١٣- ذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منهروى مسلم عن أبي بن كعب أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل عليه السلام فقال إن اللّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتاه الثانية فقال إن اللّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال إن اللّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاء الرابعة فقال إن اللّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا وروى الترمذي عنه قال لقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريل فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمية منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لا يقرأ كتاباقط فقال لي يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف قال هذا حديث صحيح وثبت في الأمهات البخاري ومسلم والموطأ وأبي داود والنسائي وغيرها من المصنفات والمسندات قصة عمر مع هشام بن حكيم وسيأتي بكماله في آخر الباب مبينا إن شاء اللّه تعالى وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن السبتي نذكر منها في هذا الكتاب خمسة أقوال الأول وهو الذي أكثر أهل العلم كسفيان بن عيينة وعبداللّه بن وهب والطبري والطحاوي وغيرهم أن المراد سبعة أوجه في المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم قال الطحاوي وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال جاء جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال اقرأ على حرف فقال ميكائيل استزده فقال اقرأ على حرفين فقال ميكائيل استزده حتى بلغ إلى سبعة أحرف فقال اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب واسرع وعجل وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عم مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ للذين آمنوا انظرونا للذين آمنوا امهلونا للذين آمنوا اخرونا للذين آمنوا ارقبونا وبهذا الإسناد عن أبي أنه كان يقرأ كلما أضاء لهم مشوا فيه مرّوا فيه سعَوْا فيه وفي البخاري ومسلم قال الزهري إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في في حلال ولا حرام قال الطحاوى إنما كانت السعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا القليل منهم فلما كان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات ولو رام ذلك لم يتهيأ إلا بمشقة عظيمة فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقدروا بذلك على تحفظ ألفاظه فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها قال ابن عبدالبر فبان بهذا أن تلك السبعة الأحرف إنما كان في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك ثم ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف وعاد ما يقرأ به القرآن على حرف واحد روى أبو داود عن أبي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأبي إني أقرئت القرآن فقيل لي على حرف أو حرفين فقال الملك الذي معي قل على حرفين لي على حرفين أو ثلاثة فقال الملك الذي معي قل على ثلاثة حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب وأسند ثابت بن قاسم نحو هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وذكر من كلام ابن مسعود نحوه قال القاضي ابن الطيب وإذا ثبتت هذه الرواية يريد حديث أبي حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما للّه تعالى في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالف القول الثاني قال قوم هي سبع لغات في القرآن في لغات العرب كلها يمنها ونزارها لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يجهل شيئا منها وكان قد أوتي جوامع الكلم وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوزان وبعضه بلغة اليمن قال الخطابي على أن في القرآن ما قد قريء بسبعة أوجه وهو قوله وعبد الطاغوت وقوله أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وذكر وجوها كأنه يذهب إلى أن بعضه أنزل على سبعة أحرف لا كله وإلى هذا القول بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف على سبعة لغات ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام واختاره ابن عطية قال أبو عبيد وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض وذكر حديث ابن شهاب عن أنس أن عثمان قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف مااختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش فإنه نزل بلغتهم ذكره البخاري وذكر حديث ابن عباس قال نزل القرآن بلغة الكعبيين كعب قريش وكعب خزاعة قيل وكيف ذلك قال لأن الدار واحدة قال أبو عبيد يعني أن خزاعة جيران قريش فأخذوا بلغتهم قال القاضي ابن الطيب رضي اللّه عنه معنى قول عثمان فإنه نزل بلسان قريش يريد معظمه وأكثره ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره منزل بلغة قريش فقط إذ فيه كلمات وحروف هي خلاف لغة قريش وقد قال اللّه تعالى إنا جعلناه قرآنا عربيا ولم يقل قريشيا وهذا يدل على أنه منزل بجميع لسان العرب وليس لأحد أن يقول إنه أراد قريشا من العرب دون غيرها كما أنه ليس له أن يقول أراد لغة عدنان دون قحطان أو ربيعة دون مضر لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا وقال ابن عبدالبر قول من قال إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الأغلب واللّه أعلم لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها وقريش لا تهمز وقال ابن عطية معنى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف أي فيه عبادة سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظ ألا ترى أن فطر معناه عند غير قريش أبتداء خلق الشيء وعمله فجائت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها قال ابن عباس ففهمت حينئذ موضع قوله تعالى فاطر السموات والأرض وقال أيضا ما كنت أدري معنى قوله تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها تعال أفاتحك أي أحاكمك وكذلك قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قوله تعالى أو يأخذهم على تخوف أي على تنقص لهم وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في الصلاة والنخل باسقات ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير ذلك من الأمثلة القول الثالث أن هذه اللغات السبع إنما تكون في مضر قاله قوم واحتجوا بقول عثمان نزل القرآن بلغة مضر وقالوا جائز أن يكون منها لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتيم ومنها لضبة ومنها لقيس قالوا هذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب وقد كان ابن مسعود يحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر وأنكر آخرون أن تكون كلها من مضر وقالوا في مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن بها مثل كشكشة قيس وتمتمة تميم فأما كشكشة قيس فإنهم يجعلون كاف المؤنث شينا فيقولون في جعل ربك تحتك سريا جعل ربش تحتش سريا وأما تمتمة تميم فيقولون في الناس النات وفي أكياس أكيات قالوا وهذه لغات يرغب عن القرآن بها ولا يحفظ عن السلف فيها شيء وقال آخرون أما إبدال الهمزة عينا وإبدال حروف الحلق بعضها من بعض فمشهور عن الفصحاء وقد قرأ به الجلة واحتجوا بقراءة ابن مسعود ليسجننه عتى حين ذكرها أبو داود وبقول ذي الرمة فعيناك عيناها وجيدك جيدها ولونك إلا عنها غير طائل يريد إلا أنها القول الرابع ما حكاه صاحب الدلائل عن بعض العلماء وحكى نحوه القاضي ابن الطيب قال تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل هن أطهر لكم وأطهر ويضيق صدري ويضيق ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل ربنا باعد بين أسفارنا وباعد ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل قوله ننشزها وننشرها ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه كالعهن المنفوش وكالصوف المنفوش ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل وطلح منضود وطلع منضود ومنها بالتقديم والتأخير كقوله وجاءت سكرة الموت بالحق وجاءت سكرة الحق بالموت ومنها بالزيادة والنقصان مثل قوله تسع وتسعون نعجة اثنى وقوله وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين وقوله فإن اللّه من بعد إكراهن لهن غفور رحيم القول الخامس أن المراد بالأحرف السبعة معاني كتاب اللّه تعالى وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال قال ابن عطية وهذا ضعيف لأن هذا لا يسمى أحرفا وأيضا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني وذكر القاضي ابن الطيب في هذا المعنى حديثا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم قال ولكن ليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ومنه قوله تعالى ومن الناس من يعبد اللّه على حرف فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك وقد قيل إن المراد بقوله عليه السلام انزل القرآن على سبعة أحرف القراءات السبع التي قرأ بها القراء السبعة لأنها كلها صحت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهذا ليس بشيء لظهور بطلانه على ما يأتي |