سُورَةُ الْأَنْعَامِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَ سِتُّونَ آيَةً

ومن سورة الأنعام :

قوله تبارك وتعالى : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ (٦) القرن ثمانون سنة. وقد قال بعضهم : سبعون «١».

(١) والصحيح أن القرن مائة سنة ، راجع ج ٩ شرح القاموس.

٩

وقوله «٢» : وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا (٩) : فى صورة رجل لأنهم لا يقدرون على النظر إلى صورة الملك.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ش ، وثبت فى ج.

١٢

وقوله : كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (١٢) إن شئت جعلت (الرحمة) غاية كلام ، ثم استأنفت بعدها لَيَجْمَعَنَّكُمْ وإن شئت جعلته «٣» فى موضع نصب كما قال : كَتَبَ «٤» رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ والعرب تقول فى الحروف التي يصلح معها جواب الأيمان بأن المفتوحة وباللام. فيقولون : أرسلت إليه أن يقوم ، وأرسلت إليه ليقومنّ.

وكذلك قوله : ثُمَّ «٥» بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ وهو فى القرآن كثير ألا ترى أنك لو قلت : بدا لهم أن يسجنوه كان صوابا.

(٣) أي «ليجمعنكم».

(٤) آية ٥٤ سورة الأنعام.

(٥) آية ٣٥ سورة يوسف.

١٤

وقوله : قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ (١٤) مخفوض «٦» فى الإعراب تجعله صفة من صفات اللّه تبارك وتعالى. ولو نصبته على المدح كان صوابا ، وهو معرفة. ولو نويت الفاطر الخالق نصبته على القطع

 (٦) أي «فاطر».

إذ لم يكن فيه ألف ولام. ولو استأنفته فرفعته كان صوابا كما قال :

رَبِّ السَّماواتِ «١» وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ :

(١) آية ٣٧ سورة النبأ. وقراءة رفع «رب» و«الرحمن» عند نافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ، وقراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب بجرّهما.

١٨

و قوله : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ (١٨) كلّ شىء قهر شيئا فهو مستعل عليه.

١٩

وقوله : لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (١٩) يريد : ومن بلغه القرآن من بعدكم ، و(بلغ) صلة ل (من). ونصبت (من) بالإنذار. وقوله : آلِهَةً أُخْرى ولم يقل : أخر لأن الآلهة جمع ، (والجمع) «٢» يقع عليه التأنيث كما قال اللّه تبارك وتعالى : وَلِلَّهِ «٣» الْأَسْماءُ الْحُسْنى وقال اللّه تبارك وتعالى : فَما «٤» بالُ الْقُرُونِ الْأُولى ولم يقل : الأول والأوّلين. وكلّ ذلك صواب.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

(٣) آية ١٨٠ سورة الأعراف. [.....]

(٤) آية ٥١ سورة طه.

٢٠

وقوله : يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ (٢٠) ذكر أنّ عمر بن الخطاب قال لعبد اللّه بن سلام : ما هذه المعرفة التي تعرفون بها محمدا صلى اللّه عليه وسلّم؟ قال : واللّه لأنابه إذا رأيته أعرف منى بابني وهو يلعب مع الصبيان لأنى لا أشكّ فيه أنه محمد صلى اللّه عليه وسلّم ولست أدرى ما صنع النساء فى الابن. فهذه المعرفة لصفته فى كتابهم.

وجاء التفسير فى قوله : خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يقال : ليس من مؤمن ولا كافر إلا له منزل فى الجنة وأهل وأزواج ، فمن أسلم وسعد صار إلى منزله وأزواجه

(ومن «١» كفر صار منزله وأزواجه) إلى من أسلم وسعد. فذلك قوله الَّذِينَ «٢» يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ يقول : يرثون منازل الكفار ، وهو قوله : الَّذِينَ «٣» خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ.

(١) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

(٢) آية ١١ سورة المؤمنون.

(٣) آية ١٥ سورة الزمر ، ٤٥ سورة الشورى.

٢٣

وقوله : وَاللَّهِ رَبِّنا (٢٣) تقرأ «٤» : ربّنا وربّنا خفضا ونصبا. قال الفراء : وحدّثنى الحسن بن عيّاش «٥» أخو أبى بكر بن عياش عن الأعمش عن الشعبىّ عن علقمة «٦» أنه قرأ وَاللَّهِ رَبِّنا قال : معناه : واللّه يا ربّنا. فمن قال رَبِّنا جعله محلوفا به.

 (٤) النصب قراءة حمزة والكسائىّ وخلف ، والجر قراءة الباقين.

(٥) هو أبو محمد الكوفىّ. روى عن الأعمش وغيره. مات سنة ١٧٢ ه. وأخوه أبو بكر مات سنة ١٩٣

(٦) هو علقمة بن قيس النخعىّ. مات سنة ٦٢

٣٢

وقوله : وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ ... (٣٢)

جعلت الدار هاهنا اسما ، وجعلت الآخرة من صفتها ، وأضيفت فى غير هذا الموضع «٧». ومثله ممّا يضاف إلى مثله فى المعنى قوله (إِنَّ «٨» هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ والحق هو اليقين كما أنّ الدار هى الآخرة. وكذلك أتيتك بارحة الأولى ، والبارحة الأولى. ومنه : يوم الخميس ، وليلة الخميس. يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه كما اختلف الحق واليقين ، والدار [و«٩»] الآخرة ، واليوم والخميس.

فإذا اتفقا لم تقل العرب : هذا حقّ الحقّ ، ولا يقين اليقين لأنهم يتوهمون إذااختلفا فى اللفظ أنهما مختلفان فى المعنى. ومثله فى قراءة عبد اللّه وذلك «١٠» الدين القيّمة وفى قراءتنا دِينُ الْقَيِّمَةِ والقيّم والقيّمة بمنزلة قولك : رجل راوية وهّابة للأموال ووهّاب وراو ، وشبهه.

(٧) كما فى الآية ١٠٩ سورة يوسف. على أن ابن عامر قرأ هنا : «و لدار الاخرة» بالإضافة.

(٨) آية ٩٥ سورة الواقعة.

(٩) سقطت الواو فى ش ، ج. وما أثبتناه هو المناسب للمقام.

(١٠) آية ٥ سورة البينة.

٣٣

وقوله : فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ (٣٣) قرأها العامّة بالتشديد. قال : حدّثنا الفراء قال حدّثنى قيس بن الربيع الأسدىّ عن أبى إسحاق السبيعىّ «٢» عن ناجية «٣» بن كعب عن علىّ أنه قرأ «٤» يُكَذِّبُونَكَ مخفّفة.

ومعنى التخفيف - واللّه أعلم - : لا يجعلونك كذّابا ، وإنما يريدون أن ما جئت به باطل لأنهم لم يجرّبوا عليه صلى اللّه عليه وسلم كذبا فيكذّبوه وإنما أكذبوه «٥» أي ما جئت به كذب لا نعرفه. والتكذيب «٦» : أن يقال : كذبت. واللّه أعلم.

(٢) هو عمرو بن عبد اللّه الهمدانىّ الكوفىّ. توفى سنة ١٢٧ ه.

(٣) صحابىّ جليل. توفى فى أيام معاوية.

(٤) وهى قراءة نافع والكسائىّ. [.....]

(٥) كذا فى ج. وهو يوافق عبارة اللسان. وفى ش : «يكذبوه».

(٦) حاصل هذا أن التكذيب : النسبة إلى الكذب. والإكذاب للرجل أن يجد كلامه باطلا ، وإن لم يكن القائل كاذبا فيه عارفا بكذبه.

٣٥

وقوله : فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ... (٣٥)

فافعل «٧» ، مضمرة ، بذلك. جاء التفسير ، وذلك معناه. وإنما تفعله العرب فى كل موضع يعرف فيه معنى الجواب ألا ترى أنك تقول للرجل : إن استطعت أن تتصدق ، إن رأيت أن تقوم معنا ، بترك الجواب لمعرفتك بمعرفته به «٨». فإذا جاءما لا يعرف جوابه إلا بظهوره أظهرته كقولك للرجل : إن تقم تضب خيرا ، لا بدّ فى هذا من جواب لأن معناه لا يعرف إذا طرح.

(٧) هذا جواب الشرط المحذوف.

(٨) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

٣٨

وقوله : وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ... (٣٨)

(الطائر) مخفوض. ورفعه «١» جائز (كما «٢» تقول : ما عندى من) رجل ولا امرأة ، وامرأة من رفع قال : ما عندى من رجل ولا عندى امرأة. وكذلك قوله :

وَ ما «٣» يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ ثم قال وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ ، وَلا أَكْبَرَ ، وَلا أَكْبَرَ إذا نصبت (أصغر) فهو فى نيّة خفض ، ومن رفع ردّه على المعنى.

وأماقوله وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ فإنّ الطائر لا يطير إلا بجناحيه. وهو فى الكلام بمنزلة قوله (له «٤» تسع وتسعون نعجة [ولى نعجة] أنثى) ، وكقولك للرجل :

كلّمته بفىّ ، ومشيت إليه على رجلىّ ، إبلاغا فى الكلام.

يقال : إنّ كل صنف من البهائم أمّة ، والعرب تقول صنف [وصنف «٥»].

ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ حشرها : موتها ، ثم تحشر مع الناس فيقال لها :

كونى ترابا. وعند ذلك يتمنّى الكافر أنه كان ترابا مثلها.

(١) وبه قرأ الحسن وعبد اللّه بن أبى إسحاق.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

(٣) آية ٦١ سورة يونس ، وآية ٣ سورة سبأ ، والقراءة بالوجهين فى الآية الأولى. فقرأ حمزة ويعقوب وخلف بالرفع ، والباقون بالفتح. فأما فى آية سبأ فقد اتفق على الرفع إلا فى رواية عن المطوعى كما فى الإتحاف.

(٤) آية ٢٣ سورة ص. وهذه قراءة ابن مسعود كما فى البديع.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٤٠

و قوله : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ ... (٤٠)

العرب لها فى (أ رأيت) لغتان ، ومعينان.

أحدهما أن يسأل الرجل الرجل : أرأيت زيدا بعينك؟ فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها على الرجل منه قلت : أرأيتك على غير هذه الحال؟ تريد : هل رأيت نفسك على غير هذه الحال. ثم «١» تثنّى وتجمع ، فتقول للرجلين : أرايتما كما ، وللقوم :

أرأيتموكم ، وللنسوة : أرأيتنّكنّ «٢» ، وللمرأة : أرأيتك ، تخفض التاء والكاف ، لا يجوز إلا ذلك.

والمعنى الآخر أن تقول : أرأيتك ، وأنت تريد : أخبرنى (وتهمزها) «٣» وتنصب التاء منها وتترك الهمز إن شئت ، وهو أكثر كلام العرب ، وتترك التاء موحّدة مفتوحة للواحد والواحدة [والجميع «٤» فى ] مؤنّثه ومذكّره. فتقول للمرأة : أرايتك زيدا هل خرج ، وللنسوة : أرايتكنّ زيدا ما فعل. وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل منها واقعا على نفسها ، فاكتفوا بذكرها فى الكاف ، ووجّهوا التاء إلى المذكّر والتوحيد إذ لم يكن الفعل واقعا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع كما أنك إذا قلت للرجل : دونك زيدا وجدت الكاف فى اللفظ خفضا وفى المعنى رفعا لأنها مأمورة.

والعرب إذا أوقعت فعل شىء على نفسه قد كنى فيه عن الاسم قالوا فى الأفعال التامّة غير ما يقولون فى الناقصة. فيقال للرجل : قتلت نفسك ، وأحسنت إلىوَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥)وكقوله : فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ «٦»[تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ] وكذلك (لوما) فيها ما فى لو لا : الاستفهام والخبر.

(١) سقط هذا الحرف فى ش ، وثبت فى ج.

(٢) رسم فى اللسان (رأى) : «أرأتن كن» وظاهر أن «أرأتن» تحريف عن «أ رأيتن».

(٣) فى عبارة اللسان : «فتهمزها».

(٤) ثبت ما بين الجاصرين فى عبارة اللسان ، و(٤) هو عامر بن الحارث النميرىّ عند صاحب القاموس تبعا للصاغاتىّ. وعند الجوهرى : المستورد.

وقد لقب جران العود لهذا الشعر. والعود : البعير المسنّ وجرانه مقدّم عنقه. كان له امرأتان لا ترضيانه ، فاتخذ من جران العود سوطا قدّه من جران عود نحره ، وهو أصلب ما يكون. فقوله : «يا جارتى» يريد زوجتيه.

(٥) آية ١٠ سورة المنافقين.

(٦) آيتا ٨٦ ، ٨٧ سورة الواقعة.

٤٤

وقوله : فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ (٤٤) يعنى أبواب الرزق والمطر وهو «٢»

الخير فى الدنيا لنفتنهم فيه. وهو مثل قوله :

حَتَّى «٣» إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً ومثله وَأَنْ «٤» لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ والطريقة طريقة «٥» الشرك أي لو استمرّوا عليها فعلنا ذلك بهم.

وقوله : فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ المبلس : اليائس المنقطع رجاؤه. ولذلك قيل للذى يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب : قد أبلس وقد قال الراجز «٦» :

يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه ، وأبلساأي لم يحر إلىّ جوابا.

(٢) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

(٣) آية ٢٤ سورة يونس.

(٤) آيتا ١٦ ، ١٧ سورة الجنّ

(٥) هذا أحد وجهين فى تفسير الطريقة.

والوجه الآخر أنها طريقة الهدى والإسلام. والنعمة والخير يكونان للكافر استدراجا ، وللمؤمن ابتلاه.

(٦) هو العجاج. و«مكرسا» أي فيه الكرس - بكسر فسكون - أي أبوال الإبل وأبعارها يتلبد بعضها على بعض فى الدار.

٤٦

وقوله : يَأْتِيكُمْ بِهِ (٤٦) كناية عن ذهاب «٧» السمع والبصر والختم على الأفئدة. وإذا كنيت عن الأفاعيل وإن كثرت وحّدت الكناية كقولك للرجل : إقبالك وإدبارك يؤذينى. وقد يقال : إن الهاء التي فى «٨» بِهِ كناية عن الهدى ، وهو كالوجه الأوّل.

(٧) هذا تسمح فى التعبير ، والمراد : كناية عن السمع والبصر الذاهبين والأفئدة المختوم عليها.

(٨) كذا فى ج. وفى ش : «به».

٥١

و قوله : وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ (٥١) يقول : يخافون أن يحشروا إلى ربهم علما بأنه سيكون. ولذلك «١» فسّر المفسرون يَخافُونَ : يعلمون.

(١) كذا فى ش. وفى ج : «ذلك». [.....]

٥٢

وقوله : وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ (٥٢) يقول القائل : وكيف يطرد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من يدعو ربه حتى ينهى عن ذلك؟ فإنه بلغنا أن عيينة بن حصن الفزارىّ دخل على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وعنده سلمان وبلال وصهيب وأشباههم ، فقال عيينة : يا رسول اللّه لو نحيّت هؤلاء عنك لأتاك أشراف قومك فأسلموا. فأنزل اللّه تبارك وتعالى :

وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ.

٥٤

وقوله : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ (٥٤) تكسر الألف من (أنّ) والتي بعدها «٢» فى جوابها على الائتناف ، وهى قراءة «٣» القرّاء «٤».

وإن شئت فتحت الألف من (أنّ) تريد : كتب ربكم على نفسه أنه من عمل.

ولك فى (أنّ) التي بعد الفاء الكسر والفتح. فأما من «٥» فتح فإنه يقول : إنما يحتاج الكتاب إلى (أنّ) مرة واحدة ولكن الخبر هو موضعها ، فلما دخلت فى ابتداءالكلام أعيدت إلى موضعها كما قال : أَيَعِدُكُمْ «٦» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ فلمّا كان موقع أنّ : أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم دخلت فى أوّل الكلام وآخره. ومثله : كُتِبَ «٧» عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ بالفتح. ومثله :

أَ لَمْ «٨» يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ولك أن تكسر «٩» (إن) التي بعد الفاء فى هؤلاء الحروف على الاستئناف ألا ترى أنك قد تراه حسنا أن تقول :

«كتب أنه من تولاه فهو يضله» بالفتح. وكذلك «و أصلح فهو غفور رحيم» لو كان لكان صوابا. فإذا حسن دخول (هو) حسن الكسر.

(٢) ثبت هذا الحرف فى ج ، وسقط فى ش.

(٣) كذا فى ج. وفى ش : «فى قراءة».

(٤) الكسر فى إنّ الأولى وإنّ الثانية قراءة ابن كثير وأبى عمرو وحمزة والكسائىّ.

(٥) الفتح فى الموضعين قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب.

(٦) آية ٣٥ سورة المؤمنون.

(٧) آية ٤ سورة الحج.

(٨) آية ٦٣ سورة التوبة.

(٩) فتح الأولى وكسر الثانية قراءة نافع وأبى جعفر.

٥٥

وقوله : وليستبين سبيل المجرمين (٥٥) ترفع (السبيل) بقوله : (وليستبين) لأنّ «٥» الفعل له. ومن «٦» أنّث السبيل قال :

وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ. وقد يجعل «٧» الفعل للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم فتنصب «٨» السبيل ، يراد به : ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين.

(٥) وهذه القراءة بالياء فى الفعل ورفع السبيل قراءة أبى بكر وحمزة والكسائىّ وخلف.

(٦) وهذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وحفص.

(٧) كذا فى ش. وفى ج : «جعل».

(٨) وهذه قراءة نافع وأبى جعفر.

٥٧

وقوله : إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يقض الحقّ (٥٧) كتبت بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام كما كتب سَنَدْعُ «٩» الزَّبانِيَةَ بغير واو ، وكما كتب فَما «١٠» تُغْنِ النُّذُرُ بغير ياء على اللفظ. فهذه قراءة أصحاب «١١»عبد اللّه.

وذكر عن علىّ «١٢» أنه قال : (يَقُصُّ الْحَقَّ) بالصاد. قال حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى سفيان «١٣» بن عيينة عن عمرو «١٤» بن دينار عن رجل عن ابن عباس أنه قرأ (يقضى بالحق) قال الفراء : وكذلك هى فى قراءة عبد اللّه.

(٩) آية ١٨ سورة العلق.

(١٠) آية ٥ سورة القمر. [.....]

(١١) وهى قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائىّ ، فهى قراءة سبعية.

(١٢) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم.

(١٣) كانت وفاته سنة ١٩٨

(١٤) هو أبو محمد المكىّ. توفى سنة ١١٦

٥٩

وقوله : وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ (٥٩) يجوز رفعها.

٦٣

وقوله : قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (٦٣) يقال : خفية وخفية. وفيها لغة بالواو ، - ولا تصلح فى القراءة - : خفوة وخفوة كما قيل : قد حلّ حبوته وحبوته وحبيته.

وقوله : لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ (٦٣) قراءة أهل الكوفة ، - وكذلك هى فى مصاحفهم - «أن «٤» ج ى ن ألف» وبعضهم «٥» بالألف (أنجانا) وقراءة الناس (أنجيتنا) بالتاء.

(٤) رسمها هكذا ، يريد أنجانا بألف بعد الجيم ممالة ، فرسمها ياء للدلالة على إمالتها. وهذه قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٥) أي بعض أهل الكوفة وهو عاصم.

٦٥

وقوله : قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ (٦٥) كما فعل بقوم نوح : المطر والحجارة والطوفان أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ :

الخسف أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً : يخلطكم شيعا ذوى أهواء.

٦٩

و قوله : وَلكِنْ ذِكْرى (٦٩) فى موضع نصب أو رفع النصب بفعل مضمر (ولكن) نذكرهم (ذكرى) والرفع على قوله (ولكن) هو (ذكرى).

٧٠

وقوله : وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً ... (٧٠)

يقال : ليس من قوم إلّا ولهم عيد فهم يلهون فى أعيادهم ، إلا أمّة محمد صلى اللّه عليه وسلم فإن أعيادهم برّ وصلاة وتكبير وخير.

وقوله : وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ أي ترتهن «١» (والعرب «٢» تقول : هذا عليك بسل أي حرام. ولذلك قيل : أسد باسل أي لا يقرب) والعرب تقول : أعط الراقي بسلته ، وهو أجر الرقية.

(١) فى ش ، ج : «يرتهن».

(٢) ثبت ما بين القوسين فى ج ، وسقط فى ش.

٧١

وقوله : يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا ... (٧١)

كان أبو بكر الصدّيق وامرأته يدعوان عبد الرحمن ابنهما إلى الإسلام. فهو قوله : إِلَى الْهُدَى ائْتِنا أي أطعنا ، ولو كانت «إلى الهدى أن ائتنا» لكان صوابا كما قال : إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ «٣» فى كثير من أشباهه ، يجىء بأن ، ويطرحها.

(٣) آية ١ سورة نوح.

٧٢

وقوله : وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ... (٧٢)

مردودة على اللام التي فى قوله : وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ والعرب تقول : أمرتك لتذهب (وأن «٤» تذهب) فأن فى موضع نصب بالردّ على الأمر. ومثله فى القرآن كثير.

(٤) ثبت ما بين القوسين فى ش ، وسقط فى ج.

٧٣

و قوله : كُنْ فَيَكُونُ ... (٧٣)

يقال إنّ قوله : فَيَكُونُ للصّور خاصّة ، أي يوم يقول للصّور : كُنْ فَيَكُونُ.

ويقال إن قوله : كُنْ فَيَكُونُ لقوله «١» هو الحقّ من نعت القول ، ثم تجعل فعله يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ يريد : يكون قوله الحقّ يومئذ. وقد يكون أن تقول :

وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ لكل شىء فتكون كلمة مكتفية وترفع القول بالحقّ ، وتنصب (اليوم) لأنه محل لقوله الحقّ.

والعرب تقول : نفخ فى الصور ونفخ ، وفى قراءة عبد اللّه : كهيئة الطير فأنفخها فتكون طيرا بإذنى «٢» وقال الشاعر :

لو لا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم ولا خراسان حتى ينفخ الصور «٣»

و يقال : إن الصور قرن ، ويقال : هو جمع للصور «٤» ينفخ فى الصور فى الموتى.

واللّه أعلم بصواب ذلك.

(١) يريد أن «قوله» فاعل «يكون». و«الحق» نعمت القول. وقوله : «هو» المناسب : «و».

(٢) هذا فى الآية ١١٠ سورة المائدة.

(٣) القهندز كلمة أعجمية معناها الحصن أو القلعة فى وسط المدينة. وهو اسم لأربعة مواضع.

(٤) كذا. والمراد أنه جمع مرادف للصور - بضم الصاد وفتح الواو - فى أنه جمع صورة. وقد يكون الأصل : «للصورة». [.....]

٧٤

وقوله : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ... (٧٤)

يقال : آزر فى موضع خفض ولا يجرى لأنه أعجمىّ. وقد أجمع أهل النسب على أنه ابن تارح ، فكأن آزر لقب له. وقد بلغني أن معنى (آزر) فى كلامهم معوّج ، كأنه عابه بزيغه وبعوجه عن الحقّ. وقد قرأ بعضهم «٥» لِأَبِيهِ آزَرَ بالرفع على النداء (يا) وهو وجه حسن. وقوله : أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها ، وكذلك الآلهة.

(٥) هو يعقوب.

٧٦

و قوله : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ... (٧٦)

يقال : جنّ عليه الليل ، وأجنّ ، وأجنّه الليل وجنّه الليل وبالألف «١» أجود إذا ألقيت (على) وهى أكثر من جنّه الليل.

يقال فى قوله : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي قولان :

إنما قال : هذا ربّى استدراجا للحجّة على قومه ليعيب «٢» آلهتهم أنها ليست بشىء ، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة ويقال :

إنه قاله على الوجه «٣»الآخر كما قال اللّه تبارك وتعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم : أَلَمْ «٤» يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى . وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى واحتجوا هاهنا بقول إبراهيم : لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ.

(١) سقط حرف العطف فى ش ، وثبت فى ج.

(٢) كذا فى ج. وفى ش : «يعيب».

(٣) يريد أن إبراهيم كان يعتقد ما ذكره أولا ، يقولون : كان هذا فى صغره حيث لا يكون كفرو لا إيمان.

(٤) آيتا ٦ ، ٧ سورة الضحى.

٨٣

وقوله : وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ (٨٣) وذلك أنهم قالوا له : أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبّك إياها؟ فقال لهم :

أفلا تخافون أنتم ذلك منها إذ سوّيتم بين الصغير والكبير والذكر والأنثى أن يغضب الكبير إذ سوّيتم به الصغير. ثم قال لهم : أمن يعبد إلها واحدا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شتىّ؟ قالوا : من يعبد إلها واحدا ، فغضبوا على أنفسهم. فذلك قوله : وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ.

٨٤

و قوله : وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ... (٨٤)

هذه الهاء لنوح : و(هدينا) من ذرّيته داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان على هذا المعنى إذ لم يظهر الفعل كان صوابا كما تقول : أخذت صدقاتهم لكل مائة (شاة «١» شاة) وشاة.

(١) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

٨٦

وقوله : وَالْيَسَعَ ... (٨٦)

يشدّد «٢» أصحاب عبد اللّه اللام ، وهى أشبه بأسماء العجم من الذين «٣» يقولون وَالْيَسَعَ لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يجرى مثل يزيد ويعمر إلا فى شعر أنشد بعضهم :

و جدنا الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأحناء الخلافة كاهله «٤»

و إنّما أدخل فى يزيد الألف واللام لمّا أدخلها فى الوليد. والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمسّت الحرف مدحا.

(٢) هؤلاء عندهم تشديد اللام مفتوحة وسكون الياء. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٣) هم أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم.

(٤) من قصيدة لابن ميادة الرماح بن أبرد. والوليد بن يزيد هو الخليفة الأموىّ وقد قتل سنة ١٢٦ وقوله : «بأحناء الخلافة» فالأحناء جمع الحنو وهو الجهة ، والجانب. ويروى : «بأعباء الخلافة».

٨٩

وقوله : فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ ... (٨٩)

يعنى أهل مكّة فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً يعنى أهل المدينة لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ بالآية «٥».

(٥) كذا فى ج ، وفى ش : «بالأمة».

٩١

و قوله : وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (٩١) ما عظّموه حقّ تعظيمه. وقوله تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ يقول : كيف قلتم : لم ينزل اللّه على بشر من شىء وقد أنزلت التوراة على موسى تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ والقرطاس «١» فى هذا الموضع صحيفة. وكذلكقوله : وَلَوْ «٢» نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ يعنى : فى صحيفة.

تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً يقول : تبدون ما تحبون ، وتكتمون صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقوله : قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يقول قُلِ اللَّهُ أي : أنزله اللّه عليكم. وإن شئت قلت : قل (هو) اللّه.

وقد يكون قوله قُلِ اللَّهُ جوابا لقوله : مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى ، قُلِ اللَّهُ أنزله. وإنما اخترت رفع اللَّهَ بغير الجواب لأن اللّه تبارك وتعالى الذي أمر محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يسألهم : مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ وليست بمسألة منهم فيجابوا ، ولكنه جاز لأنه استفهام ، والاستفهام يكون له جواب.

وقوله : ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ لو كانت جزما لكان صوابا كما قال ذَرْهُمْ «٣» يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا.

(١) كذا فى ج ، وفى ش : «القراطيس».

(٢) آية ٧ سورة الأنعام.

(٣) آية ٣ سورة الحجر.

٩٢

و قوله : وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ... (٩٢)

يقال فى التفسير : إنّ «١» أمّ القرى مكّة.

وقوله : وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ الهاء تكون لمحمد صلى اللّه عليه وسلم وللتنزيل.

(١) ثبت هذا الحرف فى ج ، وسقط فى ش. [.....]

٩٣

وقوله : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ... (٩٣)

يقال : إنها نزلت فى مسيلمة الكذّاب ، وذلك أنه ادّعى النبوة.

وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ ومن فى موضع خفض. يريد : ومن أظلم من هذا ومن هذا الذي قال : سأنزل مثل ما أنزل اللّه. نزلت فى عبد اللّه بن سعد بن أبى سرح.

وذلك أنه كان يكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإذا قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ كتب سَمِيعٌ عَلِيمٌ أو عَزِيزٌ حَكِيمٌ فيقول له النبي صلى اللّه عليه وسلم : سواء حتى أملّ عليه قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ «٢» إلى قوله : ثُمَّ «٣» أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فقال ابن أبى سرح فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ تعجّبا من تفصيل خلق الإنسان ، قال فقال له النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : هكذا أنزلت علىّ ، فشكّ وارتدّ.

وقال : لئن كان محمد صلى اللّه عليه وسلم صادقا لقد أوحى إلىّ (كما «٤» أوحى إليه) ولئن كان كاذبا لقد قلت مثل ما قال ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيه : وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ.

(٢) آية ١٢ سورة المؤمنون.

(٣) آية ١٤ سورة المؤمنون.

(٤) سقط ما بين القوسين فى ش ، وثبت فى ج.

و قوله : وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ ويقال : باسطو أيديهم بإخراج أنفس الكفار. وهو مثل قوله : يَضْرِبُونَ «١» وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ولو كانت (باسطون) كانت (أيديهم) ولو كانت «باسطو أيديهم أن أخرجوا» كان صوابا. ومثله مما تركت فيه أن قوله : يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا وإذا طرحت من مثل هذا الكلام (أن) ففيه القول مضمر كقوله : وَلَوْ «٢» تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يقولون : رَبَّنا.

(١) آية ٥٠ سورة الأنفال.

(٢) آية ١٢ سورة السجدة.

٩٤

وقوله : وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ... (٩٤)

و هو جمع. والعرب تقول : [قوم «٣»] فرادى وفراد يا هذا فلا يجرونها ، شبهت بثلاث ورباع. وفرادى واحدها فرد ، وفرد ، وفريد وفراد «٤» للجمع ، ولا يجوز فرد فى هذا المعنى. وأنشدنى بعضهم :

ترى النعرات الزرق تحت لبانه فراد ومثنى أصعقتها صواهله «٥»

(٣) زيادة من اللسان فى عبارة الفرّاء (فرد)

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «فردان» وهو يوافق عبارة اللسان. وكأن الصواب ما أثبت.

يريد أن (فراد) تأتى فى التكرير عند الجمع ، وليس كذلك فرد.

(٥) «فراد» كذا فى اللسان ، وهو المناسب. وفى ش ، ج : «فرادى». وتقدّم البيت.

و قوله : لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ... (٩٤)

قرأ حمزة ومجاهد بَيْنَكُمْ يريد وصلكم. وفى قراءة عبد اللّه لقد تقطع ما بينكم وهو وجه الكلام. إذا جعل الفعل لبين ترك نصبا كما قالوا : أتانى دونك من الرجال فترك نصبا وهو فى موضع رفع لأنه صفة. وإذا قالوا : هذادون من الرجال رفعوه فى موضع الرفع. وكذلك تقول : بين الرجلين بين بعيد ، وبون بعيد إذا أفردته أجريته «١» فى العربية وأعطيته الإعراب.

(١) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

٩٦

وقوله : فالِقُ الْإِصْباحِ ... (٩٦)

و الإصباح مصدر أصبحنا إصباحا ، والأصباح «٢» صبح كل يوم بمجموع.

وقوله : وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً الليل فى موضع نصب فى المعنى. فردّ الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله : سَكَناً فإذا لم تفرق بينهما بشىء آثروا الخفض. وقد يجوز أن ينصب وإن لم يحل بينهما بشىء أنشد بعضهم :

و بينا نحن ننظره أتانا معلّق شكوة وزناد راع «٣»

و تقول : أنت أخذ حقّك وحقّ غيرك فتضيف فى الثاني وقد نوّنت فى الأوّل لأن المعنى فى قولك : أنت ضارب زيدا وضارب زيد سواء. وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشىء كما قال امرؤ القيس :

فظلّ طهاة اللحم من بين منضج صفيف شواء أو قدير معجّل «٤»

فنصب الصفيف وخفض القدير على ما قلت لك.

(٢) وقد قرأ بهذا الحسن وعيسى بن عمر.

(٣) نسبه سيبويه فى الكتاب ١/ ٨٧ إلى رجل من قيس عيلان. وقوله : «ننظره» أي ننتظره.

والشكوة وعاء كالدلو أو كالقربة الصغيرة أو وعاء من أدم يبرد فيه الماء. وفى رواية «و فضة» فى مكان (شكوة) وهى خريطة كالجعبة من الجلد بحمل فيها الراعي متاعه وزاده.

(٤) هذا من معلقته. يصف صيده وما فعل به. والصفيف : اللحم يشرح ، أو هو الذي يغلى إغلاءة ثم يرفع ، أو هو ما صف على الجمر ليشوى. والقدير : ما يطبخ فى القدر.

٩٨

و قوله : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ ... (٩٨)

يعنى فى الرحم «١» وَمُسْتَوْدَعٌ فى صلب الرجل. ويقرأ «٢» فَمُسْتَقَرٌّ يعنى الولد فى الرحم وَمُسْتَوْدَعٌ فى صلب الرجل. ورفعها على إضمار الصفة كقولك : رأيت الرجلين عاقل وأحمق ، يريد منهما كذا وكذا.

(١) كذا فى ج. وفى ش : «الرجل».

(٢) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو. [.....]

٩٩

وقوله : فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ ... (٩٩)

يقول : رزق كل شىء ، يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شىء. وكذا جاء التفسير ، وهو وجه الكلام. وقد يجوز فى العربية أن تضيف النبات إلى كل شىء وأنت تريد بكل شىء النبات أيضا ، فيكون مثل قوله : إِنَّ «٣» هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ واليقين هو الحقّ. وقوله : مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ الوجه الرفع فى القنوان لأن المعنى : ومن النخل قنوانه دانية. ولو نصب : وأخرج من النخل من طلعها قنوانا دانية لجاز فى الكلام ، ولا يقرأ بها لمكان الكتاب «٤».

وقوله : وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ نصب ، إلا أن جمع المؤنث بالتاء يخفض فى موضع النصب ، ولو رفعت «٥» الجنات تتبع «٦» القنوان كان صوابا.

وقوله : وَ«٧» فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ الوجه فيه الرفع ، تجعلها تابعة للقطع. ولو نصبتها وجعلتها تابعة للرواسى والأنهار كان صوابا.

(٣) آية ٩٥ سورة الواقعة.

(٤) يريد الكتابة ورسم المصحف.

(٥) قرأ به الأعمش ، ويروى عن عاصم.

(٦) أي فى الإعراب لا فى حكمه «من النخل». والتقدير : لهم جنات أو ثم جنات.

(٧) آية ٤ سورة الرعد.

و قوله : وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ يريد شجرة الزيتون وشجر الرمان ، كما قال :

وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ «١» يريد أهل القرية.

وقوله : انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ يقول : انظروا إليه أول ما يعقد (وينعه) : بلوغه وقد قرئت (وينعه «٢» ، ويانعه «٣»). فأماقوله : وَيَنْعِهِ فمثل نضجه ، ويانعه مثل ناضجه وبالغه.

(١) آية ٨٢ سورة يوسف.

(٢) وهى قراءة ابن محيصن وابن أبى إسحق.

(٣) وهى قراءة محمد بن السميفع.

١٠٠

وقوله : وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ (١٠٠) إن «٤» شئت جعلت الْجِنَّ تفسيرا للشركاء. وإن شئت جعلت نصبه على :

جعلوا الجنّ شركاء للّه تبارك وتعالى.

وقوله : وَخَرَقُوا : واخترقوا وخلقوا واختلقوا ، يريد : افتروا.

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «و إن شئت».

١٠٢

وقوله : ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (١٠٢) يرفع خالِقُ على الابتداء «٥» ، وعلى أن يكون خبرا. ولو نصبته إذ لم يكن فيه الألف واللام على القطع «٦» كان صوابا ، وهو مثل قوله : غافِرِ «٧» الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ. وكذلك : فاطِرِ «٨» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لو نصبته إذا كان قبله معرفة تامّة جاز ذلك لأنك قد تقول : الفاطر السموات ، الخالق كل شىء ، القابل التوب ، الشديد العقاب. وقد يجوز أن تقول : مررت بعبد اللّه محدّث زيد ، تجعله معرفة وإن حسنت فيه الألف واللام إذا كان قد عرف بذلك ، فيكون مثل قولك : مررت بوحشىّ قاتل حمزة ، وبابن ملجم قاتل علىّ ، عرف به حتى صار كالاسم له.

(٥) وخبره «ذلكم اللّه ربكم» وفى الطبري : «يقول - تعالى ذكره - ، الذي خلق كل شىء وهو بكل شى عليم هو اللّه ربكم».

(٦) يريد نصبه على الحال.

(٧) آية ٣ سورة غافر.

(٨) آية ١ سورة فاطر.

١٠٥

وقوله : وكذلك نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ (١٠٥) يقولون : تعلمت من يهود. وفى قراءة عبد اللّه وليقولوا درس يعنون محمدا صلى اللّه عليه وسلم. وهو كما تقول فى الكلام : قالوا لى : أساء ، وقالوا لى :

أسأت. ومثله : قُلْ «١» لِلَّذِينَ كَفَرُوا سيغلبون وسَتُغْلَبُونَ.

وقرأ بعضهم «٢» (دارست) يريد : جادلت اليهود وجادلوك. وكذلك قال ابن عباس. وقرأها مجاهد (دارست) وفسّرها : قرأت على اليهود وقرءوا عليك.

وقد قرئت «٣» (درست) أي قرئت وتليت. وقرءوا (درست) وقرءوا (درست) يريد : تقادمت ، أي هذا الذي يتلوه علينا شىء قد تطاول ومرّبنا.

(١) آية ١٢ سورة آل عمران. وقراءة الياء (سيغلبون) قراءة حمزة والكسائي وخلف. وقراءة التاء للباقين. وانظر ص ١٩١ من هذا الجزء. [.....]

(٢) من هؤلاء أبو عمرو وابن كثير ، ووافقهما ابن محيصن واليزيدي.

(٣) هى قراءة قتادة والحسن وزيد بن على.

١٠٩

وقوله : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ (١٠٩) المقسمون الكفار. سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم بالآية التي نزلت فى الشعراء إِنْ «٤» نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ

(٤) آية ٤.

والمراد بالآية فى هذه الآية آية كونية ظاهرة يكون العلم عنها ضروريا. والظاهر أن المراد هنا ما يقترحونه من الآيات ، وإن لم تكن ملجئة حتى تنسق مع ختام الآية. وجرى على ذلك البيضاوي.

فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ينزلها وحلفوا ليؤمنن ، فقال المؤمنون :

يا رسول اللّه سل ربك ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : قل للذين آمنوا : وما يشعركم أنهم يؤمنون. فهذا وجه النصب فى أنّ وما يشعركم أنهم يؤمنون (و) نحن نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا ، وقرأ بعضهم :

(إنها) مكسور الألف (إذا جاءت) مستأنفة ، ويجعل قوله (وما يشعركم) كلاما مكتفيا. وهى فى قراءة عبد اللّه : وما يشعركم «١» إذا جاءتهم أنهم لا يؤمنون.

و(لا) فى هذا الموضع «٢» صلة كقوله : وَحَرامٌ «٣» عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ : المعنى : حرام عليهم أن يرجعوا. ومثله : ما مَنَعَكَ «٤» أَلَّا تَسْجُدَ معناه : أن تسجد.

وهى فى قراءة أبىّ : لعلها إذا جاءتهم لا يؤمنون وللعرب فى (لعلّ) لغة بأن يقولوا : ما أدرى أنك صاحبها ، يريدون : لعلك صاحبها ، ويقولون :

ما أدرى لو أنك صاحبها ، وهو وجه جيد أن تجعل (أنّ) فى موضع لعل.

(١) كذا فى ش. وفى ج : «يشعرهم». وهذه القراءة تؤيد قراءة الفتح فى «أنها».

(٢) أي على القراءة الأولى.

(٣) آية ٩٥ سورة الأنبياء.

(٤) آية ١٢ سورة الأعراف.

١١١

وقوله : وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ (١١١) هذا أمر قد كانوا سألوه ، فقال اللّه تبارك وتعالى : لو فعلنا بهم ذلك لم يؤمنوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.

وقوله : (قبلا) جمع قبيل. والقبيل : الكفيل. وإنما اخترت هاهنا أن يكون القبل فى معنى الكفالة لقولهم : أَوْ تَأْتِيَ «٥» بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا يضمنون «٦»

(٥) آية ٩٢ سورة الإسراء.

(٦) كذا فى ج. وفى ش : «يمضون».

ذلك. وقد يكون (قبلا) : من قبل وجوههم كما تقول : أتيتك قبلا ولم آتك دبرا. وقد يكون القبيل «١» جميعا للقبيلة كأنك قلت : أو تأتينا باللّه والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة. ولو قرئت «٢» قبلا على معنى : معاينة كان صوابا ، كما تقول :

أنا لقيته قبلا.

(١) كذا فى ج. وفى ش : «القبيلة».

(٢) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر.

١١٢

وقوله : وكذلك جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (١١٢) نصبت العدوّ والشياطين بقوله : جعلنا.

وقوله : يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ فإن إبليس - فيما ذكر - جعل فرقة من شياطينه مع الإنس ، وفرقة مع الجنّ ، فإذا التقى شيطان «٣» الإنسىّ وشيطان الجنىّ «٤» قال : أضللت صاحبى بكذا وكذا ، فأضلل به صاحبك ، ويقول «٥» له (شيطان «٦» الجنىّ) مثل ذلك. فهذا وحي بعضهم إلى بعض. قال الفراء : حدّثنى بذلك حيان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس.

(٣) كذا فى ج. وفى ش : «شياطين».

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «الجن».

(٥) فى ش ، ج : «تقول». [.....]

(٦) كذا فى ج. وفى ش : «شياطين الجن».

١١٣

وقوله : وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) الاقتراف : الكسب تقول العرب : خرج فلان يقترف «٧» أهله.

 (٧) فى الأساس : «يقترف لعياله». وفى اللسان : «يقترف لعياله». وكأن الحرف سقط هنا توسعا ، والأصل : لأهله ، وإلا فالاقتراف يتعدى إلى المال.

١١٤

وقوله : مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) من الشاكّين أنهم يعلمون أنه منزل من ربك.

١١٦

و قوله : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ (١١٦) فى أكل الميتة يُضِلُّوكَ لأن أكثرهم كانوا ضلّالا. وذلك أنهم قالوا للمسلمين : أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربّكم! فأنزلت هذه الآية وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ.

١١٧

وقوله : هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ (١١٧) (من) فى موضع «١» رفع كقوله : لِنَعْلَمَ «٢» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى إذا كانت (من) بعد العلم والنظر والدراية - مثل نظرت وعلمت ودريت - كانت فى مذهب أىّ. فإن كان بعدها فعل لها رفعتها به ، وإن كان بعدها فعل يقع عليها نصبتها «٣» كقولك :

ما أدرى من قام ، ترفع (من) بقام ، وما أدرى من ضربت ، تنصبها بضربت.

(١) على أنه اسم استفهام ، فهو مبتدأ ، وخبره جملة «يضل». وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب علق عنه العامل. وهذا مبنى على جواز عمل اسم التفضيل فى المفعول به. وهو مذهب كوفى.

والبصريون يأبونه ، ويجعلون «من» معمولا لفعل محذوف ، تقديره : «يعلم».

(٢) آية ١٢ سورة الكهف.

(٣) كذا فى ش. وفى ج : «نصبها».

١٢٠

وقوله : وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ (١٢٠) فأما ظاهره فالفجور والزنى ، وأما باطنه فالمخالّة : «٤» أن تتخذ المرأة الخليل وأن يتخذها.

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «فالمخالفة».

١٢١

وقوله : وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (١٢١) يقول : أكلكم ما لم يذكر اسم اللّه عليه فسق أي كفر. وكنى عن الأكل ، كما قال :

فَزادَهُمْ «٥» إِيماناً يريد : فزادهم قول الناس إيمانا.

(٥) آية ١٧٣ سورة آل عمران. يريد أن الضمير فى قوله : «و إنه لفسق». عائد على الأكل المفهوم من قوله : «و لا تأكلوا» كما فى آية آل عمران هذه ، فإن الضمير المستتر فى «فزادهم» يعود على الفول المفهوم من قوله : «قال لهم الناس».

١٢٢

و قوله : أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (١٢٢) أي كان ضالّا فهديناه.

وقوله : نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يعنى إيمانه.

١٢٤

وقوله : الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ (١٢٤) أي من عند اللّه ، كذلك قال المفسرون. وهو فى العربية كما تقول : سيأتينى رزق عندك ، كقولك : سيأتينى الذي عند اللّه. سيصيبهم «١» الصغار الذي عنده ، ولمحمد صلى اللّه عليه وسلم أن ينزله بهم. ولا يجوز فى العربية أن تقول : جئت عند زيد ، وأنت تريد : من عند زيد.

وقد يكون قوله : صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ أنهم اختاروا الكفر تعزّزا وأنفة من اتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فجعل اللّه ذلك صغارا عنده.

(١) فى ش ، ج : «الواحد».

١٢٥

وقوله : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ (١٢٥) [من «٢»] ومن فى موضع رفع بالهاء التي عادت : يخرج من بعضهما ، ومن أحدهما.

(٢) كذا فى ج. وفى ش : «تقول».

(٣) وهى قراءة أبى بكر والنخعي.

(٤) هى قراءة ابن كثير. ووافقه ابن محيصن. [.....]

(٥) كأنه يريد : فارق حيه أو رفقته.

(٦) أي سادتهم وكبراؤهم الذين يستعاذ بهم.

(٧) آية ١٩ سورة الرحمن.

(٨) آية ٢٢ سورة الرحمن.

صفحة ناقصة

١٣١

و قوله : ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ (١٣١) إن شئت جعلت (ذلك) فى موضع نصب ،

 وجعلت (أن) مما يصلح فيه الخافض فإذا حذفته كانت نصبا. يريد : فعل ذلك أن لم يكن مهلك القرى.

وإن شئت جعلت (ذلك) رفعا على الاستئناف إن لم يظهر الفعل. ومثله :

ذلِكَ «١» بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وذلِكَ «٢» بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ. ومثله : ذلِكَ «٣» لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، وذلِكُمْ «٤» وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ الرفع والنصب فيه كله جائز.

وقوله : مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ يقول : لم يكن ليهلكهم بظلمهم وهم غافلون لمّا يأتهم رسول ولا حجّة. وقوله فى هود : وَما «٥» كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ يقول : لم يكن ليهلكهم بظلمهم ، يقول : بشركهم (وأهلها مصلحون) يتعاطون الحقّ فيما بينهم. هكذا جاء التفسير. وفيها وجه - وهو أحبّ إلىّ من ذا لأن الشرك أعظم الذنوب - والمعنى واللّه أعلم : لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون.

(١) آية ١٠ سورة الحج.

(٢) آية ١٨٢ سورة آل عمران.

(٣) آية ٥٢ سورة يوسف.

(٤) آية ١٨ سورة الأنفال.

(٥) آية ١١٧.

١٣٥

وقوله : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ (١٣٥) (من «٦» تكون له) فى موضع «٧» رفع ، ولو نصبتها «٨» كان صوابا كما قال اللّه تبارك وتعالى : وَاللَّهُ «٩» يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

(٦) ثبت فى ج. وسقط فى ش.

(٧) على أنه اسم استفهام مبتدأ. والفعل معلق.

(٨) على أنه اسم موصول.

(٩) آية ٢٢٠ سورة البقرة.

و قوله : مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إذا «١» كان الفعل فى مذهب مصدر مؤنثا مثل العاقبة ، والموعظة ، والعافية ، فإنك إذا قدّمت فعله قبله أنّثته وذكّرته كما قال اللّه عزّ وجلّ : فَمَنْ «٢» جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ بالتذكير ، وقال «٣» : قَدْ «٤» جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ بالتأنيث. وكذلك وَأَخَذَ «٥» الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وَأَخَذَتِ «٦» فلا تهابنّ من هذا تذكيرا ولا تأنيثا.

(١) يذكر الوجه فى قراءتى «يكون» و«تكون». والأولى قراءة حمزة والكسائي. والثانية قراءة الباقين. [.....]

(٢) آية ٢٧٥ سورة البقرة.

(٣) كذا فى ج. وسقط هذا الفعل فى ش.

(٤) آية ٥٧ سورة يونس.

(٥) آية ٦٧ سورة هود.

(٦) آية ٩٤ سورة هود.

١٣٦

وقوله : هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ (١٣٦) وبرعمهم ، وزعمهم ، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر «٧» الزاى أحد نعلمه. والعرب قد تجعل الحرف فى مثل هذا فيقولون : الفتك «٨» والفتك والفتك ، والودّ والودّ والودّ ، فى أشباه لها. وأجود ذلك ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وفى قراءة عبد اللّه «و هذا لشركائهم» وهو كما تقول فى الكلام : قال عبد اللّه : إنّ له مالا ، وإنّ لى مالا ، وهو يريد نفسه. وقد قال الشاعر :

رجلان من ضبّة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا

و لو قال : أخبرانا أنهما رأيا كان صوابا.

(٧) وإنما قرى بفتحها وضمها. والضمّ قراءة الكسائي ويحيى بن وثاب والسلمى والأعمش ، وهو لغة بنى أسد. والفتح قراءة الباقين ، وهو لغة أهل الحجاز.

(٨) هو مصدر فتك إذا ركب ما هتم به من الأمور ودعت إليه نفسه. وفى ش ، وج : «القتل» وهو تحريف.

١٣٧

و قوله : وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ (١٣٧) وهم قوم كانوا يخدمون آلهتهم ، فزيّنوا لهم دفن البنات وهنّ أحياء. وكان أيضا أحدهم يقول : لئن ولد لى كذا وكذا من الذكور لأنحرنّ واحدا. فذلك قتل أولادهم. والشركاء رفع لأنهم الذين زيّنوا.

وكان بعضهم يقرأ : «و كذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم» فيرفع القتل إذا لم يسمّ فاعله ، ويرفع (الشركاء «١») بفعل ينويه كأنه قال : زيّنه لهم شركاؤهم. ومثلهقوله : يُسَبِّحُ «٢» لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ثم قال : رِجالٌ «٣» لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ. وفى بعض «٤» مصاحف أهل الشام (شركايهم) بالياء ، فإن تكن مثبتة «٥» عن الأوّلين فينبغى أن يقرأ (زيّن) وتكون الشركاء هم الأولاد لأنهم منهم فى النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون (زيّن) فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون : أتيتها عشايا «٦» ثم يقولون فى تثنية (الحمراء «٧» :

حمرايان) فهذا وجه أن يكونوا قالوا : «زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم

(١) كذا فى ج. وسقط فى ش.

(٢) آية ٣٦ سورة النور. وفتح الباء فى «يسبح» قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم.

(٣) آية ٣٧ سورة النور.

(٤) وعليها قراءة ابن عامر.

(٥) كذا فى ج. وفى ش : «على».

(٦) أي يبقون حرف العلة فى الطرف بعد الألف الزائدة على أصله ولا يبدلونه همزة فيقولون بنيت بنايا لا بناء. وانظر فى هذه اللغة اللسان (حمو). وهو يريد أنه اتباعا لهذه اللغة ولما ذكر بعد من قولهم فى تثنية حمراء : حمرايان ينطق بالهمزة ياء. وعلى ذلك فالشركاء يقال فيها الشركاى. ويحمل على هذا ما فى بعض مصاحف أهل الشام.

(٧) فى ش : «أحمر أحمريان» وما هنا عن ج. [.....]

شركايهم» وإن شئت جعلت (زيّن) إذا فتحته فعلا لإبليس ثم تخفض الشركاء بإتباع الأولاد. وليس قول «١» من قال : إنما أرادوا مثل قول الشاعر :

فزججتها متمكّنا زجّ القلوص أبى مزاده «٢»

بشىء. وهذا مما كان يقوله نحويّو أهل الحجاز ، ولم نجد مثله فى العربية.

(١) قيل هذا فى توجيه قراءة ابن عامر ببناء «زين» للمفعول ، ورفع «قتل» ونصب «أولادهم» ، وجرّ «شركائهم».

(٢) قيل المراد : زججت الكتيبة أي دفعتها. والقلوص :

١٣٩

وقوله : وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا (١٣٩) وفى قراءة عبد اللّه «خالص لذكورنا» وتأنيثه لتأنيث الأنعام لأن ما فى بطونها مثلها فأنث لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير (ما) وقد قرأ بعضهم «خالصه لذكورنا» يضيفه إلى الهاء وتكون الهاء لما. ولو نصبت الخالص «٣» والخالصة «٤» على القطع وجعلت خبر ما فى اللام التي فى قوله (لذكورنا) كأنك قلت : ما فى بطون هذه الأنعام لذكورنا خالصا وخالصة كما قال : «و له الدّين واصبا «٥»» والنصب فى هذا الموضع قليل لا يكادون يقولون : عبد اللّه قائما فيها ، ولكنه قياس.

وقوله : وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ إن شئت رفعت «٦» الميتة ، وإن شئت نصبتها «٧» فقلت (ميتة) ولك أن تقول تكن «٨» ويكن بالتاء والياء.

الناقة الفتية ، وأبو مزادة كنية رجل.

(٣ ، ٤) قرأ بنصب الخالص «خالصا» ابن جبير ، وبنصب الخالصة «خالصة» ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير فى رواية ، كما فى البحر.

(٥) آية ٥٢ سورة النحل. وقد ترك جواب لو. وهو محذوف أي لساغ مثلا.

(٦) هو قراءة ابن عامر.

(٧) هى قراءة الباقين بعد ابن عامر وأبى جعفر.

(٨) هى قراءة ابن عامر وأبى جعفر.

و قد تكون الخالصة مصدرا لتأنيثها كما تقول : العاقبة والعافية. وهو مثل قوله :

إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «١».

(١) آية ٤٦ سورة ص.

١٤١

وقوله : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ (١٤١) هذه الكروم ، ثم قال : وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً فى لونه وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ فى طعمه ، منه حلو ومنه حامض.

وقوله : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ هذا لمن حضره من اليتامى والمساكين.

وقوله : وَلا تُسْرِفُوا فى أن تعطوا كله. وذلك أن ثابت «٢» بن قيس خلّى بين الناس وبين نخله ، فذهب «٣» به كله ولم يبق لأهله منه شىء ، فقال اللّه تبارك وتعالى :

وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.

 (٢) هو ثابت بن قيس بن شماس الأنصارىّ الخزرجىّ ، خطيب الأنصار ، قتل فى وقعة اليمامة.

(٣) كذا فى ش. وفى ج : «قد ذهب».

١٤٢

وقوله : وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً (١٤٢) يقول : وأنشأ لكم من الأنعام حمولة ، يريد ما أطاق الحمل والعمل :

و الفرش : الصغار. ثم قال :

١٤٣

و قوله : ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (١٤٣) فإن شئت جعلت الثمانية مردودة على الحمولة. وإن شئت أضمرت لها فعلا «٤».

وقوله : ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ الذكر زوج ، والأنثى زوج ، ولو رفعت «٥» اثنين واثنين

(٤) أي أنشأ.

(٥) وقد قرأ بذلك أبان بن عثمان.

لدخول (من) كان صوابا كما تقول : رأيت القوم منهم قاعد ومنهم قائم ، وقاعدا وقائما.

والمعنى فى قوله : قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ يقول : أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا : من قبل الذكر حرم عليهم كل ذكر ، ولو قالوا : من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى.

ثم قال : أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم؟ فلو قالوا ذلك لحرّم عليهم الذكر والأنثى لأن الرحم يشتمل على الذكر والأنثى. و(ما) فى قوله : «أمّا اشتملت» فى موضع نصب ، نصبته بإتباعه «١» الذكرين والأنثيين.

(١) أي عطفه على ما ذكر.

١٤٤

وقوله : أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا (١٤٤) يقول : أوصّاكم اللّه بهذا معاينة؟

١٤٥

و قوله : قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً (١٤٥) ثم قال جلّ وجهه : إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً وإن شئت (تكون «٢») وفى (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح «٣» الرفع فى القراءة لأنّ الدم منصوب بالردّ على الميتة وفيه ألف تمنع من جواز الرفع. ويجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة ، ثم تردّ «٤» ما بعدها عليها.

(٢) وهى قراءة ابن عامر وأبى جعفر. [.....]

(٣) بل يصلح الرفع ، وقرأ به ابن عامر. وقوله : «أو دما» عطف على موضع «أن يكون» أي على المستثنى.

(٤) كأنه يريد أنه يصح تأنيث (تكون) بالنظر إلى «ميتة» وإن عطف عليها «دما» المذكر ، وهذا كما تقول جاءت هند ومحمد.

و من رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها ، اكتفى بيكون بلا فعل «١». وكذلك (يكون) «٢» فى كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل ، ألا ترى أنك تقول : ذهب الناس إلا أن يكون أخاك ، وأخوك. وإنما استغنت كان ويكون عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعل يكون للاسم. فلما قيل : قام الناس إلا زيدا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كان تامة. ومن نصب : قال كان من عادة كان عند العرب مرفوع ومنصوب ، فأضمروا فى كان اسما مجهولا ، وصيّروا الذي بعده فعلا لذلك المجهول. وذلك جائز فى كان ، وليس ، ولم يزل ، وفى أظنّ وأخواتها : أن تقول (أظنه زيد أخوك «٣» و) أظنّه فيها زيد. ويجوز فى إنّ وأخواتها كقول اللّه تبارك وتعالى : يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ «٤»وكقوله : إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٥» فتذكّر الهاء وتوحّدها ، ولا يجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز فتقول : إنها ذاهبة جاريتك ، وإنه ذاهبة جاريتك.

فإن قلت : كيف جاز التأنيث مع الأنثى ، ولم تجز التثنية مع الاثنين؟

قلت : لأن العرب إنما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره ، فلما جاز وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وَأَخَذَتِ جاز التأنيث ، والتذكير. ولما لم يجز :

قاما أخواك ولا قاموا قومك ، لم يجز تثنيتها ولا جمعها.

فإن قلت : أتجيز تثنيتها فى قول من قال : ذهبا أخواك

 قلت : لا ، من قبل أنّ الفعل واحد ، والألف التي فيها كأنها تدلّ على صاحبى الفعل ، والواو فى الجمع

(١) أي خبر. يريد : جعلها تامة.

(٢) جعل (يكون) فى الآية استثناء ، وجعل ضميرها الضمير المجهول ، وهو ما يسمى ضمير الشأن. وهذا مذهب كوفى. والبصريون يجعلون الضمير فى «يكون» للمطعوم ، ونحوه مما يفهم من المقام.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ج.

(٤) آية ١٦ سورة لقمان.

(٥) آية ٩ سورة النمل.

تدل على أصحاب الفعل ، فلم يستقم أن يكنى عن فعل واسم فى عقدة ، فالفعل واحد أبدا لأن الذي فيه من الزيادات أسماء.

وتقول فى مسألتين منه يستدلّ بهما على غيرهما : إنها أسد جاريتك ، فأنثت لأن الأسد فعل «١» للجارية ، ولو جعلت الجارية فعلا «٢» للأسد ولمثله من المذكر لم يجز إلا تذكير الهاء. وكذلك كل اسم مذكّر شبهته بمؤنث فذكّر فيه الهاء ، وكل مؤنث شبهته بمذكر ففيه تذكير الهاء وتأنيثها فهذه واحدة. ومتى ما ذكّرت فعل مؤنث فقلت : قام جاريتك ، أو طال صلاتك ، (ثم «٣» أدخلت عليه إنه) لم يجز إلا تذكيرها ، فتقول : إنه طال صلاتك فذكّرتها «٤» لتذكير الفعل ، لا يجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل.

وإذا رأيت الاسم مرفوعا بالمحالّ - مثل عندك ، وفوقك ، وفيها - فأنّث وذكّر فى المؤنث ولا تؤنث فى المذكر. وذلك أن الصفة لا يقدر فيها على التأنيث كما يقدر (فى «٥» قام) جاريتك على أن تقول : قامت جاريتك. فلذلك كان فى الصفات الإجراء «٦» على الأصل.

وإذا أخليت كان باسم واحد جاز أن ترفعه «٧» وتجعل له الفعل. وإن شئت أضمرت فيه مجهولا ونصبت ما بعده فقلت : إذا كان غدا فأتنا. وتقول :

اذهب فليس «٨» إلا أباك ، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدا كأنه قال : ليس أحد

(١) أي خبر عنها. وذلك يجعل «جاريتك» مبتدأ مؤخرا ، و«أسد» خبر مقدّم.

(٢) بأن تكون خبرا عن «أسد» ويكون القصد مسبب ية الأسد بالجارية.

(٣) ثبت ما بين القوسين فى ش ، وسقط فى ج.

(٤) كذا فى ش. وفى ج : «ذكرتها».

(٥) كذا فى ج. وفى ش : «مقام».

(٦) كذا فى ج. وفى ش : «للإجراء».

(٧) كذا فى ج. وفى ش : «تعرفه». [.....]

(٨) سقط هذا الحرف فى ش.

إلا أبوك ، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت. ومن قال : إذا كان غدوة فأتنا لم يجز له أن يقول : إذا غدوة كان فأتنا ، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وإذا قرنت بالنكرة فى كان صفة فقلت :

إن كان بينهم شرّ فلا تقربهم ، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كان الوجه الرفع فقلت : إن كان شر بينهم فلا تقربهم ، ويجوز النصب. قال وأنشدنى بعضهم :

فعينىّ هلّا تبكيان عفاقا إذا كان طعنا بينهم وعناقا «١»

فإذا أفردت النكرة بكان اعتدل النصب والرفع. وإذا أفردت المعرفة بكان كان الوجه النصب يقولون : لو كان إلا ظله لخاب ظله. فهذه على ما وصفت لك.

(١) انظر ص ١٨٦ من هذا الجزء.

١٤٦

وقوله : وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما (١٤٦) حرّم عليهم الثّرب «٢» ،

وشحوم الكلى.

ثم قال : إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما و(ما) فى موضع نصب بالفعل بالاستثناء.

و(الحوايا) فى موضع رفع ، تردّها على الظهور : إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا ، وهى المباعر «٣» وبنات «٤» اللبن. والنصب على أن تريد (أو شحوم الحوايا) فتحذف الشحوم وتكتفى بالحوايا كما قال : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ، يريد : واسأل أهل القرية.

وقوله : أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وهى الألية. و(ما) فى موضع نصب.

(٢) هو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش.

(٣) واحدها مبعر ومبعر بفتح الميم وكسرها. وهو حيث يجتمع البعر من الأمعاء.

(٤) بنات اللبن : ما صغر من الأمعاء. وانظر اللسان (هو).

١٥١

و قوله : قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (١٥١) إن شئت جعلت (لا تشركوا) نهيا أدخلت عليه (أن). وإن شئت جعلته خبرا و(تشركوا) فى موضع نصب كقولك : أمرتك ألّا تذهب (نصب) إلى زيد ، وأن لا تذهب (جزم) وإن شئت جعلت ما نسقته على (ألّا تشركوا به) بعضه جزما ونصبا بعضه كما قال : قُلْ «١» إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ ، فنصب أوله ونهى عن آخره كما قال الشاعر :

حجّ وأوصى بسليمى الأعبدا ألّا ترى ولا تكلم أحدا

و لا تمشّ بفضاء بعدا فنوى الخبر فى أوّله ونهى فى آخره. قال : والجزم فى هذه الآية أحبّ إلىّ لقوله :

وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ

. فجعلت أوّله نهيا لقوله : وَأَوْفُوا الْكَيْلَ

.(١) آية ١٤ سورة الأنعام.

١٥٣

وقوله : وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً (١٥٣) تكسر «٢» إنّ إذا نويت الاستئناف ، وتفتحها من وقوع (أتل) عليها. وإن شئت جعلتها خفضا ، تريد ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ.

وقوله : وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ يعنى اليهودية والنصرانية. يقول : لا تتبعوها فتضلوا.

(٢) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

١٥٤

و قوله : ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (١٥٤) تماما على المحسن. ويكون المحسن فى مذهب جمع كما قال : إِنَّ الْإِنْسانَ «١» لَفِي خُسْرٍ. وفى قراءة عبد اللّه تماما على الذين أحسنوا تصديقا لذلك.

وإن شئت جعلت (الذي) على معنى «٢» (ما) تريد : تماما على ما أحسن موسى ، فيكون المعنى : تماما على إحسانه. ويكون (أحسن) مرفوعا «٣» تريد على الذي هو أحسن ، وتنصب (أحسن) هاهنا تنوى بها «٤» الخفض لأن العرب تقول :

مررت بالذي هو خير منك ، وشرّ منك ، ولا يقولون : مررت بالذي قائم لأن (خيرا منك) كالمعرفة إذ لم تدخل فيه الألف واللام. وكذلك يقولون : مررت بالذي أخيك ، وبالذي مثلك ، إذا جعلوا صلة الذي معرفة أو نكرة لا تدخلها الألف واللام جعلوها تابعة للذى أنشدنى الكسائىّ :

إن الزّبيرىّ الذي مثل الحلم مشّى بأسلابك فى أهل العلم «٥»

(١) آية ٢ سورة العصر.

(٢) يريد أن تكون مصدرية.

(٣) وبه قرأ يحيى بن يعمر وابن أبى إسحق كما فى القرطبي.

(٤) سقط فى ش. والخفض على أنه نعت للذى.

(٥) الحلم واحده حلمة ، وهى الصغيرة من القردان أو دودة تقع فى الجلد فتأكله. يريد أن هذا الرجل الضعيف ابترك ثيابك وسلبك.

١٥٥

و قوله : وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (١٥٥) جعلت مباركا من نعت الكتاب فرفعته. ولو نصبته على الخروج «٦» من الهاء فى (أنزلناه) كان صوابا.

(٦) يريد أن يكون حالا.

١٥٦

و قوله : أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ (١٥٦) (أن) فى موضع نصب من مكانين. أحدهما : أنزلناه لئلا تقولوا إنما أنزل. والآخر من قوله : واتقوا أن تقولوا ، (لا) يصلح فى موضع (أن) هاهنا كقوله : يُبَيِّنُ «١» اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا يصلح فيه لا تضلون كما قال : سَلَكْناهُ «٢» فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ.

(١) آية ١٧٦ سورة النساء. [.....]

(٢) آيتا ٢٠٠ ، ٢٠١ سورة الشعراء.

١٥٨

وقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ (١٥٨) لقبض أرواحهم : أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ : القيامة أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ :

طلوع الشمس من مغربها.

١٥٩

وقوله : إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ (١٥٩) قرأها علىّ «٣» (فارقوا) ، وقال : واللّه ما فرّقوه ولكن فارقوه. وهم اليهود والنصارى. وقرأها الناس فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكلّ وجه.

وقوله : لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ يقول من قتالهم فى شىء ، ثم نسختها :

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «٤».

(٣) وهى قراءة حمزة والكسائي.

(٤) آية ٥ سورة التوبة.

١٦٠

وقوله : فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (١٦٠) من خفض يريد : فله عشر حسنات أمثالها. ولو قال هاهنا : فله عشر مثلها يريد عشر حسنات مثلها كان صوابا. ومن قال :

عشر أمثالها جعلهنّ من نعت العشر. و(مثل) يجوز توحيده : أن تقول فى مثله من الكلام : هم مثلكم ، وأمثالكم قال اللّه تبارك وتعالى : إِنَّكُمْ «١» إِذاً مِثْلُهُمْ فوحّد ، وقال : ثُمَّ «٢» لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ فجمع. ولو قلت : عشر أمثالها «٣» كما تقول «٤» : عندى خمسة أثواب لجاز.

وقوله : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ : بلا إله إلا اللّه ، والسيئة : الشّرك.

(١) آية ١٤٠ سورة النساء.

(٢) آية ٣٨ سورة محمد.

(٣) أي بالرفع. وقد قرأ بذلك الحسن وسعيد بن جبير والأعمش.

(٤) سقط فى ج.

١٦١

وقوله : دِيناً قِيَماً (١٦١) و«٥» «قيّما». حدّثنا «٦» محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثنى عمرو بن أبى المقدام عن رجل عن عمران بن حذيفة قال : رآنى أبى حذيفة راكعا قد صوّبت رأسى ، قال ارفع رأسك ، دينا قيما. (دينا قيما) منصوب على المصدر. ومِلَّةَ إِبْراهِيمَ كذلك.

 (٥) الأولى قراءة الكوفيين وابن عامر. والثانية قراءة الباقين.

(٦) هو محمد بن الجهم السمري راوى الكتاب.

١٦٥

وقوله : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ (١٦٥) جعلت أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم خلائف كل الأمم وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فى الرزق (ليبلوكم) بذلك (فيما آتاكم).