Geri

   

 

 

İleri

 

٣٠- باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان

لا خلاف بين الأمة ولا بين الأئمة أهل السنة أن القرآن اسم لكلام اللّه تعالى الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم معجزة له على نحو ما تقدم وأنه محفوظ في الصدور مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف معلومة على الاضطرار سوره وآياته مبرأة من الزيادة والنقصان حروفه وكلماته فلا يحتاج في تعريفه بحد ولا في حصره بعد فمن ادعى زيادة عليه أو نقصانا منه فقد أبطل الإجماع وبهت الناس ورد ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وسلم من القرآن المنزل عليه ورد قوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وأبطل آية رسوله عليه السلام لأنه إذ ذاك يصير القرآن مقدورا عليه حين شيب بالباطل ولما قدر عليه لم يكن حجة ولا آية وخرج عن أن يكون معجزا

فالقائل أن القرآن فيه زيادة ونقصان راد لكتاب اللّه ولما جاء به الرسول وكان كمن قال الصلوات المفروضات خمسون صلاة وتزوج تسع من النساء حلال وفرض اللّه أياما مع شهر رمضان إلى غير ذلك مما لم يثبت في الدين فإذا رد هذا الإجماع كان الإجماع على القرآن أثبت وآكد وألزم وأوجب

قال الإمام أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري ولم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون من شرف القرآن وعلو منزلته ما يوجبه الحق والإنصات والديانة وينفقون عنه قول المبطلين وتمويه الملحدين وتحريف الرائغين حتى نبع في زماننا هذا زائغ زاغ عن الملة وهجم على الأمة بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال اللّه يؤيدها ويثبت أسسها وينمي فرعها ويحرسها من معايب أولي الجنف والجور ومكايد أهل العداوة والكفر

فزعم أن المصحف الذي جمعه عثمان بن عفان بن عفان رضي اللّه عنه باتفاق أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على تصويبه فيما فعل لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف قد قرأت ببعضها وسأقرأ ببقيتها فمنها والعصر ونوائب الدهر فقد سقط من القرآن على جماعة المسلمين ونوائب الدهر ومنها حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وطن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاأو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس وما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها فادعى هذا الإنسان أنه سقط على أهل الإسلام من القرآن وما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها وذكر مما يدعى حروفا كثيرة

وادعى أن عثمان والصحابة رضي اللّه عنهم زادوا في القرآن ما ليس فيه فقرأ في صلاة الفرض والناس يسمعون اللّه الواحد الصمد فأسقط من القرآن قل هو وغير لفظ أحد وادعى أن هذا هو الصواب والذي عليه الناس هو الباطل والمحال وقرأ في صلاة الفرض قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون وطعن في قراءة المسلمين

وادعى أن المصحف الذي في أيدينا اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيرة منها إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فادعى أن الحكمة والعزة لا يشاكلان المغفرة وأن الصواب وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم وترامى به الغي في هذا وأشكاله حتى ادعى أن المسلمين يصحفون وكان عند اللّه وجيها والصواب الذي لم يغير عنده وكان عبدا للّه وجيها وحتى قرأ في صلاة مفترضة على ما أخبرنا جماعة سمعوه وشهدوه لا تحرك به لسانك إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا نبأ به وحكى لنا آخرون عن آخرين أنهم سمعوه يقرأ ولقد نصركم اللّه ببدر بسيف علي وأنتم أذلة وروي هؤلاء أيضا لنا عنه قال هذا صراط على مستقيم وأخبرونا أنه أدخل في آية من القرآن ما لا يضاهي فصاحة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا يدخل في لسان قومه الذين قال اللّه عز وجل فيهم وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه فقرأ أليس قلت للناس في موضع أأنت قلت للناس وهذا لا يعرف في نحو المعربين ولا يحمل على مذاهب النحويين لأن العرب لم تقل ليس قمت فأما لست قمت بالتاء فشاذ قبيح خبيث رديء لان ليس لا تجحد الفعل الماضي ولم يوجد مثل هذا إلا في قولهم أليس قد خلق اللّه مثلهم وهو لغة شاذة لا يحمل كتاب اللّه عليها

وادعى أن عثمان رضي اللّه عنه لما أسند جمع القرآن إلى زيد بن ثابت لم يصب لأن عبد اللّه بن مسعود وأبي بن كعب كانا أولى بذلك من زيد لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم أقرأ أمتي أبي بن كعب ولقوله عليه السلام من سره أن يقرأ القرآن غضا كنا أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد وقال هذا القائل لي أن أخالف مصحف عثمان كما خالفه أبو عمرو بن العلا فقرأ إن هذين فأصدق وأكون وبشر عبادي الذين بفتح الياء فما أتاني اللّه بفتح الياء والذي في المصحف إن هذان بالألف فأصدق وأكن بغير واو فبشر عباد فما أتان اللّه بغير ياءين في الموضعين وكما خالف ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي مصحف عثمان فقرءوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين بإثبات نونين يفتح الثانية بعضهم ويسكنها بعضهم وفي المصحف نون واحدة وكما خالف حمزة المصحف فقرأ أتمدون بمال بنون واحدة ووقف على الياء وفي المصحف نونان ولا ياء بعدهما وكما خالف حمزة أيضا المصحف فقرأ ألا إن ثمودا كفروا ربهم بغير تنوين وإثبات الألف يوجب التنوين وكل هذا الذي شنع به على القراء ما يلزمهم به خلاف للمصحف

قلت قد أشرنا إلى العد فيما تقدم مما اختلف فيه المصاحف وسيأتي بيان هذه المواضع في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى

قال أبو بكر وذكر هذا الإنسان أن أبي بن كعب هو الذي قرأ كأن لم تغن بالأمس وما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها وذلك باطل لأن عبداللّه بن كثير قرأ على مجاهد ومجاهد قرأ على ابن عباس وابن عباس قرأ القرآن على أبي بن كعب حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفص الآيات في رواية وقرأ أبي القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهذا الإسناد متصل بالرسول عليه السلام نقله أهل العدالة والصيانة وإذا صح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر لم يؤخذ بحديث يخالفه وقال يحيى بن المبارك اليزيدي قرأت القرآن على أبي عمرو بن العلاء وقرأ أبو عمرو على مجاهد وقرأ مجاهد على ابن عباس وقرأ ابن عباس على أبي بن كعب وقرأ أبي على النبي صلى اللّه عليه وسلم وليس فيها وما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها فمن جحد أن هذه الزيادة أنزلها اللّه تعالى على نبيه عليه السلام فليس بكافر ولا آثم

حدثني أبي نبأنا نصر بن داود الصاغاني نبأنا أبو عبيد قال ما يروى من الحروف التي تخالف المصحف الذي عليه الإجماع من الحروف التي يعرف أسانيدها الخاصة دون العامة فيما نقلوا فيه عن أبي وما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها وعن ابن عباس ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ومما يحكون عن عمر بن الخطاب أنه قرأ غير المغضوب عليهم وغير الضالين مع نظائر لهذه الحروف كثيرة لم ينقلها أهل العلم على أن الصلاة بها تحل ولا على أنها معارض بها مصحف عثمان لأنها حروف لو جحدها جاحد أنها من القرآن لم يكن كافرا والقرآن الذي جمعه عثمان بموافقة الصحابة له لو أنكر بعضه منكر كان كافرا حكمه حكم المرتد يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وقال أبو عبيد لم يزل صنيع عثمان رضي اللّه عنه في جمعه القرآن يعتد له بأنه من مناقبه العظام وقد طعن عليه فيه بعض أهل الزيغ فانكشف عوراه ووضحت فضائحه

قال أبو عبيد وقد حدثت عن يزيد بن زريع عن عمران بن جرير عن أبي مجلز قال طعن قوم على عثمان رحمه اللّه بحمقهم جمع القرآن ثم قرءوا بما نسخ قال أبو عبيد يذهب أبو مجلز إلى أن عثمان أسقط الذي أسقط بعلم كما أثبت الذي أثبت بعلم قال أبو بكر وفي قوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون دلالة على كفر هذا الأنسان لأن اللّه عز وجل قد حفظ القرآن من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان فإذا قرأ قاريء تبت يدا أبي لهب وقد تب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب ومريته حمالة الحطب في جيدها حبل من ليف فقد كذب على اللّه جل وعلا وقوله ما لم يقل وبدل كتابه وحرفه وحاول ماقد حفظه منه ومنع من اختلاطه به وفي هذا الذي أتاه توطئة الطريق لأهل الإلحاد ليدخلوا في القرآن ما يحلون به عرا الإسلام وينسبونه إلى قوم كهؤلاء القوم الذين أحالوا هذا بالأباطيل عليهم وفيه إبطال الإجماع الذي به يحرس الإسلام وبثباته تقام الصلوات وتؤدى الزكوات وتتحرى المتعبدات وفي قول اللّه تعالى الر كتاب أحكمت آياته دلالة على بدعة هذا الإنسان وخروجه إلى الكفر لأن معنى أحكمت آياته منع الخلق من القدرة على أن يزيدوا فيها أو ينقصوا منها أو يعارضوها بمثلها

وقد وجدنا هذا الإنسان زاد فيها وكفى اللّه المؤمنين القتال بعلي وكان اللّه قويا عزيزا فقال في القرآن هجرا وذكر عليا في مكان لو سمعه يذكره فيه لأمضى عليه الحد وحكم عليه بالقتل وأسقط من كلام اللّه قل هو وغير أحد فقرأ اللّه الواحد الصمد وإسقاط ما أسقط نفي له وكفر ومن كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كله وأبطل معنى الآية لأن أهل التفسير قالوا نزلت الآية جوابا لأهل الشرك لما قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صف لنا ربك أمن ذهب أم من نحاس أم من صفر فقال اللّه جل وعز ردا عليهم قل هو اللّه أحد ففي هو دلالة على موضع الرد ومكان الجواب فإذا سقط بطل معنى الآية ووضح الافتراء على اللّه عز وجل والتكذيب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويقال لهذا الإنسان ومن ينتحل نصرته أخبرونا عن القرآن الذي نقرؤه ولا نعرف نحن ولا من كان قبلنا من أسلافنا سواه هل هو مشتمل على جميع القرآن من أوله إلى آخره صحيح الألفاظ والمعاني عار على الفساد والخلل أم هو واقع على بعض القرآن والبعض الآخر غائب عنا كما غاب عن أسلافنا والمتقدمين من أهل ملتنا فإن أجابوا بأن القرآن الذي معنا مشتمل على جميع القرآن لا يسقط منه شيء صحيح اللفظ والمعاني سليمها من كل زلل وخلل فقد قضوا على أنفسهم بالكفر حين رادوا فيه فليس له اليوم هاهنا حميم وليس له شراب إلا من غسلين من عين تجري من تحت الجحيم فأي زيادة في القرآن أوضح من هذه وكيف تخلط بالقرآن وقد حرسه اللّه منها ومنع كل مفتر ومبطل من أن يلحق به مثلها تؤملت وبحث عن معناها وجدت فاسدة غير صحيحة لا تشاكل كلام الباريء تعالى ولا تخلط به ولاتوافق معناه وذلك أن بعدها لا يأكله إلا الخاطئون فكيف يؤكل الشراب والذي أتى به قبلها فليس له اليوم ها هنا حميم وليس له شراب إلا من غسلين من عين تجري من تحت الجحيم لا يأكله إلا الخاطئون فهذا متناقض يفسد بعضه بعضا لأن الشراب لا يؤكل ولا تقول العرب أكلت الماء لكنهم يقولون شربته وذقته وطعمته ومعناه فيما أنزل اللّه تبارك وتعالى على الصحة في القرآن الذي من خالف حرفا منه كفر ولا طعام إلا من غسلين لا يأكل الغسلين إلا الخاطئون أو لا يأكل الطعام إلا الخاطئون والغسلين ما يخرج من أجوافهم من الشحم وما يتعلق به من الصديد وغيره فهذا طعام يؤكل عند البلية والنقمة والشراب محال أن يؤكل فإن ادعى هذا الإنسان أن هذا الباطل الذي زاده من قوله من عين تجري من تحت الجحيم ليس بعدها لايأكله إلا الخاطئون ونفي هذه الآية من القرآن لتصح له زيادته فقد كفر لما جحد آية من القرآن وحسبك بهذا كله ردا لقوله وخزيا لمقاله وما يؤثر عن الصحابة والتابعين أنهم قرءوا بكذا وكذا إنما ذلك على جهة البيان والتفسير لا أن ذلك قرآنا يتلى وكذلك ما نسخ لفظه وحكمه أو لفظه دون حكمه ليس بقرآن على ما يأتي بيانه عند قوله تعالى ما ننسخ من آية إن شاء اللّه تعالى