهو حكاية. فلو صرّحت بالحكاية لقلت : يريد أن يخرجكم من أرضكم ، فقال : فماذا تأمرون. ويحتمل القياس أن تقول على هذا المذهب : قلت لجاريتك قومى فإنى قائمة (تريد «٢» : فقالت :

إنى قائمة) وقلّما أتى مثله فى شعر أو غيره ، قال عنترة :

الشاتمى عرضى ولم أشتمهما والناذرين إذا لقيتهما دمى «٣»

فهذا شبيه بذلك لأنه حكاية وقد صار كالمتصل على غير حكاية ألا ترى أنه أراد : الناذرين إذا لقينا عنترة لنقتلنّه «٤» ، فقال : إذا لقيتهما ، فأخبر عن نفسه ، وإنما ذكراه غائبا. ومعنى لقيتهما : لقيانى.

(١) أي صادر منهم إذ كان من كلامهم.

(٢) ثبت ما بين القوسين فى ش ، وسقط فى ج.

(٣) البيت من معلقته. وكان قتل ضمضما المري أبا الحصين وهرم ، فكانا ينالانه بالسب ، ويتوعدانه بالقتل. وقبل البيت :

و لقد خشيت بأن أموت ولم تدر للحرب دائرة على ابني ضمضم

و بعده : إن يفعلا فلقد تركت أباهما جزر السباع وكل نسر قشعم

(٤) فى ش ، ج : «لقتلته». وهو محرف عما أثبتنا.

١١١

و قوله : أَرْجِهْ وَأَخاهُ (١١١) جاء التفسير : احبسهما عندك ولا تقتلهما ، والإرجاء تأخير الأمر. وقد جزم الهاء حمزة والأعمش «١». وهى لغة للعرب : يقفون على الهاء المكنى عنها فى الوصل إذا تحرك ما قبلها أنشدنى بعضهم :

أنحى علّى الدهر رجلا ويدا يقسم لا يصلح إلا أفسدا

فيصلح اليوم ويفسده غدا

و كذلك بهاء التأنيث فيقولون : هذه طلحه قد أقبلت ، جزم أنشدنى بعضهم :

لما رأى أن لادعه ولا شبع مال إلى أرطاة حقف فاضطجع «٢»

و انشدنى القنانىّ :

لست إذا لزعبله إن لم أغيّر بكلتي إن لم أساو بالطول «٣» بكلتي : طريقتى. كأنه «٤» قال : إن لم أغيّر بكلتي حتى أساوى. فهذه لامرأة : امرأة طولى و[نساء «٥»] طول.

(١) وهى أيضا قراءة حفص.

(٢) هذا من رجز. وقبله :

يا رب أبّاز من العفر صدع تقبض الذئب إليه فاجتمع

يصف ظبيا أراده الذئب أن يفترسه فنجا منه. والأباز من وصف الظبى وهو الوثاب فعّال من أبز أي وثب. والعفر من الظباء ما يعلو بياضه حمرة. والصدع من الحيوان : الشاب القوىّ. وتقبض : جمع قوائمه ليثب على الظبى. والأرطاة شجرة يدبغ بقرظها. والحقف : المعوج من الرمل.

(٣) زعبلة : اسم أبيها. وقد فسر البكلة بالطريقة. ويقول ابن برى - كما فى اللسان : بكل - :

«هذا البيت من مسدس الرجز جاء على التمام».

(٤) الأولى : «كأنها» ، لجان الشعر لامرأة ، كما يذكر.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

١١٥

و قوله : إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وأما أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) أدخل (أن) فى (إما) لأنها فى موضع أمر بالاختيار. فهى فى موضع نصب فى قول القائل : اختر ذا أو ذا ألا ترى أن الأمر بالاختيار قد صلح فى موضع إمّا.

فإن قلت : إن (أو) فى المعنى بمنزلة (إمّا وأما) فهل يجوز أن يقول يا زيد أن تقوم أو تقعد

 قلت : لا يجوز ذلك لأن أول الاسمين فى (أو) يكون خبرا يجوز السكوت عليه ، ثم تستدرك الشكّ فى الاسم الآخر ، فتمضى الكلام على الخبر ألا ترى أنك تقبول : قام أخوك ، وتسكت ، وإن بدا لك قلت : أو أبوك ، فأدخلت الشكّ ، والاسم الأول مكتف يصلح السكوت عليه. وليس يجوز أن تقول : ضربت إمّا عبد اللّه وتسكت. فلمّا آذنت (إمّا) بالتخيير من أول الكلام أحدثت لها أن.

ولو وقعت إمّا وأما مع فعلين قد وصلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتمييز فى موقع إمّا لم يحدث فيها أن كقول اللّه تبارك وتعالى : وَآخَرُونَ «١» مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وأما يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ألا ترى أن الأمر لا يصلح هاهنا ، فلذلك لم يكن فيه أن. ولو جعلت (أن) فى مذهب (كى) وصيّرتها صلة ل (مرجون) يريد أرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم ، صلح ذلك فى كل فعل تامّ ، ولا يصلح فى كان وأخواتها ولا فى ظننت وأخواتها. من ذلك أن تقول آتيك إما أن تعطى وأما أن تمنع.

وخطأ أن تقول : أظنك إما أن تعطى وأما أن تمنع ، ولا أصبحت إما أن تعطى وأما أن تمنع. ولا تدخلنّ «٢» (أو) على (إما) ولا (إما) على (أو). وربما فعلت العرب ذلك لتآخيهما فى المعنى على التوهّم فيقولون : عبد اللّه إما جالس أو ناهض ،

(١) آية ١٠٦ سورة التوبة.

(٢) يريد : لا تجعل أحد الحرفين فى الموضع الذي يصلح له الآخر.

و يقولون : عبد اللّه يقوم وأما يقعد. وفى قراءة أبىّ : وإنا «١» وإيّاكم لإمّا على هدى أو فى ضلال فوضع أو فى موضع إما. وقال الشاعر :

فقلت لهن امشين إمّا نلاقه كما قال أو نشف النفوس فنعذرا «٢»

و قال آخر«٣» :

فكيف بنفس كلما قلت أشرفت على البرء من دهماء هيض اندمالها

تهاض بدار قد تقادم عهدها وأما بأموات ألمّ خيالها

فوضع (وأما) فى موضع (أو). وهو على التوهم إذا طالت الكلمة بعض الطول أو فرقت بينهما بشىء هنالك يجوز التوهم كما تقول : أنت ضارب زيد ظالما وأخاه حين فرقت بينهما ب (ظالم) جاز نصب الأخ وما قبله مخفوض. ومثله يا ذَا «٤» الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وأما أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً وكذلكقوله إِمَّا «٥» أَنْ تُلْقِيَ وأما أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى .

١١٧

وقوله : تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) وتَلْقَفُ «٦». يقال لقفت»

الشيء فأنا ألقفه لقفا ، يجعلون مصدره لقفانا. وهى فى التفسير : تبتلع.

(١) آية ٢٤ سورة سبأ. وفى قراءتنا : «و إنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين».

(٢) «نلاقه» مجزوم فى جواب الأمر ، وكذا المعطوف عليه «نشف». وترى فى البيت أن :

«أو» خلفت «إما». [.....]

(٣) هو الفرزدق. والشعر مطلع قصيدة طويلة يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو الحجاج. وقوله :

من دهماء أي من حب هذه المرأة. ويقال : هاض العظم : كسره بعد الجبر.

(٤) آية ٨٦ سورة الكهف.

(٥) آية ٦٥ سورة طه.

(٦) والأولى - أي سكون اللام وتخفيف القاف - قراءة حفص عن عاصم. والثانية قراءة الباقين.

(٧) كذا فى ج. وفى ش «تلقفت».

١١٨

و قوله : فَوَقَعَ الْحَقُّ (١١٨) معناه : أن السحرة قالوا : لو كان ما صنع موسى سحرا لعادت حبالنا وعصيّنا إلى حالها الأولى ، ولكنها فقدت. فذلك قوله (فوقع الحق) : فتبين الحق من السحر.

١٢٣

وقوله : آمَنْتُمْ بِهِ (١٢٣) يقول : صدّقتموه. ومن قال : آمنتم له يقول : جعلتم له الذي أراد.

١٢٤

وقوله : ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ (١٢٤) مشدّدة ، و(لأصلبنّكم) بالتخفيف قرأها بعض «١» أهل مكة. وهو مثل قولك :

قتلت القوم وقتّلتهم إذا فشا القتل جاز التشديد.

(١) هو ابن محيصن.

١٢٧

وقوله : وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ (١٢٧) لك فى (ويذرك) النصب على الصرف لأنها فى قراءة أبىّ (أ تذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض وقد تركوك أن يعبدوك) فهذا معنى الصرف. والرفع لمن أتبع آخر الكلام أوّله كما قال اللّه عز وجل مَنْ «٢» ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ بالرفع «٣». وقرأ ابن عباس (وإلا هتك) وفسّرها : ويذرك وعبادتك وقال : كان فرعون يعبد ولا يعبد.

(٢) آية ٢٤٥ سورة البقرة.

(٣) هو قراءة غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقراءتهم النصب.

١٢٩

وقوله : أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا (١٢٩) قال : فأما الأذى الأوّل فقتله الأبناء واستحياؤه النساء. ثم لمّا قالوا له :

أ تذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض قال : أعيد على أبنائهم القتل وأستحيى النساء كما كان فعل. وهو أذى بعد مجىء موسى.

١٣٠

و قوله : وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ (١٣٠) أخذهم بالسنين : القحط والجدوبة عاما بعد عام.

١٣١

وقوله : فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ (١٣١) والحسنة هاهنا الخفض «١».

وقوله : لَنا هذِهِ يقولون : نستحقّها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعنى الجدوبة يَطَّيَّرُوا يتشاءموا بِمُوسى كما تشاءمت اليهود بالنبيّ صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة ، فقالوا : غلت أسعارنا وقلّت أمطارنا مذ أتانا.

(١) كذا فى ش ، وفى ج : «الخصب». ومعناهما واحد.

١٣٣

وقوله : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ (١٣٣) أرسل اللّه عليهم السماء سبتا «٢» فلم تقلع ليلا ونهارا ، فضاقت بهم الأرض من تهدّم بيوتهم وشغلهم عن ضياعهم ، فسألوه أن يرفع عنهم ، فرفع فلم يتوبوا ، فأرسل اللّه عليهم (الجراد) فأكل ما أنبتت «٣» الأرض فى تلك السنة. وذاك أنهم رأوا من غبّ ذلك المطر خصبا لم يروا مثله قطّ ، فقالوا : إنما كان هذا رحمة لنا ولم يكن عذابا. وضاقوا بالجراد فكان قدر ذراع فى الأرض ، فسألوه أن يكشف عنهم ويؤمنوا ، فكشف «٤» اللّه عنهم وبقي لهم ما يأكلون ، فطغوا به وقالوا (لن نؤمن لك) فأرسل اللّه عليهم (القمل) وهو الدّبى «٥» الذي لا أجنحة له ، فأكل كلّ ما كان أبقى الجراد ، فلم يؤمنوا فأرسل اللّه (الضفادع) فكان أحدهم يصبح وهو على فراشه متراكب ، فضاقوا بذلك ، فلمّا كشف عنهم لم يؤمنوا ، فأرسل اللّه عليهم

(٢) أي أسبوعا من السبت إلى السبت.

(٣) كذا فى ج. وفى ش : «أنبت».

(٤) كذا فى ش. وفى ج : «فكشفه».

(٥) الدبى : الجراد قبل أن يطير ، واحدة دباة.

(الدم) فتحوّلت عيونهم وأنهارهم دما حتى موّتت الأبكار ، فضاقوا بذلك وسألوه أن يكشفه عنهم فيؤمنوا ، فلم يفعلوا ، وكان العذاب يمكث عليهم سبتا ، وبين العذاب إلى العذاب شهر ، فذلك قوله آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ثم وعد اللّه موسى أن يغرق فرعون ، فسار موسى من مصر ليلا. وبلغ ذلك فرعون فأتبعه - يقال فى ألف ألف ومائة ألف سوى كتيبته التي هو فيها ، ومجنّبتيه «١» - فأدركهم هو وأصحابه مع طلوع الشمس. فضرب موسى البحر بعصاه فانفرج له فيه اثنا عشر طريقا. فلمّا خرجوا تبعه فرعون وأصحابه فى طريقه ، فلما كان أوّلهم يهمّ بالخروج وآخرهم فى البحر أطبقه اللّه تبارك وتعالى عليهم فغرّقهم. ثم سأل موسى أصحابه أن يخرج فرعون ليعاينوه ، فأخرج هو وأصحابه ، فأخذوا من الأمتعة والسلاح ما اتخذوا به العجل.

(١) تثنية مجنبة. وهى فرقة من الجيش ، تكون فى إحدى جانبيه ، وللجيش مجنبتان : اليمنى واليسرى. [.....]

١٣٧

وقوله : وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا (١٣٧) فتنصب مشارق ومغارب تريد : فى مشارق الأرض وفى مغاربها ، وتوقع «٢» (وأورشا) على قوله الَّتِي بارَكْنا «٣» فِيها. ولو جعلت (وأورثنا) واقعة على المشارق والمغارب لأنهم قد أورثوها وتجعل (التي) من نعت المشارق والمغارب فيكون نصبا «٤» ، وإن شئت جعلت (التي) نعتا للأرض فيكون خفضا.

وقوله : وَما ظَلَمُونا يقول : وما نقصونا شيئا بما فعلوا ، ولكن نقصوا أنفسهم.

والعرب تقول : ظلمت سقاءك إذا سقيته «٥» قبل أن يمخض ويخرج زبده. ويقال ظلم الوادي إذا بلغ الماء منه موضعا لم يكن ناله فيما خلا أنشدنى بعضهم :

يكاد يطلع ظلما ثم يمنعه عن الشواهق فالوادى به شرق «٦»

و يقال : إنه لأظلم من حيّة لأنها تأتى الجحر ولم تحفره فتسكنه. ويقولون :

ما ظلمك أن تفعل ، يريدون : ما منعك أن تفعل ، والأرض المظلومة : التي لم ينلها

(٢) كذا فى ا. وفى ش ، ج : «ترفع» وهو تصحيف.

(٣) أي الأرض التي باركنا فيها. [.....]

(٤) جواب لو محذوف ، أي لجاز.

(٥) أي سقيت ما فيه من اللين ضيفا ونحوه.

(٦) فى اللسان أن هذا فى وصف سيل. فقوله : يكاد يطلع أي السيل ، أي يكاد السيل يبلغ الشواهق أي الجبال المرتفعة ، ولكن الوادي يمنعه عنها فهو شرق بهذا السيل أي ضيق به كمن يغص بالماء.

المطر ، وقال أبو الجراح : ما ظلمك أن تفيء ، لرجل شكا كثرة الأكل. ويقال «١» صعق الرجل وصعق إذا أخذته الصاعقة ، وسعد وسعد ورهصت الدابة ورهصت «٢».

(١) كأن هذا أملاء على قوله تعالى فى الآية ١٤٣ من هذه السورة : «فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا» ، فأخر فى الكتابة إلى هذا الموضع. وكثيرا ما يحدث مثل هذا فى الكتاب ، فيذكر الشيء فى غير موضعه.

(٢) الرهص أن يصيب الحجر حافرا أو منسما فيذوى باطنه.

١٤٨

وقوله : عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ (١٤٨) كان جسدا مجوّفا. وجاء فى التفسير أنه خار مرة واحدة.

١٤٩

وقوله : وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ (١٤٩) من الندامة. ويقال : أسقط لغة. و(سقط فى أيديهم) أكثر وأجود. قالوا لئن لم ترحمنا ربّنا نصب «٢» بالدعاء (لئن لم ترحمنا ربنا) ويقرأ (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) والنصب أحبّ إلىّ لأنها فى مصحف عبد اللّه (قالوا ربّنا لئن لم ترحمنا).

(٢) وهى قراءة حمزة والكسائىّ وخلف.

١٥٠

وقوله : أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (١٥٠) تقول : عجلت الشيء : سبقته ، وأعجلته استحثثته «٣».

(٣) فى ش ، ج : «استحيته» وهو مصحف عما أثبتنا.

و قوله : وَأَلْقَى الْأَلْواحَ ذكر أنهما كانا لوحين. وجاز أن يقال الألواح للاثنين كما قال فَإِنْ «١» كانَ لَهُ إِخْوَةٌ وهما أخوان وكما قال إِنْ تَتُوبا «٢» إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وهما قلبان.

وقوله تبارك وتعالى : قالَ ابْنَ أُمَّ يقرأ (ابن أمّ ، وأمّ) بالنصب والخفض «٣» ، وذلك أنه كثر فى الكلام فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادون يحذفون الياء إلا من الاسم المنادى يضيفه المنادى إلى نفسه ، إلّا قولهم : يا ابن عمّ ويا ابن أمّ. وذلك أنه يكثر استعمالهما فى كلامهم. فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا الياء فقالوا : يا ابن أبى ، ويا ابن أخى ، ويا ابن خالتى ، فأثبتوا الياء. ولذلك قالوا : يا ابن أمّ ، ويا ابن عمّ فنصبوا كما تنصب المفرد فى بعض الحالات ، فيقال : حسرتا ، ويا ويلتا ، فكأنهم قالوا : يا أمّاه ، ويا عمّاه. ولم يقولوا ذلك فى أخ ، ولو قيل كان صوابا. وكان هارون أخاه لأبيه وأمّه. وإنما قال له (يا ابن أم) ليستعطفه عليه.

وقوله : فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ من أشمت ، حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثنا سفيان بن عبينة عن رجل - أظنه الأعرج «٤» - عن مجاهد أنه قرأ (فلا تشمت بي) ولم يسمعها من العرب ، فقال الكسائىّ : ما أدرى لعلهم أرادوا (فلا تشمت بي الأعداء) فإن تكن صحيحة فلها نظائر ، العرب تقول فرغت : وفرغت. فمن قال فرغت قال : أنا أفرغ ، ومن قال فرغت قال أنا أفرغ ، وركنت وركنت وشملهم شر ، وشملهم ، فى كثير من الكلام. و(الأعداء) رفع لأن الفعل لهم ، لمن قال : تشمت أو تشمت.

(١) آية ١١ سورة النساء.

(٢) آية ٤ سورة التحريم.

(٣) الخفض أي كسر الميم قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم وحمزة والكسائىّ وخلف. والنصب قراءة الباقين.

(٤) هو حميد بن قيس المكىّ القارئ توفى سنة ١٣٠ ه.

١٥٥

و قوله : وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (١٥٥) وجاء التفسير : اختار منهم سبعين رجلا. وإنما استجيز وقوع الفعل عليهم إذ طرحت (من) لأنه مأخوذ من قولك : هؤلاء خير القوم ، وخير من القوم. فلما جازت الإضافة مكان (من) ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا : اخترتكم رجلا ، واخترت منكم رجلا.

وقد قال الشاعر «١» :

فقلت له اخترها قلوصا سمينة ونابا علينا مثل نابك فى الحيا

فقام إليها حبتر بسلاحه فللّه عينا حبتر أيّما فتى

و قال الراجز «٢» :

تحت الذي اختار له اللّه الشجر

و قوله : أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وذلك أن اللّه تبارك وتعالى أرسل على الذين معه - وهم سبعون - الرجفة ، فاحترقوا ، فظنّ موسى أنهم أهلكوا باتخاذ أصحابهم العجل ، فقال : أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ، وإنما أهلكوا بمسألتهم موسى (أرنا اللّه جهرة).

(١) هو الراعي النميرىّ. والشعر من قصيدة له يصف فيها أنه نزل به قوم ليلا فى سنة مجدبة وكانت إبله بعيدة عنه ، فنحر ناقة من رواحلهم ، وجاءت إبله فى الغدوة فأعطى رب الناقة ناقة مثلها ، وزاده أخرى. والبيت الثاني فى الشعر قبل الأوّل إذ يذكر فيه أن حبترا نحر ناقة الضيف بعد أن أومأ إليه الراعي بذلك سرا لئلا يشعر صاحبها به. فأما البيت الأوّل فهو فى وصف ما حدث حين جاءت إبله فى صبح تلك الليلة. والقلوص : الفتية من الإبل. والناب : المسنة ، والحيا : الشحم والسمن. وحبرّ ابن أخيه أو غلامه. وقوله : «و نابا» فى الحماسة وغيرها : «و ناب».

(٢) هو العجاج. والرجز من أرجوزته الطويلة فى مدح عمر بن عبيد اللّه بن معمر.

و قوله (ثم اتخذوا «١» العجل) ليس بمردود على قوله (فأخذتهم الصاعقة) ثم اتخذوا هذا مردود على فعلهم الأوّل. وفيه وجه آخر : أن تجعل (ثم) خبرا مستأنفا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأوّل من ذلك أن تقول للرجل : قد أعطيتك ألفا ثم أعطيتك قبل ذلك مالا فتكون (ثم) عطفا على خبر المخبر كأنه قال : أخبرك أنى زرتك اليوم ، ثم أخبرك أنى زرتك أمس.

وأما قول اللّه عزّ وجلّ خَلَقَكُمْ «٢» مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها فإن فيه هذا الوجه لئلا يقول القائل : كيف قال : خلقكم ثم جعل منها زوجها والزوج مخلوق «٣» قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فيه هذا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة على الواحدة أراد - واللّه أعلم - خلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها ، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وحده. فهذا ما فى ثم. وخلقة ثمّ أن يكون آخر. وكذلك الفاء. فأما الواو فإنك إن شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت : زرت عبد اللّه وزيدا ، فأيّهما شئت كان هو المبتدأ بالزيادة ، وإذا قلت : زرت عبد اللّه ثم زيدا ، أو زرت عبد اللّه فزيدا كان الأوّل قبل الآخر ، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودا على خبر المخبر فتجعله أوّلا.

(١) يريد قوله تعالى فى الآية ١٥٣ من سورة النساء : (يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا اللّه جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات) فإن ظاهر الآية أن اتخاذ العجل بعد أن أخذتهم الصاعقة لسؤال الرؤية ، والواقع أن اتخاذ العجل سابق على هذا. فعنى المؤلف بتأويل الظاهر.

(٢) آية ٦ سورة الزمر.

(٣) الأولى : مخلوقة فإن المراد بالزوج حوّاء.

١٦٠

و قوله : وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (١٦٠) فقال : اثنتي عشرة والسبط ذكر لأن بعده «١» أمم ، فذهب التأنيث إلى الأمم.

ولو كان (اثنى عشر) لتذكير السبط كان جائزا.

(١) كذا فى الأصول ا ش ، ج. والأعرب : «أمما».

١٦٣

وقوله : وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ (١٦٣) والعرب تقول : يسبتون ويسبتون وسبت وأسبت. ومعنى اسبتوا : دخلوا فى السبت ، ومعنى يسبتون : يفعلون سبتهم. ومثله فى الكلام : قد أجمعنا ، أي مرّت بنا جمعة ، وجمّعنا : شهدنا الجمعة. قال وقال لى بعض العرب : أترانا «٣» أشهرنا مذ لم نلتق؟ أراد : مرّ بنا شهر.

وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ منصوب بقوله : لا تَأْتِيهِمْ.

(٣) ثبت فى ش ، ج. وسقط فى ا.

١٦٤

وقوله : قالُوا مَعْذِرَةً (١٦٤) إعذارا فعلنا ذلك. وأكثر كلام العرب أن ينصبوا المعذرة. وقد آثرت القراء رفعها. ونصبها جائز «٤». فمن رفع قال : هى معذرة كما قال : إِلَّا ساعَةً «٥» مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ.

(٤) بل قرأ به حفص عن عاصم وزيد بن على وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف.

(٥) آية ٣٥ سورة الأحقاف.

١٦٧

وقوله : مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ (١٦٧) : الجزية إلى يوم القيامة.

١٦٩

و قوله : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ (١٦٩) وخَلْفٌ»

أَضاعُوا الصَّلاةَ أي قرن ، بجزم اللام. والخلف : ما استخلفته ، تقول : أعطاك اللّه خلفا مما ذهب لك ، وأنت خلف سوء ، سمعته من العرب.

١٧٠

وقوله : وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ (١٧٠) ويقرأ يُمَسِّكُونَ «٢» بِالْكِتابِ ومعناه : يأخذون بما فيه.

١٧١

وقوله : وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ (١٧١) رفع الجبل على عسكرهم فرسخا فى فرسخ. نَتَقْنَا : رفعنا. ويقال : امرأة منتاق إذا كانت كثيرة الولد.

١٧٦

وقوله : وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ (١٧٦) : ركن إليها وسكن. ولغة يقال : خلد إلى الأرض بغير ألف ، وهى قليلة.

ويقال للرجل إذا بقي سواد رأسه ولحيته : إنه مخلد ، وإذا لم تسقط أسنانه قيل :

إنه لمخلد.

١٨٧

وقوله : أَيَّانَ مُرْساها (١٨٧) المرسى فى موضع رفع.

ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثقل على أهل الأرض والسماء أن يعلموه «٣».

وقوله : كَأَنَّكَ حَفِيٌ

كأنك حفىّ عنها مقدّم ومؤخر ومعناه يسألونك عنها كأنك حفىّ بها. ويقال فى التفسير كأنك حفىّ أي كأنك عالم بها.

(١) آية ٥٩ سورة مريم.

(٢) وهى قراءة أبى بكر عن عاصم.

(٣) كذا فى الأصول. والأولى : «يعلموها».

١٨٨

و قوله : وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (١٨٨) يقول : لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من السنة المخصبة ، ولعرفت الغلاء فاستعددت له فى الرخص. هذا قول محمد صلى اللّه عليه وسلم.

١٨٩

وقوله : حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً (١٨٩) الماء خفيف على المرأة إذا حملت.

فَمَرَّتْ بِهِ فاستمرّت به : قامت به وقعدت.

فَلَمَّا أَثْقلت : دنت ولادتها ، أتاها إبليس فقال : ماذا فى بطنك؟ فقالت :

لا أدرى. قال : فلعله بهيمة ، فما تصنعين لى إن دعوت اللّه لك حتى يجعله إنسانا؟ قالت : قل ، قال : تسمّينه باسمي. قالت : وما اسمك؟ قال : الحرث.

فسمّته عبد الحارث ، ولم تعرفه أنه إبليس.

١٩٠

وقوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ (١٩٠) إذ قالت : عبد الحارث ، ولا ينبغى أن يكون عبدا إلا للّه. ويقرأ «١» :

«شركا».

(١) وهى قراءة نافع وأبى جعفر وأبى بكر عن عاصم.

١٩١

وقوله : أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً (١٩١) أراد الألهة ب (ما) ، ولم يقل : من ، ثم جعل فعلهم كفعل الرجال.

وقال : وَهُمْ يُخْلَقُونَ ولا يملكون.

١٩٢

وقوله : وَلا يَسْتَطِيعُونَ (١٩٢) فجعل الفعل للرجال.

١٩٣

و قوله : وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى (١٩٣) يقول : إن يدع المشركون الآلهة إلى الهدى لا يتبعوهم.

وقوله : سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ولم يقل : أم صمتّم.

وعلى هذا أكثر كلام العرب : أن يقولوا : سواء علىّ أقمت أم قعدت. ويجوز :

سواء علىّ أقمت أم أنت قاعد قال الشاعر :

سواء إذا ما أصلح اللّه أمرهم علينا أدثر ما لهم أم أصارم «١»

و أنشدنى الكسائي :

سواء عليك النفر أم بتّ ليلة بأهل القباب من نمير بن عامر «٢»

و أنشده بعضهم (أو أنت بائت) وجاز فيها (أو) لقوله : النفر لأنك تقول : سواء عليك الخير والشر ، ويجوز مكان الواو (أو) لأن المعنى جزاء كما تقول : اضربه قام أو قعد. ف (أو) تذهب إلى معنى العموم كذهاب الواو.

(١) الدثر : المال الكثير. وأصارم جمع أصرام ، وأصله أصاريم فحذفت الياء لضرورة الشعر.

والأصرام واحده الصرم. والصرم كالصرمة الفريق القليل العدد. يريد القطعة من الإبل القليلة.

(٢) (النفر) يريد النفر من منى. ويوم النفر هو اليوم الثاني من أيام التشريق ، وهو النفر الأوّل.

والنفر الآخر فى اليوم الثالث. [.....]

١٩٨

وقوله : وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ (١٩٨) يريد الآلهة : أنها صور لا تبصر. ولم يقل : وتراها لأن لها أجساما وعيونا.

والعرب تقول للرجل القريب من الشيء : هو ينظر ، وهو لا يراه ، والمنازل تتناظر إذا كان بعضها بحذاء بعض.

٢٠١

و قوله : إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ (٢٠١) وقرأ إبراهيم النخعي «١» (طيف) وهو اللمم والذنب فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ أي منتهون إذا أبصروا.

(١) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو والكسائي ويعقوب.

٢٠٢

وقوله : وَإِخْوانُهُمْ (٢٠٢) إخوان المشركين يَمُدُّونَهُمْ فى الغىّ ، فلا يتذكّرون ولا ينتهون. فذلك قوله : ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ يعنى المشركين وشياطينهم. والعرب تقول : قد قصر عن الشيء وأقصر عنه. فلو قرئت (يقصرون «٢») لكان صوابا.

(٢) وهى قراءة عيسى بن عمر كما فى القرطبي.

٢٠٣

وقوله : وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها (٢٠٣) يقول : هلا افتعلتها. وهو من «٣» كلام العرب جائز أن يقال : اختار الشيء ، وهذا اختياره.

 (٣) يريد أن الاجتباء فى الأصل الاختيار ، وأريد به هنا الاختلاق والافتعال. وأراد أن يذكر أن هذا معروف فى كلام العرب أن يقال : اختار فلان الشيء إذا اختلقه واستحدثه. ومن هذا يعرف أن هنا سقطا فى الكلام من النساخ. والأصل : «جائز أن يقال : اختار الشيء وهذا اختياره : إذا اختلقه» كما يؤخذ من الطبري. وفيه : «و حكى عن الفرّاء أنه كان يقول : اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته : إذا افتعلته من قبل نفسك».

٢٠٤

وقوله : وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (٢٠٤) قال : كان الناس يتكلمون فى الصلاة المكتوبة ، فيأتى الرجل القوم فيقول :

كم صليتم؟ فيقول : كذا وكذا. فنهوا عن ذلك ، فحرم الكلام فى الصلاة لما أنزلت هذه الآية.