١٨- فصل وقد طعن الرافظة قبحهم اللّه تعالى في القرآنوقالوا إن الواحد يكفي في نقل الآية والحرف كما فعلتم فإنكم أثبتم بقول رجل واحد وهو خزيمة بن ثابت وحده آخر سورة براءة وقوله من المؤمنين رجال فالجواب أن خزيمة رضي اللّه عنه لما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة وقد كان زيد يعرفهما ولذلك قال فقدت آيتين من آخر سورة التوبة ولو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئا أولا فالآية إنما ثبتت بالإجماع لا بخزيمة وحده جواب ثان إنما ثبتت بشهادة خزيمة وحده لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم فهي قرينة تغني عن طلب شاهد آخر بخلاف آية الأحزاب فإن تلك ثبتت بشهادة زيد وأبي خزيمة لسماعهما إياها من النبي صلى اللّه عليه وسلم قال معناه المهلب وذكر أن خزيمة غير أبي خزيمة ون أبا خزيمة الذي وجدت معه آية التوبة معروف من الأنصار وقد عرف أنس وقال نحن لا إشكال فيها ولا التباس وقال ابن عبدالبر أبو خزيمة لا يوقف على صحة اسمه وهو مشهور بكنيته وهو أبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة عثمان بن عفان وهو أخو مسعود بن أوس قال ابن شهاب عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت وجدت آخر التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري وهو هذا وليس بينه وبين الحارث بن خزيمة أبي خزيمة نسب إلا اجتماعهما في الأنصار أحدهما أوسي والآخر خزرجي وفي مسلم والبخاري عن أنس بن مالك قال جمع القرآن على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي وفي البخاري أيضا عن أنس قال مات النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد وأبو زيد قال ونحن ورثناه وفي أخرى قال مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا واسم أبي زيد سعد بن عبيد قال ابن الطيب رضي اللّه عنه لا تدل هذه الآثار على أن القرآن لم يحفظه في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يجمعه غير أربعة من الأنصار كما قال أنس بن مالك فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان وعلي وتميم الداري وعبادة بن الصامت وعبداللّه بن عمرو بن العاص فقول أنس لم يجمع القرآن غير أربعة يحتمل أنه لم يجمع القرآن وأخذه تلقينا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غير تلك الجماعة فإن أكثرهم أخذ بعضه عنه وبعضه من غيره وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم لأجل سبقهم إلى الإسلام وإعظام الرسول صلى اللّه عليه وسلم لهم قلت لم يذكر القاضي عبداللّه بن مسعود وسالما مولى أبي حذيفة رضي اللّه عنهما فيما رأيت وهما ممن جمع القرآن روى جرير عن عبداللّه بن يزيد الصهباني عن كميل قال قال عمر بن الخطاب كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه أبو بكر ومن شاء اللّه فمررنا بعبداللّه بن مسعود وهو يصلي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هذا الذي يقرأ القرآن فقيل له هذا عبداللّه بن أم عبد فقال إن عبداللّه يقرأ القرآن غضا كما أنزل الحديث قال بعض العلماء معنى قوله غضا كما أنزل أي إنه كان يقرأ الحرف الأول الذي أنزل عليه القرآن دون الحروف السبعة التي رخص لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قرائته عليها بعد معارضة جبريل عليه السلام القرآن إياه في كل رمضان وقد روى وكيع وجماعة معه عن الأعمش عن أبي ظبيان قال قال لي عبداللّه بن عباس أي القراءتين تقرأ قلت القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد فقال لي بل هي الآخرة إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عرضه عليه مرتين فحضر ذلك عبداللّه فعلم ما نُسخ من ذلك وما بدل وفي صحيح مسلم عن عبداللّه بن عمرو قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد فبدأ به ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة قلت هذه الأخبار تدل على أن عبداللّه جمع القرآن في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خلاف ما تقدم واللّه أعلم وقد ذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد حدثنا محمد بن شهريار حدثنا حسين بن الأسود حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر عن أبي إسحاق قال قال عبداللّه بن مسعود قرأت من في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أثنتين وسبعين سورة أو ثلاثاوسبعين سورة وقرأت عليه من البقرة إلى قوله تعالى إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين قال أبو إسحاق وتعلم عبداللّه بقية القرآن من مجمع بن جارية الأنصاري قلت فإن صح هذا صح الإجماع الذي ذكره يزيد بن هارون فلذلك لم يذكره القاضي أبو بكر بن الطيب مع من جمع القرآن وحفظه في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم واللّه أعلم قال أبو بكر الأنباري حدثني إبراهيم بن موسى الخوزي حدثنا يوسف بن موسى حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال سألت الأسود ما كان عبداللّه يصنع بسورة الأعراف فقال ما كان يعلمها حتى قدم الكوفة قال وقد قال بعض أهل العلم مات عبداللّه بن مسعود رحمة اللّه عليه قبل أن يتعلم المعوذتين فلهذه العلة لم توجد في مصحفه وقيل غير هذا على ما يأتي بيانه آخر الكتاب عند ذكر المعوذتين إن شاء اللّه تعالى قال أبو بكر والحديث الذي حدثناه إبراهيم بن موسى حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عمر بن هارون الخرساني عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن كعب القرظي قال كان ممن ختم القرآن ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حي عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبداللّه بن مسعود حديث ليس بصحيح عند أهل العلم إنما هو مقصور على محمد بن كعب فهو مقطوع لا يؤخذ به ولا يعول عليه قلت قوله عليه السلام خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد يدل على صحته ومما يبين لك ذلك أن أصحاب القراءات من أهل الحجاز والشام والعراق كل منهم عزا قراءته التي اختارها إلى رجل من الصحابة قرأها على رسول اللّه صلى عليه وسلم لم يستثن من جملة القرآن شيئا فأسند عاصم قراءته إلى علي وابن مسعود وأسند ابن كثير قراءته إلى أبي وكذلك أبو عمرو بن العلاء أسند قراءته إلى أبي وأما عبداللّه بن عامر فأنه أسند قراءته إلى عثمان وهؤلاء كلهم يقولون قرأنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأسانيد هذه القراءات متصلة ورجالها ثقات قاله الخطابي |