سُورَةُ النِّسَاءِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وَسِتٌّ وَسَبْعُونَ آيَةً

 ١

و قوله تبارك وتعالى : الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ... (١)

قال (واحدة) لأن النفس مؤنثة ، فقال : واحدة لتأنيث النفس ، وهو [يعنى ] «١» آدم ، ولو كانت (من نفس واحد) لكان صوابا ، يذهب إلى تذكير الرجل «٢».

وقوله : وَبَثَّ مِنْهُما العرب تقول : بثّ اللّه الخلق : أي نشرهم. وقال فى موضع آخر : كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ «٣» ومن العرب من يقول : أبثّ اللّه الخلق.

ويقولون : بثثتك ما فى نفسى ، وأبثثتك.

وقوله : الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ فنصب الأرحام يريد واتقوا الأرحام أن تقطعوها. قال : حدّثنا الفرّاء قال : حدّثنى شريك بن عبد اللّه عن الأعمش عن إبراهيم «٤» أنه خفض الأرحام ، قال : هو كقولهم : باللّه «٥» والرحم وفيه قبح لأن العرب لا تردّ مخفوضا على مخفوض وقد كنى عنه ، وقد قال الشاعر «٦» فى جوازه «٧» :

(١) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

(٢) وهى قراءة إبراهيم بن أبى عبلة كما فى القرطبي.

(٣) آية ٤ سورة القارعة.

(٤) هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد النخعىّ الكوفىّ. توفى سنة ٩٦ ه. وقراءة الخفض قراءة حمزة وقتادة والأعمش أيضا.

(٥) يريد أن «الأرحام» معطوف على الضمير فى «به».

(٦) هو مسكين الدارمىّ. وانظر العينىّ على هامش الخزانة ٤/ ١٦٤. [.....]

(٧) كذا فى ج ، وفى ش : «جوابه» وهو تحريف.

نعلّق فى مثل السّوارى سيوفنا وما بينها والكعب غوط نفانف «١»

و إنما يجوز هذا فى الشعر لضيقه.

وقرأ بعضهم «٢» تَسائَلُونَ بِهِ يريد : تتساءلون به ، فأدغم التاء عند السين.

(١) السواري جمع السارية وهى الأسطوانة. والغوط : المطمئن من الأرض ، والنفانف جمع النفنف وهو الهواء بين الشيئين. والبيت كناية عن طول قامتهم.

(٢) هم السبعة عدا عاصما وحمزة والكسائىّ.

٢

وقوله : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ... (٢)

يقول : لا تأكلوا أموال اليتامى بدل أموالكم ، وأموالهم عليكم حرام ، وأموالكم حلال.

وقوله : إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً الحوب : الإثم العظم. ورأيت بنى أسد يقولون الحائب : القاتل ، وقد حاب يحوب. وقرأ الحسن (إنه كان حوبا كبيرا)

٣

وقوله : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ ... (٣)

و اليتامى فى هذا الموضع أصحاب الأموال ، فيقول القائل : ما عدل الكلام من أموال اليتامى إلى النكاح؟ فيقال : إنهم تركوا مخالطة اليتامى تحرّجا ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : فإن كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فاحرجوا «٣» من جمعكم «٤» بين النساء ثم لا تعدلون بينهن ، فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ يعنى الواحدة إلى الأربع.

فقال تبارك وتعالى : ما طابَ لَكُمْ ولم يقل : من طاب. وذلك أنه ذهب

 (٣) الحرج : الضيق والقلق. والمراد به الكف عما يوجبه.

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «جمعهم».

إلى الفعل «١» كما قال أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يريد : أو ملك أيمانكم. ولو قيل «٢» فى هذين (من) كان صوابا ، ولكن الوجه ما جاء به الكتاب. وأنت تقول فى الكلام : خذ من عبيدى ما شئت ، إذا أراد مشيئتك ،

فإن قلت : من شئت ، فمعناه : خذ الذي تشاء.

وأما قوله : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فإنها حروف لا تجرى «٣». وذلك أنهن مصروفات «٤» عن جهاتهنّ ألا ترى أنهنّ للثلاث والثلاثة ، وأنهن لا يضفن إلى ما يضاف إليه الثلاثة والثلاث. فكان لا متناعه من الاضافة كأنّ فيه الألف واللام.

وامتنع من الألف واللام لأن فيه تأويل الإضافة كما كان بناء الثلاثة أن تضاف إلى جنسها ، فيقال : ثلاث نسوة ، وثلاثة رجال. وربما جعلوا مكان ثلاث ورباع مثلث ومربع ، فلا يجرى أيضا كما لم يجر ثلاث ورباع لأنه مصروف ، فيه من العلّة ما فى ثلاث ورباع. ومن جعلها نكرة وذهب بها إلى الأسماء أجراها.

والعرب تقول : ادخلوا ثلاث ثلاث ، وثلاثا ثلاثا «٥». وقال الشاعر :

[وإنّ الغلام المستهام بذكره ] قتلنا به من بين مثنى وموحد

بأربعة منكم وآخر خامس وساد مع الإظلام فى رمح معبد «٦»

(١) يريد الحدث والمعنى الذي فى طاب ، ولم يذهب إلى الذوات. ويقرب من هذا ما يذكر من ملاحظة الوصف. وحمل كلام الفرّاء على أن (ما) عنده مصدرية. ويبين عنه قوله : «يريد : أو ملك أيمانكم».

(٢) وهى قراءة إبراهيم بن أبى عبلة كما فى القرطبي.

(٣) الإجراء فى اصطلاح الكوفيين : صرف الاسم وتنوينه ، وعدم الإجراء : منعه من الصرف.

(٤) أي معدولات.

(٥) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

(٦) ساد : لغة فى سادس. ولم يرد الشطر الأول فى أصول الكتاب. وقد جاء فى شرح التسهيل لأبى حيان فى مبحث «ما لا ينصرف».

فوجه الكلام ألّا تجرى وأن تجعل معرفة لأنها مصروفة ، والمصروف خلقته أن يترك «١» على هيئته ، مثل : لكع «٢» ولكاع. وكذلك قوله : أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ «٣».

والواحد يقال فيه موحد وأحاد ووحاد ، ومثنى وثناء وأنشد بعضهم :

ترى النّعرات الزّرق تحت لبانه أحاد ومثنى أصعقتها صواهله «٤»

و قوله : فَواحِدَةً تنصب على : فإن خفتم ألّا تعدلوا على الأربع فى الحبّ والجماع فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم لا وقت «٥» عليكم فيه. ولو قال : فواحدة ، بالرفع كان «٦» كما قال فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ كان صوابا على قولك :

فواحدة (مقنع «٧» ، فواحدة) رضا.

وقوله : ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا : ألّا تميلوا. وهو أيضا فى كلام العرب :

قد عال يعول. وفى قراءة عبد اللّه : (ولا يعل أن يأتينى بهم جميعا) «٨» كأنه فى المعنى :

و لا يشقّ عليه أن يأتينى بهم جميعا. والفقر يقال منه عال يعيل عيلة وقال الشاعر «٩» :

و لا يدرى الفقير متى غناه ولا يدرى الغنىّ متى يعيل

(١) كذا فى ش. وفى ج : «يتركه».

(٢) لكع يقال للئيم ، ولكاع للئيمة ، وهما لا يقالان إلا فى النداء فى مقام السب. ولكع معدول عن ألكع ، ولكاع عن لكعاء.

(٣) آية ١ سورة فاطر. [.....]

(٤) البيت لتميم بن أبى بن مقبل. والنعرات جمع النعرة وهى ذبابة تسقط على الدواب فتؤذيها.

والصواهل وأحدها الصاهلة ، وهو مصدر على فاعلة بمعنى الصهيل. يريد أن صهيلة قتلها. وهو فى وصف فرس. وانظر اللسان (صهل).

(٥) أي لا حدّ لكم فى ملك اليمين.

(٦) هذه الجملة بدل من الجملة قبلها. وجواب الشرط فى قوله : «كان صوابا» أو هى الجواب ، والجملة الأخيرة بدل منها.

والأظهر سقوط «كان».

(٧) ثبت ما بين القوسين فى ج ، وسقط فى ش.

(٨) أي فى قوله تعالى : «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً» آية ٨٣ سورة يوسف.

(٩) هذا هو أحيحة بن الجلاح الأوسىّ. وانظر اللسان (عيل). والبيت من قصيدة فى جمهرة أشعار العرب.

٤

و قوله : وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (٤) يعنى أولياء النساء لا الأزواج : وذلك أنهم كانوا فى الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئا ، فأنزل اللّه تعالى : أعطوهن صدقاتهن نحلة ، يقول : هبة وعطية.

وقوله : فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً. ولم يقل طبن. وذلك «١» أن المعنى - واللّه أعلم - : فإن طابت أنفسهن لكم عن شىء. فنقل الفعل من الأنفس إليهن فخرجت النفس مفسّرة كما قالوا : أنت حسن وجها ، والفعل فى الأصل للوجه ، فلمّا حوّل إلى صاحب الوجه خرج الوجه مفسّرا لموقع الفعل. ولذلك وحّد النفس. ولو جمعت لكان صوابا ومثله ضاق به ذراعى «٢» ، ثم تحول الفعل من الذراع إليك : فتقول «٣» قررت به عينا. قال اللّه تبارك وتعالى : فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً «٤». وقال : سِي ءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً «٥» وقال الشاعر «٦» :

إذا التّيّاز ذو العضلات قلنا إليك إليك ضاق بها ذراعا «٧»

و إنما قيل : ذرعا وذراعا لأن المصدر والاسم فى هذا الموضع يدلّان على معنى واحد ، فلذلك كفى المصدر من الاسم.

(١) أي دون «نفسا».

(٢) كذا فى ح. وفى ش : «ذرعى».

(٣) يبدو أن هذا مرتب على كلام سقط فى النسخ. والأصل : «و تقول : قرت عينك ، ثم نحول الفعل».

(٤) آية ٢٦ سورة مريم.

(٥) آية ٧٧ سورة هود.

(٦) هو القطامي.

(٧) هذا فى أبيات يصف بكرة أحسن القيام عليها حتى قويت وعزت على القوى أن يركيها. والتياز الرجل القوى. وانظر اللسان (تيز).

٥

وقوله : وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ... (٥)

السفهاء : النساء والصبيان الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً يقول التي بها تقومون قواما وقياما. وقرأ نافع المدني (قيما) والمعنى - واللّه أعلم - واحد.

و العرب تقول فى جمع النساء (اللاتي) أكثر مما يقولون (التي) ، ويقولون (التي) ، ويقولون فى جمع الأموال وسائر الأشياء سوى النساء (التي) أكثر مما يقولون فيه «١» (اللاتي).

(١) فى ح ، ش : «فى» والوجه ما أثبت. [.....]

٦

وقوله : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً (٦) يريد : فإن وجدتم. وفى قراءة عبد اللّه «فإن أحستم «٢» منهم رشدا».

فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ يعنى الأوصياء واليتامى.

وقوله : وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا (أن) فى موضع نصب. يقول : لا تبادروا كبرهم.

وقوله : فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ هذا الوصىّ. يقول : يأكل قرضا.

(٢) كذا فى ج. وفى ش : «أحسنتم» وهو محرف عن «أ حسبتم». وهذا ما فى الطبري :

«أحسيتم» أي أحسستم.

٧

وقوله : لِلرِّجالِ نَصِيبٌ (٧) ثم قال اللّه تبارك وتعالى : نَصِيباً مَفْرُوضاً. وإنما نصب النصيب المفروض وهو نعت للنكرة لأنه أخرجه مخرج المصدر. ولو كان اسما صحيحا لم ينصب. ولكنه بمنزلة قولك : لك علىّ حقّ حقّا ، ولا تقول : لك على حقّ درهما. ومثله عندى درهمان هبة مقبوضة. فالمفروض فى هذا الموضع بمنزلة قولك :

فريضة وفرضا.

١٢

وقوله : يُورَثُ كَلالَةً (١٢) الكلالة : ما خلا الولد والوالد.

وقوله : وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ولم يقل : ولهما وهذا جائز إذا جاء حرفان فى معنى «٣» واحد بأو أسندت التفسير إلى أيّهما شئت. وإن شئت ذكرتهما فيه

 (٣) أي حكم.

جميعا تقول فى الكلام : من كان له أخ أو أخت فليصله ، تذهب إلى الأخ (و) «١» فليصلها ، تذهب إلى الأخت. وإن قلت (فليصلهما) فذلك جائز.

وفى قراءتنا إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما «٢» وفى إحدى «٣» القراءتين فاللّه أولى بهم ذهب إلى الجماع لأنهما اثنان غير موقّتين. وفى قراءة عبد اللّه (والذين «٤» يفعلون منكم فآذوهما) فذهب إلى الجمع لأنهما اثنان غير موقتين ، وكذلك فى قراءته :

(والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما) «٥».

وقوله : غَيْرَ مُضَارٍّ يقول : يوصى بذلك غير مضارّ.

ونصب قوله وصية من قوله : فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ - وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ مثل قولك : لك درهمان نفقة إلى أهلك ، وهو مثل قوله نَصِيباً مَفْرُوضاً.

(١) ثبت هذا الحرف فى ج. وسقط فى ش.

(٢) آية ١٣٥ سورة النساء.

(٣) هى قراءة أبى كما فى الطبري وأبى حيان.

(٤) هذا فى الآية ١٦ من هذه السورة.

(٥) هذا فى الآية ٣٨ من سورة المائدة.

١٣

وقوله : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ... (١٣)

معناه : هذه حدود اللّه.

١٥

وقوله : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ... (١٥)

و فى قراءة عبد اللّه واللاتى يأتين بالفاحشة والعرب تقول : أتيت أمرا عظيما ، وأتيت بأمر عظيم ، وتكلمت كلاما قبيحا ، وبكلام قبيح. وقال فى مريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا «٦» وجِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا «٧» ولو كانت فيه الباء لكان صوابا.

وقوله : فأمسكوهن فى البيوت كن يحبسن فى بيوت لهن إذا أتين «٨» الفاحشة حتى أنزل اللّه تبارك وتعالى :

 (٦) آية ٢٧ سورة مريم.

(٧) آية ٨٩.

(٨) كذا فى ج. وفى ش : «أتيت» وهى محرفة عن «أتين».

١٦

قوله : وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما .. (١٦)

فنسخت هذه الأولى.

١٧

وقوله : ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ... (١٧)

يقول : قبل الموت. فمن تاب فى صحّته أو فى مرضه قبل أن ينزل به الموت فتوبته مقبولة.

وقوله : يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ لا يجهلون أنه ذنب ، ولكن لا يعلمون كنه ما فيه كعلم العالم.

١٨

وقوله : وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ... (١٨)

(الذين) فى موضع خفض. يقول : إن أسلم الكافر فى مرضه قبل أن ينزل به الموت كان مقبولا ، فإذا نزل به الموت فلا توبة.

١٩

وقوله : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ... (١٩)

كان الرجل إذا مات عن امرأته وله ولد من غيرها وثب الولد فألقى ثوبه عليها ، فتزوّجها بغير مهر إلا مهر الأول ، ثم أضرّ بها ليرثها ما ورثت من أبيه ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ (تعضلوهن) فى موضع نصب بأن. وهى فى قراءة عبد اللّه (ولا أن تعضلوهنّ) ولو كانت جزما على النهى كان صوابا.

٢١

وقوله : وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ ... (٢١)

الإفضاء أن يخلو بها وإن لم يجامعها.

وقوله مِيثاقاً غَلِيظاً الغليظ الذي أخذنه قوله تبارك وتعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ.

٢٣

و قوله : وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ... (٢٣)

أن فى موضع رفع كقولك : والجمع بين الأختين.

٢٤

وقوله : وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ... (٢٤)

المحصنات : العفائف. والمحصنات : ذوات الأزواج التي أحصنهنّ أزواجهن.

والنصب «١» فى المحصنات أكثر. وقد روى علقمة «٢» : «المحصنات» بالكسر فى القرآن كله إلا قوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ هذا الحرف الواحد لأنها ذات الزوج من سبايا المشركين. يقول : إذا كان لها فى زوج فى أرضها استبرأتها بحيضة وحلّت لك «٣».

وقوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ كقولك «٤» : كتابا من اللّه عليكم. وقد قال بعض أهل النحو : معناه «٥» : عليكم كتاب اللّه. والأوّل أشبه بالصواب. وقلّما تقول العرب :

زيدا عليك ، أو زيدا دونك. وهو جائز كأنه منصوب بشىء مضمر قبله ، وقال الشاعر «٦» :

يا أيّها المائح دلوى دونكا إنى رأيت الناس يحمدونكا «٧»

الدلو رفع ، كقولك : زيد فاضربوه. والعرب تقول : الليل فبادروا ، والليل فبادروا. وتنصب الدلو بمضمر فى الخلفة كأنك قلت : دونك دلوى دونك.

(١) يريد فتح الصاد.

(٢) هو علقمة بن قيس من أعلام التابعين. مات سنة ٦٢.

(٣) كذا فى ح. وفى ش : «ذلك» وهو خطأ.

(٤) يريد أنه منصوب على أنه مفعول مطلق مؤكد لما قبله فإن معنى «حرمت عليكم» كتب عليكم. [.....]

(٥) يريد أن (على) فيه اسم فعل أمر ، و(عليكم) بمعنى الزموا. و(كتاب اللّه) معموله.

(٦) هو جاهلى من بنى أسيد بن عمرو بن تميم. وله قصة فى شرح التبريزي للحماسة ٢٧٠ من طبعة بن.

وانظر الخزانة ٣/ ١٧.

(٧) المائح : اسم فاعل من الميح. وهو أن ينزل البئر فيملأ الدلو وذلك إذا قل ماؤها.

و قوله : وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ يقول : ما سوى ذلكم.

وقوله : وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ «١» يريد : سواه.

وقوله : أَنْ تَبْتَغُوا يكون موضعها رفعا يكون تفسيرا ل (ما) ، وإن شئت كانت خفضا ، يريد : أحل اللّه لكم ماوراء ذلكم لأن تبتغوا. وإذا فقدت الخافض كانت نصبا.

وقوله : مُحْصِنِينَ يقول : أن تبتغوا الحلال غير الزنا. والمسافحة الزنا.

(١) آية ٩١ سورة البقرة.

٢٥

وقوله : ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ... (٢٥)

يقول : إنما يرخص لكم فى تزويج الإماء إذا خاف أحدكم أن يفجر. ثم قال :

و أن تتركوا تزويجهن أفضل.

٢٦

وقوله : يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ... (٢٦)

و قال فى موضع آخر وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ والعرب تجعل اللام التي على معنى كى فى موضع أن فى أردت وأمرت. فتقول : أردت أن تذهب ، وأردت لتذهب ، وأمرتك أن تقوم ، وأمرتك لتقوم قال اللّه تبارك وتعالى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «٢» وقال فى موضع آخر قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ «٣» وقال يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا «٤» وأَنْ يُطْفِؤُا «٥» وإنما صلحت اللام فى موضع أن فى (أمرتك) «٦» وأردت لأنهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان مع الماضي ألا ترى أنك تقول : أمرتك أن تقوم ، ولا يصلح أمرتك أن قمت. فلما رأوا (أن) فى غير

 (٢). ٧١ سورة الأنعام.

(٣) آية ١٤ سورة الأنعام.

(٤) آية ٨ سورة الصف.

(٥) آية ٣٢ سورة التوبة.

(٦) كذا فى ش ، ج. وفى الخزانة ٣/ ٥٨٦ : «أمرت».

هذين تكون للماضى والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكى وباللام التي فى معنى كى. وربما جمعوا «١» بين ثلاثهن أنشدنى أبو ثروان :

أردت لكيما لا ترى لى عثرة ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل «٢»

فجمع (بين «٣» اللام وبين كى) وقال اللّه تبارك وتعالى : لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ «٤» وقال الآخر فى الجمع بينهن :

أردت لكيما أن تطير بقربتى فتتركها شنّا ببيداء بلقع «٥»

و إنما جمعوا بينهنّ لا تفاقهنّ فى المعنى واختلاف لفظهن كما قال رؤبة :

بغير لا عصف ولا اصطراف «٦» وربما جمعوا بين ما ولا وإن التي على معنى الجحد أنشدنى الكسائي فى بعض البيوت : (لا ما إن رأيت مثلك) فجمع بين ثلاثة أحرف.

وربما جعلت العرب اللام مكان (أن) فيما أشبه (أردت وأمرت) مما يطلب المستقبل أنشدنى الأنفىّ»

من بنى أنف الناقة من بنى سعد :

(١) كذا فى ش. وفى ج : «رجعوا».

(٢) ورد هذا البيت فى شواهد الهمع ٢/ ٥. وفيه : «ترانى عشيرتى» فى مكان : «ترى لى عثرة». وفى الخزانة فى الموطن السابق : «لكيما أن» فى مكان : «لكيما». وفى التذييل لأبى حيان :

«أرادت» فى مكان «أردت».

(٣) فى الخزانة : «بين اللام وكى وأن». والجمع بين الثلاثة يأتى فى البيت الآتي.

(٤) آية ٢٣ سورة الحديد.

(٥) الشنّ : القربة البالية. والبلقع : القفر. وانظر الخزانة ٣/ ٥٨٥. [.....]

(٦) قبله :

قد يطلب المال الهدان الجافي

و الهدان : الأحمق الثقيل فى الحرب. والعصف : الكسب. والاصطراف : افتعال من الصرف وهو التقلب والتصرف فى ابتغاء الكسب.

(٧) فى الخزانة ٣/ ٥٨٦ : «أبو الجرّاح الأنفى». وأنف الناقة من تميم.

ألم تسأل الأنفىّ يوم يسوقنى ويزعم أنى مبطل القول كاذبه

أحاول إعناتى بما قال أم رجا ليضحك منى أو ليضحك صاحبه

و الكلام : رجا أن يضحك منى. ولا يجوز : ظننت لتقوم. وذلك أن (أن) التي تدخل مع الظنّ تكون مع الماضي من الفعل. فتقول : أظن (أن قد) «١» قام زيد ، ومع المستقبل ، فتقول : أظنّ أن سيقوم زيد ، ومع الأسماء فتقول : أظنّ أنك قائم. فلم تجعل اللام فى موضعها ولا كى فى موضعها إذ لم تطلب المستقبل وحده.

وكلما رأيت (أن) تصلح مع المستقبل والماضي فلا تدخلنّ عليها كى ولا اللام.

(١) كذا فى الخزانة ، وفى الطبرىّ. وفى ش : «أقدم». وفى ج : «أن تقدم» وكل هذا تحريف.

٣٠

وقوله : فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً ... (٣٠)

و تقرأ : نصليه «٢» ، وهما لغتان ، وقد قرئتا ، من صليت وأصليت. وكأنّ صليت : تصليه على النار ، وكأنّ أصليت : جعلته يصلاها.

(٢) هى قراءة الأعمش والنخعىّ على ما فى البحر ٣/ ٢٣٣ ، وقراءة حميد بن قيس ، على ما فى القرطبي ٥/ ٢٥٣.

٣١

وقوله : وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (٣١) ومدخلا «٣» ، وكذلك : أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ «٤» وإدخال صدق. ومن قال : مدخلا ومخرجا ومنزلا فكأنه بناه «٥» على : أدخلنى دخول صدق

(٣) وهى قراءة نافع وأبى جعفر. والضم قراءة أبى عمرو وأكثر الكوفيين.

(٤) آية ٨٠ سورة الإسراء.

(٥) يريد أنه مصدر جاء على الفعل الثلاثي المفهوم من الرباعي.

و أخرجنى خروج صدق. وقد يكون إذا كان مفتوحا أن يراد به المنزل بعينه كما قال : رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً «١» ولو فتحت الميم كانت كالدار والبيت. وربما فتحت العرب الميم منه ، ولا يقال فى الفعل منه إلا أفعلت. من ذلك قوله :

بمصبح الحمد وحيث يمسى «٢» وقال الآخر «٣» :

الحمد للّه ممسانا ومصبحنا بالخير صبّحنا ربى ومسّانا

و أنشدنى المفضّل.

وأعددت للحرب وثّابة جواد المحثّة والمرود «٤»

فهذا مما لا يبنى على فعلت ، وإنما يبنى على أرودت. فلمّا ظهرت الواو فى المرود «٥» ظهرت فى المرود كما قالوا : مصبح وبناؤه أصبحت لا غير.

(١) آية ٢٩ سورة المؤمنون.

(٢) «يمسى» كذا فى ش ، ج ، واللسان (صبح). وفى الطبري : «نمسى».

(٣) هو أمية بن أبى الصلت. وانظر الخزانة ١/ ١٢٠.

(٤) هذا من قصيدة لامرئ القيس. ويريد بالوثابة فرسا. وجواد المحثة أي سريعة إذا استحثثتها فى السير. وكذلك هى جواد عند المرود ، أي عند الرفق بها ، فهى جواد فى كل أحوالها. والمرود من أرود فى السير إذا رفق ولم يعنف. وقد روى بضم الميم وفتحها وانظر اللسان (رود).

(٥) كذا فى ش ، ج. يريد أن المرود - بضم الميم - المبنى على أرود صحت الواو فيه حملا على فعله ، فصحت أيضا فى المرود - بفتح الميم - لحمله على المضموم. وقد يكون : «أرود».

٣٢

وقوله : وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ (٣٢) ليس هذا بنهي محرّم إنما هو من اللّه أدب. وإنما قالت أم سلمة وغيرها :

ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى

وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ وقد جاء «١» : لا يتمنين أحدكم مال أخيه ، ولكن ليقل :

اللهمّ ارزقني ، اللهمّ أعطنى.

(١) أي فى الأثر. وقد نسب القرطبي قريبا من هذا الأثر إلى الكلبي ، ولم نقف عليه فى الحديث.

٣٤

وقوله : فَالصَّالِحاتُ (٣٤) وفى قراءة عبد اللّه فالصوالح قوانت «٢» تصلح فواعل وفاعلات فى جمع فاعلة.

وقوله : بِما حَفِظَ اللَّهُ القراءة بالرفع. ومعناه : حافظات لغيب أزواجهن بما حفظهن اللّه حين أوصى بهن الأزواج. وبعضهم يقرأ بِما حَفِظَ اللَّهُ فنصبه على أن يجعل الفعل واقعا كأنك قلت : حافظات للغيب بالذي يحفظ اللّه كما تقول : بما أرضى اللّه ، فتجعل الفعل لما ، فيكون فى مذهب مصدر. ولست أشتهيه لأنه ليس بفعل لفاعل معروف ، وإنما هو كالمصدر.

وقوله : فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا يقول : لا تبغوا عليهن عللا.

وقوله : وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ جاء التفسير أن معنى تخافون : تعلمون.

وهى كالظن لأن الظانّ كالشاكّ والخائف قد يرجو. فلذلك ضارع الخوف الظنّ والعلم ألا ترى أنك تقول للخبر يبلغك : أما واللّه لقد خفت ذاك ، وتقول : ظننت ذلك ، فيكون معناهما واحدا. ولذلك قال الشاعر :

و لا تدفننّى بالفلاة فإننى أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها «٣»

و قال الآخر :

أتانى كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلّام أنك عائبى

 (٢) فى القرطبي زيادة : «حوافظ». [.....]

(٣) انظر ص ١٤٦ من هذا الجزء. وانظر أيضا الخزانة ٣/ ٥٥٠.

كأنه قال : وما ظننت أنك عائبى. ونقلنا فى الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم قال : أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن. كقولك : حتى ظننت لأدردن «١».

(١) انظر الموطن السابق.

٣٥

وقوله : فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها (٣٥) يقول : حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة ليعلما من أيهما جاء النشوز.

فينبغى للحكم «٢» أن يأتى الرجل فينتظر ما عنده هل يهوى المرأة ، فإن قال : لا واللّه مالى فيها حاجة ، علم أن النشوز جاء من قبله. ويقول حكم المرأة لها مثل ذلك ، ثم يعلماهما «٣» جميعا على قدر ذلك ، فيأتيا الزوج فيقولا : أنت ظالم أنت ظالم اتق اللّه ، إن «٤» كان ظالما. فذلك قوله إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إذا فعلا هذا الفعل.

(٢) سقط فى ش.

(٣) فى ش ، ج : «يعلمهما» والوجه ما أثبت.

(٤) كذا فى ش ، ج. وفى ا : «إذ».

٣٦

وقوله : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (٣٦) أمرهم بالإحسان إلى الوالدين. ومثله وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً «٥» ولو رفع الإحسان «٦» بالباء «٧» إذ لم يظهر الفعل كان صوابا كما - تقول فى الكلام : أحسن إلى أخيك ، وإلى المسيء الإساءة.

(٥) آية ٢٣ سورة الإسراء.

(٦) ثبت فى أ، ج. وسقط فى ش.

(٧) يريد أن يكون «إحسان» بالرفع مبتدأ خبره (بالوالدين). وقد قرأ بالرفع ابن أبى عيلة كما فى القرطبي.

وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى بالخفض. وفى بعض (مصاحف «١» أهل الكوفة وعتق المصاحف) ذا القربى مكتوبة بالألف. فينبغى لمن قرأها على الألف أن ينصب والجار ذا القربى فيكون مثل قوله حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى يضمر «٢» فعلا يكون النصب به.

وَ الْجارِ الْجُنُبِ : الجار الذي ليس بينك وبينه قرابة وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ :

الرفيق وَابْنِ السَّبِيلِ : الضيف.

(١) فى أبدل ما بين القوسين : «المصاحف».

(٢) نحو أخص ، أو أكرموا.

٣٨

وقوله : فَساءَ قَرِيناً (٣٨) بمنزلة قولك : نعم رجلا ، وبئس رجلا. وكذلك وَساءَتْ مَصِيراً «٣» وكَبُرَ مَقْتاً «٤» وبناء نعم وبئس ونحوهما أن ينصبا ما وليهما من النكرات ، وأن يرفعا ما يليهما من معرفة غير موقّتة وما أضيف إلى تلك المعرفة. وما أضيف إلى نكرة كان فيه الرفع والنصب.

فإذا مضى الكلام بمذكر قد جعل خبره مؤنثا مثل : الدار منزل صدق ، قلت :

نعمت منزلا ، كما قال (وساءت مصيرا) «٥» وقال حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً «٦» ولو قيل :

و ساء مصيرا ، وحسن مرتفقا ، لكان صوابا كما تقول : بئس المنزل النار ، ونعم المنزل الجنة. فالتذكير والتأنيث على هذا ويجوز : نعمت المنزل دارك ، وتؤنث فعل المنزل لما كان وصفا للدار. وكذلك تقول : نعم الدار منزلك ، فتذكّر فعل الدار إذ كانت وصفا للمنزل. وقال ذو الرمّة :

 (٣) آية ٩٧ سورة النساء.

(٤) آية ٣ سورة الصف.

(٥) آية ٩٧ سورة النساء.

(٦) آية ٣١ سورة الكهف. [.....]

أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة دعائم الزّور نعمت زورق البلد «١»

و يجوز أن تذكر الرجلين فتقول بئسا رجلين ، وبئس رجلين ، وللقوم : نعم قوما ونعموا قوما. وكذلك الجمع من «٢» المؤنث. وإنما وحّدوا الفعل وقد جاء بعد الأسماء لأن بئس ونعم دلالة على مدح أو ذمّ لم يرد منهما مذهب الفعل ، مثل قاما وقعدا.

فهذا فى بئس ونعم مطرد كثير. وربما قيل فى غيرهما مما هو فى معنى بئس ونعم.

وقال بعض العرب : قلت أبياتا جاد أبياتا ، فوحّد فعل البيوت. وكان الكسائىّ يقول : أضمر «٣» حاد بهن أبياتا ، وليس هاهنا مضمر إنما هو الفعل وما فيه.

وقوله : وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «٤» إنما وحد الرفيق وهو صفة لجمع لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب به العرب إلى الواحد وإلى الجمع. فلذلك قال وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ولا يجوز فى مثله من الكلام أن تقول : حسن أولئك رجلا ، ولا قبح أولئك رجلا ، إنما يجوز أن توحد صفة الجمع إذا كان اسما مأخوذا من فعل ولم يكن اسما مصرحا مثل رجل وامرأة ، ألا ترى أن الشاعر قال :

و إذا هم طعموا فألأم طاعم وإذا هم جاعوا فشرّ جياع «٥»

(١) هذا من قصيدة له فى مدح بلال بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري. ويريد بالحرة ناقة كريمة. والثبجاء : الضخمة الثبج - بالتحريك - وهو الصدر ، يريد أنها عظيمة الجوف ، والعيطل :

الطويلة العنق. والمجفرة : العظيمة الجنب الواسعة الجوف. وأراد بدعائم الزور قوائمها. وهو منصوب من «مجفرة» على التشبيه بالمفعول به. والبلد : المفازة. جعلها زورقا وسفينة على التشبيه كما يقال :

الإيل سفن الصحراء. وانظر الخزانة ٤/ ١١٩.

(٢) كذا فى أ، ح. وفى ش : «بين».

(٣) يريد أن الفاعل عنده محذوف وهو (بهن) والباء زائدة. والفراء يرى أن الفاعل ضمير مستتر فى الفعل.

(٤) آية ٦٩ سورة النساء.

(٥) انظر ص ٣٣ من هذا الجزء.

و قوله : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ «١» كذلك ، وقد رفعها بعضهم ولم يجعل قبلها ضميرا تكون الكلمة خارجة من ذلك المضمر. فإذا نصبت فهى «٢» خارجة من قوله وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً أي كبرت هذه كلمة.

(١) آية ٥ سورة الكهف.

(٢) يريد أن فاعل «كبرت» ضمير تقديره (هى) يعود على المقالة المفهومة من قوله : «قالوا اتخذ اللّه ولدا» والبصريون يجعلون الفاعل ضميرا يعود على التمييز «كلمة».

٤٠

وقوله : وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ... (٤٠)

ينصب الحسنة ويضمر فى (تك) اسم مرفوع. وإن شئت رفعت «٣» الحسنة ولم تضمر شيئا. وهو مثل قوله وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ «٤»

(٣) وهى قراءة الحسن والحرميين : نافع وابن كثير ، كما فى البحر ٣/ ٢٥١.

(٤) آية ٢٨٠ سورة البقرة.

٤٢

و قوله : يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ... (٤٢)

(وتسوى) «٥» ومعناه : لو يسوون بالتراب. وإنما تمنّوا ذلك لأن الوحوش وسائر الدواب يوم القيامة يقال لها «٦» : كونى ترابا ، ثم يحيا أهل الجنة ، فإذا رأى ذلك الكافرون «٧» قال بعضهم لبعض : تعالوا فلنقل إذا سئلنا : واللّه ما كنا مشركين ،

 (٥) يحتمل أن يريد : (تسوى) بفتح التاء وتشديد السين والواو ، وهى قراءة نافع وابن عامر وأن يريد (تسوى) بفتح التاء والسين مخففة وشد الواو ، وهى قراءة حمزة والكسائي. وهذا الوجه أقرب لأنهما كوفيان كالفراء ، فهما أقرب إلى ما يريد.

(٦) ثبت فى أ، ج. وسقط فى ش.

(٧) كذا فى ش ، ج ، وفى أ: «الكافر».

فإذا سئلوا فقالوها «١» ختم على أفواههم وأذن لجوارحهم فشهدت عليهم. فهنالك يودّون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا اللّه حديثا. فكتمان الحديث هاهنا فى التمني «٢».

ويقال : إنما المعنى : يومئذ «٣» لا يكتمون اللّه حديثا ويودون لو تسوى بهم الأرض.

(١) كذا فى ش ، ج. وفى أ: «قالوها».

(٢) أي داخل فى المتمنى ، إذ هو معطوف على : «لو تسوى بهم الأرض» الذي هو معمول الودادة. [.....]

(٣) يريد أن هذه الجملة مستأنفة وليست متعلقا للودادة. وقد أخر فى التفسير الجملة الأولى عن هذه ليبين عن استقلالها ، وأنها ليست من تابع الأولى.

٤٣

وقوله : لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ... (٤٣)

نزلت فى نفر من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلّم شربوا وحضروا الصلاة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم قبل تحريم الخمر. فأنزل اللّه تبارك وتعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ، ولكن صلّوها فى رحالكم.

ثم قال وَلا جُنُباً أي لا تقربوها جنبا حَتَّى تَغْتَسِلُوا.

ثم استثنى فقال إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ يقول : إلا أن تكونوا مسافرين لا تقدرون على الماء ثم قال فَتَيَمَّمُوا والتيمم : أن تقصد الصعد الطيّب حيث كان. وليس التيمم إلا ضربة للوجه وضربة لليدين للجنب وغير الجنب.

٤٤

وقوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا ... (٤٤)

أَ لَمْ تَرَ فى عامة القرآن : ألم تخبر. وقد يكون فى العربية : أما ترى ، أما تعلم.

٤٦

و قوله : مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ... (٤٦)

إن شئت جعلتها متصلة بقوله (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ، من الذين هادوا يحرفون الكلم) وإن شئت كانت «١» منقطعة منها مستأنفة ، ويكون المعنى : من الذين هادوا من يحرفون الكلم. وذلك من كلام العرب : أن يضمروا (من) فى مبتدأ الكلام. فيقولون : منّا يقول ذلك ، ومنا لا يقوله. وذلك أن (من) بعض لما هى منه ، فلذلك أدّت عن المعنى المتروك قال اللّه تبارك وتعالى :

وَ ما «٢» مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وقال وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها «٣» وقال ذو الرمة :

فظلّوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يثنى دمعة العين بالهمل «٤»

يريد : منهم من دمعه سابق. ولا يجوز إضمار (من) فى شىء من الصفات إلا على المعنى «٥» الذي نبأتك به ، وقد قالها الشاعر فى (فى) ولست أشتهيها ، قال «٦» :

لو قلت ما فى قومها لم تأثم يفضلها فى حسب وميسم «٧»

و يروى أيضا (تيثم) لغة. وإنما جاز ذلك فى (فى) لأنك تجد معنى (من) أنه بعض ما أضيفت إليه ألا ترى أنك تقول فينا صالحون وفينا دون ذلك ، فكأنك قلت : منا ، ولا يجوز أن تقول : فى الدار يقول ذلك وأنت تريد فى الدار من يقول ذلك ، إنما يجوز إذا أضفت (فى) إلى جنس المتروك.

(١) كذا فى أ، ج ، وفى ش : «كان».

(٢) آية ١٦٤ سورة الصافات.

(٣) آية ٧١ سورة مريم.

(٤) قبله :

بكيت على مىّ بها إذ عرفتها وهجت الهوى حتى بكى القوم من أجلى

و انظر الديوان ٤٨٥

(٥) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «هذا».

(٦) أي حكيم بن معية. وانظر الخزانة ٢/ ٣١١.

(٧) «تأثم» كذا فى ا ، ش. وفى ج : «تألم».

و قوله : لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ يعنى : ويقولون (وراعنا) يوجهونها إلى شتم محمد صلى اللّه عليه وسلّم. فذلك اللىّ.

وقوله : (وأقوم) أي أعدل.

٤٧

وقوله : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها ... (٤٧)

فيه قولان أحدهما : أن يحوّل الوجه إلى القفا ، والآخر : أن يجعل الوجه منبتا للشعر كما كان وجه القرد كذلك. فهو ردّه على دبره لأن منابت شعر الآدميين فى أدبارهم ، (وهذا) «١» أشبه بالصواب لقوله أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ يقول : أو نسلخهم «٢» قردة.

(١) كذا فى ش ، ج. وفى أ: «فهذا».

(٢) لسلخ : كشط الجلد عن الحيوان ، فسلخهم إزالة إهابهم الآدمي ومظهرهم البشرى.

وجعلهم قردة. ولعل هذا محرف عن : «نمسخهم».

٤٨

وقوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ... (٤٨)

فإن شئت جعلتها «٣» فى مذهب خفض ثم تلقى الخافض فتنصبها يكون فى مذهب جزاء كأنك قلت : إن اللّه لا يغفر ذنبا مع شرك ولا عن شرك.

(٣) يريد «أن يشرك» أي المصدر المؤول فيها. والوجه الظاهر أنه مفعول «لا يغفر».

٤٩

وقوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ... (٤٩)

جاءت اليهود بأولادها إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلّم فقالوا «٤» : هل لهؤلاء ذنوب؟

قال : لا ، قالوا : فإنا مثلهم ما عملناه بالليل كفّر عنا بالنهار ، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل. فذلك تزكيتهم أنفسهم.

(٤) كذا فى ج ، ش. وفى ا : «فقال».

و قوله : وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا الفتيل هو ما فتلت بين إصبعيك من الوسخ ، ويقال : هو الذي فى بطن النواة.

٥١

وقوله : يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ... (٥١)

فأما الجبت فحيىّ بن أخطب. والطاغوت كعب بن الأشرف.

وقوله : أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) النقير : النقطة فى ظهر النواة. و(إذا) إذا استؤنف بها الكلام نصبت الفعل الذي فى أوله الياء أو التاء أو النون أو الألف فيقال : إذا أضربك ، إذا أجزيك. فإذا كان فيها فاء أو واو أو ثمّ أو (أو) حرف من حروف النسق ، فإن شئت كان معناها معنى الاستئناف فنصبت بها أيضا. وإن شئت جعلت الفاء أو الواو إذا كانتا منها منقولتين «١» عنها إلى غيرها. والمعنى فى قوله (وإذا لا يؤتون) على : فلا يؤتون الناس نقيرا إذا. ويدلك على ذلك أنه فى المعنى - واللّه أعلم - جواب لجزاء مضمر ، كأنك قلت : ولئن كان لهم ، أو ولو كان لهم نصيب لا يؤتون الناس إذا نقيرا. وهى فى قراءة عبد اللّه منصوبة فإذا لا يؤتوا الناس نقيرا وإذا رأيت الكلام تامّا مثل قولك : هل أنت قائم؟ ثم قلت : فإذا أضربك ، نصبت بإذا ونصبت بجواب الفاء ونويت النقل. وكذلك الأمر والنهى يصلح فى إذا وجهان : النصب بها ونقلها «٢». ولو شئت رفعت بالفعل إذا نويت النقل فقلت :

(١) يريد بنقل حرف العطف عن «إذا» تقديره مقرونا بالفعل بعدها ، وتقدير «إذا» فى آخر الجملة - وبذلك تتأخر عن الصدر فتلغى.

(٢) يكون النصب بوقوع تقدير النقل فى الجواب بعد الفا. [.....]

إيته فإذا يكرمك ، تريد فهو يكرمك إذا ، ولا تجعلها جوابها. وإذا كان قبلها جزاء وهى له جواب قلت : إن تأتنى إذا أكرمك. وإن شئت : إذا أكرمك وأكرمك فمن جزم أراد أكرمك إذا. ومن نصب نوى فى إذا فاء تكون جوابا فنصب الفعل بإذا. ومن رفع جعل إذا منقولة إلى آخر الكلام كأنه قال :

فأكرمك إذا «١». وإذا رأيت فى جواب إذا اللام فقد أضمرت لها (لئن) أو يمينا أو (لو). من ذلك قوله عزّ وجل مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ «٢» والمعنى - واللّه أعلم - : لو كان [معه ] «٣» فيهما إله لذهب كل إله بما خلق. ومثله وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ ، وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا «٤» ومعناه : لو فعلت لا تخذوك. وكذلك قوله كِدْتَ تَرْكَنُ «٥» ثم قال : إِذاً لَأَذَقْناكَ ، معناه لو ركنت لأذقناك إذا. وإذا أوقعت (إذا) على يفعل وقبله اسم بطلت فلم تنصب فقلت : أنا إذا أضربك. وإذا كانت فى أوّل الكلام (إن) نصبت يفعل ورفعت فقلت : إنى إذا أو ذيك. والرفع جائز أنشدنى بعض العرب :

لا تتركنّى فيهم شطيرا إنى إذا أهلك أو أطيرا «٦»

(١) هذا خلاف مذهب البصريين فليس عندهم إلا الجزم.

(٢) آية ٩١ سورة المؤمنون.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

(٤) آية ٧٣ سورة الإسراء.

(٥) آية ٧٤ من السورة السابقة.

(٦) الشطير : الغريب. وانظر الخزانة ٣ - ٥٧٤.

٥٤

و قوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... (٥٤)

هذه اليهود حسدت النبي صلى اللّه عليه وسلّم كثرة النساء ، فقالوا : هذا يزعم أنه نبىّ وليس له هم إلا النساء.

فأنزل اللّه تبارك وتعالى فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وفى آل إبراهيم سليمان بن داود ، وكان له تسعمائة امرأة ، ولداود مائة امرأة.

فلما تليت عليهم هذه الآية كذّب بعضهم وصدّق بعضهم.

٥٥

وهو قوله : فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ ... (٥٥)

بالنبإ عن سليمان وداود وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ بالتكذيب والإعراض.

٧١

وقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً ... (٧١)

يقول : عصبا «١». يقول إذا دعيتم إلى السرايا ، أو دعيتم لتنفروا جميعا.

(١) هذا تفسير «ثبات». وواحده ثبة.

٧٢

وقوله : وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ ... (٧٢)

اللام التي فى (من) دخلت لمكان (إنّ) كما تقول : إنّ فيها لأخاك.

ودخلت اللام فى (ليبطّئنّ) وهى صلة لمن على إضمار شبيه باليمين كما تقول فى الكلام : هذا الذي ليقومنّ ، وأرى رجلا ليفعلنّ ما يريد. واللام فى النكرات إذا وصلت أسهل دخولا منها فى من وما والذي لأن الوقوف عليهن لا يمكن.

و المذهب فى الرجل والذي واحد إذا احتاجا إلى صلة. وقوله : وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ «١» من ذلك ، دخلت اللام فى (ما) لمكان إنّ ، ودخلت فى الصلة كما دخلت فى ليبطئن. ولا يجوز ذلك فى عبد اللّه ، وزيد أن تقول : إن أخاك ليقومنّ لأن الأخ وزيدا لا يحتاجان إلى صلة ، ولا تصلح اللام أن تدخل فى خبرهما وهو متأخر لأن اليمين إذا وقعت بين الاسم والخبر بطل جوابها كما تقول : زيد واللّه يكرمك ، ولا تقول زيد واللّه ليكرمك.

(١) آية ١١١ سورة هود. والقراءة التي أوردها لمؤلف بتشديد (إن) وتخفيف ميم (لما) قراءة أبى عمرو والكسائىّ.

٧٣

وقوله : يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ... (٧٣)

العرب تنصب ما أجابت بالفاء فى ليت لأنها تمنّ ، وفى التمني معنى يسّرنى أن تفعل فأفعل. فهذا نصب كأنه منسوق كقولك فى الكلام : وددت أن أقوم فيتبعنى الناس. وجواب صحيح يكون لجحد ينوى فى التمنّى لأنّ ما تمنّى مما قد مضى فكأنه مجحود ألا ترى أن قوله يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فالمعنى : أكن معهم فأفوز. وقوله فى الأنعام يا لَيْتَنا»

نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ هى فى قراءة عبد اللّه بالفاء نردّ فلا نكذب بآيات ربّنا فمن قرأها كذلك جاز النصب على الجواب ، والرفع على الاستئناف «٣» ، أي فلسنا نكذب. وفى قراءتنا بالواو. فالرفع فى قراءتنا أجود من النصب ، والنصب «٤» جائز على الصرف كقولك : لا يسعنى شىء ويضيق عنك.

(٢) آية ٢٧.

(٣) وهى قراءة نافع وأبى عمرو وابن كثير والكسائي.

(٤) وهى قراءة حمزة ، وحفص عن عاصم.

٧٥

وقوله : وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ... (٧٥)

و (المستضعفين) فى موضع خفض.

و قوله : الظَّالِمِ أَهْلُها خفض (الظالم) لأنه نعت للأهل ، فلما أعاد الأهل على القرية كان فعل ما أضيف إليها بمنزلة فعلها كما تقول : مررت بالرجل الواسعة داره ، وكما تقول : مررت برجل حسنة عينه. وفى قراءة عبد اللّه : «أخرجنا من القرية التي كانت ظالمة». ومثله مما نسب الظلم إلى القرية وإنما الظلم لأهلها فى غير موضع من التنزيل. من ذلك وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها «١» ومنه قوله :

وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها «٢» معناه : سل أهل القرية.

(١) من ذلك آية ٤ سورة الأعراف.

(٢) آية ٨٢ سورة يوسف.

٧٨

وقوله : فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ... (٧٨)

يشدّد ما كان من جمع مثل قولك : مررت بثياب مصبّغة وأكبش مذبّحة.

فجاز التشديد لأن الفعل متفرق «٣» فى جمع. فإذا أفردت الواحد من ذلك فإن كان الفعل يتردّد فى الواحد ويكثر جاز فيه التشديد والتخفيف مثل قولك : مررت برجل مشجّج ، وبثوب ممزّق جاز التشديد لأن الفعل قد تردد فيه وكثر.

وتقول : مررت بكبش مذبوح ، ولا تقل مذبح «٤» لأن الذبح لا يتردّد كتردّد التخرق ، وقوله : وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ «٥» يجوز فيه التشديد لأن التشييد «٦» بناء فهو يتطاول ويتردّد. يقاس على هذا ما ورد.

 (٣) كذا فى أ، ح. وفى ش : «مفرق». [.....]

(٤) كذا فى ا. وفى ش : «تقول».

(٥) آية ٤٥ سورة الحج.

(٦) فى ا ، ح ، وش : «التشديد» وهو تحريف عما أثبت.

و قوله : وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ... (٧٨)

و ذلك أن اليهود لمّا أتاهم النبىّ صلى اللّه عليه وسلّم بالمدينة قالوا : ما رأينا رجلا أعظم شؤما من هذا نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا. فقال اللّه تبارك وتعالى :

إن أمطروا وأخصبوا قالوا «١» : هذه من عند اللّه ، وإن غلت أسعارهم قالوا : هذا من قبل محمد (صلى اللّه عليه وسلّم).

يقول اللّه تبارك وتعالى : قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

وقوله : فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ (فمال) كثرت فى الكلام ، حتى توهّموا أن اللام متصلة ب (ما) وأنها حرف فى بعضه. ولا تصال القراءة لا يجوز الوقف على اللام لأنها لام خافضة.

(١) كذا فى أ. وفى ح ، ش : «فقالوا».

٨١

وقوله : طاعَةٌ (٨١) الرفع على قولك : منّا طاعة ، أو أمرك طاعة. وكذلك قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ

«٢» معناه - واللّه أعلم - : قولوا : سمع وطاعة. وكذلك التي فى سورة محمد صلى اللّه عليه وسلّم فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ «٣» ليست بمرتفعة ب (لهم). هى مرتفعة على الوجه الذي ذكرت لك. وذلك أنهم أنزل عليهم الأمر بالقتال فقالوا :

سمع وطاعة ، فإذا فارقوا محمّدا صلى اللّه عليه وسلّم غيّروا قولهم. فقال اللّه تبارك وتعالى فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وقد يقول بعض النحويين : وذكر فيها القتال ،

(٢) آية ٥٣ سورة النور.

(٣) آيتا ٢٠ ، ٢١.

و ذكرت «١» (طاعة) وليست فيها واو فيجوز هذا الوجه. ولو رددت الطاعة وجعلت كأنها تفسير للقتال جاز رفعها ونصبها أمّا النصب فعلى : ذكر فيها القتال بالطاعة أو على الطاعة. والرفع على : ذكر فيها القتال ذكر فيها طاعة.

وقوله : بَيَّتَ طائِفَةٌ القراءة أن تنصب التاء ، لأنها على جهة فعل.

وفى قراءة عبد اللّه : «بيّت مبيّت منهم» غير الذي تقول. ومعناه : غيّروا ما قالوا وخالفوا. وقد جزمها حمزة وقرأها بيّت طائفة. جزمها لكثرة الحركات ، فلما سكنت التاء اندغمت فى الطاء.

(١) يريد فى هذا الوجه أن تكون «طاغة» عطفا على «القتال» فى قوله : «و ذكر فيها القتال» وقد أفسد هذا بأنه ليس فى الآية عاطف.

٨٣

وقوله : وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ... (٨٣)

هذا نزل فى سرايا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم يبعثها ، فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون إلى الاستخبار عن حال السرايا ، ثم أفشوه قبل أن يفشيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم أو يحدّثه «٢» ، فقال أَذاعُوا بِهِ يقول أفشوه. ولو لم يفعلوا حتى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم الذي يخبر به لكان خيرا لهم ، أو ردّوه إلى أمراء «٣» السرايا. فذلك قوله وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.

وقوله : لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا قال المفسرون معناه : لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا. ويقال : أذاعوا به إلا قليلا. وهو أجود الوجهين لأن علم السرايا

 (٢) أي يحدّث به. يقال : حدثه الحديث وحدثه به.

(٣) كذا فى أ. وفى ش ، ح : «أمر».

إذا ظهر علمه المستنبط وغيره ، والإذاعة قد تكون فى بعضهم دون بعض. فلذلك استحسنت الاستثناء من الإذاعة.

٨٥

وقوله : يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها ... (٨٥)

الكفل : الحظّ. ومنه قوله : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ «١» معناه : نصيبين.

وقوله : وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً المقيت : المقدّر والمقتدر ، كالذى يعطى كل رجل قوته. وجاء فى الحديث : كفى بالمرء (إثما) «٢» أن يضيع من يقيت ، ويقوت «٣».

(١) آية ٢٨ سورة الحديد.

(٢) ثبت فى أ، ج ، وسقط فى ش.

(٣) كذا فى أ، ج ، وفى ش : «يقيت» بفتح الياء.

٨٦

وقوله : وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها ... (٨٦)

أي زيدوا عليها كقول القائل : السلام عليكم ، فيقول : وعليكم ورحمة اللّه.

فهذه الزيادة أَوْ رُدُّوها قيل هذا للمسلمين. وأما أهل الكتاب فلا يزادون على :

و عليكم.

٨٨

وقوله : فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ... (٨٨)

إنما كانوا تكلّموا فى قوم هاجروا إلى المدينة من مكة ، ثم ضجروا منها واستوخموها «٤» فرجعوا سرّا إلى مكة. فقال بعض المسلمين : إن لقيناهم قتلناهم وسلبناهم ، وقال بعض المسلمين : أتقتلون قوما على دينكم أن استوخموا المدينة فجعلهم اللّه منافقين ، فقال اللّه فما لكم مختلفين فى المنافقين. فذلك قوله (فئتين).

 (٤) كذا فى ش ، ج. وفى أ: «استوخموا المدينة».

ثم قال تصديقا لنفاقهم وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا

فنصب (فئتين) بالفعل «١» ، تقول : مالك قائما ، كما قال اللّه تبارك وتعالى فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ «٢» فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة يجوز فى الكلام أن تقول :

مالك الناظر فى أمرنا ، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما.

وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة كما تنصب كان وأظنّ لأنهن نواقص فى المعنى وإن ظننت أنهن تامّات.

ومثل مال ، ما بالك ، وما شأنك. والعمل فى هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير. ولا تقل : ما أمرك القائم ، ولا ما خطبك القائم ، قياسا عليهن لأنهن قد كثرن ، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل ألا ترى أنهم قالوا :

أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه فى شىء من الكلام.

وقوله : وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا يقول : ردّهم إلى الكفر. وهى «٣» فى قراءة عبد اللّه وأبىّ واللّه ركسهم.

(١) يريد به متعلق الجارّ والمجرور. [.....]

(٢) آية ٣٦ سورة المعارج.

(٣) يريد أن الثلاثىّ لغة فيه.

٩٠

وقوله : إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ... (٩٠)

يقول : إذا واثق القوم النبىّ صلى اللّه عليه وسلّم ألّا يقاتلوه ولا يعينوا عليه ، فكتبوا صلحا لم يحلّ قتالهم ولا من اتّصل بهم ، فكان رأيه فى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم كرأيهم فلا يحلّ قتاله. فذلك قوله (يصلون) معناه : يتصلون بهم.

و قوله أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ، يقول : ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم. فذلك معنى قوله حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أي ضاقت صدورهم.

وقد قرأ الحسن «حصرة صدورهم» ، والعرب تقول : أتانى ذهب عقله ، يريدون قد ذهب عقله. وسمع الكسائىّ بعضهم يقول : فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير «١». فإذا رأيت فعل بعد كان ففيها قد مضمرة «٢» ، إلا أن يكون مع كان جحد فلا تضمر فيها (قد مع جحد) «٣» لأنها توكيد والجحد لا يؤكّد ألا ترى أنك تقول :

ما ذهبت ، ولا يجوز ما قد ذهبت.

(١) ذات التنانير : عقبة بحذاء زبالة.

(٢) انظر ص ٢٤ من هذا الجزء.

(٣) زيادة فى ش ، ج.

٩١

وقوله : سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ (٩١) معناه : أن يأمنوا فيكم ويأمنوا فى قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم فى أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا.

٩٢

وقوله : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (٩٢) مرفوع على قولك : فعليه تحرير رقبة. والمؤمنة : المصلّية المدركة. فإن «٤» لم يقل : رقبة مؤمنة ، أجزأت الصغيرة التي لم تصلّ ولم تبلغ.

وقوله : فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ كان الرجل يسلم فى قومه وهم كفّار فيكتم إسلامه ، فمن قتل وهو غير معلوم إسلامه من هؤلاء أعتق قاتله رقبة ولم تدفع ديته إلى الكفار فيقووا بها على أهل الإسلام. وذلك إذا «٥» لم

 (٤) كذا فى ش. وفى أ، ج : «فإذا».

(٥) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «أنه».

يكن بين قومه وبين النبىّ صلى اللّه عليه وسلّم عهد. فإن كان عهد جرى مجرى المسلم.

٩٤

وقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا (٩٤) (فتثبّتوا «١» - قراءة عبد اللّه بن مسعود وأصحابه. وكذلك التي فى الحجرات «٢». ويقرأان :

فتثبّتوا) وهما متقاربتان «٣» فى المعنى. تقول للرجل : لا تعجل بإقامة حتى تتبين وتتثبت.

وقوله : وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ذكروا أنه رجل سلّم على بعض سرايا المسلمين ، فظنّوا أنه عائذ بالإسلام وليس بمسلم فقتل. وقرأه العامة : السلم. والسلم : الاستسلام والإعطاء بيده.

(١) ثبت ما بين القوسين فى أ. وسقط فى ش ، ح.

(٢) آية ٦.

(٣) كذا فى أ، ج. وفى ش : «مقاربتان».

٩٥

وقوله : لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (٩٥) يرفع «٤» (غير) لتكون كالنعت للقاعدين كما قال : صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ وكما قال أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ «٥» وقد ذكر أن (غير) نزلت بعد أن ذكر فضل المجاهد على القاعد ، فكان الوجه فيه الاستثناء والنصب»

. إلا أنّ اقتران (غير) بالقاعدين يكاد يوجب الرفع لأن الاستثناء ينبغى

 (٤) كذا فى ش ، ج. وفى أ: «ترفع».

(٥) آية ٣١ سورة النور.

(٦) وهو قراءة نافع وابن عامر والكسائىّ.

أن يكون بعد التمام. فتقول «١» فى الكلام : لا يستوى المحسنون والمسيئون إلا فلانا وفلانا. وقد يكون نصبا على أنه حال كما قال : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ «٢» ولو قرئت خفضا «٣» لكان وجها : تجعل «٤» من صفة المؤمنين.

(١) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «فيقول». [.....]

(٢) آية ١ سورة المائدة.

(٣) وقد قرأ بذلك الأعمش وأبو حيوة ، كما فى البحر ٣/ ٣٣٠.

(٤) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «تجعلوا».

٩٧

وقوله : إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ (٩٧) إن شئت جعلت تَوَفَّاهُمُ فى موضع نصب «٥». ولم تضمر تاء مع التاء ، فيكون مثل قوله إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا «٦» وإن شئت جعلتها رفعا تريد : إن الذين تتوفاهم الملائكة. وكل موضع اجتمع فيه تاءان جاز فيه إضمار إحداهما مثل قوله لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

«٧» ومثل قوله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ «٨».

(٥) يريد أن يكون (توفى) فى «توفاهم» فعلا ماضيا ، فيكون مبنيا على الفتح ، وعبر عن الفتح بالنصب.

(٦) آية ٧٠ سورة البقرة.

(٧) من ذلك ما فى آية ١٥٢ سورة الأنعام.

(٨) آية ٥٧ سورة هود.

٩٨

وقوله : إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ (٩٨) فى موضع نصب على الاستثناء من مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ «٩».

(٩) أي فى الآية السابقة.

١٠٠

وقوله : يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً (١٠٠) ومراغمة مصدران. فالمراغم : المضطرب والمذهب فى الأرض.

١٠٢

و قوله : فَلْتَقُمْ ... (١٠٢)

و كلّ لام أمر إذا استؤنفت ولم يكن قبلها واو ولا فاء ولا ثمّ كسرت. فإذا كان معها شىء من هذه الحروف سكّنت. وقد تكسر مع الواو على الأصل.

وإنما تخفيفها مع الواو كتخفيفهم (وهو) قال ذاك ، (وهى) قالت ذاك. وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون : ليقم زيد ، ويجعلون اللام منصوبة فى كل جهة كما نصبت تميم لام كى إذا قالوا : جئت لآخذ حقّى.

وقوله : طائِفَةٌ أُخْرى ولم يقل : آخرون ثم قال لَمْ يُصَلُّوا ولم يقل :

فلتصل. ولو قيل : «فلتصل» كما قيل «أخرى» لجاز ذلك. وقال فى موضع آخر :

وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «١» ولو قيل : اقتتلتا فى الكلام كان صوابا.

وكذلك قوله هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ «٢» ولم يقل : اختصما. وقال فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ «٣» وفى قراءة أبىّ «عليه الضلالة». فإذا ذكرت اسما مذكّرا لجمع جاز جمع فعله وتوحيده كقول اللّه تعالى وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ «٤». وقوله : أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ «٥» وكذلك إذا كان الاسم مؤنّثا وهو لجمع جعلت فعله كفعل الواحدة الأنثى مثل الطائفة والعصبة والرفقة. وإن شئت جمعته فذكّرته على المعنى. كلّ ذلك قد أتى فى القرآن.

(١) آية ٩ سورة الحجرات.

(٢) آية ١٩ سورة الحج.

(٣) آية ٣٠ سورة الأعراف.

(٤) آية ٥٦ سورة الشعراء.

(٥) آية ٤٤ سورة القمر.

١٠٤

و قوله : وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ ... (١٠٤)

قال بعض المفسّرين : معنى ترجون : تخافون. ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد. فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف ، وكان الرجاء كذلك كقوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ «١» :

هذه : للذين لا يخافون أيام اللّه ، وكذلك قوله : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً «٢» :

لا نحافون للّه عظمة. وهى لغة حجازية. وقال الراجز :

لا ترتجى حين تلاقى الذائدا أسبعة لاقت معا أم واحدا «٣»

و قال الهدلىّ «٤» :

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها فى بيت نوب عوامل

و لا يجوز : رجوتك وأنت تريد : خفتك ، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك.

وقوله : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً

(١) آية ١٤ سورة الجاثية. [.....]

(٢) آية ١٣ سورة نوح.

(٣) كأن هذا فى وصف إبل. والذائد وصف من ذاد الإبل إذا طردها وساقها ودفعها.

(٤) هو أبو ذؤيب. فقوله : لم يرج لسعها : أي لم يخفه ولم يباله. و«خالفها» أي دخل عليها وأخد عسلها مراغما لها وهى لا تشتهى ذلك. ويروى «حالفها» أي لازمها. والنوب. النحل ، و«عوامل» أي تعمل فى الأكل من الثمار والزهر. ويروى «عواسل» أي ذوات عسل.

١١٢

(١١٢) يقال : كيف قال «به» وقد ذكر الخطيئة والإثم؟.

وذلك جائز أن يكنى عن الفعلين وأحدهما مؤنّث بالتذكير والتوحيد ، ولو كثر لجاز الكناية عنه بالتوحيد لأن الأفاعيل يقع عليها فعل واحد ، فلذلك جاز.

فإن شئت ضممت الخطيئة والإثم فجعلته كالواحد. وإن شئت جعلت الهاء للإثم

خاصّة كما قال وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «١» فجعله للتجارة. وفى قراءة عبد اللّه وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضّوا إليها فجعله للتجارة فى تقديمها وتأخيرها. ولو أتى بالتذكير فجعلا كالفعل الواحد لجاز. ولو ذكّر على نيّة اللهو لجاز. وقال إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما «٢» فثنّى. فلو أتى فى الخطيئة واللهو والإثم والتجارة مثنى لجاز. وفى قراءة أبىّ إن يكن غنىّ أو فقير فاللّه أولى بهم وفى قراءة عبد اللّه إن يكن غنىّ أو فقير فاللّه أولى بهما فأما قول أبىّ (بهم) «٣» فإنه كقوله وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ «٤» ذهب إلى الجمع ، كذلك جاء فى قراءة أبىّ ، لأنه قد ذكرهم جميعا ثم وحّد الغنىّ والفقير وهما فى مذهب الجمع كما تقول : أصبح الناس صائما و«٥» مفطرا ، فأدّى اثنان عن معنى الجمع.

(١) آية ١١ سورة الجمعة.

(٢) آية ١٣٥ سورة النساء.

(٣) ثبت فى ش ، ج. وسقط فى أ.

(٤) آية ٢٦ سورة النجم.

(٥) كذا فى ش ، ج. وفى أ: «أو».

١١٣

وقوله : لَهَمَّتْ طائِفَةٌ ...

(١١٣)

يريد : لقد همت طائفة فأضمرت «٦».

وقوله : أَنْ يُضِلُّوكَ

: يخطّئوك فى حكمك.

(٦) أى حذفت (قد).

١١٤

وقوله : لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ... (١١٤)

(من) فى موضع خفض ونصب الخفض : إلا فيمن أمر بصدقة. والنجوى هنا رجال كما قال وَإِذْ هُمْ نَجْوى «٧» ومن جعل النجوى فعلا كما قال

(٧) آية ٤٧ سورة الإسراء.

ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ «١» ف (من) حينئذ فى موضع رفع. وأما النصب فأن تجعل النجوى فعلا. فإذا استثنيت الشيء من خلافه كان الوجه النصب ، كما قال الشاعر «٢» :

وقفت فيها أصيلانا أسائلها عيّت جوابا وما بالربع من أحد «٣»

إلا الأوارىّ لأيا ما أبيّنها والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد «٤»

و قد يكون فى موضع رفع وإن ردّت على خلافها كما قال الشاعر «٥» :

و بلد ليس به أنيس إلا اليعافير وإلّا العيس «٦»

(١) آية ٧ سورة المجادلة.

(٢) هو النابغة الذبيانىّ.

(٣) هذا ثانى أبيات قصيدة مدح بها النعمان بن المنذر ، واعتذر له فيها وكان واجدا عليه ومطلعها :

يا دارمية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد

و أصيلان تصغير أصيل وهو العشىّ.

(٤) الأوارىّ جمع الآرى وهو محبس الدابة. والنؤى : الحفير حول الخيمة أو الخباء يمنع الماء.

والمظلومة : الأرض التي قد حفر فيها فى غير موضع الحفر. والجلد : الأرض الغليظة. [.....]

(٥) هوجران العود النميرىّ. وانظر العيني على هامش الخزانة ٣/ ١٠٧.

(٦) اليعافير جمع اليعفور ، وهو ولد الظبية. والعيس جمع أعيس وعيساء وهما وصفان من العيسة ، بكسر العين. وهو بياض يخالطه شقرة. أراد بها بقر الوحش.

١١٧

و قوله : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً ... (١١٧)

يقول : اللات والعزّى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. وقد قرأ ابن عباس إن يدعون من دونه إلا أثنا جمع الوثن فضم الواو فهمزها ، كما قال وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ «٧»

 (٧) آية ١١ سورة المرسلات.

و قد قرئت إن يدعون من دونه إلا أنثا جمع الإناث ، فيكون مثل جمع الثمار والثمر كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ «١».

(١) آية ١٤١ سورة الأنعام. والقراءة التي ذكرها قراءة حمزة والكسائي وخلف. ووافقهم الأعمش. والباقون يفتحون الثاء والميم. وانظر إتحاف فضلاء البشر ٢١٤

١١٨

وقوله : نَصِيباً مَفْرُوضاً ... (١١٨)

جعل اللّه له عليه السبيل فهو كالمفروض.

١١٩

وقوله : وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ... (١١٩)

و فى قراءة أبىّ «و أضلهم وأمنّيهم».

١٢٥

وقوله : وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا ... (١٢٥)

يقول القائل : ما هذه الخلّة؟ فذكر أنّ إبراهيم صلى اللّه عليه وسلّم كان يضيف الضيفان ويطعم الطعام ، فأصاب الناس سنة جدب فعزّ الطعام. فبعث إبراهيم صلى اللّه عليه وسلّم إلى خليل له بمصر كانت الميرة من عنده ، فبعث غلمانه معهم الغرائر والإبل ليميره ، فردّهم وقال : إبراهيم لا يريد هذا لنفسه ، إنما يريده لغيره. قال :

فرجع غلمانه «٢» ، فمرّوا ببطحاء «٣» لينة. فاحتملوا من رملها فملئوا الغرائر استحياء من أن يردّوها فارغة ، فردّوا على إبراهيم صلى اللّه عليه وسلّم فأخبروه الخبر وامرأته نائمة ، فوقع عليه «٤» النوم همّا ، وانتبهت والناس على الباب يلتمسون الطعام «٥». فقالت للخبّازين : افتحوا هذه الغرائر واعتجنوا ، ففتحوها فإذا أطيب طعام ، فعجنوا واختبزوا. وانتبه

 (٢) كذا فى ج. وفى ش : «غلامه».

(٣) البطحاء : مسيل واسع فيه دقاق الحصى.

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «قائمة».

(٥) هو هنا القمح.

إبراهيم صلى اللّه عليه وسلّم فوجد ريح الطعام ، فقال : من أين هذا؟ فقالت امرأة إبراهيم صلى اللّه عليه وسلّم : هذا من عند خليلك المصرىّ. قال فقال إبراهيم :

هذا من عند خليلى اللّه لا من عند خليلى المصرىّ. قال : فذلك خلّته.

١٢٧

وقوله : قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى ... (١٢٧)

(معناه : «١» قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى). فموضع (ما) رفع كأنه «٢» قال : يفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم. وإن شئت جعلت ما فى موضع خفض «٣» : يفتيكم اللّه فيهنّ وما يتلى عليكم غيرهنّ.

وقوله : وَالْمُسْتَضْعَفِينَ فى موضع خفض ، على قوله «٤» : يفتيكم فيهنّ وفى المستضعفين. وقوله : وَأَنْ تَقُومُوا (أن) موضع خفض على قوله : ويفتيكم فى أن تقوموا لليتامى بالقسط.

(١) ثبت ما بين القوسين فى ج ، وسقط فى ش.

(٢) يريد أنه معطوف على فاعل «يفتيكم» وهو يعود على لفظ الجلالة. وسوّغ ذلك الفصل بقوله : «فيهنّ».

(٣) وهذا لا يجيزه البصريون لأنهم يوجبون فى العطف على الضمير المخفوض إعادة الخافض.

(٤) يريد أنه معطوف على الضمير فى «فيهنّ».

١٢٨

وقوله : خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ... (١٢٨)

و النشوز يكون من قبل المرأة والرجل. والنشوز هاهنا من الرجل «٥» لامن المرأة.

ونشوزه أن تكون تحته المرأة الكبيرة فيريد أن يتزوّج عليها شابّة فيؤثرها فى القسمة والجماع. فينبغى له أن يقول للكبيرة : إنى أريد أن أتزوّج عليك شابّة وأوثرها عليك ، فإن هى رضيت صلح ذلك له ، وإن لم ترض فلها من القسمة ما للشابّة.

 (٥) كذا فى ج ، وفى ش : «الرجال».

و قوله : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ إنما عنى به الرجل وامرأته الكبيرة.

ضنّ الرجل بنصيبه من الشابة ، وضنّت الكبيرة بنصيبها منه «١». ثم قال : وإن رضيت بالإمرة «٢».

(١) فى ش ، ج : «منها» وهو غير مناسب للمقام. [.....]

(٢) الإمرة : الإمارة والولاية. أي رضيت بسلطان الزوج عليها إذا أعطى نصيبها ضرتها.

والأقرب أن يكون هذا محرّفا عن : «بالأثرة» أي إيثار الزوج عليها ضرتها. وقوله : «و إن رضيت» شرط جوابه «فلا تميلوا».

١٢٩

وقوله : فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ... (١٢٩)

إلى الشابة ، فتهجروا الكبيرة كل الهجر فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وهى فى قراءة أبىّ (كالمسجونة).

١٣٥

وقوله : كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ ... (١٣٥)

هذا فى إقامة الشهادة على أنفسهم وعلى الوالدين والأقربين. ولا تنظروا فى غنى الغنىّ ولا فقر الفقير فإن اللّه أولى بذلك.

فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى [أَنْ تَعْدِلُوا] فرارا «٣» من إقامة الشهادة. وقد يقال :

لا تتبعوا الهوى لتعدلوا كما تقول : لا تتبعنّ هواك لترضى ربك ، أي إنى أنهاك عن هذا كيما ترضى ربك. وقوله وَإِنْ تَلْوُوا وتلوا ، قد قرئتا جميعا «٤». ونرى الذين قالوا (تلوا) أرادوا (تلؤوا) فيهمزون الواو لانضمامها ، ثم يتركون الهمز فيتحوّل إعراب «٥» الهمز إلى اللام فتسقط الهمزة. إلا أن يكون المعنى فيها : وإن تلوا ذلك ، يريد : تتولّوه أَوْ تُعْرِضُوا عنه : أو تتركوه ، فهو وجه.

 (٣) هذا على أن (أن) فى (أن تعدلوا) فى معنى لئلا كما هو عند الكوفيين ، أو على تقدير خشية ، كما هو عند غيرهم. وأما المعنى الثاني فعلى تقدير لام الجر داخلة على (أن تعدلوا).

(٤) فالثانية قراءة ابن عامر وحمزة ، ووافقهما الأعمش. والأولى قراءة الباقين.

(٥) يريد حركتها ، وهى الضمّ.

١٣٧

و قوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ... (١٣٧)

و هم الذين آمنوا بموسى ثم كفرا من بعده بعزيز ، ثم آمنوا بعزيز وكفروا بعيسى «١». وآمنت اليهود بموسى وكفرت بعيسى.

ثم قال : [ثُمَ ] ازْدادُوا كُفْراً يعنى اليهود : ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلّم.

(١) كذا فى ج. وفى ش : «بموسى».

١٤١

وقوله : أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ ... (١٤١)

جزم. ولو نصبت «٢» على تأويل الصرف كقولك فى الكلام : ألم نستحوذ عليكم وقد منعناكم ، فيكون مثل قوله وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «٣» وهى فى قراءة أبىّ ومنعناكم من المؤمنين فإن شئت جعلت «و منعناكم» فى تأويل «و قد كنا منعناكم» وإن شئت جعلته مردودا على تأويل الم كأنه قال : أما «٤» استحوذنا عليكم ومنعناكم. وفى قراءة أبىّ ألم تنهيا عن تلكما الشّجرة وقيل لكما «٥».

(٢) أي «نمنعكم» وبه قرأ ابن أبى عبلة. كما فى البحر ٣/ ٣٧٥.

(٣) آية ١٤٢ سورة آل عمران.

(٤) سقط فى ش ، وثبت فى ج.

(٥) فى آية ٢٢ سورة الأعراف.

١٤٥

وقوله : فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (١٤٥) يقال الدرك «٦» ، والدرك ، أي أسفل درج فى النار.

 (٦) وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائىّ وخلف. وفتح الراء قراءة الباقين.

١٤٦

و قوله : فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ... (١٤٦)

جاء فى التفسير : من المؤمنين.

١٤٨

وقوله : لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ... (١٤٨)

و ظلم «١». وقد يكون مِنَ فى الوجهين نصبا على الاستثناء على الانقطاع من الأوّل. وإن شئت جعلت مِنَ رفعا إذا قلت ظُلِمَ فيكون «٢» المعنى :

لا يحبّ اللّه أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم. وهو الضيف إذا أراد النزول على رجل فمنعه فقد ظلمه ، ورخّص له أن يذكره بما فعل لأنه منعه حقّه.

ويكون لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ كلاما تاما ، ثم يقول : إلا الظالم فدعوه ، فيكون مثل قول اللّه تبارك وتعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا «٣» فإن الظالم لا حجّة له ، وكأنه قال إلا من ظلم فخلّوه. وهو مثل قوله فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ «٤» ثم استثنى فقال إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ «٥» فالاستثناء من قوله إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ وليست فيه أسماء. وليس الاستثناء «٦» من قوله لَسْتَ عَلَيْهِمْ

(١) وهى قراءة زيد بن أسلم وابن أبى إسحاق وابن جبير وعطاء بن السائب.

(٢) فيكون «من ظلم» على هذا مرفوعا بالجهر. وفى البحر ٣/ ٣٨٢ : «و حسن ذلك كون الجهر فى حيز النفى ، وكأنه قيل : لا يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم» وردّ الطبرىّ هذا الوجه بأن الجهر لم يتوجه عليه النفى ، ولم يكتف بوقوعه فى حيز النفى.

(٣) آية ١٥٠ سورة البقرة.

(٤) آية ٢١ سورة الغاشية. [.....]

(٥) آية ٢٣ سورة الغاشية.

(٦) كذا فى ش. وفى ج : «استثناء» وكأنه لا يرى هذا الاستثناء لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مسيطر فى دعوته على الجميع. ويرى بعضهم هذا الاستثناء ، ويجعل هذا آية موادعة نسخت بآية السيف. وانظر البحر ٨/ ٤٦٥.

بِمُصَيْطِرٍ ومثله ممّا يجوز أن يستثنى (الأسماء «١» ليس قبلها) شىء ظاهر قولك :

إنى لأكره الخصومة والمراء ، اللهم إلّا رجلا يريد بذلك اللّه. فجاز استثناء الرجل ولم يذكر قبله شىء من الأسماء لأن الخصومة والمراء لا يكونان إلا بين الآدميّين.

(١) سقط ما بين القوسين فى ج.

١٥٥

وقوله : قُلُوبُنا غُلْفٌ (١٥٥) أي «٢» أوعية للعلم تعلمه «٣» وتعقله ، فما لنا لا نفهم ما يأتى به (محمد صلى اللّه عليه وسلّم) فقال اللّه تبارك وتعالى بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا.

(٢) جعل «غلف» جمع غلاف. وأصله غلف بضم للام فسكن للتخفيف. ويجعله بعضهم جمع أغلف ، وهو المغطى خلقة ، ويكون هذا كقوله تعالى : «وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ».

(٣) كذا فى ش. وفى ج : «تفهمه».

١٥٧

وقوله : وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ ... (١٥٧)

الهاء هاهنا لعيسى صلى اللّه عليه وسلّم.

وقوله وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً الهاء هاهنا للعلم ، كما تقول قتلته علما ، وقتلته يقينا ، للرأى والحديث والظنّ.

١٥٩

وقوله : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ... (١٥٩)

معناه : من ليؤمننّ به قبل موته. فجاء التفسير بوجهين أحدهما أن تكون الهاء فى موته لعيسى ، يقول : يؤمنون إذا أنزل «٤» قبل موته ، وتكون الملّة والدين واحدا.

 (٤) كذا فى ش. وفى ج : «نزل».

و يقال : يؤمن كل يهودىّ بعيسى عند موته «١». وتحقيق ذلك فى قراءة أبىّ إلا ليؤمننّ به قبل موتهم.

(١) هذا هو الوجه الآخر. والهاء فى (موته) على هذا ترجع إلى «من ليؤمن».

١٦٣

وقوله : إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ... (١٦٣)

كما أوحينا إلى كلهم.

١٦٤

وقوله : وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ ... (١٦٤)

نصبه من جهتين. يكون من قولك : كما أوحينا إلى رسل من قبلك ، فإذا ألقيت (إلى) والإرسال «٢» اتصلت بالفعل فكانت نصبا كقوله يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «٣» ويكون نصبا من (قصصناهم).

ولو كان رفعا كان صوابا بما عاد من ذكرهم. وفى قراءة أبىّ بالرفع ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم عليك.

(٢) كذا ، يريد المرسلين وهو «رسل» مجرور إلى : يريد حذف الجارّ والمجرور. وقد يكون الأصل : «الرسل».

(٣) آية ٣١ سورة الإنسان. وهو يريد فى الآية أن الأصل :

(أعد للظالمين) فألقيت اللام فانتصب المجرور بها. وهذا أحد الوجوه فى الآية. وقدر بعضهم :

«و عذب الظالمين» فيكون من باب الاشتغال.

١٧٠

وقوله : فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ... (١٧٠)

(خيرا) منصوب باتصاله «٤» بالأمر لأنه من صفة الأمر وقد يستدلّ على ذلك ألم تر «٥» الكناية عن الأمر تصلح قبل الخير ، فتقول للرجل : اتق اللّه هو خير لك أي

(٤) كأنه يريد أنه نائب عن المصدر فنصب نصب المصدر لكونه إياه. وحاصل ذلك أنه مفعول مطلق. وعلل ذلك بأن الأصل : هو (أي الإيمان مثلا) خير ، فانعقد من هذا اتحاد بين الإيمان وخير فلما حذف ضمير الإيمان وبقي خير الذي هو مرادف (إيمان) فكأنه قيل : آمنوا إيمانا. فانتصب خير كما ينتصب إيمان. ويذكر الناقلون مذهب الفراء أنه يقدر «آمنوا إيمانا خيرا» وهو يرجع إلى ما قلنا.

(٥) فى ش ، ج : «ترى» وهذا خطأ ، أو أن الأصل «ألا ترى».

الاتقاء خير لك ، فإذا سقطت (هو) اتصل بما قبله وهو معرفة فنصب ، وليس نصبه على إضمار (يكن) لأن ذلك يأتى بقياس يبطل هذا ألا ترى أنك تقول :

اتق اللّه تكن محسنا ، ولا يجوز أن تقول : اتق اللّه محسنا وأنت تضمر (تكن) ولا يصلح أن تقول : انصرنا أخانا (وأنت «١» تريد تكن أخانا).

(١) ثبت ما بين القوسين فى ج ، وسقط فى ش.

١٧١

وقوله : وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ ... (١٧١)

أي تقولوا : هم ثلاثة كقوله تعالى سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ فكل ما رأيته بعد القول مرفوعا ولا رافع معه ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم.

وقوله : سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ يصلح فى (أن) من وعن ، فإذا ألقيتا كانت (أن) فى موضع نصب. وكان الكسائىّ يقول : هى فى موضع خفض ، فى كثير من أشباهها.

١٧٣

وقوله : وَلا يَجِدُونَ ... (١٧٣)

ردّت على ما بعد الفاء فرفعت ، ولو جزمت «٢» على أن تردّ على موضع الفاء كان صوابا ، كما قال مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ «٣».

(٢) كأنه يريد أنّ هذه الجملة معطوفة على قوله فى الآية ١٧٢ «و من يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا» وما بين ذلك اعتراض ، وإلا فلا يظهر وجه لما قال ، فإن التلاوة هكذا :

«و أما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون اللّه وليا ولا نصيرا».

(٣) آية ١٨٦ سورة الأعراف. [.....]

١٧٦

وقوله : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ... (١٧٦)

(هلك) فى موضع جزم. وكذلك قوله وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ «٤» لو كان مكانهما يفعل كانتا جزما كما قال الكميت :

 (٤) آية ٦ سورة التوبة.

فإن أنت تفعل فللفاعلين أنت المجيزين تلك الغمارا «١»

و أنشد بعضهم :

صعدة نابتة فى حائر أينما الريح تميّلها تمل «٢»

إلا أن العرب تختار إذا أتى الفعل بعد الاسم فى الجزاء أن يجعلوه «٣» (فعل) لأن الجزم لا يتبين فى فعل ، ويكرهون أن يعترض شىء بين الجازم وما جزم. وقوله يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا معناه : ألّا تضلوا «٤». ولذلك صلحت لا فى موضع أن. هذه محنة «٥» ل (أن) إذا صلحت فى موضعها لئلا وكيلا صلحت لا.

(١) هذا من قصيدة يمدح فيها أبان بن الوليد بن عبد الملك. وانظر بعضها فى الخزانة ١/ ٨٢ «و المجيزين» وصف «الفاعلين» والغمار جمع الغمار ، وهو الماء الكثير يغمر من دخله ويغطيه.

(٢) هذا من قصيدة لكعب بن جعيل. والصعدة : القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف ، شبه بها المرأة. ووصف القناة أنها نبتت فى حائر وهو المكان المطمئن يتحير فيه الماء. وانظر الخزانة ١/ ٤٥٧.

(٣) ومن مجىء فعل الشرط المفصول باسم من أداة الشرط فعلا مضارعا شذوذا أو ضرورة قول عبد اللّه بن عنمة الضبىّ من أبيات :

يثنى عليك وأنت أهل ثنائه ولديك إن هو يستزدك مزيد

و حق فعل الشرط فى ذلك أن يكون ماضيا. كما أن حق أداة الشرط فيه أن تكون (إن) دون غيرها.

(٤) قال الكسائي : المعنى يبين اللّه لكم لئلا تضلوا - ويردّ البصريون ذلك لأنهم لا يجيزون إضمار (لا) والمعنى عندهم : يبين اللّه لكم كراهة أن تضلوا ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وكذا فى الكشاف والبيضاوي. ورجح بأن حذف المضاف أسوغ وأشيع من حذف لا - وقال الطبري : وأن تضلوا فى موضع خفض عند بعضهم بمعنى يبين اللّه لكم بأن لا تضلوا ، وأسقطت لا من اللفظ وهى مطلوبة فى المعنى لدلالة الكلام عليها والعرب تفعل ذلك ، تقول : جئنك أن تلومنى بمعنى جئتك أن لا تلومنى ، كما قال القطامي فى صفة ناقة :

رأينا ما يرى البضراء فيها فآلينا عليها أن تباعا

بمعنى الاتباع.

(٥) المحنة : اسم بمعنى الامتحان والاختبار. أي يتعرف بهذا حال أن ومعناها.