الجلد الثانى٤٣- النوع الثالث والأربعون في المحكم والمتشابه٣٧٤٣ قال تعالى هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات وقد حكى ابن حبيب النيسابوري في المسألة ثلاثة أقوال أحدها أن القرآن كله محكم لقوله تعالى كتاب أحكمت أياته الثاني كله متشابه لقوله تعالى كتابا متشابها مثاني الثالث وهو الصحيح إنقسامه إلى محكم ومتشابه للآية المصدر بها والجواب عن الآيتين أن المراد بإحكامه إتقانه وعدم تطرق النقص والاختلاف إليه وبتشابهه كونه يشبه بعضه بعضا في الحق والصدق والإعجاز ٣٧٤٤ وقال بعضهم الآية لا تدل على الحصر في الشيئين إذ ليس فيها شيء من طرقه وقد قال تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم والمحكم لا تتوقف معرفته على البيان والمتشابه لا يرجى بيانه ٣٧٤٥ وقد اختلف في تعيين المحكم والمتشابه على أقوال فقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر اللّه بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور وقيل المحكم ما وضح معناه والمتشابه نقيضه وقيل المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا والمتشابه ما احتمل أوجها وقيل المحكم ما كان معقول المعنى والمتشابه بخلافه كأعداد الصلوات وإختصاص الصيام برمضان دون شعبان قاله الماوردي وقيل المحكم ما استقل بنفسه والمتشابه ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره وقيل المحكم ما تأويله تنزيله والمتشابه ما لا يدري إلا بالتأويل وقيل المحكم ما لم تتكرر الفاظه ومقابله المتشابه وقيل المحكم الفرائض والوعد والوعيد والمتشابه القصص والأمثال ٣٧٤٦ أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به ٣٧٤٧ وأخرج الفريأبي ٢ عن مجاهد قال المحكمات ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضا ٣٧٤٨ وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال المحكمات هي أوامره الزاجرة ٣٧٤٩ وأخرج عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية فقال أبو فاختة فواتح السور وقال يحيى الفرائض والأمر والنهي والحلال ٣٧٥٠ وأخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس قال الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات قل تعالوا والآيتان بعدها ٣٧٥١ وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله تعالى منه آيات محكمات قال من ها هنا قل تعالوا إلى ثلاث آيات ومن ها هنا وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه إلى ثلاث آيات بعدها ٣٧٥٢ وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال المحكمات ما لم ينسخ منه والمتشابهات ما قد نسخ ٣٧٥٣ وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال المتشابهات فيما بلغنا آلم والمص والمر والر ٣٧٥٤ قال ابن أبي حاتم وقد روي عن عكرمة وقتادة وغيرهما أن المحكم الذي يعمل به والمتشابه الذي يؤمن به ولا يعمل به ١ فصل٣٧٥٥ اختلف هل المتشابه مما يمكن الإطلاع على علمه أو لا يعلمه إلا اللّه على قولين منشؤهما الاختلاف في قوله والراسخون في العلم هل هو معطوف و يقولون حال أو مبتدأ خبره يقولون والواو للاستئناف وعلى الأول طائفة يسيرة منهم مجاهد وهو رواية عن ابن عباس فأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم قال أنا ممن يعلم تأويله ٣٧٥٦ وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله والراسخون في العلم قال يعلمون تأويله ويقولون آمنا به ٣٧٥٧ وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال الراسخون في العلم يعلمون تأويله ولو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه ولا حلاله من حرامه ولا محكمه من متشابهه ٣٧٥٨ واختار هذا القول النووي فقال في شرح مسلم إنه الأصح لأنه يبعد أن يخاطب اللّه عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته ٣٧٥٩ وقال ابن الحاجب إنه الظاهر وأما الأكثرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم خصوصا أهل السنة فذهبوا إلى الثاني وهو أصح الروايات عن ابن عباس ٣٧٦٠ قال ابن السمعاني لم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة واختاره العتبي قال وقد كان يعتقد مذهب أهل السنة لكنه سها في هذه المسألة قال ولا غرو فإن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة ٣٧٦١ قلت ويدل لصحة مذهب الأكثرين ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره والحاكم في مستدركه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلا اللّه ويقول الراسخون في العلم آمنا به فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة فأقل درجاتها أن يكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في ذلك على من دونه ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ وإبتغاء الفتنة وعلى مدح الذين فوضوا العلم إلى اللّه وسلموا إليه كما مدح اللّه المؤمنين بالغيب وحكى الفراء أن في قراءة أبي بن كعب أيضا ويقول الراسخون ٣٧٦٢ وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش قال في قراءة ابن مسعود وإن تأويلة إلا عند اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به ٣٧٦٣ وأخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى قوله أولوا الألباب قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللّه فاحذرهم ٣٧٦٤ وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يعلم تأويله إلا اللّه الحديث ٣٧٦٥ وأخرج ابن مردوية من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فأمنوا به ٣٧٦٦ وأخرج الحاكم عن ٣ ابن مسعود عن النبي قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوابمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا ٣٧٦٧ وأخرج البيهقي في الشعب نحوه من حديث أبي هريرة ٣٧٦٨ وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا اللّه ومن ادعى علمه سوى اللّه فهو كاذب ٣٧٦٩ ثم أخرجه من وجه آخر عن ابن عباس موقوفا بنحوه ٣٧٧٠ وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال نؤمن بالمحكم وندين به ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به وهو من عند اللّه كله ٣٧٧١ وأخرج أيضا عن عائشة قالت كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمتشابهه ولا يعلمونه ٣٧٧٢ وأخرج أيضا عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قال إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة ٣٧٧٣ وأخرج الدارمي في مسنده عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال من أنت قال أنا عبد اللّه بن صبيغ فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى دمي رأسه وفي رواية عنده فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دبرة ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود فقال إن كنت تريد قتلى فاقتلني قتلا جميلا فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري ألا يجالسه أحد من المسلمين ٣٧٧٤ وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب: قال إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب اللّه ٣٧٧٥ فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن المتشابه مما لا يعلمه إلا اللّه وأن الخوض فيه مذموم وسيأتي قريبا زيادة على ذلك ٢ المحكم٣٧٧٦ قال الطيبي المراد بالمحكم ما اتضح معناه والمتشابه بخلافه لأن اللفظ الذي يقبل معنى إما أن يحتمل غيره أو لا والثاني النص والأول إما أن تكون دلالته على ذلك الغير أرجح أو لا والأول هو الظاهر والثاني إما أن يكون مساوية أو لا والأول هو المجمل والثاني المؤول فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه ويؤيد هذا التقسيم أنه تعالى أوقع المحكم مقابلا للمتشابه قالوا فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله ويعضد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التقسيم لأنه تعالى فرق ما جمع في معنى الكتاب بأن قال منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات وأراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء فقال أولا فأما الذين في قلوبهم زيغ إلى أن قال والراسخون في العلم يقولون آمنا به وكان يمكن أن يقال وأما الذين في قلوبهم إستقامة فيتبعون المحكم لكنه وضع موضع ذلك والراسخون في العلم لإتيان لفظ الرسوخ لأنه لا يحصل إلا بعد التتبع العام والاجتهاد البليغ فإذا استقام القلب على طرق الإرشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق وكفى بدعاء الراسخين في العلم ربنا لا تزغ قلوبنا إلى آخره شاهدا على أن الراسخون في العلم مقابل لقوله والذين في قلوبهم زيغ وفيه أشارة إلى أن الوقف على قوله إلا اللّه تام وإلى أن علم بعض المتشابه مختص باللّه تعالى وأن من حاول معرفته هو الذي أشار إليه في الحديث بقوله فاحذروهم ٣٧٧٧ وقال بعضهم العقل مبتلى باعتقاد حقية المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادة كالحكيم إذا صنف كتابا أجمل فيه أحيانا ليكون موضع خضوع المتعلم لأستاذه وكالملك يتخذ علامة يجتاز بها من يطلعه على سره وقيل لو لم يبتل العقل الذي هو أشرف البدن لاستمر العالم في أبهة العلم على التمرد فبذلك يستأنس إلى التذلل بعز العبودية والمتشابه هو موضع خضوع العقول لبارئها استسلاما واعترافا بقصورها وفي ختم الآية بقوله تعالى وما يذكر إلا أولوا الألباب تعريض بالزائغين ومدح للراسخين يعني من لم يتذكر ويتعظ ويخالف هواه فليس من أولي ٤ العقول ومن ثم قال الراسخون ربنا لا تزغ قلوبنا إلى آخر الآية فخضعوا لبارئهم لاستنزال العلم اللدني بعد أن إستعاذوا به من الزيغ النفساني ٣٧٧٨ وقال الخطابي المتشابه على ضربين أحدهما ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به عرف معناه والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الذي يتبعه أهل الزيغ فيطلبون تأويله ولا يبلغون كنهه فيرتابون فيه فيفتتنون ٣٧٧٩ وقال ابن الحصار قسم اللّه آيات القرآن إلى محكم ومتشابه وأخبر عن المحكمات أنها أم الكتاب لأن إليها ترد المتشابهات وهي التي تعتمد في فهم مراد اللّه من خلقه في كل ما تعبدهم به من معرفته وتصديق رسله وإمتثال أوامره واجتناب نواهيه وبهذا الإعتبار كانت أمهات ثم أخبر عن الذين في قلوبهم زيغ أنهم هم الذين يتبعون ما تشابه منه ومعنى ذلك أن من لم يكن على يقين من المحكمات وفي قلبه شك واسترابة كانت راحته في تتبع المشكلات المتشابهات ومراد الشارع منها التقدم إلى فهم المحكمات وتقديم الأمهات حتى إذا حصل اليقين ورسخ العلم لم تبال بما أشكل عليك ومراد هذا الذي في قلبه زيغ التقدم إلى المشكلات وفهم المتشابه قبل فهم الأمهات وهو عكس المعقول والمعتاد والمشروع ومثل هؤلاء مثل المشركين الذين يقترحون على رسلهم آيات غير الآيات التي جاءوا بها ويظنون أنهم لو جاءتهم آيات أخر لآمنوا عندها جهلا منهم وما علموا أن الإيمان بإذن اللّه تعالى إنتهى ٣ المتشابهات٣٧٨٠ وقال الراغب في مفردات القرآن الآيات عند إعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب محكم على الإطلاق ومتشابه على الإطلاق ومحكم من وجه متشابه من وجه فالمتشابه بالجملة ثلاثة أضرب متشابه من جهة اللفظ فقط ومن جهة المعنى فقط ومن جهتهما فالأول ضربان أحدهما يرجع إلى الالفاظ المفردة إما من جهة الغرابة نحو الأب و يزفون أو الاشتراك كاليد واليمين وثانيهما يرجع إلى جملة الكلام المركب وذلك ثلاثة أضرب ضرب لاختصار الكلام نحو وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم وضرب لبسطه نحو ليس كمثله شيء لأنه لو قيل ليس مثله شيء كان أظهر للسامع وضرب لنظم الكلام نحو أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما تقديره أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا والمتشابه من جهة المعنى أوصاف اللّه تعالى وأوصاف القيامة فإن تلك الأوصاف لا تتصور لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو ليس من جنسه والمتشابه من جهتهما خمسة أضرب الأول من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو فاقتلوا المشركين والثاني من جهة الكيفية كالوجوب والندب نحو فانكحوا ما طاب لكم من النساء والثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو اتقوا اللّه حق تقاته والرابع من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها نحو وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها إنما النسيء زيادة في الكفر فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه تفسير هذه الآية الخامس من جهة الشروط التي يصح بها الفعل أو يفسد كشروط الصلاة والنكاح قال وهذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه كوقت الساعة وخروج الدابة ونحو ذلك وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالالفاظ الغريبة والأحكام الغلقة وضرب متردد بين الأمرين يختص بمعرفته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم وهو المشار إليه بقوله لابن عباس اللّهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وإذا عرفت هذه الجهة عرفت أن الوقف على قوله وما يعلم تأويله إلا اللّه ووصله بقوله والراسخون في العلم جائز وأن لكل واحد منهما وجها حسبما دل عليه التفصيل المتقدم إنتهى ٣٧٨١ وقال الإمام فخر الدين صرف اللفظ عن الراجح إلى المرجوح لا بد فيه من دليل منفصل وهو إما لفظي أو عقلي والأول لا يمكن إعتباره في المسائل الأصولية لأنه لا يكون قاطعا لأنه موقوف على إنتفاء الاحتمالات العشرة المعروفة وإنتفاؤها مظنون والموقوف على المظنون مظنون ٥ والظني لا يكتفي به في الأصول وأما العقلي فإنما يفيد صرف اللفظ من ظاهره لكونه الظاهر محالا وأما إثبات المعنى المراد فلا يمكن بالعقل لأن طريق ذلك ترجيح مجاز على مجاز وتأويل على تأويل وذلك الترجيح لا يمكن إلا بالدليل اللفظي والدليل اللفظي في الترجيح ضعيف لا يفيد إلا الظن والظن لا يعول عليه في المسائل الأصولية القطعية فلهذا اختار الأئمة المحققون من السلف والخلف بعد إقامة الدليل القاطع على أن حمل اللفظ على ظاهره محال ترك الخوض في تعيين التأويل انتهى وحسبك بهذا الكلام من الإمام ٤ فصل٣٧٨٢ من المتشابه آيات الصفات ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد نحو الرحمن على العرش استوى كل شيء هالك إلا وجهه ويبقى وجه ربك ولتصنع على عيني يد اللّه فوق أيديهم والسموات مطويات بيمينه ٣٧٨٣ وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها وتفويض معناها المراد منها إلى اللّه تعالى ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها ٣٧٨٤ أخرج أبو القاسم اللالكائي في السنن عن طريق قرة بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى قالت الكيف غير معقول والإستواء غير مجهول والإقرار به من الإيمان والجحود به كفر ٣٧٨٥ وأخرج أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل عن قوله الرحمن على العرش استوى فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن اللّه الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق ٣٧٨٦ وأخرج أيضا عن مالك أنه سئل عن الآية فقال الكيف غير معقول والإستواء غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ٣٧٨٧ وأخرج البيهقي عنه أنه قال هو كما وصف نفسه ولا يقال كيف وكيف مرفوع ٣٧٨٨ وأخرج اللالكائي عن محمد بن الحسن قال إتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه ٣٧٨٩ وقال الترمذي في الكلام على حديث الرؤية المذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم قالوا نروي هذه الأحاديث كما جاءت ونؤمن بها ولا يقال كيف ولا نفسر ولا نتوهم ٣٧٩٠ وذهبت طائفة من أهل السنة على أننا نؤولها على ما يليق بجلاله تعالى وهذا مذهب الخلف وكان إمام الحرمين يذهب إليه ثم رجع عنه فقال في الرسالة النظامية الذي نرتضيه دينا وندين اللّه به عقدا إتباع سلف الأمة فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها ٣٧٩١ وقال ابن الصلاح على هذه الطريقة مضى صدر الأمة وساداتها وإياها اختار أئمة الفقهاء وقاداتها وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدق عنها ويأباها ٣٧٩٢ واختار ابن برهان مذهب التأويل قال ومنشأ الخلاف بين الفريقين هل يجوز أن يكون في القرآن شيء لم نعلم معناه أو لا بل يعلمه الراسخون في العلم ٣٧٩٢ م وتوسط ابن دقيق العيد فقال إذا كان التأويل قريبا من لسان العرب لم ينكر أو بعيدا توقفنا عنه وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به مع التنزيه قال وما كان معناه من هذه الالفاظ ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب قلنا به من غير توقيف كما في قوله تعالى يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللّه فنحمله على حق اللّه وما يجب له ذكر ما وقفت عليه من تأويل الآية المذكورة على طريقة أهل السنة ٥ استوى٣٧٩٣ من ذلك صفة الاستواء وحاصل ما رأيت فيها سبعة أجوبة أحدها حكى مقاتل والكلبي عن ابن عباس أن استوى بمعنى استقر وهذا إن صح يحتاج إلى تأويل فإن الاستقرار يشعر بالتجسيم ٣٧٩٤ ثانيها أن استوى بمعنى استولى ورد بوجهين أحدهما أن اللّه تعالى مستول على الكونين والجنة والنار وأهلهما فأي فائدة في تخصيص العرش والآخر أن الاستيلاء إنما يكون بعد قهر وغلبة واللّه سبحانه وتعالى منزه عن ذلك ٣٧٩٥ أخرج اللالكائي في السنة عن ابن الأعرأبي أنه سئل عن معنى استوى فقال هو على عرشه كما أخبر فقيل يا أبا عبد اللّه معناه استولى قال اسكت لا يقال استولى على الشيء إلا إذا كان له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل استولى ٣٧٩٦ ثالثها أنه بمعنى صعد قاله أبو ٦ عبيد ورد بأنه تعالى منزه عن الصعود أيضا ٣٧٩٧ رابعها أن التقدير الرحمن علا أي إرتفع من العلو والعرش له استوى حكاه إسماعيل الضرير في تفسيره ورد بوجهين أحدهما أنه جعل على فعلا وهي حرف هنا بإتفاق فلو كانت فعلا لكتبت بالالف كقوله علا في الأرض والآخر أنه رفع العرش ولم يرفعه أحد من القراء ٣٧٩٨ خامسها أن الكلام تم عند قوله الرحمن على العرش ثم ابتدأ بقوله استوى له ما في السموات وما في الأرض ورد بأنه يزيل الآية عن نظمها ومرادها قلت ولا يتأتى له في قوله ثم استوى على العرش ٣٧٩٩ سادسها أن معنى استوى أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه كقوله ثم استوى إلى السماء وهي دخان أي قصد وعمد إلى خلقها قاله الفراء والأشعري وجماعة أهل المعاني وقال إسماعيل الضرير إنه الصواب قلت يبعده تعديته بعلى ولو كان كما ذكروه لتعدى بإلى كما في قوله ثم استوى إلى السماء ٣٨٠٠ سابعها قال ابن اللبان الاستواء المنسوب إليه تعالى بمعنى اعتدل أي قام بالعدل كقوله تعالى قائما بالقسط والعدل هو إستواؤه ويرجع معناه إلى أنه أعطى بعزته كل شيء خلقه موزونا بحكمته البالغة ٣٨٠١ ومن ذلك النفس في قوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ووجه بأنه خرج على سبيل المشاكله مرادا به الغيب لأنه مستتر كالنفس ٣٨٠٢ وقوله ويحذركم اللّه نفسه أي عقوبته وقيل إياه ٣٨٠٣ وقال السهيلي النفس عبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد وقد استعمل من لفظة النفاسة والشيء النفيس فصلحت للتعبير عنه سبحانه وتعالى ٣٨٠٤ وقال ابن اللبان أولها العلماء بتأويلات منها أن النفس عبر بها عن الذات قال وهذا وإن كان سائغا في اللغة ولكن تعدي الفعل إليها بفي المفيدة للظرفية محال عليه تعالى وقد أولها بعضهم بالغيب أي ولا أعلم ما في غيبك وسرك قال وهذا حسن لقوله في آخر الآية إنك أنت علام الغيوب ٦ الوجه٣٨٠٥ ومن ذلك الوجه وهو مؤول بالذات وقال ابن اللبان في قوله يريدون وجهه إنما نطعمكم لوجه اللّه إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى المراد إخلاص النية ٣٨٠٦ وقال غيره في قوله فثم وجه اللّه أي الجهة التي أمر بالتوجه إليها ٣٨٠٧ ومن ذلك العين وهي مؤولة بالبصر أو الإدراك بل قال بعضهم إنها حقيقة في ذلك خلافا لتوهم بعض الناس أنها مجاز وإنما المجاز في تسمية العضو بها ٣٨٠٨ وقال ابن اللبان نسبة العين إليه تعالى اسم لآياته المبصرة التي بها سبحانه ينظر للمؤمنين وبها ينظرون إليه قال تعالى فلما جاءتهم آياتنا مبصرة نسب البصر للآيات على سبيل المجاز تحقيقا لأنها المرادة بالعين المنسوبة إليه وقال قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها قال فقوله واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا أي بآياتنا تنظر بها إلينا وننظر بها إليك قال ويؤيد أن المراد بالأعين هنا الآيات كونه علل بها الصبر لحكم ربه صريحا في قوله إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك قال وقوله في سفينة نوح تجري بأعيننا أي بآياتنا بدليل وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجريها ومرساها وقال ولتصنع على عيني أي على حكم آيتي التي أوحيتها إلى أمك أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم الآية إنتهى وقال غيره المراد في الآيات كلاءته تعالى وحفظه ٣٨٠٩ ومن ذلك اليد في قوله لما خلقت بيدي يد اللّه فوق أيديهم مما عملت أيدينا وأن الفضل بيد اللّه وهي مؤولة بالقدرة ٣٨٠٩ م وقال السهيلي اليد في الأصل كالبصر عبارة عن صفة لموصوف ولذلك مدح سبحانه وتعالى بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله أولي الأيدي والأبصار ولم يمدحهم بالجوارح لأن المدح إنما يتعلق بالصفات لا بالجواهر قال ولهذا قال الأشعري إن اليد صفة ورد بها الشرع والذي يلوح من معنى هذه الصفة أنها قريبة من معنى القدرة إلا أنها أخص والقدرة أعم كالمحبة مع الإرادة والمشيئة فإن في اليد تشريفا لازما ٣٨١٠ وقال البغوي في قوله بيدي في تحقيق اللّه التثنية في اليد دليل على أنها ليست بمعنى القدرة والقوة والنعمة وإنما هما صفتان من صفات ذاته ٣٨١١ وقال مجاهد اليد ها هنا صلة وتأكيد كقوله ويبقى وجه ربك قال البغوي وهذا تأويل غير قوي لأنها ٧ لو كانت صلة لكان لإبليس أن يقول إن كنت خلقته فقد خلقتني وكذلك في القدرة والنعمة لا يكون لآدم في الخلق مرية على إبليس ٣٨١٢ وقال ابن اللبان فإن قلت فما حقيقة اليدين في خلق آدم قلت اللّه أعلم بما أراد ولكن الذي إستثمرته من تدبر كتابه أن اليدين إستعارة لنور قدرته القائم بصفة فضله ولنورها القائم بصفة عدله ونبه على تخصيص آدم وتكريمه بأن جمع له في خلقه بين فضله وعدله قال وصاحبة الفضل هي اليمين التي ذكرها في قوله والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى ٣٨١٣ ومن ذلك الساق في قوله يوم يكشف عن ساق ومعناه عن شدة وأمر عظيم كما يقال قامت الحرب على ساق ٣٨١٤ أخرج الحاكم في المستدرك من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله يوم يكشف عن ساق قال إذا خفى عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر اصبر عناق إنه شر باق قد سن لي قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق قال ابن عباس هذا يوم كرب وشدة ٣٨١٥ ومن ذلك الجنب في قوله تعالى على ما فرطت في جنب اللّه أي في طاعته وحقه لأن التفريط إنما يقع في ذلك ولا يقع في الجنب المعهود ٣٨١٦ ومن ذلك صفة القرب في قوله فإني قريب ونحن أقرب إليه من حبل الوريد أي بالعلم ٣٨١٧ ومن ذلك صفة الفوقية في قوله وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم والمراد بها العلو من غير جهة وقد قال فرعون وإنا فوقهم قاهرون ولا شك أنه لم يرد العلو المكاني ٣٨١٨ ومن ذلك صفة المجيء في قوله وجاء ربك أو يأتي ربك أي أمره لأن الملك إنما يأتي بأمره أو بتسليطه كما قال تعالى وهم بأمره يعملون فصار كما لو صرح به ٣٨١٩ وكذا قوله فاذهب أنت وربك فقاتلا أي اذهب بربك أي بتوفيقه وقوته ٣٨٢٠ ومن ذلك صفة الحب في قوله يحبهم ويحبونه فاتبعوني يحببكم اللّه ٣٨٢١ وصفة الغضب في قوله وغضب اللّه عليهم ٣٨٢٢ وصفة الرضا في قوله رضي اللّه عنهم ٣٨٢٣ وصفة العجب في قوله بل عجبت بضم التاء وقوله وإن تعجب فعجب قولهم ٣٨٢٤ وصفة الرحمة في آيات كثيرة ٣٨٢٥ وقد قال العلماء كل صفة يستحيل حقيقتها على اللّه تعالى تفسر بلازمها ٣٨٢٦ قال الإمام فخر الدين جميع الأعراض النفسانية أعني الرحمة والفرح والسرور والغضب والحياء والمكر والاستهزاء لها أوائل ولها غايات مثاله الغضب فإن أوله غليان دم القلب وغايته إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه فلفظ الغضب في حق اللّه لا يحمل على أوله الذي هو غليان دم القلب بل على غرضه الذي هو إرادة الإضرار وكذلك الحياء له أول وهو إنكسار يحصل في النفس وله غرض وهو ترك الفعل فلفظ الحياء في حق اللّه يحمل على ترك الفعل لا على إنكسار النفس إنتهى ٣٨٢٧ وقال الحسين بن الفضل العجب من اللّه إنكار الشيء وتعظيمه ٣٨٢٨ وسئل الجنيد عن قوله وإن تعجب فعجب قولهم فقال إن اللّه لا يعجب من شيء ولكن اللّه وافق رسوله فقال وإن تعجب فعجب قولهم أي هو كما تقول ٣٨٢٩ ومن ذلك لفظه عند في قوله تعالى عند ربك و من عنده ومعناهما الإشارة إلى التمكين والزلفى والرفعة ٣٨٣٠ ومن ذلك قوله وهو معكم أينما كنتم أي بعلمه وقوله وهو اللّه في السموات وفي الأرض يعلم سركم ٣٨٣١ قال البيهقي الأصح أن معناه أنه المعبود في السموات وفي الأرض مثل قوله وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ٣٨٣٢ وقال الأشعري الظرف متعلق ب يعلم أي عالم بما في السموات والأرض ٣٨٣٣ ومن ذلك قوله سنفرغ لكم أيها الثقلان أي سنقصد لجزائكم تنبيه ٣٨٣٤ قال ابن اللبان ليس من المتشابه قوله تعالى إن بطش ربك لشديد لأنه فسره بعده بقوله إنه هو يبديء ويعيد تنبيها على أن بطشه عبارة عن تصرفه في بدئه وإعادته وجميع تصرفاته في مخلوقاته ٧ فصل ومن المتشابه أوائل السوروالمختار فيها أيضا أنها من الأسرار ٣٨٣٥ فصل ومن المتشابه أوائل السور والمختار فيها أيضا أنها من الأسرار التي لا يعلمها إلا اللّه تعالى أخرج ابن المنذر وغيره عن الشعبي أنه سئل عن فواتح السور فقال إن لكل كتاب سرا وإن سر هذا ٨ القرآن فواتح السور٣٨٣٦ وخاض في معناها آخرون فأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق أبي الضحى عن ابن عباس في قوله الم قال أنا اللّه أعلم وفي قوله المص قال أنا اللّه أفصل وفي قوله الر أنا اللّه أرى ٣٨٣٧ وأخرج من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله الم و حم و ن قال اسم مقطع ٣٨٣٨ وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال الر و حم و ن حروف الرحمن مفرقة ٣٨٣٩ وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال الر من الرحمن ٣٨٤٠ وأخرج عنه أيضا قال المص الالف من اللّه والميم من الرحمن والصاد من الصمد ٣٨٤١ وأخرج أيضا عن الضحاك في قوله المص قال أنا اللّه الصادق وقيل المص معناه المصور وقيل الر معناه أنا اللّه أعلم وأرفع حكاهما الكرماني في غرائبه ٣٨٤٢ وأخرج الحاكم وغيره من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في كهيعص قال الكاف من كريم والهاء من هاد والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق ٣٨٤٣ وأخرج الحاكم أيضا من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس في قوله كهيعص قال كاف هاد أمين عزيز صادق ٣٨٤٤ وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله كهيعص قال هو هجاء مقطع الكاف من الملك والهاء من اللّه والياء والعين من العزيز والصاد من المصور ٣٨٤٥ وأخرج عن محمد بن كعب مثله إلا أنه قال والصاد من الصمد ٣٨٤٦ وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس في قوله كهيعص قال كبير هاد أمين عزيز صادق ٣٨٤٧ وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله كهيعص قال الكاف الكافي والهاء الهادي والعين العالم والصاد الصادق ٣٨٤٨ وأخرج من طريق يوسف بن عطية قال سئل الكلبي عن كهيعص فحدث عن أبي صالح عن أم هانىء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال كاف هاد أمين عالم صادق ٣٨٤٩ وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله كهيعص قال يقول أنا الكبير الهادي علي أمين صادق ٣٨٥٠ وأخرج عن محمد بن كعب في قوله طه قال الطاء من ذي الطول وأخرج عنه أيضا في قوله طسم قال الطاء في ذي الطول والسين من القدوس والميم من الرحمن ٣٨٥١ وأخرج عن سعيد بن جبير في قوله حم قال حاء اشتقت من الرحمن وميم اشتقت من الرحيم ٣٨٥٢ وأخرج عن محمد بن كعب في قوله حمعسق قال الحاء والميم من الرحمن والعين من العليم والسين من القدوس والقاف من القاهر ٣٨٥٣ وأخرج عن مجاهد قال فواتح السور كلها هجاء مقطع ٣٨٥٤ وأخرج عن سالم بن عبد اللّه قال الم و حم و ن ونحوها اسم اللّه مقطعة ٣٨٥٥ وأخرج عن السدي قال فواتح السور أسماء من أسماء الرب جل جلاله فرقت في القرآن ٣٨٥٦ وحكى الكرماني في قوله ق إنه حرف من اسمه قادر وقاهر ٣٨٥٧ وحكى غيره في قوله ن إنه مفتاح اسمه تعالى نور وناصر ٣٨٥٨ وهذه الأقوال كلها راجعة إلى قول واحد وهو إنها حروف مقطعة كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى والاكتفاء ببعض الكلمة معهود في العربية قال الشاعر قلت لها قفي فقالت قاف أي وقفت ٣٨٥٩ وقال بالخير خيرات وإن شرا فا ولا أريد الشر إلا أن تا أراد وإن شرا فشر وإلا أن تشاء ٣٨٦٠ وقال ناداهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعا كلهم ألافا أراد ألا تركبون ألا فاركبا ٣٨٦١ وهذا القول اختاره الزجاج وقال العرب تنطق بالحرف الواحد تدل عليه به على الكلمة التي هو منها وقيل إنها الاسم الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها كذا نقله ابن عطية ٣٨٦٢ وأخرج ابن جرير بسند صحيح عن ابن مسعود قال هو اسم اللّه الأعظم ٣٨٦٣ وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي أنه بلغه عن ابن عباس قال الم اسم من أسماء اللّه الأعظم ٣٨٦٤ وأخرج ابن جرير وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الم و طسم و ص وأشباهها ٩ قسم أقسم اللّه به وهو من أسماء اللّه وهذا يصلح أن يكون قولا ثالثا أي أنها برمتها أسماء اللّه ويصلح أن يكون من القول الأول ومن الثاني وعلى الأول مشى ابن عطية وغيره ٣٨٦٥ ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه في تفسيره من طريق نافع بن أبي نعيم القارئ عن فاطمة بنت علي بن أبي طالب أنها سمعت علي بن أبي طالب يقول يا كهيعص اغفر لي ٣٨٦٦ وما أخرجه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله كهيعص قال يا من يجير ولا يجار عليه ٣٨٦٧ وأخرج عن أشهب قال سألت مالك بن أنس أينبغي لأحد أن يتسمى ب يس فقال ما أراه ينبغي لقول اللّه يس والقرآن الحكيم يقول هذا اسم تسميت به ٣٨٦٨ وقيل هي أسماء للقرآن كالفرقان والذكر أخرجه عبد الرزاق عن قتادة ٣٨٦٩ وأخرجه ابن أبي حاتم بلفظ كل هجاء في القرآن فهو اسم من أسماء القرآن ٣٨٧٠ وقيل هي أسماء للسور نقله الماوردي وغيره عن زيد بن أسلم ونسبه صاحب الكشاف إلى الأكثر ٣٨٧١ وقيل هي فواتح للسور كما يقولون في أول القصائد بل و لا بل ٣٨٧٢ أخرج ابن جرير من طريق الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الم و حم و المص و ص ونحوها فواتح افتتح اللّه بها القرآن ٣٨٧٣ وأخرج أبو الشيخ من طريق ابن جريج قال قال مجاهد الم و المر فواتح افتتح اللّه بها القرآن قلت ألم يكن يقول هي أسماء قال لا ٣٨٧٤ وقيل هذا حساب أبي جاد لتدل على مدة هذه الأمة ٣٨٧٥ وأخرج ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد اللّه بن رياب قال مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة الم ذلك الكتاب لا ريب فيه فأتى أخاه حيي ابن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون واللّه لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه الم ذلك الكتاب قال أنت سمعته قال نعم فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا ألم تذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك الم ذلك الكتاب فقال بلى فقالوا لقد بعث اللّه قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك الالف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفندخل في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ثم قال يا محمد هل مع هذا غيره قال نعم المص قال هذه أثقل وأطول الالف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد ستون فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة هل مع هذا غيره قال نعم الر قال هذه أثقل وأطول الالف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة هل مع هذه غيره قال نعم المر قال هذه أثقل وأطول هذه إحدى وسبعون ومائتان ثم قال لقد لبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ثم قال قوموا عنه ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع سنين فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات أخرجه ابن جرير من هذا الطريق وابن المنذر ومن وجه آخر عن ابن جرير معضلا ٣٨٧٦ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله الم قال هذه الأحرف الثلاثة من الأحرف التسعة والعشرين دارت بها الألسن ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه تعالى وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلائه وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم فالالف مفتاح اسمه اللّه واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالالف آلاء اللّه واللام لطف اللّه والميم مجد اللّه فالالف سنة واللام ثلاثون والميم أربعون ٣٨٧٧ قال الخويي وقد استخرج بعض الأئمة من قوله تعالى الم غلبت الروم أن البيت المقدس تفتحه المسلمون في سنة ثلاثة وثمانين وخمسمائة ووقع كما قاله ٣٨٧٨ وقال السهيلي لعل عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر للإشارة إلى مدة بقاء هذه
١٠ الأمة ٣٨٧٩ قال ابن حجر وهذا باطل لا يعتمد عليه فقد ثبت عن ابن عباس رضي اللّه عنه الزجر عن عد أبي جاد والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر وليس ذلك ببعيد فإنه لا أصل له في الشريعة ٣٨٨٠ وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي في فوائد رحلته ومن الباطل علم الحروف المقطعة في أوائل السور ٣٨٨١ وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد ولا أعرف أحدا يحكم عليها بعلم ولا يصل منها إلى فهم والذي أقوله إنه لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولا متداولا بينهم لكانوا أول من أنكر ذلك على النبي بل تلى عليهم حم فصلت و ص وغيرهما فلم ينكروا ذلك بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع تشوفهم إلى عثرة وغيرها وحرصهم على زلة فدل على أنه كان أمرا معروفا بينهم لا إنكار فيه انتهى ٣٨٨٢ وقيل وهي تنبيهات كما في النداء عده ابن عطية مغايرا للقول بأنها فواتح والظاهر أنه بمعناه ٣٨٨٣ قال أبو عبيدة الم افتتاح كلام ٣٨٨٤ وقال الخويي القول بأنها تنبيهات جيد لأن القرآن كلام عزيز وفوائده عزيزة فينبغي أن يرد على سمع متنبه فكان من الجائز أن يكون اللّه قد علم في بعض الأوقات كون النبي في عالم البشر مشغولا فأمر جبريل بأن يقول عند نزوله الم و الر و حم ليسمع النبي صوت جبريل فيقبل عليه ويصغي إليه قال وإنما لم تستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كألا وأما لأنها من الالفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم والقرآن كلام لا يشبه الكلام فناسب أن يؤتى فيه بالفاظ تنبيه لم تعهد لتكون أبلغ في قرع سمعه انتهى ٣٨٨٥ وقيل إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه فأنزل اللّه هذا النظم البديع ليعجبوا منه ويكون تعجبهم منه سببا لاستماعهم واستماعهم له سببا لاستماع ما بعده فترق القلوب وتلين الأفئدة وعد هذا جماعة قولا مستقلا والظاهر خلافه وإنما يصلح هذا مناسبة لبعض الأقوال لا قولا في معناه إذ ليس فيه بيان معنى ٣٨٨٦ وقيل إن هذه الحروف ذكرت لتدل على أن القرآن مؤلف من الحروف التي هي أ ب ت ث فجاء بعضها مقطعا وجاء تمامها مؤلفا ليدل القوم الذين نزل القرآن بلغتهم أنه بالحروف التي يعرفونها فيكون ذلك تعريفا لهم ودلالة على عجزهم أن يأتوا بمثله بعد أن علموا أنه منزل بالحروف التي يعرفونها ويبنون كلامهم منها وقيل المقصود بها الإعلام بالحروف التي يتركب منها الكلام فذكر منها أربعة عشر حرفا وهي نصف جميع الحروف وذكر من كل جنس نصفه فمن حرف الحلق الحاء والعين والهاء ومن التي فوقها القاف والكاف ومن الحرفين الشفهيين الميم ومن المهموسة السين والحاء والكاف والصاد والهاء ومن الشديدة الهمزة والطاء والقاف والكاف ومن المطبقة الطاء والصاد ومن المجهورة الهمزة والميم واللام والعين والراء والطاء والقاف والياء والنون ومن المنفتحة الهمزة والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون ومن المستعلية القاف والصاد والطاء ومن المنخفضة الهمزة واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون ومن القلقلة القاف والطاءثم إنه تعالى ذكر حروفا مفردة وحرفين حرفين وثلاثة ثلاثة وأربعة وخمسة لأن تراكيب الكلام على هذا النمط ولا زيادة على الخمسة ٣٨٨٧ وقيل هي أمارة جعلها اللّه لأهل الكتاب إنه سينزل على محمد كتابا في أول سور منه حروف مقطعة ٣٨٨٨ هذا ما وقفت عليه من الأقوال في أوائل السور من حيث الجملة وفي بعضها أقوال أخر فقيل إن طه ويس بمعنى يا رجل أو يا محمد أو يا إنسان وقد تقدم في المعرب ٣٨٨٩ وقيل هما اسمان من أسماء النبي ٣٨٩٠ قال الكرماني في غرائبه ويقويه في يس قراءة يسن بفتح النون وقوله آل ياسين وقيل طه أي طأ الأرض أو اطمئن فيكون فعل أمر والهاء مفعول أو للسكت أو مبدلة من الهمزة ٣٨٩١ أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله طه هو كقولك افعل وقيل طه أي يا بدر لأن الطاء بتسعة والهاء بخمسة فذلك أربعة عشر إشارة إلى البدر لأنه يتم فيها ذكره الكرماني في غرائبه ٣٨٩٢ وقيل في قوله يس أي يا سيد المرسلين وفي قوله ص معناه صدق اللّه ٣٨٩٣ وقيل ١١ أقسم بالصمد الصانع الصادق وقيل معناه صاد يا محمد عملك بالقرآن أي عارضه به فهو أمر من المصاداة ٣٨٩٤ وأخرج عن الحسين قال صاد حادث القرآن يعني انظر فيه ٣٨٩٥ وأخرج عن سفيان بن حسين قال كان الحسن يقرؤها صاد والقرآن يقول عارض القرآن ٣٨٩٦ وقيل ص اسم بحر عليه عرش الرحمن وقيل اسم بحر يحيي به الموتى ٣٨٩٧ وقيل معناه صاد محمد قلوب العباد حكاها الكرماني كلها ٣٨٩٨ وحكى في قوله المص أي معناه ألم نشرح لك صدرك وفي حم أنه وقيل معناه حم ما هو كائن وفي حمعسق أنه جبل قاف وقيل ق جبل محيط بالأرض أخرجه عبد الرزاق عن مجاهد ٣٨٩٩ وقيل أقسم بقوة قلب محمد وقيل هي الكاف من قوله قضي الأمر دلت على بقية الكلمة ٣٩٠٠ وقيل معناها قف يا محمد على أداء الرسالة والعمل بما أمرت حكاهما الكرماني ٣٩٠١ وقيل ن هو الحوت أخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعا أول ما خلق اللّه القلم والحوت قال اكتب قال ما أكتب قال كل شيء كائن إلى يوم القيامة ثم قرأ ن والقلم فالنون الحوت والقاف القلم ٣٩٠٢ وقيل هو اللوح المحفوظ أخرجه ابن جرير من مرسل ابن قرة مرفوعا ٣٩٠٣ وقيل هو الدواة أخرجه عن الحسن وقتادة ٣٩٠٤ وقيل هو المداد حكاه ابن قرصة في غريبه ٣٩٠٥ وقيل هو القلم حكاه الكرماني عن الجاحظ ٣٩٠٦ وقيل هو اسم من أسماء النبي حكاه ابن عساكر في مبهماته ٣٩٠٧ وفي المحتسب لابن جني أن ابن عباس قرأ حمسق بلا عين ويقول السين كل فرقة تكون والقاف كل جماعة تكون ٣٩٠٨ قال ابن جنى وفي هذه القراءة دليل على أن الفواتح فواصل بين السور ولو كانت أسماء اللّه لم يجز تحريف شيء منها لأنها لا تكون حينئذ أعلاما والأعلام تؤدى بأعيانها ولا يحرف شيء منها ٣٩٠٩ وقال الكرماني في غرائبه في قوله تعالى الم أحسب الناس الاستفهام هنا يدل على انقطاع الحروف عما بعدها في هذه السورة وغيرها ٨ خاتمة٣٩١٠ أورد بعضهم سؤالا وهو أنه هل للمحكم مزية على المتشابه أو لا فإن قلتم بالثاني فهو خلاف الإجماع أو بالأول فقد نقضتم أصلكم في أن جميع كلام اللّه سبحانه وتعالى سواء وأنه منزل بالحكمة ٣٩١١ وأجلب أبو عبد اللّه البكراباذي بأن المحكم كالمتشابه من وجه ويخالفه من وجه فيتفقان في أن الاستدلال بهما لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الواضع وأنه لا يختار القبيح ويختلفان في أن المحكم بوضع اللغة لا يحتمل إلا الوجه فمن سمعه أمكنه أن يستدل به في الحال والمتشابه يحتاج إلى فكرة ونظر ليحمله على الوجه المطابق ولأن المحكم أصل والعلم بالأصل أسبق ولأن المحكم يعلم مفصلا والمتشابه لا يعلم إلا مجملا ٣٩١٢ وقال بعضهم إن قيل ما الحكمة في إنزال المتشابه ممن أراد لعباده به البيان والهدى قلت إن كان مما يمكن علمه فله فوائد منها الحث للعلماء على النظر الموجب للعلم بغوامضه والبحث عن دقائقه فإن استدعاء الهمم لمعرفة ذلك من أعظم القرب ومنها ظهور التفاضل وتفاوت الدرجات إذ لو كان القرآن كله محكما لا يحتاج إلى تأويل ونظر لاستوت منازل الخلق ولم يظهر فضل العالم على غيره ٣٩١٣ وإن كان مما لا يمكن علمه فله فوائد منها ابتلاء العباد بالوقوف عنده والتوقف فيه والتفويض والتسليم والتعبد بالاشتغال به من جهة التلاوة كالمنسوخ وإن لم يجز العمل بما فيه وإقامة الحجة عليهم لأنه لما نزل بلسانهم ولغتهم وعجزوا عن الوقوف على معناه مع بلاغتهم وأفهامهم دل على أنه نزل من عند اللّه وأنه الذي أعجزهم عن الوقوف على معناه ٣٩١٤ وقال الإمام فخر الدين من الملحدة من طعن في القرآن لأجل اشتماله على المتشابهات وقال إنكم تقولون إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى قيام الساعة ثم إنا نراه بحيث يتمسك به صاحب كل مذهب على مذهبه فالجبري متمسك بآيات الجبر كقوله تعالى وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا والقدري يقول هذا مذهب الكفار بدليل أنه تعالى حكى ذلك عنهم في معرض الذم في قوله وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر وفي موضع آخر وقالوا قلوبنا غلف ومنكر الرؤية متمسك بقوله تعالى ١٢ لا تدركه الأبصار ومثبت الجهة متمسك بقوله تعالى يخافون ربهم من فوقهم الرحمن على العرش استوى والنافي متمسك بقوله تعالى ليس كمثله شيء ثم يسمى كل واحد الآيات الموافقة لمذهبه محكمة والآيات المخالفة له متشابهة وإنما آل في ترجيح بعضها على البعض إلى ترجيحات خفية ووجوه ضعيفة فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الذي هو المرجوع إليه في كل الدين إلى يوم القيامة هكذا قال والجواب أن العلماء ذكروا لوقوع المتشابه فيه فوائد منها أنه يوجب المشقة في الوصول إلى المراد وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب ومنها أنه لو كان القرآن كله محكما لما كان مطابقا إلا لمذهب واحد وكان بصريحه مبطلا لكل ما سوى ذلك المذهب وذلك مما ينفر أرباب سائر المذاهب عن قبوله وعن النظر فيه والانتفاع به فإذا كان مشتملا على المحكم والمتشابه طمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما يؤيد مذهبه وينصر مقالته فينظر فيه جميع أرباب المذاهب ويجتهد في التأمل فيه صاحب كل مذهب وإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات وبهذا الطرق يتخلص المبطل من باطله ويتصل إلى الحق ومنها أن القرآن إذا كان مشتملا على المتشابه افتقر إلى العلم بطريق التأويلات وترجيح بعضها على بعض وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو والمعاني والبيان وأصول الفقه ولو لم يكن الأمر كذلك لم يحتج إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة فكان في إيراد المتشابه هذه الفوائد الكثيرة ومنها أن القرآن مشتمل على دعوة الخواص والعوام وطبائع العوام تنفر في أكثر الأمر عن درك الحقائق فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه ظن أن هذا عدم ونفي فوقع التعطيل فكان الأصلح أن يخاطبوا بالفاظ دالة على بعض ما يناسب ما توهموه وتخيلوه ويكون ذلك مخلوطا بما يدل على الحق الصريح فالقسم الأول وهو الذي يخاطبون به في أول الأمر يكون من المتشابهات والقسم الثاني وهو الذي يكشف لهم في آخر الأمر من المحكمات |