٦٧- النوع السابع والستون في أقسام القرآن٥٤١٧ أفرده ابن القيم بالتصنيف في مجلد سماه التبيان والقصد بالقسم تحقيق الخبر توكيده حتى جعلوا مثل واللّه يشهد إن المنافقين لكاذبون قسما وإن كان فيه إخبار بشهادة لأنه لما جاء توكيدا للخبر سمي قسما وقد قيل ما معنى القسم منه تعالى فإنه إن كان لأجل المؤمن فالمؤمن مصدق بمجرد الإخبار من غير قسم وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده وأجيب بأن القرآن نزل بلغة العرب ومن عادتها القسم إذا أرادات أن تؤكد أمرا وأجاب أبو القاسم القشيري بأن اللّه ذكر القسم لكمال الحجة وتأكيدها وذلك أن الحكم يفصل باثنين إما بالشهادة وإما بالقسم فذكر تعالى في كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجة فقال شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم وقال قل إي وربي إنه لحق وعن بعض الأعراب أنه لما سمع قوله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والآرض إنه لحق صرخ وقال من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين ولا يكون القسم إلا باسم معظم وقد أقسم اللّه تعالى بنفسه في القرآن في سبعة مواضع الآية المذكورة بقوله قل إي ورب قل بلى وربي لتبعثن فوربك لنحشرنهم والشياطين فوربك لنسألنهم أجمعين فلا وربك لا يؤمنون فلا أقسم برب المشارق والمغارب ٥٤١٨ والباقي كله قسم بمخلوقاته كقوله تعالى والتين والزيتون والصافات والشمس والليل والضحى فلا أقسم بالخنس ٥٤١٩ فإن قيل كيف أقسم بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير اللّه ١٣٣ قلنا أجيب عنه بأوجه أحدها أنه على حذف مضاف أي ورب التين ورب الشمس وكذا الباقي الثاني إن العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون الثالث أن الأقسام إنما تكون بما يعظمه المقسم أو يجله وهو فوقه واللّه تعالى ليس شيء فوقه فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته لأنها تدل على بارئ وصانع ٥٤٢٠ وقال ابن أبي الإصبع في أسرار الفواتح القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع لأن ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل ٥٤٢١ وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال إن اللّه يقسم بما شاء من خلقه وليس لأحد أن يقسم إلا باللّه ٥٤٢٢ وقال العلماء أقسم اللّه تعالى بالنبي في قوله لعمرك لتعرف الناس عظمته عند اللّه ومكانته لديه أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ماخلق اللّه ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد وما سمعت اللّه أقسم بحياة أحد غيره قال لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ٥٤٢٣ وقال أبو القاسم القشيري القسم بالشيء لا يخرج عن وجهين إما لفضيلة أو لمنفعة فالفضيلة كقوله وطور سينين وهذا البلد الأمين والمنفعة نحو والتين والزيتون ٥٤٢٤ وقال غيره أقسم اللّه تعالى بثلاثة أشياء بذاته كالآيات السابقة وبفعله نحو والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها وبمفعوله نحو والنجم إذا هوى والطور وكتاب مسطور ٥٤٢٥ والقسم إما ظاهر كالآيات السابقة وإما مضمر وهو قسمان قسم دلت عليه اللام نحو لتبلون في أموالكم وقسم دل عليه المعنى نحو وإن منكم إلا واردها تقديره واللّه ٥٤٢٦ وقال أبو علي الفارسي الالفاظ الجارية مجرى القسم ضربان أحدهما ما تكون كغيرها من الأخبار التي ليست بقسم فلا تجاب بجوابه كقوله وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ورفعنا فوقكم الطور خذوا فيحلفون له كما يحلفون لكم وهذا ونحوه يجوز أن يكون قسما وأن يكون حالا لخلوه من الجواب والثاني ما يتلقى بجواب القسم كقوله وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن ٥٤٢٧ وقال غيره أكثر الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو فإذا ذكرت الباء أتي بالفعل كقوله وأقسموا باللّه يحلفون باللّه ولا تجد الباء مع حذف الفعل ومن ثم كان خطأ من جعل قسما باللّه إن الشركلظلم بما عهد عندك بحق إن كنت قلته فقد علمته ٥٤٢٨ وقال ابن القيم اعلم أنه سبحانه وتعالى يقسم بأمور على أمور وإنما يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنها من عظيم آياته فالقسم إما على جملة خبرية وهو الغالب كقوله فورب السماء والأرض إنه لحق وإما على جملة طلبية كقوله فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه فيكون من باب الخبر وقد يراد به تحقيق القسم فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه فلا بد أن يكون مما يحسن فيه وذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور المشهودة الظاهرة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها وما أقسم عليه الرب فهو من آياته فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس وهو سبحانه وتعالى يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب ويحذفه أخرى كما يحذف جواب لو كثيرا للعلم به والقسم لما كان يكثر في الكلام اختصر فصار فعل القسم يحذف ويكتفى بالباء ثم عوض من الباء الواو في الأسماء الظاهرة والتاء في اسم اللّه تعالى كقوله وتاللّه لأكيدن أصنامكم ٥٤٢٩ قال ثم هو سبحانه وتعالى يقسم على أصول الإيمان التي تجب على الخلق معرفتها تارة يقسم على التوحيد وتارة يقسم على أن القرآن حق وتارة على أن الرسول حق وتارة على الجزاء والوعد والوعيد وتارة يقسم على حال الإنسان فالأول كقوله والصافات صفا إلى قوله إن إلهكم لواحد والثاني كقوله فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم والثالث كقوله يس والقرآن الحكيم إنك لمن ١٣٤ المرسلين والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى الآيات والرابع كقوله والذاريات إلى قوله إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع والمرسلات إلى قوله إنما توعدون لواقع والخامس كقوله والليل إذا يغشى إلى قوله إن سعيكم لشتى الآيات والعاديات إلى قوله إن الإنسان لربه لكنود والعصر إن الإنسان لفي خسر والتين إلى قوله لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم الآيات لا أقسم بهذا البلد إلى قوله لقد خلقنا الإنسان في كبد ٥٤٣٠ قال وأكثر ما يحذف الجواب إذا كان في نفس المقسم به دلالة على المقسم عليه فإن المقصود يحصل بذكره فيكون حذف المقسم عليه أبلغ وأوجز كقوله ص والقرآن ذي الذكر فإنه في القسم به من تعظيم القرآن ووصفه بأنه ذو الذكر المتضمن لتذكير العباد ما يحتاجون إليه والشرف والقدر ما يدل على المقسم عليه وهو كونه حقا من عند اللّه غير مفترى كما يقول الكافرون ولهذا قال كثيرون إن تقدير الجواب إن القرآن لحق وهذا مطرد في كل ما شابه ذلك كقوله ق والقرآن المجيد وقوله لا أقسم بيوم القيامة فإنه يتضمن إثبات المعاد وقوله والفجر الآيات فإنها أزمان تتضمن أفعالا معظمة من المناسك وشعائر الحج التي هي عبودية محضة للّه تعالى وذل وخضوع لعظمته وفي ذلك تعظيم ما جاء به محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام ٥٤٣١ قال ومن لطائف القسم قوله والضحى والليل إذا سجى الآيات أقسم تعالى على إنعامه على رسوله وإكرامه له وذلك متضمن لتصديقه له فهو قسم على صحة نبوته وعلى جزائه في الآخرة فهو قسم على النبوة والمعاد وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته وتأمل مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل المقسم عليه وهو نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه حتى قال أعداؤه ودع محمدا ربه فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه |